اسس الحدود و التعزیرات

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد

عنوان و نام پديدآور : اسس الحدود و التعزیرات/ تالیف جواد التبریزی

مشخصات نشر : 1417ق. = 1375 (قم: مهر).

مشخصات ظاهری : ص 492

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع : حدود (فقه)

موضوع : تعزیرات (فقه)

رده بندی کنگره : BP195/6/ت 2الف 5 1375

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : م 75-8948

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الطيبين الطاهرين.

انّ من أهم المباحث الفقهية و أكثرها ارتباطا بحياة الناس و سلامتهم و أمنهم مباحث القضاء و الشهادات و الحدود و التعزيرات و القصاص و الديات المعبّر عنها بالسياسات.

و قد منّ اللّه عليّ بالبدء بإلقاء هذه البحوث خلال سنوات عديدة على طلاب الخارج في الحوزة العلمية المباركة في قم المشرّفة، و وفّقني لإخراج الكتاب الأول منها «أسس القضاء و الشهادة». و هذا هو الكتاب الثاني في هذه المباحث و هو كتاب «الحدود و التعزيرات» فقد تعرضت فيه الى أهم فصوله و أدّق مسائله جاعلا من كتاب شرائع الإسلام متنا لهذه الأبحاث رغبة منّي في خدمة تراثنا الفقهي العظيم و تشييدا لذكري علمائنا الأجلاء (قدس اللّه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 6

أسرارهم) الذين أتعبوا أنفسهم الزكية في سبيل نشر حقائق هذا الدين الحنيف على طريق مذهب أهل البيت (عليهم السّلام). أسال اللّه تعالى أن ينفع به طلاب العلم و روّاد الحقيقة و أن ينفعني به يوم لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى اللّه بقلب سليم.

قم المشرّفة- غرّة صفر- 1417 ه. ق.

جواد التبريزي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 7

كل ما له عقوبة مقدّرة يسمّى حدا، و ما ليس كذلك يسمى تعزيرا (1).

______________________________

(1) الحدّ لغة بمعنى

المنع، و يطلق في الشرع على العقوبة المقدّرة التي تجري على مرتكبي بعض المعاصي.

و التعزير لغة بمعنى التأديب، و يطلق على العقوبة غير المقدّرة، و وجه الإطلاق أنّ العقوبة تمنع الناس عن ارتكاب تلك المعاصي و توجب الأدب لمرتكب المعصية.

و ما في المتن: أنّ كلّ ما له عقوبة مقدّرة ..، لا يخلو عن مسامحة، فإنّ ما له عقوبة مقدّرة أو غير مقدرة موجب الحد أو التعزير لا نفسها، و ذكر في المسالك:

أنّ كلّ ما يدخل في الحدّ فالتقدير في تلك العقوبة حاصل، بخلاف ما يدخل في التعزير، فانّ عدم التقدير فيه غالبي و يكون في بعض أفراد التعزير تقدير، و عيّنها في خمسة مواضع:

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 8

..........

______________________________

الأوّل: من جامع زوجته في نهار شهر رمضان و هما صائمان، فانّ على كلّ منهما تعزيرا بخمسة و عشرين سوطا، على ما في خبر مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1»، و قد ذكر في المعتبر أنّ الخبر و إن كان ضعيفا سندا إلّا أنّ علمائنا ادّعوا إجماع الإماميّة بمضمونه.

الثاني: من تزوّج أمّة على حرّة و دخل بها قبل الاذن من الحرّة، فإنّ عليه أدبا اثني عشر سوطا و نصف ثمن حدّ الزاني، على ما في خبر منصور بن حازم «2».

الثالث: الرجلان أو المرأتان فيما اجتمعا مجرّدين تحت ستر واحد، فإنّهما يضربان من ثلاثين إلى تسعة و تسعين سوطا على قول «3».

الرابع: من افتضّ بكرا بإصبعه، فإنه قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين، و قال المفيد: إلى ثمانين «4»، و قال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة و تسعين.

الخامس: ما إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد و إزار

مجرّدين، فإنّهما يعزران من عشرة إلى تسعة و تسعين «5»، قاله المفيد، و أطلق الشيخ التعزير.

أقول: إذا لم يكن الفرق بين الحدّ و التعزير بعد كون كلّ منهما عقوبة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1: 585.

(2) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4: 419.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 18: 367.

(4) الوسائل: 18، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 410.

(5) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 364.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 9

..........

______________________________

دنيوية، إلّا بكون الأوّل مقدرا و الثاني غير مقدر، فكيف لا يدخل ما له تقدير في الحدّ، و لعل نظره قدّس سرّه إلى موارد إطلاق الأدب و التعزير في الروايات و كلمات الأصحاب، فإن كلّ مورد أطلق فيه الحدّ على العقوبة ففيه تقدير بخلاف موارد إطلاق الأدب و التعزير، فإنّه ليس في غالبها تقدير و إن كان في بعض موارد إطلاقهما تقدير، كما في المواضع الخمسة التي ذكرها، و لكن لا يخفى ما فيه:

أمّا أولا: فإنّه لا ينحصر تلك المواضع بالخمسة التي ذكرها، كما فيمن جامع زوجته في حيضها، فإنّ العقوبة فيه أيضا مقدّرة، و في خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي الحسن عليه السّلام: «رجل أتى أهله و هي حائض، قال: يستغفر اللّه و لا يعود، قلت: فعليه أدب؟ قال: نعم خمسة و عشرون سوطا ربع حدّ الزاني» «1».

و ثانيا: فإنّه لا ينبغي التأمّل في أنه قد أطلق التعزير و الأدب في الروايات على العقوبة المقدرة باستعمالهما في المعنى العام، يعني مطلق العقوبة، كما أنّه قد استعمل الحدّ في هذا المعنى العام،

كما في مثل قوله عليه السّلام: «ان اللّه جعل لكلّ شي ء حدّا و لمن جاوز الحدّ حدّا» «2».

و الكلام في أنّه إذا ورد في خطاب الشرع عنوان الحد موضوعا لحكم، كنفي الحلف في الحدود و عدم مورد للشفاعة فيها، و جواز عفو الحاكم عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب الدفاع الحديث 3: 586.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3: 586.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 10

و أسباب الأوّل ستّة (1): الزنا و ما يتبعه، و القذف و شرب الخمر و السرقة و قطع الطريق، و الثاني أربعة: البغي و الردّة و إتيان البهيمة و ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم.

______________________________

الحدّ إذا ثبت موجبه بالإقرار دون البينة، أو انّ الشبهة تدرء الحدّ، و لم يكن في البين قرينة على كون المراد المعنى العام، يقتصر في الحكم بمجرد كون العقوبة فيه مقدّرة، كما انّه إذا ورد لعنوان التعزير و الأدب حكم يقتصر فيه على مورد عدم التقدير، الّا مع القرينة على العموم.

و يمكن أن يكون نظره قدّس سرّه أنّ كل مورد أطلق فيه الحدّ في كلمات الأصحاب يكون التقدير في العقوبة عليه ثابتا بلا خلاف، بخلاف موارد إطلاق التعزير، فإنّه يمكن أن يكون في بعض تلك الموارد تقدير و لو بحسب بعض الانظار، و هذا أيضا غير تامّ كما يأتي.

(1) ذكر قدّس سرّه أنّ أسباب الحدّ ستة، جعل أولها الزنا، و ثانيها ما يتبع الزنا أيّ اللواط و السحق، و الثالث القذف، و الرابع شرب الخمر، و الخامس السرقة، و السادس قطع الطريق، و لكن لا يمكن المساعدة عليه، فانّ موجب الحدّ يزيد على الستّة.

كما لا يمكن المساعدة على ما ذكره

من أنّ أسباب التعزير أربعة: البغي و الردّة و إتيان البهيمة و ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم، و الوجه في عدم المساعدة أنّ ما يجرى على المرتد حدّ عيّنه الشارع بالقتل ابتداء أو بعد الاستتابة و بالحبس إلى أن يموت، و كذا الأمر في المحارب المراد من الباغي.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 11

فانفرد لكل قسم بابا عدا ما يتداخل أو ما سبق.

______________________________

و دعوى أنّه إذا كانت العقوبة موتا فلا يصحّ أن يطلق عليها بأنّها مقدّرة، فإنّ التقدير هو تعيين الكم، لا يمكن المساعدة عليها، فان التعيين بالعنوان كاف في كونه حدّا و إن لم يكن فيه تقدير بحسب الكم، و لذا أدرج العلامة و غيره المحارب و المرتد فيمن عليه موجب الحدّ، و إطلاق الحدّ على القتل في الزاني المحصن، و كذا في اللائط و الملوط، ممّا لا ينبغي التأمل فيه بحسب كلمات الأصحاب.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 13

[القسم الأوّل الحدود]

اشارة

القسم الأوّل الحدود و فيه أبواب:

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 15

[الباب الأول: في حدّ الزنا]

اشارة

الباب الأول:

في حدّ الزنا، و النظر في الموجب و الحد و اللواحق.

[النظر الأوّل في الموجب]

اشارة

النظر الأوّل في الموجب،

[اما الموجب]

اما الموجب: فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير عقد و لا ملك (1) و لا شبهة، و يتحقّق بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.

______________________________

(1) عرّف الزّنا، و هو المحرم كتابا و سنة و معدود من الكبائر، بل حرمته من ضروريات الدين بل الأديان، بأنّه إيلاج انسان ذكره في فرج امرأة محرمة عليه، من غير عقد و لا ملك و لا شبهة عقد أو ملك، فان لم يكن الإيلاج كذلك فلا يكون زنا، سواء كان محرّما واقعا، كما في وطئ الحائض أو حال الإحرام أم لا.

و يلزم على ذلك أن لا يكون إدخال الصبيّ أو المجنون أو المكره ذكره في فرج امرأة من غير عقد و لا ملك و لا شبهة عقد أو ملك زناء، و مع أنّ الإدخال المزبور زنا و لكن لا يجري عليهم الحدّ، لأنّ البلوغ و العقل و الاختيار من شرائط تعلّق الحدّ.

و بتعبير آخر ما هو المحرّم على البالغ العاقل المختار، يعني الزنا، حرمته مرفوع عن الصبي و المجنون و المكره، فلا يمكن أن يكون التحريم دخيلا في عنوان الزنا، و لذا لم يذكر بعض الأصحاب في تعريفه قيد التحريم.

و قيل: إنّ من ذكر القيد فسّره بما بعده من غير عقد و لا ملك و لا شبهة،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 16

..........

______________________________

بجعل كلمة من بيانية، كما في عبارة الماتن قدّس سرّه، و لكن لا يخفى أنّ ما ذكروا في تعريفه، و لو بملاحظة التوجيه، لا يعم زنا المرأة.

و الأولى أن يقال: زنا المرأة تمكينها من الأجنبي حتّى يولج في فرجها، و المراد من الأجنبي من لا يكون بينها و بينه نكاح أو ملك

يوجب مشروعية الإيلاج، و لا شبهة نكاح أو ملك، و زنا الرجل إيلاجه كما ذكر.

و على الجملة، وقوع الوطء بنحو الفجور مقوّم لعنوان الزنا، و الفجور لا يتحقّق بلا تعمّد و التفات، و لذا لا يصدق الزنا في موارد الوطء بالشبهة.

ثم انّه لا يعتبر في الإيلاج غير غيبوبة الحشفة في قبل المرأة أو دبرها، بلا خلاف يعرف إلّا في الإدخال في دبرها، فإنّ المحكم عن الوسيلة أنّ فيه قولين:

أحدهما أنّه زنا و هو الأثبت، و الثاني أن يكون لواطا، و استظهر من عبارة المقنعة و النهاية نفي الزنا عنه، قال في الأول: الزنا الموجب للحدّ وطء من حرّم اللّه تعالى وطئه من النساء بغير عقد مشروع، إذا كان الوطء في الفرج خاصّة دون ما سواه، و في الثاني: الزنا الموجب للحدّ هو وطء من حرم اللّه من غير عقد و لا شبهة عقد، و يكون في الفرج خاصّة.

و لكن يحتمل كون المراد ما يعم دبرها، و دعوى أنّه لو كان المراد في كلامهما العموم فلا موجب للتقييد بقولهما: إذا كان في الفرج خاصة، لا يخفى ما فيها.

و الحاصل: الفرج في بعض استعمالاته أو أكثره خصوص القبل، كما يظهر

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 17

..........

______________________________

بملاحظة ما ورد فيما يحلّ من الحائض لزوجها.

و يستدل على المشهور بأنّ الوارد في خطابات الحدّ عنوان الزنا و الفجور، و اصابة الفاحشة و المجامعة و المواقعة و الإتيان، و صدق هذه العناوين على الإتيان بالمرأة في دبرها ظاهر.

و يمكن المناقشة بالقطع بان ما ورد في الروايات من العناوين كناية عن الإيلاج المعهود، و الكلام في أنّ المكنّى عنه خصوص الإيلاج في القبل أو ما يعم الإيقاب في الدبر، و لا

يبعد أن يستشهد للعموم بالإطلاق في مثل صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرأة، فقال: «إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» «1»، مع ملاحظة انصرافها عن الإدخال في غير الموضعين.

و لا ينافي هذا الإطلاق ما في صحيحة ابن بزيع من تحديد الجماع الموجب للغسل بالتقاء الختانين المتحقّق بغيبوبة الحشفة في قبلها، قال سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال: «إذا التقى الختانان وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم» «2».

و الوجه في عدم المنافاة أنّها و ما في معناها ناظرة إلى تحديد الدخول في قبلها، حيث يكون الغالب وطئها في قبلها، فالخطاب الوارد في بيان حكم الفرد

______________________________

(1) الوسائل: 1، الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1: 469.

(2) الوسائل: 1، الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2: 469.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 18

و يشترط في تعلّق الحد العلم بالتحريم (1)

______________________________

الغالب لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق في غيره الدالّ على أنّ إدخال الرجل ذكره يوجب الغسل و استقرار المهر و جريان الحدّ، غاية الأمر يدعى أنّ الدخول في الدبر أيضا يكفي فيه غيبوبة الحشفة، فإنّ المتفاهم العرفي من التحديد أنّه لا يلزم في ترتب أحكام الدخول إدخال الذكر بتمامه.

و لذا يمكن الالتزام بأنّ الدخول من غير ذي الحشفة لا يتوقّف أيضا على إدخال تمام ذكره، لأنّ الفرق باحتمال إدخال التمام، كما هو أحد الوجهين في كشف اللثام، خلاف المتفاهم المزبور، مع ملاحظة صدق الدخول من غير ذي الحشفة إذا أدخل مقدارها، بل يصدق الدخول و لو لم يكن بمقدارها،

و تحديده بغيبوبة الحشفة تحديد في حق شخص ذي حشفة، فلا يكون تحديد بالإضافة إلى غير ذيها، فيؤخذ فيه بالإطلاق المتقدم، كما تعرّضنا لذلك في بحث غسل الجنابة.

(1) لا خلاف في أنه يعتبر في تعلّق الحدّ بالزنا العلم بحرمته حال العمل، و لو فرض الجهل بها في مورد لا يجري معه الحدّ، و لعلّه بلا فرق عندهم بين الجهل قصورا أو تقصيرا، و في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل دعوناه إلى جملة الإسلام فأقرّ به ثم شرب الخمر و زنى و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام أقيم عليه الحد إذا جهله؟ قال: لا إلّا ان تقوم بيّنة أنه كان قد أقرّ بتحريمها» «1»، و نحوها صحيحة أبي عبيدة الحذاء «2» و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 324.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 324.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 19

..........

______________________________

و أمّا إذا كانت حرمة الزنا محرزة، و كان الجهل بحرمة المرأة على الرجل، و أنّها لا تصير بالعقد زوجة له، سواء كان الجهل بحرمتها من جهة الجهل بالموضوع، كمن عقد على امرأة كانت أختا له رضاعا مع عدم علمه بالرضاع، أو كان جهله بحرمتها لعدم علمه بان الرضاع يوجب التحريم، فالوطء في كلا الفرضين داخل في الشبهة، و قد تقدّم أنّ عنوان الزنا يعتبر في تحققه صدور الوطء فجورا، و لا يتحقّق الفجور مع الشبهة يعني مع عدم إحراز فساد النكاح و الملك.

و على الجملة، تحقق الشبهة مع الجهل بالموضوع ظاهر، سواء كان مع الاعتقاد بعدمه أو احتماله واقعا مع إحراز عدمه و

لو بالأصل، و كذا في موارد الجهل بالحكم قصورا أو تقصيرا مع الاعتقاد بعدمه.

نعم، إذا كان الجهل بالحكم باحتماله و عدم كونه معذورا في مخالفته، كمن تزوّج بامرأة ارتضعت من امّه مع جهله بأنّها تصير أخته رضاعا و الرضاع يوجب المحرمية، فمع احتماله أنّ الرضاع كذلك، قد يقال إنّ وطيها و لو بالعقد لا يدخل في الوطء شبهة، و لكن لا يبعد تحقّق الشبهة في هذا الفرض أيضا.

و في صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تزوجت رجلا و لها زوج، قال: «فقال: إن كان زوجها الأوّل مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه و يصل إليها، فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم، و ان كان زوجها الأوّل غائبا عنها كان أو مقيما معها في المصر لا يصل إليها و لا

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 20

..........

______________________________

تصل إليه، فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة و لا لعان بينهما، قلت: من يرجمها و يضربها الحدّ و زوجها لا يقدّمها إلى الإمام و لا يريد ذلك منها، فقال:

ان الحدّ لا يزال للّه في بدنها حتّى يقوم به من قام أو تلقى اللّه و هو عليها، قلت:

فان كانت جاهلة بما صنعت؟ قال، فقال: أ ليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى، قال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحل لها أن تتزوّج زوجين، قال: و لو أنّ المرأة إذا فجرت قالت: لم أدر أو جهلت أنّ الذي فعلت حرام و لم يقم عليها الحدّ إذا لتعطّلت الحدود» «1»، فان ظاهرها أنّه لو علم صدقها و انها لم تكن

عالمة بالحكم تدرء عنها الحدّ، غاية الأمر بما أنّها في دار الهجرة و لا يحتمل جهلها بالحكم لم تسمع دعواها الجهل، فهي زانية.

نعم، ربّما يستظهر من صحيحة يزيد الكناسي أنّ الجاهل المقصر المحتمل حرمة المرأة يجري عليه الحدّ و لا يدخل وطؤه في الشبهة الدارئة للحدّ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تزوجت في عدتها، فقال: «ان كانت تزوجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة، فانّ عليها الرجم، و ان كانت تزوجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة، فانّ عليها حدّ الزاني غير المحصن، و ان كانت تزوجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء العدّة الأربعة أشهر و العشرة أيام فلا رجم عليها، و عليها ضرب مائة جلدة، قلت: أ رأيت

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 395.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 21

..........

______________________________

ان كان ذلك منها بجهالة، قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا هي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت، و لقد كنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك، قلت: فان كانت تعلم أن عليها عدة و لا تدري كم هي، فقال: إذا علمت أنّ عليها العدة لزمتها الحجة، فتسأل حتى تعلم» «1».

فانّ ظاهر الذّيل أنّ مع احتمال الحرمة و إمكان العلم بها لا يكون الجهل رافعا للحد، و ربّما يضاف إلى ذلك أنّ الجاهل المزبور يعلم بالحكم الظاهري حال العمل، و إن كان جاهلا بالإضافة إلى الحكم الواقعي.

أقول: لا بدّ من أن يكون بالحكم الظاهري تنجز الحرمة الواقعية على تقديرها لكون الشبهة في الحكم قبل الفحص، و إلّا فلا يمكن أن يراد منه الاستصحاب، فإنّه لا يجري قبل الفحص

كان نافيا للتكليف أو مثبتا.

و لكن لا يبعد أن يكون المراد من ذيلها أيضا عدم سماع دعوى الجهل بمقدار العدّة، كعدم سماع دعوى الجهل بلزوم العدّة في طلاق أو موت، و لو جمعا بينها و بين ما تقدم من عدم تعلّق الحد مع الجهل كان قصورا أو تقصيرا، كما يقتضي ذلك أيضا ما ورد في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة فيمن أحرم في قميصه للحج من قوله عليه السّلام: «أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه».

و على تقدير الإغماض عن ذلك، فيلتزم بثبوت الحد على المرأة الجاهلة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 396.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 22

و الاختيار (1)

______________________________

بمقدار العدّة بالشبهة الحكمية إذا تركت تعلم مقدارها و ان لم تكن زانية، كما يلتزم بثبوت الرجم عليها في التزويج في عدة الطلاق الرجعي مع عدم كونها محصنة فيها.

و دعوى أنّ ما ورد في ذيل هذه الصحيحة الظاهر في جريان الحدّ على الجاهل المقصر مع احتماله التكليف حال العمل موافق لإطلاق الكتاب المجيد، فيقدّم على الاخبار المتقدّمة المشار إليها، الظاهرة في عدم الحد مع الجهل و لو كان تقصيرا، لا يمكن المساعدة عليه، فانّ تعلّق الحدّ في الكتاب على عنوان الزنا، و هذا العنوان لا يتحقّق مع احتمال الزوجية أو ثبوت ملك اليمين.

(1) يعتبر في تعلّق الحدّ الاختيار بمعنى عدم الإكراه، و تحقق الإكراه على المرأة و كونه رافعا الحدّ عنها متسالم عليه، لحديث رفع الإكراه و غيره، و في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «انّ عليا عليه السّلام أتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت: استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين، فدرأ

عنها الحد، و لو سئل هؤلاء عن ذلك قالوا: لا تصدق، و قد و اللّه فعله أمير المؤمنين عليه السّلام» «1».

و في صحيحة محمّد عن أحدهما عليه السّلام في امرأة زنت و هي مجنونة، قال:

«انها لا تملك نفسها و ليس عليها رجم و لا نفي، و قال: في امرأة أقرّت على نفسها انّه استكرهها رجل على نفسها، قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها و لو شاء

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 382.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 23

..........

______________________________

قتلها، و ليس عليها جلد و لا نفي و لا رجم» «1»، فإنّه لو لم يكن الإكراه مسقطا للحد لم يكن لسماع قولها معنى.

و أمّا بالإضافة إلى الرجل، فقد يقال: لا يتحقّق الإكراه عليه، فإنّه لا ينتشر العضو مع الإكراه، فانتشاره كاشف عن عدم تحقّقه، حيث إنّ الانتشار الناشئ من الخوف من الوعيد غير ممكن عادة، و يعتبر في الإكراه الانبعاث إلى الفعل خوفا من الضرر المتوعّد به.

و فيه، انّه لا يعتبر في الإكراه على الفعل الحرام الّا أنّه لو لا خوف الضرر المتوعد به لم يفعل، سواء كان له ميل نفساني للفعل، بحيث لو لا النهي عنه شرعا ارتكبه، أم لم يكن له ميل نفساني.

و على الجملة المطلوب في النواهي الشرعية الانتهاء عن الفعل و عدم ارتكابه، لازالة الميل النفساني، فانّ إزالته من مراتب كمال النفس، و غير داخلة في متعلّق النواهي و لا في معنى النواهي.

و هذا مراد الماتن فيما يأتي، من تعليله تحقّق الإكراه على الرجل بأنّه يمكن الإكراه لما يعرض للمكلّف الميل النفساني مع فرض الانتهاء عن الفعل للمنع الشرعي، و إلى ذلك يرجع ايضا ما في

كشف اللثام، من أنّ التخويف بالإضافة إلى ترك الفعل، و أمّا الفعل فلا يخاف منه، فيمكن انتشار العضو الناشي

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 383.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 24

و البلوغ (1)،

______________________________

من الميل النفساني.

و ما قيل: من أنّ المراد بالإكراه على الزنا غير المراد منه في سائر الأفعال، فإنّ المراد منه في غير الزنا ارتكاب الإنسان فعلا يكرهه و يكون الموجب لارتكابه خوف الضرر المتوعد به، لا يمكن المساعدة عليه، فانّ المحقّق للإكراه الارتكاب خوفا من الضرر المتوعّد به، بحيث لولاه لم يرتكبه.

(1) لا يتعلّق الحد بالصبي و لا بالصبيّة، بلا خلاف معروف أو منقول، لرفع القلم عنها و للروايات، منها: صحيحة يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوّجت و أقيم عليها الحدود التامة لها و عليها، قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود على تلك الحال، قال: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا و لكن يجلّد في الحدود كلّها على مبلغ سنه- الحديث» «1».

و في رواية حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة و يقام عليه و يؤخذ بها؟ قال: «إذا خرج عنه اليتم و أدرك، قلت: فلذلك حدّ يعرف به؟ قال: إذا احتلم أو بلغ خمسة عشر سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود و أخذ بها و أخذت له، قلت: فالجارية متى يجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها، قال: إنّ الجارية ليست كالغلام

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب

6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9: 209.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 25

و في تعلّق الرجم مضافا إلى ذلك الإحصان (1).

______________________________

إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم- الحديث» «1»، إلى غير ذلك.

و لا يخفى أنّ عدم تعلّق الحد بالصبي أو الصبية لا يوجب سقوط الحد عن البالغ و البالغة في زناهما، كما إذا زنى الصبي بامرأة أو زنى الرجل بالصبية، و أما سقوط الرجم عن المرأة المحصنة إذا زنى الصبي بها فهو لصحيحة أبي بصير، فيقتصر على الرجم و يؤخذ في غيره بالإطلاق.

(1) اعتبار الإحصان في تعلّق الرجم بالزاني أو الزانية متسالم عليه في كلمات الأصحاب، و النصوص على اعتباره في الرجم متظافرة.

و قد ذكر الماتن قدّس سرّه فيما يأتي من كلامه أنّه لا يثبت الإحصان الّذي يجب معه الرجم حتى يكون الواطئ بالغا حرّا و يطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرّق، متمكن منه يغدو عليه و يروح، و في رواية مهجورة دون مسافة التقصير.

و يستفاد ممّا ذكر اعتبار أمور في إحصان الرجل زائدا على الشرائط المتقدمة، منها كون الرجل حرّا فلا يتعلّق الرجم بالعبد بلا خلاف، و يشهد لذلك جملة من الروايات، كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة، و ان كان مسلما أو كافرا أو نصرانيا و لا يرجم و لا ينفى» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2: 30.

(2) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 402.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 26

..........

______________________________

و في خبر الحسن بن السري

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم، انما عليهما الضرب خمسين نصف الحدّ» «1».

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال: «لا رجم عليه حتى يواقع الحرّة بعد ما يعتق، قلت فللحرة خيار عليه إذا أعتق؟ قال: لا قد رضيت به و هو مملوك فهو على نكاحه الأول» «2»، فإن هذه الصحيحة أيضا كالصريحة في ان الإحصان الموجب لتعلّق الرجم لا يتحقق في العبد، نعم يحصل بعد عتقه مع دخوله بزوجته الحرة بعد انعتاقه و لا عبرة بالدخول قبله.

و في صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّه (جعفر) عليه السّلام في الأمة تزني قال: «تجلد نصف الحدّ كان لها زوج أو لم يكن لها زوج» «3».

و على الجملة يستفاد ممّا ذكر من الروايات و غيره أنّ الإحصان الموجب للرجم لا يتحقّق في العبد و الأمة.

و منها: أن يكون للحرّ البالغ زوجة بالنكاح الدائم عند فجوره و قد دخل بها قبل فجوره، فلا يكفي في الإحصان أن يكون عنده الزوجة متعة، و قد ذكر في الانتصار أنّ الرجل لا يخرج إلى الإحصان بالزوجة متعة على الأصح، و في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 402.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 358.

(3) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 401.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 27

..........

______________________________

تعبيره بالأصح اشعار بالخلاف في الحكم، و لكن لم يتحقّق خلاف بل و لا ينقل.

و في موثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم

عليه السّلام عن الرجل إذا زنى و عنده السرية و الأمة يطأها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: «نعم انما ذلك لانّ عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت: فان كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطأها؟، فقال: لا يصدق، قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال: لا انما هو على الشي ء الدائم عنده» «1»، و نحوها موثقته الأخرى، و لا يبعد كونهما رواية واحدة قد وصلت عن إسحاق بن عمار بطريقين إلى الكليني قدّس سرّه.

و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يرجم الغائب عن أهله و لا المملك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة» «2».

و على الجملة المستفاد من هذه الروايات و نحوها عدم كفاية النكاح متعة في حصول الإحصان، و لو كان في بعض الروايات إطلاق يقتضي كفايته، فلا بدّ من رفع اليد عن الإطلاق المزبور، كصحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قلت له و ما المحصن رحمك اللّه؟ قال: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن» «3»، حيث انّه لا يبعد شمولها لمن عنده الزوجة متعة عند فجوره.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 352.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 355.

(3) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 351.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 28

..........

______________________________

و في الصحيح عن ابن أبي عمير عن هشام و حفص بن البختري، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوج متعة أ تحصنه قال: «لا انما ذلك على الشي ء الدائم» «1».

نعم، إذا كانت المدّة للمتعة

بحيث تكون المرأة عند الرجل دائما، كما إذا تزوج بالمرأة البالغة عشرين سنة إلى مائة سنة منعا عنها عن الإرث، فإن قيل بأنّ هذا من العقد دواما و ان أتى بصورة المتعة، لأنّ الملاك في العقد دواما إنشاء الزوجية بينهما ما دام حياتهما، و هذا أيضا كذلك، فحصول الإحصان بالمتعة المزبورة ظاهر، و ان قيل بأنّ مجرد ثبوت الزوجية ما دام حياتهما لا يكون نكاحا دائما بل المعتبر في إنشائه عدم ذكر المدّة، كما أنّ المميز للمتعة ذكرها و لذا لا يترتب عليه اثر النكاح الدائم من التوارث و لزوم النفقة، فلا يبعد ايضا حصول الإحصان بها، لما ورد في الروايات: أن يكون عنده الشي ء الدائم، و هذه منه.

ثم إنّه قد تقدّم عدم كفاية مجرّد النكاح دواما في تحقق الإحصان، بل يعتبر الدخول بها عند فجوره، و ظاهر جملة من الأصحاب ذلك، بل يقال انّه مراد كلّهم، و ورد اعتبار ذلك في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة، حيث ذكر سلام اللّه عليه: «و لا يرجم المملك الذي لم يبن بأهله».

و في صحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزني قبل ان

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 352.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 29

..........

______________________________

يدخل بأهله أ يرجم، قال: لا» «1»، و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن، قال: «لا، و لا بالأمة» «2».

و كما لا يحصن الرجل بمجرد العقد الدائم كذلك لا تصير المرأة محصنة إلا بالدخول بها، و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه

عزّ و جلّ «فَإِذٰا أُحْصِنَّ»، قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ، قلت: فان لم يدخل بهنّ اما عليهن حدّ، قال: «بلى» «3»، و مقتضى ملاحظة الصدر و الذيل كون المراد بتعلق الحدّ بهنّ مع عدم الدخول تعلق حدّ الجلد.

و على الجملة، فلا ينبغي التأمّل في اعتبار الدخول بالمرأة في إحصانها و إحصان زوجها، مع انحصار زوجيتها بنكاح دائم عليها، و الا يكفي في إحصانه الدخول بالمنكوحة الأخرى، و احتمال أنّ المراد بالدخول بها في الروايات مجرّد الزفاف و إدخال المنكوحة بيت زوجها لا أساس له، و قد صرّح عليه السّلام في صحيحة أبي بصير المتقدّمة: «انّ العبد الذي له زوجة حرّة لا يكون محصنا بعد عتقه، الّا أن يواقع زوجته الحرّة بعد عتقه» «4».

نعم، لا يعتبر الدخول في قبلها، بل يكفي في الإحصان الدخول بها في دبرها، كما هو مقتضى الإطلاق في الروايات المتقدمة و غيرها، بل لا يبعد القول

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 358.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 359.

(3) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 358.

(4) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 358.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 30

..........

______________________________

بالإطلاق حتّى ما إذا كان الدخول بها على الوجه المحرّم، كالدخول بها أيّام حيضها أو نهار شهر رمضان و نحو ذلك.

بقي في هذا الأمر شي ء، و هو انّ ظاهر عبارة الماتن قدّس سرّه عدم اعتبار خصوص الزوجة الدائمة في إحصان الرجل، بل يكفي فيه أن يكون له فرج مملوك، و لو بان كانت له أمة قد وطأها عند فجوره، و هذا هو المشهور بين الأصحاب، خلافا

لجماعة من عدم تحقّق الإحصان بملك اليمين، كما هو المحكي عن القديمين و الصدوق و الديلمي.

و يدل على ما هو المشهور موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل إذا هو زنى و عنده السرية و الأمة يطأها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ قال: «نعم انّما ذلك لانّ عنده ما يغنيه» «1»، و في صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الحر تحته المملوكة، هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: «نعم» «2»، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

و لكن في البين روايات يقال بدلالتها على عدم حصول الإحصان بملك اليمين.

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، حيث ورد فيها:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 352.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 11: 354.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 31

..........

______________________________

«و كما لا تحصنه الأمة و اليهودية و النصرانية إن زنى بحرة كذلك لا يكون عليه حدّ المحصن إذا زنى بيهودية أو نصرانية أو امة و تحته حرّة» «1»، فإنّ ظاهرها اعتبار أمرين: أحدهما ان يكون عنده الحرة المسلمة عند فجوره، و ثانيهما أن يكون زناه بالحرة المسلمة.

و في صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن، قال: «لا، و لا بالأمة» «2».

و في صحيحته الثالثة قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الحر أ تحصنه المملوكة قال: «لا يحصن الحر المملوكة و لا يحصن المملوك الحرة و النصراني يحصن اليهودية و اليهودية تحصن النصراني» «3».

و يحتمل أن يكون

الجواب في هذه الصحيحة ناظرا إلى أنّ الزوج الحر أو المولى لا يجعل المملوكة محصنة و لا يحصن الزوج المملوك الحرة محصنة، نظير ما ورد في صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا يحصن الحر المملوكة و لا المملوك الحرة» «4».

نعم، في صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الحر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 354.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 359.

(3) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 357.

(4) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 353.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 32

..........

______________________________

أ يحصن المملوكة؟ قال: «لا يحصن الحر المملوكة، و لا يحصن المملوكة الحر، و اليهودي يحصن النصرانية، و النصراني يحصن اليهودية» «1»، و يتعيّن أن تكون المملوكة في الجملة الثانية بالرفع و الحرّ بالنصب، و الا كان تكرارا للجملة الأوّلى، هكذا.

و قد تقدّم أنّ المستفاد من الصحيحة الأوّلى لمحمّد بن مسلم اعتبار أمرين في تعلق الرجم بالزاني الحرّ: كون المرأة المزني بها حرة مسلمة و أن يكون عنده عند فجوره الزوجة الدائمة الحرة.

و اعتبار الأوّل ليس في كلام أصحابنا، بل هو منقول عن أبي حنيفة و أصحابه، و ربّما يكون ذلك قرينة على أنّ الثاني أيضا غير معتبر و وروده فيها لرعاية التقية فإنّه أيضا منسوب إلى أبي حنيفة و أصحابه و في رواية إسماعيل بن أبي زياد يعني السكوني، و لا يبعد اعتبارها و ان يكون في سندها محمّد بن عيسى والد احمد بن محمّد بن عيسى، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه انّ محمّد ابن أبي

بكر كتب إلى علي عليه السّلام في الرجل زنى بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب اليه: «ان كان محصنا فارجمه و ان كان بكرا فاجلده مائة جلدة ثم انفه، الحديث» «2».

و على ذلك، فلو كان ما ذكر قرينة على ما ورد في عدم كفاية الأمة في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 353.

(2) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 361.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 33

..........

______________________________

إحصان الرجل لرعاية التقية فهو، و الا فقد يقال: انّ الطائفتين متعارضتان و الترجيح لما دلّ على كفاية الأمة في الإحصان، لكونه مخالفا للعامة، و لو لم يثبت هذا أيضا تعارضتا و تساقطتا و يرجع إلى العموم أو الإطلاق الدال على الكفاية.

و في صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام قلت: «ما المحصن رحمك اللّه، قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن» «1».

و في صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحصن قال: فقال:

«الذي يزني و عنده ما يغنيه» «2» فإن إطلاقهما يقتضي كفاية الأمة.

أقول: يمكن المناقشة فيه أنّه لو لم يتمّ ما تقدّم من القرينة و كانت الطائفتان متعارضتين، يكون الترجيح لما دلّ على عدم الكفاية، لموافقته للكتاب المجيد الدال على أنّ حدّ الزاني و الزانية هو الجلد بلا تفصيل.

و على الجملة الرجوع إلى الإطلاق المتقدّم مبني على انّ الكتاب عند تعارض الطائفتين مرجع، فإنّه على هذا المبنى لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى إطلاق الكتاب، لكون صحيحة إسماعيل بن جابر و صحيحة حريز أخصّ، و امّا بناء على كون موافقة الكتاب مرجحا لأحد المتعارضين فاللّازم الأخذ بالطائفة الدالة على عدم اكتفاء

الأمة في الإحصان.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 352.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 352.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 34

..........

______________________________

اللّهم الّا ان يقال: لم يثبت أن موافقة الكتاب هو المرجح الأوّل، بل هي و مخالفة العامة في رتبة واحدة، و مع وجود المرجح في كل من الطائفتين تتكافئان، و يرجع بعد تساقطهما إلى الإطلاق الدال على كفاية الأمة في الإحصان.

و منها: أنّه يعتبر في إحصان الرجل مع ما تقدّم تمكنه من الفرج المملوك له زمان فجوره، فإذا كانت زوجته غائبة عنه بحيث لا يمكن الوصول إليها، أو كان الرجل محبوسا لا يتمكن من الخروج إليها، فلا رجم لعدم الإحصان، و ظاهر جماعة اعتبار وصول الرجل إلى زوجته أو مملوكته في طرفي النهار، و لو لم يصل إلّا في أحد طرفيها فلا رجم.

و الظاهر أنهم استظهروا ذلك ممّا ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام، حيث ورد فيها: «من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن».

و ظاهر الرواية اعتبار الفعليّة زمان فجوره، و لكن المذكور في المحكي عن الشيخين و جمع آخر مجرّد التمكن من الفرج المملوك.

و يمكن أن يستظهر من صحيحة حريز التمكن من الوصول إلى زوجته أو مملوكته، بان تكونا عنده عرفا، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحصن قال:

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 35

..........

______________________________

«الذي يزني و عنده ما يغنيه» «1».

فانّ المتفاهم العرفي منها أن تكون زوجته أو أمته عنده، و لو لم يغدو عليها في بعض الأحيان، كمن كان مشتغلا بعمل في مكان لا يصل إلى أهله في بعض الأحيان في شي ء من

طرفي النهار، مع تمكنه من الوصول إليها عرفا.

و على الجملة، مقتضى المتفاهم العرفي من ملاحظة الصحيحتين هو اعتبار التمكن من الوصول إلى زوجته أو مملوكته مع وصوله إليها أيضا بحسب الغالب، كما هو ظاهر عبارة الماتن.

و في صحيحة محمّد بن مسلم قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم الّا ان يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل» «2».

و صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حدّ الزاني»، قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرّة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها فزنى في السجن، قال: «عليه الحدود و يدرأ عنه الرجم» «3»، و في خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يرجم الغائب عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 352.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 355.

(3) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 355.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 36

..........

______________________________

اهله» «1».

و الحاصل اعتبار كون الرجل عند امرأته في طرفي النهار حتى في يوم فجوره، بحيث لو كان في ليلة ضيفا عند أحد فزنى في تلك الليلة أن لا يثبت له الرجم لعدم غدوة على الفرج المملوك له، فغير محتمل، و لا يساعده ظاهر ما تقدّم بحسب المتفاهم العرفي، و لذا قيد في الجواهر بأنّه يغدو عليه و يروح إذا شاء.

فلا يبعد أن يقال: مقتضى ملاحظة ما تقدّم من الروايات مع ملاحظة المتعارف

بين الرجال و النساء اعتبار كون الرجل متمكنا من الوصول إلى زوجته أو مملوكته، و كونهما تحت اختياره أيضا زمان فجوره عرفا، بان لا يكون هو غائبا أو زوجته غائبة، بحيث لم يمكن له الوصول إليها إلّا بعد مدّة من الزمان بأن يصدق عرفا أنّه غائب عن اهله، و كذا فيما كان محبوسا، و منه أيضا ما إذا كانت زوجته مريضة بحيث لا يمكن له الاستمتاع منها عندما هاجت به شهوته، و لذا يمكن التفرقة بين حيض المرأة و مرضها بالنحو المزبور، حيث يمكن الاستمتاع بها في الأوّل دون الثاني.

و قد ورد في خبر عمر بن يزيد تحديد غيبوبة الرجل عن أهله بالسفر الموجب للقصر و الإفطار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن الغائب عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 355.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 37

و لو تزوج محرّمة: كالأم و المرضعة و المحصنة، و زوجة الولد و زوجة الأب، فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حدّ (1)، و لا ينهض العقد بانفراده شبهة في

______________________________

أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة و هو غائب عنها، قال: «لا يرجم الغائب عن أهله و لا المملك الّذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصنا، قال: إذا قصر و أفطر فليس بمحصن» «1».

و الرواية في سندها عبد الرحمن بن حماد، و لم يثبت له توثيق و لم يعمل بظاهرها ليدعي انجبار ضعفها، و نظيرها مرفوعة محمّد بن الحسين مع إضمارها.

و على ما ذكرنا، فان شك في صدق الغياب عن الأهل و عدم الوصول إليها و عنده الفرج المملوك له عند

فجوره يكتفي بالجلد، أخذا بالإطلاق في الآية المباركة بعد إجمال المخصّص المقيّد له كما تقدم.

(1) ما ذكر قدّس سرّه تفريع على ما تقدّم، من اشتراط العلم بالحرمة في تعلّق الحد بالزاني و الزانية، و الّا يكون الوطي من الشبهة الدارئة للحدّ.

و المستفاد من كلماتهم في ملاك وطء الشبهة يختلف، و قد ذكر بعضهم أنّ الوطء المحرم مع الظن بالإباحة هو وطء الشبهة، و البعض الآخر أنّ الوطء غير المستحق مع عدم العلم بحرمته وطء الشبهة.

و بعضهم أنّ الوطء غير المستحق مع الاعتقاد بحليّته وطء الشبهة، حتى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 356.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 38

سقوط الحدّ، و لو استأجرها للوطء لم يسقط بمجرده، و لو توهم الحلّ به سقط.

______________________________

فيما إذا كان مقصرا في تحصيل ذلك الاعتقاد أو كان حليته مقتضى الحكم الظاهري، كما إذا أخبرت بأنها خلية مع احتمال صدقها أو شك في تحقق الرضاع المحرم، فانّ مقتضى اعتبار قول المرأة أو استصحاب عدم تحقّق الرضاع جواز العقد عليها و استحقاق الوطء، و أما إذا لم يكن اعتقاد بالحلية و لا حكم ظاهري، بأن كان عند العمل محتملا حرمة الوطء و عدم استحقاق الاستمتاع بالمرأة، و لم يكن في البين ما يقتضي عذره في حرمتها عليه، فالوطء المزبور مع حرمتها عليه واقعا زناء، فيترتب عليه تعلق الحد، جلدا كان أم رجما.

كما يلحق بالزنا ما إذا كان عند العمل غافلا من حرمة الوطي، و لكن كان غفلته بارتكاب المحرم كالسكران، و أمّا إذا لم تكن الغفلة ناشئة عن ارتكاب المحرم كطريان الجنون فلا حدّ لعدم التكليف في حقه.

و قد استظهرنا فيما تقدم أنّ مع الجهل بحرمة المرأة

عليه، و لو كان جهله تقصيريا لا يتعلّق به الحد، لعدم كونه زنا و لا أقل من الشك في صدقه، بل استظهرنا سقوط الحدّ بالجهل حتى مع الصدق من صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في نفي الكفارة عن مرتكب موجبها حتى مع الجهل تقصيرا.

نعم، لا فرق في تعلق الحدّ بالواطئ مع علمه عند العمل بحرمة المرأة عليه، بين كون علمه وجدانيا أو تعبديا حاصلا من اجتهاده أو تقليده، و احتمال الاختصاص بالأوّل، كما يحتمل في عبارة العلامة قدّس سرّه لا وجه له.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ مجرد العقد على الأمّ أو غيره بنفسه لا يحسب شبهة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 39

و كذا يسقط كل موضع يتوهّم الحلّ، كمن وجد على فراشه امرأة فظنّها زوجته فوطئها، و لو تشبهت له فوطأها فعليها الحدّ دونه، و في رواية: يقام عليها الحد جهرا و عليه سرّا، و هي متروكة، و كذا يسقط لو إباحته نفسها فتوهم الحلّ.

و يسقط الحدّ مع الإكراه: و هو يتحقّق في طرف المرأة قطعا، و في تحقّقه في طرف الرجل تردّد، و الأشبه إمكانه، لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع، و يثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها على الأظهر (1).

______________________________

و لا كاشفا عن عدم علم الواطي بالحرمة، و كذلك استئجار المرأة لوطيها، و إذا كان الواطئ من طرف مع الجهل بالحرمة و من الطرف الآخر مع العلم بها يكون الوطي بالإضافة إلى الجاهل شبهة و بالإضافة إلى العالم بها زنا، و لو تشبهت الأجنبية بزوجة الرجل فوطئها تعلّق بها الحد دون الرجل.

و في رواية أبي روح: انّ امرأة تشبهت بأمة الرجل و ذلك ليلا فواقعها، و هو يرى أنّها

جاريته، فرفع إلى عمر فأرسل إلى علي عليه السّلام فقال: «اضرب الرجل حدّا في السر و اضرب المرأة حدا في العلانية» «1»، و لإرسالها و ضعفها و مخالفتها لما تقدم لا يصلح للاعتماد بها.

(1) المنسوب إلى المشهور ثبوت المهر على الزاني إذا استكره المرأة كثبوته على واطئ المرأة شبهة، و الكلام في المقام في جهتين.

الأوّلى: إذا كانت المرأة باكرة و اغتصبها و أزال بكارتها بالدخول بها، و لا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 38 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 409.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 40

و لا يثبت الإحصان الّذي يجب معه الرجم حتّى يكون الواطئ بالغا حرّا،

______________________________

ينبغي التأمل في الفرض، بأنّ على الزاني في الفرض أرش بكارتها المقدر بمهر المثل.

و في موثقة طلحة بن زيد عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال: «إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر قيمتها، و ان كانت حرة فعليه الصداق» «1».

و ثبوت هذا بعنوان أرش البكارة، و لذا يثبت مع ازالة بكارتها بغير الدخول، في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه ان عليا رفع اليه جاريتان دخلتا الحمام و افتضت أحدهما الأخرى بإصبعها فقضى على التي فعلته عقرها» «2».

و الجهة الثانية: ما إذا استكره الثيب و دخل بها، فان المنسوب إلى الشهرة ثبوت مهر المثل على الزاني في هذا الفرض، و يستدلّ على ذلك بوجوه ثلاث.

الأول: ما تقدّم من موثقة طلحة بن زيد المتقدّمة التي ذكرنا أنّها ناظرة إلى الجهة الأولى.

الثاني: ما عن الشهيد الثاني و غيره، من أنّ مهر المثل عوض البضع التي استوفاه، و فيه أنّه لم يثبت هذا، فانّ الوارد في وطي الشبهة هو أنّ على الواطي

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 39 من

أبواب حد الزنا، الحديث 5: 410.

(2) الباب 45 من أبواب المهور.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 41

و يطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق تمكن منه يغدو عليه و يروح، و في رواية مهجورة: دون مسافة التقصير.

و في اعتبار كمال العقل خلاف (1)، فلو وطئ المجنون عاقلة وجب عليه

______________________________

المهر بما استحلّه من فرجها، و هذا المضمون لا يشمل الإكراه على الزنا.

و الثالث: الأخذ بإطلاق ما دلّ على أنّ الدخول يوجب الغسل فيما وجب فيه الحد، و أنّ مسّ الختانين يوجب الغسل و الحدّ و المهر، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها فيما إذا كانت المرأة أيضا مختارة يعني زانية لما دل على عدم المهر لبغي.

و فيه أنّه لا تصل النوبة إلى التمسك بالإطلاق المزبور، مع ما ورد في موثقة أخرى لطلحة بن زيد التي رواها الشيخ و الصدوق قدّس سرّهما، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال: «ليس على زان عقر، و لا على المستكرهة حدّ» «1».

فإنها و لو بنقل الشيخ غير خالية عن المناقشة في السند، و لكن لا مناقشة على طريق الصدوق، و إطلاق الزاني يعم المكره بالكسر و غيره، و على الجملة الالتزام بما عليه المشهور على ما قيل لا يخلو عن صعوبة.

(1) الظاهر أنّه لا خلاف في عدم تعلّق الحد بالمجنونة، و يشهد لذلك مضافا إلى ارتفاع التكليف عنها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في امرأة مجنونة زنت، قال: «انها لا تملك أمرها ليس عليها شي ء» «2»، و نحوها

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 383.

(2) الوسائل: 18، الباب 21 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 388.

أسس الحدود و التعزيرات،

ص: 42

الحدّ رجما أو جلدا، هذا اختيار الشيخين رحمهما اللّه، و فيه تردّد.

______________________________

غيرها، و قد تقدم بعضها في عدم تعلق الحدّ بالمستكرهة.

و أمّا بالإضافة إلى الرجل، فالمشهور أنّ الحدّ لا يتعلق بالمجنون لارتفاع التكليف عنه، و المنسوب إلى الشيخين و الصدوق و بعض آخر أنّه يجري الحدّ على المجنون، فان كان محصنا رجم و ان كان غير محصن جلد.

و يدل على التفرقة بين الرجل و المرأة رواية أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد و إن كان محصنا رجم، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة، فقال: المرأة إنّما تؤتى و الرجل يأتي، و انمّا يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة» «1».

و لكنّ الرواية لضعفها بإبراهيم بن الفضل الراوي عن ابان بن تغلب لا يمكن الاعتماد عليها، و في صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا حدّ لمن لا حدّ عليه، يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا و لو قذفه رجل لم يكن عليه حد» «2» و ظاهرها عدم الحد على المجنون، بلا فرق بين حدّ القذف أو غيره، و نحوها موثقة عمار.

ثم انّه اعتبر جماعة في تعلق الرجم بالرجل كون المزني بها بالغة عاقلة، فلو زنى الحر البالغ العاقل الذي له فرج يروح و يغدو عليه بصبية أو مجنونة لا يرجم، و ذكروا في وجه ذلك بنقص اللّذة في الدخول بالصبية و المجنونة،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 21 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 388.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من مقدمات الحدود، الحديث 1: 332.

أسس الحدود و التعزيرات، ص:

43

و يسقط الحدّ بادّعاء الزّوجية، و لا يكلّف المدّعى بينة و لا يمينا (1)، و كذا

______________________________

و بنقص حرمتهما بالإضافة إلى البالغة العاقلة، و بما ورد في الصبي إذا زنى بالمحصنة بأنّ الصبي يضرب دون الحد و على المرأة الجلد دون الرجم.

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: «يجلد الغلام دون الحد، و تجلد المرأة الحدّ كاملا، قيل: و ان كانت محصنة؟ قال: لا ترجم لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك و لو كان مدركا لرجمت» «1».

حيث يقال: مقتضى التعليل اعتبار البلوغ في المزني بها إذا كان الزاني بها محصنا، و لكن لا يخفى أنّ الوجهين الأولين لا يخرجان عن مجرد الاستحسان، و الصحيحة لا دلالة لها على حكم صغر المزني بها مع كون الزاني بها محصنا.

و مقتضى الإطلاق في رجم المحصن إذا زنى، بل إطلاق بعض ما ورد في أنّ الرجل إذا زنى بالصبية حدّ، ثبوت الرجم مع إحصان الرجل، بلا فرق بين بلوغ المزني بها أو عقلها، و بين صغرها أو جنونها، و بلا فرق بين كون الحد جلدا أو رجما.

(1) يسقط الحد عن الواطئ أو عن الموطوء بادعاء الزوجية بينهما، و لا يطالب عن مدعيها البينة على مدعاه أو اليمين على إنكاره الزنا، بلا خلاف معروف أو منقول، و يشهد لذلك ما تقدم من سماع دعوى المرأة الاستكراه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 362.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 44

بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر الى المدّعى.

______________________________

عليها، و ان عليا عليه السّلام درأ عنها الحد، حيث يظهر منه أن مع احتمال العذر في

الارتكاب فضلا عن احتمال عدم الارتكاب لا مورد للحد.

و لكن في صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة تزوجت و لها زوج، فقال: «ترجم المرأة، و ان كان للذي تزوجها بينة على تزويجها و إلّا ضرب الحد» «1».

و ظاهرها على ما قيل عدم سماع دعوى الزواج بلا بينة بالتزويج، و قد حملها الشيخ قدّس سرّه على كون الرجل متهما في دعوى العقد عليها.

أقول: لا يمكن الأخذ بظاهرها، فإن البينة بتزويجها لا تزيد عن العلم الوجداني بإجراء العقد عليها، و قد تقدم أن مجرد اجراء العقد على المدخول بها لا يحسب شبهة، بل لا بدّ من احتمال انّه لم يكن يعلم بأن المرأة ذات بعل، و مع احتماله لا يثبت الزنا، اقام على العقد بينة أم لم يقم.

و كما أن دعوى الزوجية مسقطة للحد كذلك دعوى الشبهة في الوطء، فإنه مع احتمال الصدق يسقط الحد، كما استظهرنا ذلك من الروايات الواردة في تزويج المرأة في عدتها أو دعوى الجهل بحرمة الزنا مع احتماله في حقه، أضف إلى ذلك المرسل المشهور في درأ الحدود بالشبهة.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 398.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 45

و الإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل (1) لكن يراعى فيها كمال

______________________________

(1) يعتبر في إحصان المرأة كونها حرة لها زوج دائم عند فجورها و قد دخل بها و تمكنت هي من زوجها، بمعنى أن زوجها يطالبها بالفعل بحقه منها، المعبر عن ذلك بوصول زوجها إليها و وصولها إلى زوجها.

و على الجملة يفترق إحصان الرجل عن إحصان المرأة في أمرين:

أحدهما: ما تقدم من انّه لو كان الزاني بها صغيرا لم يتعلق بها الرجم، و

قد تقدم أنّ الحكم كذلك لو كان الزاني بها مجنونا عند جماعة من الأصحاب، و هذا بخلاف الرجل فإنّه قد تقدّم تعلّق الرجم عليه إذا كان محصنا، بلا فرق بين كون المزني بها صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة.

الثاني: المعتبر في إحصان المرأة تمكنّها من زوجها، بمعنى أنّ زوجها بالعقد الدائم يطالبها بحقه عليها، لا أنّها تتمكن من المطالبة بالاستمتاع من زوجها متى شاءت، كما كان هذا معتبرا في إحصان الرجل، فإنه لا يجب الإجابة على زوجها بمطالبتها المزبورة بخلاف الزوجة، فإنه تجب عليها الإجابة لزوجها.

و يشهد لما ذكرنا صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تزوجت رجلا و لها زوج، قال: «فقال: ان كان زوجها الأوّل مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه و يصل إليها فإنّ عليها ما على الزاني المحصن، و ان كان زوجها الأوّل غائبا أو كان مقيما معها في المصر لا يصل إليها و لا تصل اليه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 46

العقل إجماعا، فلا رجم و لا حدّ على المجنونة في حال الزنا و ان كانت محصنة، و ان زنى بها عاقل، و لا تخرج المطلّقة رجعية عن الإحصان (1).

______________________________

فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة» «1».

و يدلّ على اعتبار الحرية في إحصانها صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في مكاتبة زنت- إلى ان قال:- «و ابى ان يرجمها و أن ينفيها قبل ان يبيّن عتقها» «2»، و قريب منها غيرها.

كما يدلّ على اعتبار العقد الدائم ما تقدّم من عدم حصول الإحصان إلّا بالعقد الدائم و الشي ء الدائم، و تلك الروايات و ان كانت ناظرة إلى إحصان

الرجل، و لكن ظاهرها انّ الإحصان المعتبر في الرجم لا يحصل بالمتعة، بلا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، و أمّا اعتبار الدخول بها فقد تقدّم أنّ إحصانهنّ أن يدخل بهنّ.

و أمّا اعتبار البلوغ و العقل و الاختيار، بمعنى عدم الإكراه، فهي من شروط تعلّق مطلق الحد، سواء كان حدّ الزنا بالجلد أو بالرجم أو حدّ غيره.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، و يكفي في تعلق الرجم بكلّ من الرجل و المرأة ما دل على أنّ المطلقة رجعية زوجة فيترتب أحكامها، و منها تعلق الرجم بزنا كلّ منهما مع علمه بالحكم و الموضوع.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 395.

(2) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 404.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 47

و لو تزوّجت عالمة كان عليها الحد تاما، و كذا الزوج ان علم التحريم و العدة، و لو جهل فلا حدّ، و لو كان أحدهما عالما حدّ حدّا تامّا دون الجاهل، و لو ادعى أحدهما الجهالة، قيل: إذا كان ممكنا في حقه.

______________________________

و يمكن المناقشة في هذا الاستدلال بأنّ مع الطلاق و لو رجعيا يرتفع ما يعتبر في الإحصان، من وصول الرجل إلى المرأة و وصولها اليه، و كون الزوج بحيث يغدو و يروح عليها، خصوصا إذا كانت هي الزانية.

و يمكن الاستدلال على الحكم بصحيحة يزيد الكناسي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تزوّجت في عدتها، فقال: «ان كانت تزوّجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة، فانّ عليها حدّ الزاني غير المحصن، و إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فانّ عليها الرجم، و ان كانت تزوجت في عدة بعد

موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيام فلا رجم عليها، و عليها الضرب مائة جلدة» «1».

و في موثّق عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى، قال: «عليه الرجم، و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثم زنت عليها الرجم؟ قال: نعم» «2».

و يتعيّن حمل الطلاق فيها على الطلاق الرجعي، للتفصيل الوارد في صحيحة يزيد الكناسي، و أمّا الزنا بعد موت الزوج الوارد في الموثقة فلا بدّ من

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 396.

(2) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 398.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 48

و يخرج بالطلاق البائن عن الإحصان، و لو راجع المطلق المخالع لم

______________________________

طرحه، لمعارضته لما ورد في صحيحة يزيد الكناسي، و موافقة الصحيحة لما في الكتاب المجيد، من الإطلاق الدال على أنّ حدّ الزاني و الزانية مائة جلدة.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في روايتي علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل طلق أو بانت امرأته ثم زنى ما عليه؟ قال: الرجم» «1»، و سألته عن امرأة طلقت فزنت بعد ما طلقت هل عليها الرجم؟ قال: «نعم» «2».

فإنّه لا بدّ من حمل الطلاق فيهما على الرجعي، و أمّا ما ورد من الرجم فيما إذا بانت امرأته ثم زنى، فيطرح كما عرفت، هذا مع المناقشة في سندهما.

ثم انّه قد ذكرنا عدم خروج الرجل عن الإحصان بطلاق زوجته بطلاق رجعي، و أنّه لو زنى الزوج قبل انقضاء عدة زوجته تعلّق به الرجم، و لكن حيث ذكر الماتن في العبارة العلم بالتحريم و العدة فسره

في الجواهر بالزوج الثاني و انه لو كان هذا الزوج جاهلا بأنّ المرأة ذات عدّة أو جهل عدم جواز تزويج المعتدّة لم يثبت عليه الحد و الّا ثبت، سواء كان جلدا أو رجما.

و لو ادعى أحدهما الجهالة بعدّتها أو بحرمة التزويج في العدة، و كانت الجهالة محتملة في حقه، سمعت الدعوى، على ما تقدم من كون الجهالة موجبة لسقوط الحد.

و ذكر الماتن قدّس سرّه أنّ الطلاق البائن، و منه الطلاق الخلعي، يوجب خروج

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 357.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 357.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 49

يتوجّه عليه الرجم إلّا بعد الوطي، و كذا المملوك لو أعتق و المكاتب إذا تحرر.

و يجب الحدّ على الأعمى (1)، فإن ادعى الشبهة، قيل: لا يقبل، و الأشبه

______________________________

المرأة و الرجل عن الإحصان، و إذا رجعت المرأة في بذلها يحدث الزوجية بينهما برجوعها إلى بذلها، فما لم يدخل بها بعد هذه الزوجية لا يتعلّق بزناه الرجم، و كذا بزنا المرأة حيث أنّه لا إحصان إلّا بالدخول بها.

و كذا كلّ من كانت له زوجة دائمة، و لكن كان عند دخوله بها غير واجد لما يعتبر في تعلّق الحد بالزاني، كما إذا كان عند دخوله بها صغيرا أو مجنونا أو عبدا، فإنّه إذا زنى بعد بلوغه أو إفاقته أو حريته يعتبر في تعلق الرجم بزناه دخوله بزوجته الدائمة بعد بلوغه أو إفاقته أو حريته.

كما يشهد لذلك ما ورد في عتق العبد المزوج من حرّة، من أنّه لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق.

(1) لإطلاق ما دل على تعلّق الحد بالزاني و الزانية و تعلق الرجم

بالمحصن و المحصنة، و لم يعرف بل و لم ينقل خلاف في ذلك عن أصحابنا، نعم المحكي عن الشيخين و ابن البراج و سلّار عدم قبول دعوى الشبهة من الأعمى، و لم يعلم دليل على ذلك، و المحكي عن ابن إدريس قبول دعواه الشبهة بشهادة الحال بها ادعاه، بأن تكلم المرأة مماثلا مع تكلم زوجته و جسمها مماثلا لجسم امرأته من حيث السمن و عدمه و المحكي عن بعض سماع دعوى الشبهة إذا كان عدلا، و كلّ ذلك مما لا وجه له مع احتمال صدقه، فإنّه مع احتمال العذر لا يجري على انسان حدّ، و الأعمى و غيره في ذلك سواء.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 50

القبول مع الاحتمال.

[و يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة]
اشارة

و يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة،

[امّا الإقرار]

امّا الإقرار فيشترط فيه بلوغ المقر و كماله و الاختيار و الحرية (1)،

______________________________

(1) يثبت موجب الحدّ باعتراف المرتكب أو قيام البيّنة على ارتكابه، و يعتبر في نفوذ الإقرار بلوغ المقرّ و كمال عقله و عدم الإكراه عليه في إقراره و عدم كونه رقا.

أمّا اعتبار البلوغ، فلأنّ الصبي مرفوع عنه القلم لا يؤخذ على أمره و منه إقراره، و لكن يؤدّب لكذبه أو صدور الفعل عنه، و ممّا ذكر يظهر الحال في اعتراف المجنون و لا أثر لإقراره، و موضوع النفوذ إقرار العاقل.

و ذكروا في نفوذ الإقرار الاختيار، فانّ اعتراف المكره عليه بلا خلاف يعرف، لحكومة حديث رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه، لا اثر له.

و في خبر أبي البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه» «1».

و المنفي نفوذ الإقرار عن إكراه و تخويف و ثبوت الواقع به، و أمّا إذا أحرز الواقع بالقرائن على صدق اعترافه، فهذا أمر آخر غير مربوط بنفوذ الإقرار، كما أنّه لو أحرز الارتكاب بغير إقراره، و لكن طولب منه الإقرار، و لو بالتخويف

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 497.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 51

..........

______________________________

و التهديد لقطع عذره و قطع السبيل عنه في دعوى أنّ اجراء الحد عليه من الظلم، فلا بأس.

و في صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سرق فكابر عنها فضرب فجاء بعينها هل يجب عليه القطع، قال: «نعم، و لكن لو اعترف و لم يجي ء بالسرقة لم تقطع يده لانّه

اعترف على العذاب» «1».

و التعليل فيها مقتضاه عدم اثر للاعتراف مع العذاب و نحوه، إلّا إذا أحرز وقوع الارتكاب، فانّ المجي ء بالعين بالمباشرة لا خصوصية له، كما لا يخفى.

و يعتبر في نفوذ الإقرار كون المقر حرّا، فلا اعتبار باعتراف العبد بزناه، إلّا أن يصدّقه مولاه، بلا خلاف عندنا، حيث إنّ الإقرار ينفذ على المقر دون غيره، فإقراره على نفسه اعتراف على مولاه فإنّه مملوكه، فإجراء الحد عليه تصرّف في ملك الغير، بل ربما يعد الحد الجاري عليه عيبا، بل ثبوت زناه عيبا يوجب سقوطه أو تنزلّه عن القيمة التي لمولاه.

و مع الغض عمّا ذكر يشهد للحكم صحيحة الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا أقر المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و ان شهد عليه شاهدان قطع» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 497.

(2) الوسائل: 18، الباب 35 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 532.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 52

..........

______________________________

و قد يقال بنفوذ إقرار المملوك على نفسه، و يتبع به بعد عتقه أو انعتاقه، و لا يقاس بإقرار الصبي، حيث لا يتبع به بعد بلوغه، و الفارق أنّ اعتراف الصبي ملغى بخلاف اعتراف العبد، فانّ عدم سماعه لكونه إقرارا على الغير لا لسلب اعتبار كلامه، و فيه ما لا يخفى، فإنّه بعد عتقه لم يعترف، و ما اعترف به كان على مولاه فلا ينفذ، نعم لو أعاد اعترافه بعد عتقه ينفذ.

هذا كله مع عدم تصديق مولاه، و أمّا مع تصديقه فيكون تصديقه اعترافا من المولى على نفسه فينفذ، و على هذا تحمل صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا أقرّ العبد على

نفسه عند الإمام مرة أنّه قد سرق قطعه، و الأمة إذا أقرت بالسرقة قطعها» «1».

و كذا صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود اللّه مرّة واحدة حرّا كان أو عبدا، أو حرّة كانت أو أمة، فعلى الإمام ان يقيم الحد الذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان إلّا الزاني المحصن، فإنه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه» «2».

مع أنّ مضمون هذه غير مطابق للمذهب من جهات تأتي الإشارة إليها، و على الجملة قياس اعتراف العبد بزناه باعترافه بإتلاف مال الغير، فإنّ إتلافه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 487.

(2) الوسائل: 18، الباب 32 من مقدمات الحدود، الحديث 1: 343.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 53

و تكرار الإقرار أربعا في أربعة مجالس (1).

______________________________

يكون عليه لا على مولاه فيثبت الضمان عليه، غاية الأمر يستوفى بعد عتقه، غير صحيح، فانّ اعترافه بزناه اعتراف على مولاه كما تقدم، و لذا لو صدق العبد مولاه في إتلاف مال الغير لا يكون ضمانه على المولى، بخلاف جنايته على تقدير تصديقه.

(1) يقع الكلام في المقام في جهتين:

الاولى: عدم كفاية الإقرار مرّة أو أقل من الأربعة في ثبوت الزنا، و لم يعرف الخلاف إلّا عن ابن أبى عقيل، فانّ المنسوب إليه كفاية الإقرار مرّة، كما حكي ذلك عن أكثر العامة، و لا فرق في عدم الكفاية بين كون الحد جلدا أو رجما.

الثانية: كون التكرار في أربعة مجالس، و أنّه لا يكفي تكراره في مجلس واحد.

أمّا الجهة الأوّلى: فقد أشرنا إلى أنّ المشهور عند أصحابنا قديما و حديثا

عدم الثبوت بالإقرار مرّة، و يدل على اعتبار التكرار بأربع مرّات، سواء كان الزنا موجبا للجلد أو الرجم صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: «عليه حدّ واحد لقذفه إياها، و امّا قوله:

انا زنيت بك فلا حدّ فيه الّا ان يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 446.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 54

و لو أقر دون الأربع لم يجب الحدّ و وجب التعزير، و لو أقر أربعا في

______________________________

و في مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام في رجل قال لامرأته يا زانية، قالت: أنت أزنى مني، فقال: «عليها الحد فيما قذفت به، و أما إقرارها على نفسها فلا تحد حتى تقرّ بذلك عند الإمام أربع مرّات» «1».

و مقتضاهما عدم الفرق بين الزنا الموجب للجلد أو الرجم، في أنّ ثبوته يكون بالإقرار بأربع مرّات عند الإمام.

و يدل على ذلك أيضا صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اتى رجل بالكوفة أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني زنيت فطهرني، قال: «ممّن أنت، قال:

من مزنية، قال: أ تقرأ من القرآن شيئا، فقال: بلى، قال: فاقرأ، فقرأ فأجاد، فقال:

أ بك جنّة، قال: لا، قال: فاذهب عني حتى نسأل عنك إلى ان قال: فرجع إليه الرابعة، فلما أقرّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب، و فيه أنّه رجمه» «2».

وجه الدلالة أنّه لو كان الإقرار مرّة كافية في ثبوت الجلد لما كان لتأخير الحد وجه، و السؤال عن صحة عقله كان بعد الإقرار الأوّل.

و يدل أيضا على اعتبار الإقرار بأربع

مرات صحيحة خلف بن حماد، عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 3: 447.

(2) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 379.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 55

مجلس واحد قال في الخلاف و المبسوط: لم يثبت، و فيه تردد.

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام، المتضمنة لحكاية امرأة أتت أمير المؤمنين عليه السّلام: فقالت «يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني طهرك اللّه، فإنّه عليه السّلام ذكر فيها انّ إقرارها كل مرّة بمنزلة شهادة واحدة» «1».

و من الظاهر كما يأتي أنّ الزنا لا يثبت بأقلّ من شهادة الأربع، كما هو مدلول الآية في القذف، و على الجملة فالحكم ممّا لا ينبغي التأمل فيه.

و أمّا صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود اللّه مرة واحدة حرا كان أو عبد، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقم الحد للذي أقر به على نفسه، كائنا من كان إلّا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه الّا ان يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا عليه ضربه الحد مأة جلدة ثم يرجمه» «2».

فظاهرها، و ان كان كفاية الإقرار مرة في ثبوت الجلد، إلّا انها مرهونة بظهورها في عدم ثبوت موجب الرجم بالإقرار، بل يعتبر في ثبوته شهادة الأربع، و معه يجلد ثم يرجم، مرهونة أيضا بظهورها في نفوذ إقرار العبد و الأمة، و هذه الأمور مخالفة للمذهب كما أشرنا سابقا.

نعم يمكن رفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى الإقرار مرة و عدم سماع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 377.

(2) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1:

343.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 56

..........

______________________________

الإقرار في موجب الرجم أصلا، و كذا في سماع إقرار العبد و الأمة، و معه لا يصلح للاعتماد عليها في توجيه ما نسب إلى ابن أبي عقيل كما لا يخفى.

ثم انّ المحكي عن الشيخين و ابن إدريس و العلّامة أنّه بإقراره عاص، فيستحقّ التعزير إذا لم يتم أربع مرات، و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّه لا يحرز بإقراره دون الأربع ثبوت الزنا، و الفعل الحرام الآخر غير محرز، حتّى لو قيل بأنّ إظهار المعصية معصية، فإنّه لو كان قاصدا الإقرار أربع مرات لتطهيره بالحدّ، كما هو الفرض، لم يكن في الإظهار معصية.

أمّا الجهة الثانية: و هي تعدد المجالس في أربع مرات، فالمحكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط اعتبار وقوع كلّ إقرار في مجلس، و عن ابن أبي حمزة لا يثبت الزنا بالإقرار بأربع مرات مع عدم تعدّد المجلس.

و يستدلّ على ذلك بما وقع من وقوع الأقارير في المجالس عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و عند علي عليه السّلام، و لكن لا يخفى أنّ وقوعها في مجالس متعدّدة لا يدلّ على اعتبار المجالس، و مقتضى الإطلاق في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة و غيرها عدم اعتبارها، و لعله لذلك ذهب المشهور إلى عدم الاعتبار.

أضف إلى ذلك أنّه لا يظهر من المحكي عن قضية ماعز كون اعترافه في أربعة مجالس، و كذا قضية المرأة التي أتت عليا عليه السّلام، فراجع ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابان، عن أبي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 57

و يستوي في ذلك الرجل و المرأة (1)، و تقوم الإشارة المفيدة

للإقرار في الأخرس مقام النطق (2).

______________________________

العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1»، و ما رواه الصدوق قدّس سرّه بسنده عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام «2».

(1) لا فرق بين الرجل و المرأة في أنّ ثبوت زناها كالرجل يحتاج إلى اعترافها بأربع مرات، و يشهد لذلك ما وقع عند أمير المؤمنين عليه السّلام من اعتراف المرأة بزناها أربع مرات و قوله عليه السّلام «اللّهم انه ثبت عليها أربع شهادات»، و المؤيّد بمرسلة الصدوق المتقدمة، فإنّ فيها: «اما إقرارها على نفسها فإنّها لا تحدّ حتّى تقر بذلك عند الإمام أربع مرّات».

(2) بلا خلاف منقول أو معروف، كما هو الحال في سائر إنشاءاته و إخباراته، و بتعبير آخر مع الإشارة المفهمة إلى ارتكابه الفاحشة بأربع مرات يصدق أنّه اعترف بزناه أربع مرّات.

و ذكر في الجواهر كفاية مترجمين لترجمة إشارته، كما يكفي شاهدان باعتراف المعترف الناطق، و لا يكفي مترجم واحد لأنّ الترجمة شهادة على إقرار الأخرس، لا رواية عن إقراره ليكتفي بالواحد.

أقول: إذا اعترف الأخرس في حضور الحاكم و لم يظهر للحاكم مراده من إشارته لا تعدّ ترجمة المترجم للحاكم شهادة باعترافه بل مبيّنة لمراده من

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 376.

(2) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 380.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 58

و لو قال: زنيت بفلانة لم يثبت الزنا في طرفه حتى يكرّره أربعا، و هل يثبت القذف للمرأة، فيه تردد (1).

______________________________

إشارته، و مع كونه ثقة أو عدلا و له عرفان بإشارات الأخرس يكون التعدّد احتياطا في إجراء الحدّ.

و أمّا الشاهدان باعتراف الناطق، فيتعيّن حمل كلامه على ما

إذا شهد كلّ من العدلين على اعتراف الناطق عند الحاكم الآخر، و الّا فالاعتراف عند غيره لا يثبت موجب الحد، كما ورد ذلك في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة، حيث ذكر سلام اللّه عليه فيها: «و أمّا قوله: انا زنيت بك فلا حدّ فيه الّا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام».

(1) بعد ما تبيّن من أنّ ثبوت الزنا يحتاج إلى الاعتراف بأربع مرّات، يقع الكلام في أنّه إذا عيّن المقر في اعترافه و لو مرّة واحدة المرأة المزني بها بأن قال:

زنيت بفلانة، فهل يتعلّق بالمقر حدّ قذف المرأة أو لا يثبت القذف، حتى و إن كرره أربع مرات.

و يقال في وجه التعلّق أنّ قوله زنيت بفلانة كما أنّه اعتراف بزناه كذلك رمي المرأة المزبورة بالفاحشة، و قد ورد في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تسألوا الفاجرة من فجر بك، فكما هان عليها الفجور يهون عليها أن ترمي البري المسلم» «1»، حيث ان رميها

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 41 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 411.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 59

..........

______________________________

عبارة أخرى عن تعيين الزاني بها.

و في معتبرته الأخرى عن علي عليه السّلام قال: «إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت: فلان، جلدتها حدين: حدّا للفجور و حدّا لفريتها على الرجل المسلم» «1».

و لكن لا يخفى عدم دلالة الروايتين على أنّ اعتراف الرجل بأني زنيت بفلانة رمي للمرأة بالزنا، و ذلك فانّ قول المرأة زنى بي فلان قذف للرجل المزبور، بخلاف قول الرجل: زنيت بفلانة، فإنّ هذا لا يتضمن رمي المرأة بالزنا، حيث لم يسند الزنا

إلى المرأة بل إلى نفسه لاحتمال اشتباهها، بخلاف قولها:

زنى بي فلان، فإنّه اسناد الزنا إلى الرجل.

و ممّا ذكر يظهر أنّ القذف في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة من قول الرجل لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، هو قوله: يا زانية، و امّا قوله: انا زنيت بك، فلا دلالة له على رميها بالزنا.

نعم، ذكر جماعة منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّه يثبت بقول الرجل: زنيت بفلانة، التعزير عليه لهتكه حرمتها و إيذائها.

أقول: لو قال: زنيت بفلانة و هي مكرهة أو شبهة، أو قال: وطأتها بوطء الشبهة، فاللازم الالتزام بالتعزير عليه، لعين ما ذكر من هتكها و إيذائها، و قد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 41 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 411.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 60

و لو أقر بحد و لم يبينه لم يكلّف البيان و ضرب حتّى ينهى عن نفسه (1).

______________________________

حكي عن الشيخين قدّس سرّهما أنّه مع التزامهما بأنّ قوله زنيت بفلانة قذف، أنّه لو فسّر كلامه بالإكراه عليها أو اشتباهها لم يكن قذفا و لكن يثبت التعزير، و ظاهر هذا المحكي التزامهما بالتعزير و لو لم يقصد الإيذاء و الهتك، اللّهم الّا أن يقال: إنّ ثبوت التعزير و لو مع عدم قصد الإيذاء و الهتك اما للافتراء عليها أو اغتيابها.

(1) الواجب على الحاكم اقامة الحدّ مع ثبوت موجبه، و أن يكون له حق العفو في موارد ثبوته بالإقرار، و لكن الإقرار بثبوت الحد عليه بنحو الإجمال لا يكون من ثبوت الموجب، حيث يكون المعتبر في بعض الموجبات الإقرار بأربع مرّات، و في بعضها بمرتين، و في بعضها يكفي الإقرار مرّة، فالإقرار بالحد عليه بنحو الإجمال لا يثبت شيئا منها، هذا مع الإغماض عن

احتمال كون مراده ما يوجب التعزير.

و دعوى أنّ على الحاكم تكليفه ببيان الحد، المراد أخذا بما دلّ على عدم جواز تعطيل الحدود و التأخير في إقامتها كما ترى، بعد ما ذكرنا من عدم ثبوت موجبه.

و لا يقاس هذا الإقرار بما إذا أقرّ أنّ لزيد عليه مالا، فإنّه يكلّف بالبيان، و ذلك فانّ على الحاكم فصل الخصومة بين الناس و العيال حق بعضهم اليه من بعض، بخلاف الحدود فإنّها مبنيّة على التخفيف و الممانعة عن ثبوت موجبها، كما يظهر ذلك من ممانعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام عن تمام الإقرارات.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 61

و قيل: لا يتجاوز به المأة و لا ينقص عن ثمانين، و ربما كان صوابا في طرف

______________________________

بل في موثقة أبي العباس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجل فقال اني زنيت، إلى ان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لو استتر ثم تاب كان خيرا له» «1».

و على الجملة، مقتضى القاعدة الأوّلية أنّه ليس على الحاكم مع إجمال إقراره الأمر بالبيان و لا اجراء الحد، نعم لا بأس بأمره بالبيان أو ان يبيّن المقرّ مراده، حيث يستفاد من الموثقة أنّ المرتكب يجوز له أن يطالب بإجراء الحد عليه، و لكن في البين رواية يستفاد منها ما ذكر في المتن، من أنّه يجري على المقرّ الجلد حتّى ينهى عن نفسه، و هي صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر، عن أمير المؤمنين عليهما السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يسمّ أيّ حدّ هو قال:

«أمر ان يجلد حتى يكون

هو الذي ينهى عن نفسه في الحدّ» «2».

و قد عمل بظاهرها جماعة، منه القاضي و الشيخ قدّس سرّه، و لكن ناقش فيها في المسالك بضعف السند، لاشتراك محمّد بن قيس الّذي يروي عن أبي جعفر عليه السّلام بين أبي النصر الأسدي الثقة و بين أبي أحمد الأسدي الّذي لم يثبت له توثيق، و في مجمع البرهان في سندها سهل بن زياد.

و لكن المناقشة ضعيفة لأنّ قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام نقلها أبو النصر الأسدي المكنى بأبي عبد اللّه عن أبي جعفر، و هذه من قضاياه عليه السّلام، بقرينة رواية عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس، و رواها الكليني عن عبد الرحمن بن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5: 328.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 318.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 62

الكثرة، و لكن ليس بصواب في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير.

______________________________

ابي نجران، عن عاصم بطريقين سهل بن زياد في أحدهما، و الطريق الآخر علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران.

و ناقش في المسالك في دلالتها أيضا، بأنّ الجلد إلى أن ينهى عن نفسه أمّا حدّ أو تعزير، فان كان حدّا فلا بدّ من الاكتفاء بأقلّ الحدود، مع أنّ مدلولها يجلد إلى أن ينهى عن نفسه، بلا فرق بين نهيه، قبل إكمال أقلّ الحد أو بعد تجاوز أكثره، مع أنّ الحدود ليست كلّها من قبيل الأقلّ و الأكثر، و لا متساوية في الثبوت بالإقرار بمرّة، و إن كان تعزيرا فالتعزير منوط بنظر الحاكم لا بنظر من يجري عليه.

و لكن لا يخفى ما فيه، فانّ التعزير يمكن أن يكون في مورد الإقرار

بالحدّ مجملا منوطا بنهي من يجري عليه التعزير في مقداره.

و أمّا دعوى أنّها معارضة بخبر انس من طرق العامة، قال: كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجاءه رجل فقال يا رسول اللّه اني أصبت حدّا فاقمه عليّ و لم يسمه فحضرت الصلاة فصلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصلاة فقام اليه الرجل فقال يا رسول اللّه اني أصبت حدّا فأقم في حدّ اللّه قال: «أ ليس صليت معنا قال نعم قال فان اللّه غفر ذنبك وحدك» «1»، فلا يخفى ما فيها لضعفه و احتمال عفوه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و في المرسل المروي في المقنع: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أقرّ

______________________________

(1) صحيح البخاري ج 8 ص 207.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 63

و في التقبيل و المضاجعة في إزار واحد و المعانقة روايتان (1)، إحداهما:

______________________________

على نفسه بحد و لم يبين أي حدّ هو ان يجلد حتى يبلغ الثمانين ثم قال و لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بنيّة غير نفسك «1».

و لذا ذكر ابن إدريس: لا يتجاوز به المائة و لا ينقص عن ثمانين، و لكن لا يخفى ما فيه لضعفه بالإرسال و معارضته بالصحيحة و عدم عمل المشهور به، فلا يمكن الاعتماد عليه و العمل به، خصوصا من ابن إدريس الّذي لا يعمل باخبار الآحاد.

و دعوى أنّ أقل الحد ثمانون و أكثره مائة غير مقيدة، لأنّ أقلّ الحد و هو حدّ القيادة خمسة و سبعون جلدة و يثبت بالإقرار بمرتين عند المشهور، مع أنّ الإقرار بالحد يعم ارادة التعزير، فالأظهر الأخذ بظاهر الصحيحة و الالتزام بأنّه يتعلّق الجلد بالمقر بالحدّ إجمالا

إلى ان ينهى عن نفسه، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ظاهر كلامه قدّس سرّه أنّ في الاستمتاع بالأجنبية إذا كان بغير الجماع كالتقبيل و المضاجعة في إزار واحد و المعانقة روايتين، إحداهما: انّه يتعلّق بكلّ من الرجل و المرأة الحدّ الأدنى للزنا، يعني الجلد بمائة سوط، و ثانيتهما: انّ المتعلّق بكلّ منهما دون الحد المزبور، و لكن الروايات الواردة في المقام كلّها في وجدان الرجل و المرأة تحت لحاف واحد أو ثوب واحدا و فراش واحد.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حدّ الجلد أن يوجدا في

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 18، الباب 9 من مقدمات الحدود، الحديث 2: 15 و 10- الباب العاشر من مقدمات الحدود.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 64

مأة جلدة، و الأخرى: دون الحدّ، و هي أشهر.

______________________________

لحاف واحد، و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد، و المرأتان تجلدان إذ أخذتا في لحاف واحد» «1».

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «حدّ الجلد في الزنا ان يوجدا في لحاف واحد و الرجلان يوجدان في لحاف واحد، و المرأتان توجدان في لحاف واحد» «2»، و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كان علي عليه السّلام إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، و إذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحد» «3»، و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد قامت عليهما بذلك بينة و لم يطلع منهما على سوى ذلك جلد كل واحد منهما مائة جلدة» «4».

إلى غير ذلك ممّا لا يستفاد منها حكم

غير الاجتماع تحت لحاف و إزار، و في مقابل ذلك طائفتان:

إحداهما: نفي اجراء الحد الثابت في الزنا كصحيحة معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال: تضربان، فقلت: حدّا؟ قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: يضربان، فقلت:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 363.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 364.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 365.

(4) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 365.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 65

..........

______________________________

الحد؟ قال: لا» «1».

و هذه الصحيحة و ان لم تتضمن حكم اجتماع الرجل و المرأة في ثوب واحد، الّا أنّ ملاحظة الروايات الواردة في نوم الرجلين أو المرأتين أو الرجل و المرأة يوجب الجزم بعدم الفرق في الحكم بين الصور الثلاث.

و الطائفة الثانية: ما عيّن دون الحد بمائة جلدة إلّا جلده، و في موثقة أبان بن عثمان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام إذا وجد امرأة مع رجل في لحاف واحد جلد كل واحد منهما مائة سوط غير سوط» «2».

و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام وجد رجلا و امرأة في لحاف واحد فضرب كلّ واحد منهما مائة سوط الّا سوطا» «3»، و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه عباد البصري و معه أناس من أصحابه، فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد، فقال له: كان علي عليه السّلام إذا أخذ الرجلين في

لحاف واحد ضربهما الحد، فقال له عباد: انّك قلت لي غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتى أعاد ذلك مرارا، فقال: غير سوط، فكتب عند ذلك القوم الحضور الحديث» «4».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 16: 367.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 19: 367.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 20: 367.

(4) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 363.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 66

..........

______________________________

و ظاهرها أنّ الإمام عليه السّلام كان ممتنعا عن بيان أنّ الجلد أقل من الحد بسوط، و لعلّه كان لرعاية التقية، و بعد ما أصرّ على السؤال و كرره ذكره الإمام كونه أقل من الحد بسوط.

و على هذا فتكون هذه الطائفة مقيّدة للطائفة الدالة على نفي حدّ الزنا، و مقيدة أيضا لما دل على أنّ الجلد مائة سوط، حيث يقيد بأنّه مائة إلّا سوطا، و لو لم يكن الجمع المزبور تطرح ما دلّ على اجراء حدّ الزنا لكونها موافقة لمذهب العامة.

و المتحصّل أنّ الاجتماع في لحاف واحد أو إزار أو ثوب واحد، و ان لا ينفك غالبا عن بعض سائر الاستمتاع، الّا أنّ ثبوت الجلد بمائة الّا سوطا إذا حصل الاجتماع، و امّا إذا تجرد بعض تلك عن الاجتماع تحت ساتر واحد فالمتعيّن الأخذ بإطلاقات التعزير لخروجه عن موضع هذه الاخبار.

و لكن المنسوب إلى المشهور في المقام التعزير حتى في الاجتماع في ثوب واحد، و قيل: أنّه لا يقلّ عن ثلاثين سوطا و لا يزيد على تسعة و تسعين.

و يستدلّ على ذلك برواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال:

جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال: «ذو محرم، فقال: لا؟ فقال: من ضرورة، قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا ثلاثين سوطا قال: فإنه فعل، فقال: ان كان دون الثقب فالحدّ و ان هو ثقب أقيم قائما ثم

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 67

..........

______________________________

ضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال: فقلت له: فهو القتل، قال: هو ذاك، قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحاف، فقال: ذواتا محرم، قلت: لا، قال: من ضرورة؟ قلت: لا، قال: تضربان ثلاثين سوطا ثلاثين سوطا، قلت: فإنّها فعلت، قال: فشق ذلك عليه، فقال: أف أفّ أفّ ثلاثا، و قال الحدّ» «1».

و فيه انّه مع ضعف سندها، و كونها ناظرة إلى غير فرض نوم الرجل و المرأة، لا يمكن العمل بها في المقام و غيره أيضا، لما تقدّم من الروايات الدالة على حكم اجتماع الرجلين و المرأتين، و اجتماع الرجل و المرأة تحت ثوب واحد.

بقي في المقام أمر، و هو أنّ ظاهر عبارة الماتن قدّس سرّه كون الرجل و المرأة مجردين لا كاسيين، حيث عبّر بالمضاجعة في إزار واحد، و قد صرّح بهذا الاشتراط في بعض الكلمات.

و يستدلّ عليه بأنّ نوم الرجل و المرأة و نوم الرجلين و المرأتين محكوم عليه بحكم واحد في الاخبار، و يأتي اعتبار التجرد في نوم المرأتين بل الرجلين، فيكون نوم المرأة و الرجل أيضا كذلك.

و بتعبير آخر نوم الرجل مع المرأة الأجنبية في لحاف واحد كاسيين، و ان (كان محرّما أيضا، الّا انّه لا يثبت فيه إلّا التعزير، و انّما يثبت الجلد بالمائة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 21: 368.

أسس الحدود و التعزيرات، ص:

68

..........

______________________________

إلّا سوطا إذا كان كل منهما مجرّدا.

و في صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «كان علي عليه السّلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما، و كذلك المرأتين إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة» «1».

و في صحيحة معاوية بن عمار، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال: «تضربان، فقلت: حدّا، قال: لا، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: يضربان، قال: قلت: الحد؟ قال: لا» «2».

فانّ النوم في ثوب واحد ظاهره كونهما عريانين، و لكن هذا مفروض في كلام السائل، فلا يوجب التقييد في المطلقات، بخلاف صحيحة أبي عبيدة.

و في الصحيح عن أبي خديجة كما في الكافي: لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد الّا و بينهما حاجز، فان فعلتا نهيتا عن ذلك، فان وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كلّ واحد منهما حدّا حدّا، و ان وجدتا الثالثة في لحاف حدّتا. فان وجدتا الرابعة قتلتا «3».

و يدّعي أنّ الحاجز يكون بكونهما كاسيين، و لكنه لا يخلو عن تأمّل بل

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 15: 367.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 16: 367.

(3) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 25: 369.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 69

و لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم (1)، و لو أقر بحدّ غير الرجم

______________________________

ظاهر الحاجز مثل نوم الطفل بينهما، و ما فيها من عدم الحدّ في النوم الأوّل لعله لجهلهما بالحكم.

و على الجملة يمكن الالتزام بسقوط الحدّ يعني مائة جلدة

إلّا واحدة في نوم الرجلين كاسيين أو نوم المرأتين كاسيتين، و الاكتفاء بمطلق التعزير عملا بالتقييد الوارد في صحيحة أبي عبيدة، بل لا حرمة و لا تعزير في النوم كاسيين في أيام الشتاء و الضرورة، خصوصا للفقراء و المحارم، و لكن التقييد غير معتبر في نوم الرجل و المرأة الأجنبيّين، و ان كانا كاسيين، أخذ بالإطلاق بالإضافة إليهما و مماثلة وجدانهما مع وجدان الرجلين و المرأتين في مقدار الجلد، كما هو ظاهر الروايات لا في سائر الجهات.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول كما عن بعض، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه كما في الجواهر، و يدلّ عليه بعض الروايات، منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ثم جحد بعد، فقال:

«إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد قطعت يده، و ان رغم انفه، و إن أقرّ على نفسه انه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلده»، قلت: فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال: «لا و لكن كنت ضاربه الحدّ» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 320.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 70

لم يسقط بالإنكار، و لو أقر بحدّ ثم تاب كان الامام مخيرا في إقامته رجما كان أو

______________________________

و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أقرّ الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثم جحد جلد، قلت: أ رأيت إن أقرّ على نفسه بحدّ يبلغ فيه الرجم أ كنت ترجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه» «1».

و منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أقرّ على نفسه

بحدّ أقمته عليه الّا الرجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم» «2».

و مقتضى ما تقدّم سقوط الرجم بلا حاجة إلى استحلافه، و نقل عن جامع البزنطي أنّه يحلف و يسقط عنه الرجم، و انّه رواه عن الصادقين عليهما السّلام بعدّة أسانيد، و لكن لا يمكن رفع اليد عن الإطلاق المشار اليه، حيث لم يثبت نقل الحلف بطريق.

و احتمال عدم تأثير الرجوع عن الإقرار بعد أربع مرّات، أخذا بما دلّ على ثبوت الزنا بأربعة إقرارات حتّى زنا المحصن كما ترى، فانّ هذا من قبيل التمسك بالإطلاق بعد ثبوت التقييد.

ثم انّ الروايات المتقدّمة مدلولها أنّ الإنكار بعد الإقرار يوجب سقوط حد الرجم و لا يعم غيره حتى فيما كان الحدّ قتلا، و لكن قد يقال بإلحاق القتل إلى الرجم للتحفظ على الدماء، و بناء الحدّ على التخفيف، و أنّه المتفاهم العرفي من الرجم لكونه قتلا.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 320.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 320.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 71

..........

______________________________

و ذكر في الجواهر أنّ الإلحاق لا يخلو عن قوّة، و أيدّه بمرسلة جميل بن دراج التي في سندها ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليه السّلام أنّه قال: «إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود، فان رجع و قال لم افعل ترك و لم يقتل» «1».

و في مرسلته الأخرى التي رواها علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل أقرّ على نفسه بالزنا أربع مرات و هو محصن رجم إلى ان يموت،

أو يكذّب نفسه قبل ان يرجم فيقول لم افعل:

«فان قال ذلك ترك و لم يرجم»، و قال: «لا يقطع السّارق حتى يقر بالسرقة مرتين فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود» «2».

و لكن المرسلة الثانية مختصة بالرجم، و ما ورد في الرجوع عن الإقرار بالسرقة ينافي ما تقدّم من عدم سماع الإنكار و عدم سقوط الحد عنه، و المرسلة الأولى لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها.

و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه لم يثبت فتوى المشهور التعدي إلى مطلق القتل، و على تقدير فيمكن أن يكون الوجه ما ذكرنا من الوجوه التي لا تصلح لأن يرفع اليد بها عن الإطلاق في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة و إطلاق ما دلّ على قتل المرتكب.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 320.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5: 320.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 72

جلدا (1).

______________________________

(1) نعم، بما أنّ القتل ثبت حدّا بالإقرار فلوليّ الحد أيّ الإمام و الحاكم العفو عنه كما يأتي، و مسألة عفو الإمام حكم آخر غير سقوط الحد بالإنكار، على المشهور بين الأصحاب، بل لم يعلم الخلاف في جواز العفو في الأوّل، و خالف في الثاني في محكي الشرائع.

و ربما يستدل على جواز العفو في الثاني بالأولوية، فإنّه إذا جاز العفو عن العقاب الأشدّ كان الجواز في العقاب الأخفّ أولى، و لكن لا يخفى ما فيه، و قد تقدّم سماع الإنكار بعد الإقرار بموجب الرجم و يسقط به العقاب الأشدّ و لا يسمع و لا يسقط به العقاب الأخف.

و العمدة في جواز العفو معتبرة طلحة بن زيد عن

جعفر بن محمّد، قال:

جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ بالسرقة فقال: «أ تقرأ شيئا من القرآن»، قال: نعم سورة البقرة، قال: «قد وهبت يدك لسورة البقرة»، قال: فقال الأشعث:

أ تعطل حدّا من حدود اللّه؟ فقال: «و ما يدرك ما هذا إذا قامت البينة فليس للإمام ان يعفو، و إذا أقرّ الرجل عن نفسه فذاك إلى الإمام ان شاء عفا و ان شاء قطع» «1».

روى ذلك الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد، عن محمّد بن يحيى عن طلحة بن زيد، و ذكر في الوسائل، و رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام، و لكن الرواية في الفقيه مرسلة و غير منسوبة إلى قضاياه عليه السّلام.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 331.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 73

..........

______________________________

و في صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يعفي عن الحدود التي للّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حق الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الامام» «1»، و ظاهر أنّ للإمام أن يعفى عن الحدود التي للّه.

و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين قيام البينة و ثبوت الموجب بها أو بغيرها، كما هو الحال في عفو غير الإمام في حق الناس، الّا انّه يرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى صورة قيام البينة و يؤخذ به في غيرها، سواء كان ثبوت الموجب بالإقرار أو بعلم الامام، كما إذا شاهد الارتكاب بنفسه.

و يؤيد ذلك المرسل المروي في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث في حديث قال: «و امّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه البيّنة و انما تطوع بالإقرار من نفسه، و إذا كان

للإمام الذي من اللّه أن يعاقب عن اللّه كان له أن يمن عن اللّه، أما سمعت قول اللّه هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «2»» «3».

ثم ان المشهور قيدوا عفو الإمام كما في المتن بصورة التوبة، و لكن لم يظهر وجه لهذا التقييد، خصوصا إذا كان العفو سببا للتوبة و ارتداع المرتكب، و لا يخفى أيضا أنّ مدلول صحيحة الكناسي نفوذ عفو غير الإمام في حد يكون

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 51: 331.

(2) ص: 39.

(3) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 221.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 74

و لو حملت و لا بعل لم تحدّ إلّا ان تقر بالزنا أربعا (1)

______________________________

من حقوق الناس، لا عدم نفوذ عفو الإمام فيه، فلاحظ.

(1) لو حملت المرأة التي لا بعل لها أو لم يمكن حملها منه لغيبة و نحوها لم تتعلّق بها الحد، الّا أن تعترف بزناها أربع مرات، فانّ مجرد الحمل لا يدلّ على زناها، لاحتمال جذب رحمها المني أو وقوع الاشتباه أو الإكراه عليها.

نعم إذا اعترفت بزناها أربع مرات يجرى عليها الحد، و ليس المراد من الاستثناء في عبارة الماتن و غيره أن على الحاكم السؤال عن سبب حملها، بل لو تبرعت هي باعترافها يثبت زناها.

و المحكي عن القواعد أنّ المسموع من الإقرار أن تذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة، إذ ربما تعبر عما لا يوجب الحد بالزنا، و لذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما عز: «لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت».

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 74

و لكن لا يخفى ما فيه، لاعتبار ظهور كلام المقر كاعتبار ظهور كلام غيره، و المحكي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يدلّ على عدم الاكتفاء بدون الاستفسار، كما وقع من علي عليه السّلام فيما تقدّم في بعض قضاياه.

ذكر في الجواهر فروعا في المقام:

منها انّه لو اعترف الرجل بأنّه زنى بامرأة و كذبته المرأة يتعلّق الحد بالرجل دون المرأة، و لو صرّح بأنّها طاوعته بالزنا، فان قوله أنّها طاوعته اعتراف على الغير فلا يسمع، و ظاهر كلامه قدّس سرّه عدم تعلّق حدّ القذف بالرجل، و لا يبعد

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 75

[و أمّا البينة]

و أمّا البينة، فلا يكفي أقل من أربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين، و لا يقبل شهادة النساء منفردات و لا شهادة رجل و ست نساء، و يقبل شهادة رجلين و اربع نساء، و يثبت به الجلد لا الرجم (1)،

______________________________

أن يكون قوله قذفا لها، فإنّه فرق بين قوله طاوعتني، و قوله طاوعتني، على الزنا.

منها: أنّه لو اعترف المجنون بعد إفاقته أنّه زنى حال إفاقته تعلق به الحد، لعموم نفوذ إقرار العاقل، و أمّا لو لم يقيد زناه بحال إفاقته بل أطلق لم يتعلّق به الحد، لما تقدم من أنّ زنا المجنون لا يوجب الحد، و اعترافه بالزنا يحتمله، فلا يكون اعترافه إقرارا بموجب الحد.

منها: انّه لو اعترف عاقل بوطء امرأة و ادعى أنّها زوجته و أنكرت المرأة الزوجية و الوطء لم يتعلق الحدّ، لا بالرجل و لا المرأة، لعدم اعتراف واحد منهما بزناه، نعم لو اعترفت بالوطء و انّه زنى بها مطاوعة لا حدّ عليه لعدم اعترافه بالزنا، و امّا المرأة فيتعلّق

بها الحدّ إذا كرّرت أربع مرات.

أقول: قد ذكرنا أنّ قولها إنّه زنى بها مطاوعة قذف للرجل فيتعلّق بها حدّ القذف أيضا، و امّا ثبوت المهر و عدمه فقد تقدم الكلام فلا تعيد.

(1) ثبوت الزنا محصنا كان أم غيره بشهادة أربعة رجال متسالم عليه عند الكلّ، حيث يشهد لذلك قوله سبحانه الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً الآية «1»، و الكلام في جهتين:

______________________________

(1) النور: 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 76

..........

______________________________

الأولى: انّ المشهور ثبوت الزنا حتّى الموجب للرجم بشهادة ثلاثة رجال و شهادة امرأتين، و حكى الخلاف في ثبوت موجب الرجم بذلك عن العماني و المفيد و الديلمي، و يدل على ما عليه المشهور عدة روايات:

منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألت عن شهادة النساء في الرجم، فقال: «إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان و إذا كان رجلان و أربع نسوة لم تجز في الرجم» «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا يجوز شهادة النساء في رؤية الهلال و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان» «2».

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال علي عليه السّلام:

«شهادة النساء تجوز في النكاح و لا تجوز في الطلاق، و قال: إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان جاز في الرجم، و إذا كان رجلان و أربع نسوة لم تجز- الحديث» «3».

و ممّا ذكر يظهر أنّه لا يصح منع ثبوت الرجم بشهادة ثلاثة رجال و شهادة امرأتين، تمسكا بالأصل و لا بالإطلاق في الآية المباركة المقتضية لاعتبار شهادة

أربعة رجال دون غيرها، و الوجه في الظهور أنّه لا تصل النوبة إلى أصالة عدم

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 3: 258.

(2) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 10: 259.

(3) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 25: 261.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 77

..........

______________________________

الاعتبار مع قيام الدليل على الاعتبار، و لا يصح التمسك بالإطلاق مع ثبوت المقيد له.

نعم، العمدة صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم و لا تجوز شهادة النساء في القتل» «1»، و قد حمل الشيخ قدّس سرّه هذه الصحيحة على التقية لما حكى من عدم ثبوت الرجم بذلك عن أكثر العامة، و تبعه على ذلك غيره، و احتمل حملها على اختلال شروط الشهادة.

و لكن لا يخفى أنّ مدلولها موافق لإطلاق الآية المباركة و موافقة الكتاب المرجح الأوّل في باب الترجيح، و لا أقل كونها مرجحة كمخالفة العامة، و حملها على اختلال الشروط جمع تبرعي.

و يمكن أن يقال أنّه بعد تعارض الصحيحة مع ما تقدّم و تساقطهما لعدم ثبوت المرجح لخصوص إحداهما يرجع إلى الإطلاق في معتبرة عبد الرحمن- يعني عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة تجوز شهادتها قال: «تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس، و قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال» «2».

فانّ مقتضاها ثبوت الزنا الموجب للرجم أيضا بشهادة الرجال و النساء،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 28: 262.

(2) الوسائل: 18، الباب 30 من أبواب الزنا، الحديث 1:

401.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 78

..........

______________________________

و بما أنها أخص ممّا ورد من عدم سماع شهادتهنّ في الحدود يؤخذ بها غاية الأمر برفع اليد عنها بالإضافة إلى ثبوت الرجم بشهادة رجلين و أربعة نسوة، لما مرّ من الروايات من أنّ الرجم لا يثبت بهذه الشهادة.

و لكنّ الظاهر أنّ ما ورد في جواز شهادة الرجال مع النساء في الحدود لا يمكن الأخذ به، لعدم ثبوت سائر الحدود بشهادة الرجال و النساء.

و على الجملة فإن حصل وثوق بصدور صحيحة محمّد بن مسلم لرعاية التقية فهو، و الّا فالالتزام بثبوت موجب الرجم بشهادة ثلاثة رجال و امرأتين مشكل جدا.

نعم يثبت الجلد في الفرض فإنّه إذا ثبت الجلد في شهادة رجلين و أربع نساء ثبت في شهادة ثلاثة رجال و امرأتين بالأولوية، و في صحيحة الحلبي أو موثقته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم و إن شهد عليه رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم» «1»، و لكن يضرب حد الزاني.

و لا يبعد ان يكون المشهور ثبوت الجلد فيما إذا شهد رجلان و أربع نسوة بموجب الرجم، خلافا لجماعة منهم الصدوقين و القاضي و الحلبي و العلامة في المختلف، حيث ذكروا أنّه لا يثبت بشهادة رجلين و أربع نسوة لا الرجم و لا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 21: 260.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 79

..........

______________________________

الجلد، لصحيحة محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام: «و تجوز شهادتهن في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان و لا تجوز شهادة رجلين و أربع نسوة في

الزنا و الرجم- الحديث» «1».

فان مقتضى عطف الرجم على الزنا عدم ثبوت شي ء منهما بشهادة رجلين و أربع نسوة.

أضف إلى ذلك ما ذكره العلامة قدّس سرّه من أنّه لو ثبتت بالشهادة المزبورة الزنا فاللازم الرجم و الا فلا موجب للجلد أيضا، و بتعبير آخر كون المشهود عليه محصنا محرز بالوجدان فان أحرز بالشهادة المفروضة زناه فالحد هو الرجم و إلّا فلا موجب لإجراء حد الزنا غير المحصن.

و فيه أنّه نوع اجتهاد في مقابل النصّ الدالّ على تخفيف حدّ المحصن بالشهادة المخصوصة، و أمّا صحيحة محمّد بن الفضيل، فالجمع بينها و بين ما تقدّم هو تقييد الزنا المنفي ثبوته بشهادة رجلين و أربع نسوة إلى الزنا الموجب للرجم.

بقي في المقام أمر ذكروه في كتاب اللعان، و هو أنّه إذا كان أحد الأربعة من الشهود زوج المرأة فهل يثبت زناها أو إنّ شهادة الزوج لا اعتبار بها فان دخل بها الزوج يحد الشهود و تلاعن الزوج، و قد ذكر الماتن قدّس سرّه عنوان المسألة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 7: 259.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 80

..........

______________________________

في كتاب اللعان و في المسألة الرابعة من لواحق حدّ الزنا، و قال: انّ في شهادة الزوج روايتين- إلخ.

أقول: هذه إشارة إلى رواية إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: «تجوز شهادتهم» «1»، و الرواية في سندها عباد بن كثير، فلا يمكن الاعتماد عليها، و لكن يقال: إنّ السماع مقتضى إطلاق الكتاب المجيد، قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ، فإنّ فيها دلالة، و لا أقل من الإشارة

إلى عدّ الزوج شاهدا، و لو كان معه ثلاثة عدول يصدق انّ لهم شهداء، و لقوله سبحانه وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ الآية «2» بناء على انّ الخطاب للحكام لا للأزواج.

و بتعبير آخر، الزنا كغيره من حقوق اللّه يحتاج في الثبوت إلى الشهادة حسبه، و ليس فيه مدع ليحتاج إلى إثبات دعواه بشهادة الغير، و مقتضى إطلاق ما ورد في ثبوت الزنا بشهادة الأربع عمومه لما إذا كان أحدهم زوجها.

و الرواية الأخرى ظاهرها أنّه يحدّ الشهود الثلاثة و يلاعن الزوج، و هي رواية زرارة عن أحدهما عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: «يلاعن و يجلد الآخرون» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1: 606.

(2) النساء: 15.

(3) الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 2: 606.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 81

..........

______________________________

و هذه الرواية في سندها إسماعيل بن خراش، و هو مجهول، و مع فرض المعارضة فالترجيح للرواية الأولى لمطابقتها للكتاب المجيد على ما قيل.

و في البين رواية ثالثة و هي صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بفجور أحدهم زوجها، قال: «يجلدون الثلاثة و يلاعنها زوجها و يفرّق بينهما و لا تحلّ له ابدا» «1»، و هذه لا تعم صورة عدم دخول الزوج، فإنّ الملاعنة تتوقف على الدخول بالمرأة و لكن لا يحتمل دخل الدخول بالمرأة في عدم اعتبار قول الزوج.

و يمكن استفادة عدم السماع من الآية المباركة، حيث انّ الآية الثانية بقرينة ما في ذيلها فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ «2»، خطاب للأزواج لا الحاكم، و ظاهر الآية الأولى أنّه إذا لم يكن للزوج شهداء يثبت

زناها، و الشهداء في الزنا أربعة رجال، خصوصا بملاحظة قوله سبحانه وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ حيث انّ الإتيان بالأربع لا يشمل نفس الزوج.

اللهم الّا أن يقال: هذا في سبق دعوى الزوج، و لكن هذا المقدار مع ملاحظة صحيحة مسمع الشاملة لشهادة الزوج مع غيره من الشهود كاف في الحكم بعدم قبول شهادة الزوج لزنا المرأة مطلقا و لو مع عدم سبق الرمي.

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 3: 606.

(2) النساء: 15.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 82

و لو شهد ما دون الأربع لم يجب و حدّ كل واحد منهم للفرية (1).

و لا بدّ في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة (2) من

______________________________

(1) إذا لم يتم الشهود بالزنا على ما تقدم لم يتعلق على المشهود عليه حد رجما كان أو جلدا بل يتعلق بالشاهد حد القذف على ما يأتي.

بل يأتي انّه لو شهد بعضهم قبل حضور الباقين أو الباقي يتعلق به حد القذف، و من عدم تمام الشهود شهادة النساء منفردات أو شهادة رجل، و ست نساء أو غير ذلك ممّا لم يتمّ الدليل على اعتبار شهادتهم.

(2) قد تقدّم في كتاب الشهادة انّ المعتبر فيها حسّ الشاهد الواقعة التي يشهد بها، و لا يكفي في الشهادة بها مجرّد الاعتقاد بها، حتى لو كان الاعتقاد جزميا خلافا لظاهر جماعة، حيث انّ مقتضى كلماتهم الاكتفاء في الشهادة بمجرّد العلم بالواقعة و الحسّ أحد الأسباب الموجبة لليقين بها.

و لكن الظاهر أنّ الكلّ متّفقون في الشهادة بالزنا باعتبار المعاينة، و لا يكفي مجرد العلم و الاعتقاد، و يستدلّ على ذلك بروايات:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«حد الرجم أن يشهد أربع أنّهم رأوه يدخل و يخرج» «1».

و صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يرجم رجل و لا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 370.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 83

غير عقد و لا ملك و لا شبهة، و يكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبب التحليل، و لو

______________________________

و الإخراج» «1»، إلى غير ذلك.

و قد ذكرنا أنّ المراد بحسّ الواقعة المشهود بها ليس خصوص حسّها بنفسها، بل يكفي حسّ الأمور الملازمة لها، بحيث يعدّ حسّ تلك الأمور حسّها، و لكن ظاهر كثير من الأصحاب بل المصرّح به في كلمات أكثرهم أنّه يعتبر في الشهادة بالزنا رؤية نفس الإدخال و الإخراج في فرج المرأة، و يعتبر أيضا في سماع الشهادة ذكر الشاهد، و تصريحه أنّه رأى الإدخال و الإخراج كذلك.

و يستدلّ على اعتبار الأمرين بصحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«القاذف يجلد ثمانين جلدة- إلى ان قال-: و لا تقبل شهادتهم حتّى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة» «2»، و ظاهرها اعتبار الأمرين و بصحيحة الحلبي المتقدمة.

و لكن لا يخفى أنّ الشهادة بأنّهم رأوا الزاني يدخل و يخرج غير نفس رؤية الإدخال و الإخراج، كما هو ظاهر صحيحة حريز، كما أنّ الشهادة بالإيلاج و الإخراج لا تقتضي رؤية الإيلاج و الإخراج بنفسها، بل يكفي في الشهادة بذلك رؤية الشخص بحالة و حسّ أثر لا يحتمل غير الإدخال و الإخراج في الفرج، و بمعنى أنّ رؤية تلك الحال و الأثر بعد رؤية الإدخال و الإخراج، و المراد بهذه الاخبار

أنّ الاعتقاد بهما بغير ذلك لا يعتبر في الشهادة، و الّا لانسد باب الشهادة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 370.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 433.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 84

لم يشهدوا بالمعاينة لم يحدّ المشهود عليه و حدّ الشهود.

______________________________

على الزنا و لا تتحقق إلّا في مورد نادر جدّا.

و لعلّ هذا هو المراد من صحيحة زرارة أو موثقته عن أبي جعفر، قال: «إذا قال الشاهد أنّه جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد» «1»، و حملها على انّ المراد بالحدّ التعزير أو حدّ الشاهد كما ترى، فإنّ الأوّل خلاف ظاهر الحد و يستحق الجالس التعزير قبل جلوسه، و حدّ الشاهد لا معنى له إذا لم يكن رميه بالزنا.

و على الجملة لا يعتبر في الشهادة بالزنا ذكر الإيلاج و الإخراج، فإنّ ذكر الزنا مفاده إدخال ذكره في فرجها، و يعتبر في الشهادة حسّ الواقعة المشهود بها نظير حسّ سائر الوقائع المشهود بها، و الّا فاللازم عدم الاكتفاء بذكر الإيلاج فقط، و أنّه رأى الإيلاج دون الإخراج، أضف إلى ذلك أنّ الروايات التي استظهر منها اعتبار الأمرين في الشهادة بالزنا ناظرة إلى حدّ الرجم دون الجلد.

ثم ان ظاهر الماتن قدّس سرّه الاكتفاء بقول الشاهد أن يقول: رأيته أنّه يولج ذكره في فرجها و لا نعلم بينهما سببا للتحليل، و لكن لا يخفى ما فيه، فانّ الحاكم إذا رأى بنفسه أنّه يدخل ذكره في فرجها و احتمل الزوجية أو الشبهة بينهما لم يقم عليه الحدّ إلّا أن يعترفا بعدم الزوجيّة و غيرها، فكيف ما إذا أخبر به أربعة رجال.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من

أبواب حد الزنا، الحديث 10: 373.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 85

و لا بدّ من تواردهم على الفعل الواحد و الزمان الواحد و المكان الواحد، فلو شهد بعض بالمعاينة و بعض لا بها، أو شهد بعض بالزنا في زاوية من بيت و بعض في زاوية أخرى، أو شهد بعض في يوم الجمعة و بعض في يوم السبت، فلا حدّ، و يحدّ الشهود للقذف (1).

______________________________

و على الجملة إذا شهدوا بأنّهم رأوهما كما ذكر و لم نعلم سبب الحلّ لا يكون المشهود به هو الزنا، بل لا بدّ من شهادتهم من غير عقد و ملك و شبهة، و لو رموهما و قالوا: شهدنا الإيلاج و الإخراج و لم نعلم سبب التحليل، يتعلق بهم حد القذف لا التعزير.

و ما في الجواهر من أنّهم يعزّرون مع عدم نسبتهم إيّاه إلى الزنا، فيه ما لا يخفى.

(1) الخصوصيات التي لا دخل لها في موجب الحد، ككون الزنا في الليل أو النهار أو كونه يوم الجمعة أو يوم السبت، و كونه في مكان كذا و مكان آخر أو كون المرأة المزني بها فلانة أو غيرها، و إن لم يلزم ذكرها في الشهادة إلّا أنّها إذا ذكرت في كلام بعضهم و ذكر خلافها في كلام البعض الآخر لم يثبت الزنا، بل يحدّ الشهود لقذفهم المشهود عليه.

و كذا الاختلاف فيما له دخل في ثبوت موجب الحدّ، كما إذا قال: بعض الشهود رأينا إيلاجه و إخراجه، قال البعض الآخر: رأيته كان راكب المرأة كركوب الرجل زوجته.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 86

..........

______________________________

بل ذكر جماعة أنّه إذا ذكر بعض الشهود بعض الخصوصيّات التي لا دخل لها في تعلّق الحدّ و لم يذكر تلك الخصوصية في شهادة

البعض الآخر لم يثبت الزنا بل يحدّ الشهود.

و لعلّ هذا الاعتبار يختصّ بالشهادة بالزنا و أمّا في سائر الموارد فلا يعتبر ذلك، و لو قال أحد الشاهدين رأيت زيدا باع داره عمرا بألف ليلة الجمعة و قال الآخر رأيته باع داره عمرا بألف، من غير تعرّض لزمان البيع ثبت البيع لعمرو، و لهذا ناقش بعض الأصحاب كالشهيد الثاني و غيره بأنّ الاعتبار في الشهادة بالزنا غير وارد في الروايات و لا في كلام المتقدمين من الأصحاب.

و ذكر في الرياض انّ ذلك حسن لو لا موثقة عمار الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنه قد زنى بفلانة و يشهد الرابع أنّه لا يدري بمن زنى قال: «لا يحدّ و لا يرجم» «1»، فانّ هذه الموثقة، و إن كانت واردة في ذكر المزني بها في شهادة بعضهم و عدم ذكرها في شهادة البعض الآخر إلّا أنّه لا قائل بالفرق بين ذكر هذه الخصوصية في شهادة بعضهم و إهمالها و بين سائر الخصوصيات و إهمالها.

أقول: الاختلاف في الخصوصيات على نحوين، فتارة لا يخرج الواقعة المشهود بها عن واقعة خارجية واحدة، بمعنى أنّ الكل يخبرون عن تلك

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 372.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 87

و لو شهد بعض أنّه أكرهها و بعض بالمطاوعة، ففي ثبوت الحدّ على الزنا وجهان (1)، أحدهما يثبت، للاتفاق على الزنا الموجب للحدّ على كلا

______________________________

الواقعة الخارجية، بحيث يكون المحكي بشهادة بعضهم بعينه هو المحكي بشهادة الآخرين، كما إذا قال بعضهم رأينا كلّنا أنّ زيدا يزني بزوجة عمرو، و قال البعض الآخر أيضا كذلك و لكن اختلفا، و

قال بعضهم كان الزمان ليلة الجمعة و قال الآخر كانت ليلة السبت، ففي مثل ذلك لا يضر الاختلاف فضلا عما ذكرت خصوصية الزمان في كلام بعضهم و لم تذكر في كلام بعض آخر، و إمّا إذا كان الاختلاف أو ذكر الخصوصية و إهمالها بوجه يحتمل معهما تعدّد الواقعة المشهود بها، فلا يحرز الواقعة بتلك الشهادة، حيث لم يحرز أخبار أربعة رجال عن واقعة واحدة.

نعم، لا يبعد دعوى الإطلاق في موثقة عمار المتقدمة، و لا بأس بالالتزام بإطلاقها، و لكن لا يمكن التعدي من المفروض فيها إلى سائر الخصوصيات لاحتمال الفرق، فانّ تعيين المزني بها في كلام بعض الشهود لو لم يكن رميا لها بالزنا فلا أقلّ من كونه هتكا لها، فيسقط اعتبار الشهود، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) إذا اختلف الشهود في كون المزني بها مكرها عليها، بأن شهد بعض أنّه زنى بامرأة مكرها عليها، و قال البعض الآخر أنّه زنى بها مطاوعة منها، ففي ثبوت زنا الرجل وجهان، بل قولان، فإنّ المحكي عن الشيخ قدّس سرّه و ابني الجنيد و إدريس ثبوته، لاتفاق الشهود على زنا الرجل الموجب للحدّ، و عن العلامة في بعض كتبه و الشهيدين أنّ زناه لا يثبت، لأنّ الزنا بنحو الإكراه على المرأة يختلف

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 88

التقديرين، و الآخر لا يثبت، لأنّ الزنا بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة، فكأنّه شهادة على فعلين.

______________________________

عن الزنا بمطاوعتها و لذا يختلف الحد في الزنائين، و كأنهما فعلان لم يتم بشي ء منهما شهادة أربعة رجال.

و ذكر في الجواهر ما حاصله: أنّه إذا أمكن مع الاختلاف في الخصوصية صدق جميع الشهود كما إذا شهد بعض الشهود أنّه زنى و كان لابسا ثوب

أبيض، و قال البعض الآخر أنّه زنى و كان لابسا ثوب أسود فإنه يثبت الزنا، حيث يمكن أن يكون حال الفجور لابسا كلا من الأبيض و الأسود، و أمّا إذا لم يكن اجتماع الخصوصيتين، كما إذا قال بعض أنّه زنى في الليل و قال الآخر زنى بالنهار، فلكون المشهود به فعلين لم يتم بشي ء منهما الشهود الأربع.

و الأمر في إكراه المرأة المزني بها أو الزنا بها بمطاوعتها أمر ممكن، حيث يمكن أن تكون الشهادة على الزنا بمطاوعتها لكون الإكراه صوريا.

أقول: قد ذكرنا أنّ الملاك في ثبوت الزنا و غيره من موجب الحد كون الواقعة الشخصية مخبرا بها في كلام جميع الشهود، فان كان في البين قرينة على أنّ الواقعة الشخصيّة التي يحكيها البعض هي التي يحكيها الآخرون، فلا عبرة باختلافهم في الخصوصيات التي لا دخل لها في ثبوت موجب الحد، و أمّا إذا لم يكن في البين قرينة على ذلك فلا يثبت موجب الحد مع اختلاف الشهود لاحتمال كون المحكي غير الواقعة الواحدة، سواء أمكن اجتماع الخصوصيات في واقعة واحدة أم لا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 89

و لو أقام الشهادة بعض في وقت حدّوا للقذف، و لم يرتقب إتمام البينة لأنّه لا تأخير في حدّ (1).

______________________________

و بما أنّ المفروض في المقام اتفاق الكل على حكاية واقعة شخصية و اختلفوا في خصوصياتها، و هو كون المرأة المزني بها مكرهة أم لا، فلا قدح في الشهادة من جهة حكاية الواقعة الواحدة.

نعم ربما يقال: هذا فيما إذا لم تعين المرأة في كلام بعضهم و الّا فلا تقبل شهادتهم، لانه مع ذكر البعض كون المرأة الفلانية المزني بها مطاوعة يكون ذلك قذفا لها، و حيث إنّ زناها لم

يثبت يكون شهود المطاوعة محكوما عليهم بالفسق فلا يعتبر الشهادة في زنا الرجل أيضا فيتعلّق بالشهود حد القذف، و إن اختلف شهود المطاوعة مع شهود الإكراه بتعلّق حدين للقذف بشهود المطاوعة و تعلق حد واحد للقذف بشهود الإكراه.

و لكن لا يخفى انّه تقدم سابقا أنّ قول الشاهد أو غيره زيد زنى بالمرأة الفلانية لا يكون قذفا للمرأة، حيث يحتمل أن ينفي الزنا عنها بأنّها كانت مشتبهة أو لعلها كانت مشتبهة حتى في صورة عدم الإكراه عليها، و عليه فلا يكون تعيين المرأة قذفا لها، نعم إذا ذكر بعضهم أنّها أيضا زانية مطاوعة و قال الآخرون إنّها مكرهة عليه كان الأمر كما ذكر.

(1) ينبغي التكلم في مقامين:

الأوّل: إذا ثبت موجب الحد و تعلّق الحد بفاعل يجري عليه الحد بلا تأخير عرفا و لا يجوز تأخير إجرائه عليه، و يلزم على ذلك إذا كان ثبوت موجب

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 90

..........

______________________________

الحد بشهادة الشهود و لم يتم شهادتهم في وقت واحد عرفا، بأن تمت شهادة بعضهم و أخر البعض الآخر الشهادة إلى وقت آخر، يتعلق بالبعض الذي شهد الحد الثابت، في فرض عدم تمام الشهادة المعتبرة كثبوت الزنا بشهادة الأربع، فإنه مع عدم تمام شهادتهم يتعلق بالبعض الذي شهد حد القذف.

و يشهد لذلك معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال علي عليه السّلام: «أين الرابع»، قالوا: الآن يجي ء، فقال علي عليه السّلام: «حدّوهم فإنّه ليس في الحدود نظر ساعة» «1»، و روى الحديث المشايخ الثلاثة.

و روي في الوسائل عن الصدوق قدّس سرّه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام، قال: «إذا كان في الحد لعل أو

عسى فالحد معطل» «2»، و لكن الرواية في الفقيه مرسلة أرسلها عن أمير المؤمنين عليه السّلام، فراجع.

و الحاصل، تأخير الحد بعد ثبوت موجبه بالإمهال و الانتظار غير جائز نصا و فتوى.

المقام الثاني: يجوز في تمام الشهادة بموجب الحد في غير القذف إقامة الشهادة به من بعض الشهود و إقامتها من بعض آخر في وقت آخر، كما إذا شهد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 372.

(2) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 336.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 91

و لا يقدح تقادم الزنا في الشهادة (1)،

______________________________

عدل بالسرقة في يوم و شهد عدل آخر بتلك السرقة في يوم آخر، و لا يحسب ذلك من الإمهال و التأخير في إقامة الحد، حيث شهادة الواحد لا تثبت السرقة أو غيرها ليتعلّق الحد بالفاعل بل ثبوتها بكلتا الشهادتين، و مقتضى ثبوت الموجب بالبينة عدم الفرق بين أداء شهادتهما في وقت أو وقتين.

و اما الشهادة بالزنا و نحوه مما يعد شهادة كل واحد مستقلا قذفا فلا يعتبر فيها حضور الشهود جميعا قبل إقامة شهادة البعض، و إن يظهر اعتبار ذلك من بعض الكلمات بل اللازم كون شهادتهم في وقت واحد، بحيث لا يكون في البين انتظار بعد إقامة الحاضر شهادته، و لا يستفاد من معتبرة السكوني المتقدمة أزيد من هذا المقدار.

(1) المراد أنّه تسمع الشهادة بالزنا و إن مضى زمان كثير على وقوعه، بأن شهدوا أنّه زنى قبل سنتين، فإنّه بالبينة المزبورة تثبت موجب الحد بمقتضى إطلاق اعتبارها، و كما يثبت القذف الموجب للحد بقوله انّ فلانا زنى قبل سنتين، كذلك يثبت الزنا إذا تم عليه شهود أربع، كما هو مقتضى الآية

المباركة و ما ورد في الشهادة بالزنا من الإطلاق.

و ذكر الماتن قدّس سرّه و في بعض الاخبار: ان زاد على ستة أشهر لم تسمع و هو مطرح، و لكن لم يظهر لي ما المراد من بعض الاخبار، و لو كان في البين ما يكون تامّا سندا و دلالة فطرحه مشكل، لكون المطلقات المشار إليها قابلة للتقييد، كسائر موارد الجمع بين الإطلاق و التقييد.

نعم يستظهر من بعض الاخبار أنّه إذا تاب في المدة المزبورة بل الأقلّ لم

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 92

و في بعض الاخبار: ان زاد عن ستة أشهر لم يسمع، و هو مطرح، و يقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد (1)، و من الاحتياط تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع (2)، و ليس بلازم.

______________________________

يقم عليه الحد، و هذا أمر آخر سيأتي الكلام فيه عند تعرضه قدّس سرّه له.

(1) و الوجه في ذلك أنّ كل زنا يثبت بشهادة الأربع، سواء كان الأربع هم الّذين شهدوا بالزنا الآخر أم لا، و على الجملة قبول شهادة الأربع على كل من الاثنين مقتضى ما ورد في ثبوت الزنا بشهادة الأربع، بل في موثقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع و الإيلاج» «1»، و ظاهرها شهادة الأربع على زنا كلّ من الرجل و المرأة، و في خبر عبد اللّه بن جذاعة قال: سألته عن أربعة نفر شهدوا على رجلين و امرأتين بالزنا، قال: «يرجمون» «2».

(2) مقتضى الإطلاق فيما ورد من ثبوت الزنا بشهادة الأربع عدم الفرق بين كون شهادتهم على الاجتماع أو على نحو التفريق، غاية الأمر الاحتياط أمر مستحسن مع

كون الحدود مبنيّة على التخفيف و الممانعة عن ثبوت الموجب، و عليه فالأولى للحاكم تفريقهم في أداء الشهادة، حيث ربما يكون هذا من الممانعة عن ثبوت الزنا و هذا غير لازم، و لذا يجوز للشهود إقامة الشهادة بالزنا من غير مدح له و لا طلب من الحاكم، لأنّ الزنا من حقوق اللّه و تسمع فيها

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 372.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 372.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 93

و لا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه و لا بتكذيبه (1)

______________________________

الشهادة حسبة.

و الحاصل إذا أقام الأربع الشهادة جميعا يدخل شهادتهم في إطلاق ما دلّ على ثبوت الزنا بشهادة أربعة رجال و نحوه، فيكون تفريقهم في أداء الشهادة من الاحتياط المستحب.

نعم لو لم يكن في البين إطلاق كان مقتضى الأصل العملي عدم ثبوته بالأداء مجتمعا، لدوران الحجة بين التعيين، أيّ الأداء متفرقا، و بين التخيير اي مطلق الأداء و لو كان مجتمعا، فلا وجه لما عن صاحب الجواهر قدّس سرّه من أنّ عدم اعتبار التفريق مقتضى الأصل العملي كما لا يخفى.

(1) إذا شهد بزنا الرجل أو المرأة أربع و أقر المشهود عليه بزناه بأقل من أربع مرات، فقد حكى عن أبي حنيفة أنّ إقرار المشهود عليه إقرار على النفس يقدّم على البينة، و حيث لا اعتبار بالبينة مع الإقرار فلا يحدّ المقرّ لسقوط البينة عن الاعتبار، و بما أنّ إقراره أقلّ من أربع مرات فلا يثبت موجب الحد بالإقرار.

فيه ما لا يخفى، فانّ مقتضى ما ورد في ثبوت الحد بشهادة الأربع عدم الفرق بين إقرار المشهود عليه بعدها أو عدم إقراره، و إنما

لا تعتبر البينة المخالفة للإقرار على النفس و البينة المفروضة في المقام غير مخالفة لإقرار المشهود عليه على نفسه.

و ممّا ذكر يظهر الحال في تكذيبه الشهود، فانّ تكذيبه غير داخل في

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 94

و من تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحدّ (1)، و لو تاب بعد قيامها لم يسقط، حدّا كان أو رجما.

______________________________

الإقرار على النفس لينافي اعتبار شهادتهم.

(1) أمّا عدم سقوط الحدّ بعد قيام البينة، فهو مقتضى ما ورد في تعلق الحدّ جلدا كان أو رجما بشهادة الأربع و نحوها، حيث أنّ الإطلاق فيه يقتضي عدم الفرق بين أن يتوب المشهود عليه بعد ذلك أم لا.

و يمكن استفادة ذلك أيضا ممّا ورد فيمن هرب من الحفيرة، و في صحيحة الحسين بن خالد، قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن المحصن إذا هرب من الحفيرة هل يردّ حتى يقام عليه الحدّ؟ فقال: «يردّ و لا يرد» قلت:

و كيف ذلك؟ فقال: «ان كان هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يرد، و ان كان انمّا قامت عليه البينة و هو يجحد ثم هرب ردّ و هو صاغر حتى يقام عليه الحد» «1».

فإنّه عليه السّلام لم يستفصل بين كون هربه للتوبة أم لا، و لكن هذه الاستفادة قابلة للمناقشة، حيث إنّ مع جحوده لا يمكن معرفة توبته. و ربما يستدلّ على عدم السقوط باستصحاب بقاء الحدّ عليه، و يورد عليه بأنّ الحدّ لا يكون مثل الدين على الذمة ليستصحب بل يتعلّق بالبدن، و لكن فيه ما لا يخفى، فإنّه لو

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 376.

أسس الحدود و التعزيرات،

ص: 95

[النظر الثاني في الحدّ]

اشارة

النظر الثاني في الحدّ، و فيه مقامان:

______________________________

اعتبر الاستصحاب فلا فرق بين استصحاب الأمر الوضعي أو التكليفي، و ان لم يعتبر لكون الشبهة حكمية أو إنّ الاستصحاب لا يكون من مثبتات الحدود حدوثا و بقاء، لدرء الحدود بالشبهة حتى فيما كانت حكمية، فلا مجرى له.

و ربما يستظهر عدم السقوط من المرسلة عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أقيمت عليه البينة بأنّه زنى ثم هرب قبل أن يضرب، قال: «إن تاب فما عليه شي ء و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحدّ و إن علم مكانه بعث اليه» «1»، بدعوى أنّ ظاهرها عدم الشي ء على التائب في ما بينه و بين اللّه، و لكن على الإمام ان يقيم الحدّ، نظير ما ذكر في توبة المرتد الفطري، و لكن هذه لضعفها سندا تصلح للتأييد.

و ما يقال من أنّ التوبة مكفّرة للعقوبة الأخروية التي أشدّ، فكونها مسقطة للعقاب الدنيوي أولى لكونه أخفّ، كما ترى.

و على الجملة كما أنّ المرتد الفطري إذا تاب و أصلح لا يسقط عنه الحدّ، و لكن توبته موجبة لسقوط العقاب الأخروي، كذلك سائر الحدود بعد قيام البينة، بل تقدم سابقا أنّه لا مورد لعفو الإمام بعد ثبوت الحدّ بالبينة.

و امّا كون التوبة مسقطة للحدّ قبل قيامها، فقد ثبت ذلك في حدّي السرقة و المحارب، و أمّا في غيرهما و منه الزنا فعليه المشهور.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 328.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 96

[الأوّل: في أقسامه]
اشارة

الأوّل: في أقسامه، و هي قتل أو رجم أو جلد و جزّ و تغريب.

______________________________

و ربّما يستدلّ على ذلك بمرسلة جميل عن رجل، عن أحدهما عليه السّلام في رجل سرق

أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه و لم يؤخذ حتى تاب و صلح، فقال: «إذا صلح و عرف منه خير لم يقم عليه الحدّ»، قال ابن أبي عمير:

قلت: فان كان أمرا قريبا لم يقم، قال: «لو كان خمسة أشهر أو أقل و قد ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود»، روى ذلك بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السّلام «1» بدعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور.

و لكن من المحتمل أنّ استناد بعضهم لو لا جلّهم إلى ما ورد في الترغيب في ستر الإنسان ما ارتكبه من موجب الحدّ و التوبة إلى اللّه سبحانه، و أنّه خير من تعريض نفسه لإقامة الحد، و في صحيحة أبي العباس أو موثقته قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجل فقال: اني زنيت- إلى ان قال-: فقال رسول اللّه: لو استتر ثم تاب كان خيرا منه» «2».

و لكن حيث انّ هذه لا تدلّ على سقوط الحد، بحيث لو ثبت بعد ذلك الارتكاب لا يجري عليه الحد، فلا يمكن لنا رفع اليد عن الإطلاق المشار إليه المقتضي لتعلّق الحد على المرتكب، حتى ما إذا تاب قبل قيام البينة.

نعم في البين أمران:

أحدهما: أنّه إذا تاب الإنسان عمّا ارتكبه من موجب الحدّ أو التعزير فلا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 328.

(2) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5: 328.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 97

[و أمّا القتل]

و أمّا القتل: فيجب على من زنى بذات محرم، كالأمّ و البنت و شبههما (1)،

______________________________

يكون عليه وزر، لا في ارتكابه و لا في عدم إجراء الحد عليه

لعدم ثبوته، و هذا يستفاد من صحيحة أبي العباس أو موثقته، فانّ ظاهرها الترغيب في ستر الإنسان عمله، و انّ توبته إلى اللّه مع الارتكاب خير من حضوره إلى الحاكم و إثبات ارتكابه بإقراره.

و الأمر الثاني: انّ الحدود التي من حقوق اللّه سبحانه إذا ثبتت باعتراف المنكر فللإمام العفو عنها دون ما إذا ثبتت بالبينة، حيث يتعيّن على الإمام إجرائها، و أمّا الحدّ الّذي من حقوق الناس فالعفو عنها بيد صاحب الحق قبل رفعه إلى الإمام أو مطلقا، و هذان الأمران لا يرتبطان بسقوط الحدّ بالتوبة في غير السرقة و المحارب، فانّ السقوط فيهما ثابت كما يأتي.

(1) حدّ الزنا هو القتل و الرجم و الجلد و الجز و التغريب، على ما يأتي التفصيل.

أمّا القتل، فقد ذكر الأصحاب أنّه إذا زنى بذات محرم كالأم و الأخت و العمّة و الخالة و البنت يقتل، سواء كان محصنا أو غيره حرّا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شابا أو شيخا، من غير فرق في الحكم بين الزاني و المرأة المزني بها إذا طاوعته، و لا يبعد أن يكون هذا الحكم في الزنا بذات محرم نسبا المتسالم عليه بينهم قديما و حديثا.

و يستدلّ على ذلك بصحيحة أبي أيوّب قال: سمعت بكير بن أعين

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 98

..........

______________________________

يروي عن أحدهما عليه السّلام: «من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت، و إن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له: فمن يضربهما و ليس لهما خصم؟ قال: ذاك إلى الإمام إذا رافعا إليه» «1»، رواها المشايخ الثلاثة.

و ربما يناقش بعدم ظهورها في خصوص القتل، خصوصا بملاحظة مرسلة محمّد

بن عبد اللّه بن مهران، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل وقع على أخته، قال: «يضرب ضربة بالسيف»، قلت: فإنّه يخلص، قال: «يحبس ابدا حتى يموت» «2»، و رواية عامر بن السمط، عن علي بن الحسين عليه السّلام في الرجل يقع على أخته، قال: «يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت، فان عاش خلد في السجن حتى يموت» «3».

و فيه إنّ المراد من قوله عليه السّلام أخذت منه ما أخذت نفوذ السيف في الموضع الّذي هو العنق و الرقبة، كما في صحيحة جميل عن، أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تضرب عنقه- أو قال- رقبته» «4»، و كذا فيما رواه الكليني بسنده عنه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أين يضرب الّذي يأتي ذات محرم بالسيف أين هذه الضربة، قال: «تضرب عنقه- أو قال-: تضرب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 385.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 385.

(3) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 387.

(4) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 10: 389.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 99

..........

______________________________

رقبته» «1».

و عبرنا بالصحيح لأنّ طريق الصدوق قدّس سرّه إلى جميل بن دراج و محمّد بن حمران صحيح، على ما في مشيخة الفقيه، و يستظهر أنّ طريقه لا يختص بالكتاب المشترك بين دراج و محمّد بن حمران، بل لا يبعد أن يكون طريق الكليني أيضا معتبرا لأنّ الحكم بن مسكين من المعاريف في الحديث و لم يرد فيه قدح.

و على الجملة ظاهر ضرب رقبة الشخص أو عنقه بالسيف قتله، و يؤيّد ذلك رواية

سليمان بن هلال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يفعل بالرجل، فقال: «ان كان دون الثقب فالجلد و ان كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذت منه ما أخذت، فقلت له: هو القتل، قال هو ذاك» «2» و لذا عبّر الأصحاب عن هذا الحدّ بالقتل.

و امّا الروايتان فضعيفتان حيث إنّ الأولى مرسلة و محمّد بن عبد اللّه بن مهران، ضعيف، و الثانية رواها في الوسائل عن الفقيه عن صفوان بن مهران عن عامر بن السمط، و لم يثبت وثاقة عامر، مع انّ المذكور في النسخة المطبوعة عمرو بن السمط، و هو غير مذكور في الرجال، و أخرجها في الفقيه، في باب الحبس يتوجّه إلى الحكام، فالمتعيّن الأخذ بظاهر صحيحة جميل من هذه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 385.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 416.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 100

..........

______________________________

الجهة، يعني تعيّن ضربه بالسيف في عنقه، يعني قتله بذلك.

نعم، في البين موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حد الزاني الّا انّه أعظم ذنبا» «1».

و قد حمل الشيخ قدّس سرّه هذه على تخيير الإمام في المحصن بين أن يرجمه أو يضربه بالسيف، لأنّ الرجم أيضا قتل.

و لكن لا يخفى أنّ ظاهرها أنّ غير المحصن يجلد و المحصن يرجم و أنّ الزنا بذات المحرم لا يختلف في الحدّ عن الزنا بغيرها بل اختلافهما في الذنب، حيث إنّ الإثم في الزنا بذات المحرم أعظم، فالرواية بظاهرها معرض عنها عند الأصحاب، و ببالي أنّ القول بالتسوية محكي عن العامة و لعلّها قرينة على كونها

لرعايتها.

ثمّ إنّ المحكي عن ابن إدريس جلد الزاني بذات المحرم أوّلا ثم قتله إذا كان غير محصن، و إذا كان محصنا جلد ثم يرجم.

و لكن لا يعرف لهذا القول وجه، فانّ ظاهر ما تقدّم تعيين حدّ الزنا بذات المحرم في قتله بضرب عنقه بالسيف، و ما ورد في جلد الزاني إذا كان غير محصن و رجمه إذا كان محصنا يرفع اليد عن إطلاقهما بما تقدّم من الروايات الواردة في خصوص الزاني بذات المحرم، حتى لو بنى أنّ النسبة بين ما ورد في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 386.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 101

..........

______________________________

كل من الزاني غير المحصن و الزاني المحصن و بين روايات المقام العموم من وجه لإطلاقها بالإضافة إلى المحصن و غيره يقدّم ما ورد في الزاني بذات محرمة، لأنّ تقديم ما ورد في الزاني المحصن و الزاني غير المحصن عليها يوجب إلغاء روايات المقام كما لا يخفى.

هذا كلّه بالإضافة إلى ذات المحرم نسبا، و أمّا ذات المحرم بالسبب، كالزنا بأمّ الزوجة أو بنت الزوجة و نحو ذلك، فقد يقال: بأنّ الثابت فيه حدّ مطلق الزنا لا القتل، تحفظا على الدماء و عدم التهجم عليها و انصراف ذات المحرم إلى ما كان التحريم بالنسب.

و فيه بعد ما قام الدليل على أنّ الحدّ في الزنا بذات المحرم هو القتل، و اقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ذات المحرم نسبا أو سببا، فلا يكون جريانه على الزنا بذات المحرم سببا من التهجّم على الدماء، و دعوى الانصراف لا أساس لها، كما يظهر من ملاحظة موارد الإطلاقات.

و ممّا ذكر يظهر الحال ما إذا كان التحريم بالرضاع، و إن ذكر في الجواهر

عدم ظهور الروايات في ذات المحرم بالرضاع و انصرافها إلى غيرها، و لذا لا تثبت الولايات و نحوها في موارد الرضاع، فلا يكون للأب و الجدّ من الرضاع ولاية على الصغير و ماله، و لا على الباكرة في نكاحها، و لا يكون للأم رضاعا حق الحضانة إلى غير ذلك.

و فيه: انّ الولاية في لسان الأدلة ذكرت للأب و الجد و حقّ الحضانة للأم،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 102

و الذمي إذا زنى بمسلمة (1)،

______________________________

و لا ينبغي التأمّل في انصراف مثل هذه العناوين إلى ما كان بالنسب، و لذا لو أوصى بشي ء من ماله على امّه يكون لأمّه نسبا، و لكن حدّ القتل في المقام ذكر للزنا بذات المحرم، و الانصراف في هذا العنوان غير صحيح.

نعم، دعوى أنّ ما ورد من أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب، مقتضاه جريان تمام أحكام النسب على الرضاع أيضا، الّا أن يثبت المخرج عنه، لا يمكن المساعدة عليها، لما ذكرنا في محلّه من أنّ الثابت هو انّه يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة أو ما يحرم من النسب، دون التنزيل المزبور.

(1) الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في أنّ الذمي إذا زنى بمسلمة قتل، سواء كانت بالإكراه عليها أو بمطاوعتها، كان الزاني مراعيا لشرائط الذمة قبل فجوره أم لا، محصنا أو غير محصن.

و يستدلّ على ذلك بصحيحة حنان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال: «يقتل» «1».

و هذه الصحيحة و إن وردت في اليهودي الّا أنّه لا يحتمل الفرق بينه و بين النصراني و المجوسي، و يدلّ على المساواة بالإضافة إلى النصراني خبر جعفر ابن رزق اللّه الآتي، و لضعف سنده صالح للتأييد.

و أما

سائر الكفار و غير الذمي، فلا ينبغي التأمّل في جواز قتلهم بدون

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8: 386.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 103

..........

______________________________

فجورهم، و لا يحتمل أن يكون جزائهم على فجورهم أخفّ من فجور الذمي، مع أنّ المفروض في صحيحة حنان بن سدير: «يهودي فجر بمسلمة».

ثم إنّ الذمي إذا ثبت فجوره عند الحاكم و أسلم للتخلص من حدّ القتل فلا يوجب إسلامه سقوط الحدّ، كما هو مقتضى إطلاق الصحيحة.

و يدلّ على ذلك خبر جعفر بن رزق اللّه، قال: قدّم إلى المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام و سؤاله عن ذلك، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن عليه السّلام: «يضرب حتى يموت»، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر سائر فقهاء العسكر ذلك و قالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فانّ هذا شي ء لم ينطق به كتاب اللّه و لم تجي ء به السنة، فكتب أنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجي ء به سنة و لم ينطق به كتاب فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت، فكتب عليه السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ «1»، قال: فأمر به المتوكّل، فضرب حتى مات» «2».

______________________________

(1) غافر: 40.

(2) الوسائل: 18،

الباب 26 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 407.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 104

و كذا من زنى بامرأة مكرها لها (1).

______________________________

و لكن لا دلالة له على سقوط الحدّ إذا أسلم طوعا لا للتخلّص عن جزاء فجوره، حيث يمكن ان يكون لعدم السقوط في فرض الإسلام طوعا موجب آخر، فالمتّبع إطلاق الصحيحة، و اللّه العالم.

(1) الزنا بامرأة مكرها لها يوجب القتل من غير فرق بين كون الزاني محصنا أو غيره كونه شابا أو شيخا، عبدا أو حرّا، مسلما أو غيره، بلا خلاف ظاهر، و يدل عليه صحيحة بريد العجلي، قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها؟ قال: «يقتل محصنا كان أو غير محصن» «1».

و صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: «يقتل» «2»، و في صحيحته الأخرى عن أحدهما عليه السّلام في رجل غصب امرأة نفسها، قال: «يقتل» «3».

و في مقابل ذلك خبره عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل غصب امرأة فرجها، قال: «يضرب ضربة بالسيف بالغة ما بلغت»، حيث ربّما يستظهر منه أنّ حدّ الزنا اكراها الضربة الواحدة بالسيف، سواء كانت قاتلة أم لا.

و فيه ما تقدم من ظهورها في كون الحدّ قتلا، هذا مع ضعف الخبر سندا، فانّ في سنده علي بن حديد، و لم يثبت له توثيق.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 382.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 382.

(3) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 384.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 105

و لا يعتبر في هذه المواضع الإحصان، بل يقتل على كلّ حال، شيخا كان أو شابا،

و يتساوى فيه الحر و العبد و المسلم و الكافر، و كذا قيل في الزنا بامرأة أبيه (1) أو ابنه.

______________________________

نعم في مصححة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش» «1»، و لكن في دلالتها على فرض وقوع الزنا تأمّلا، و لعله حدّ للتصدي لوقوعه.

(1) القائل الشيخ و الحلبي و ابنا إدريس و زهرة و غيرهم، و هو المنسوب في كلام بعض إلى الأكثر، و كلام بعض آخر إلى المشهور، و عن ابن إدريس إلحاق الزنا بامرأة الابن بالزنا بامرأة الأب.

أقول: لو بنى أنّ الزنا بذات المحرم غير موجب للقتل مطلقا بل يختص ذلك بذات المحرم نسبا، فإلحاق الزنا بامرأة الأب متعيّن، لمعتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه رفع اليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن «2».

إلّا أنّ الإلحاق في مجرّد القتل لا في سببه، فانّ ظاهرها القتل بالرجم، و حيث إنّ الرجم حدّ للزاني المحصن يكون الزاني بامرأة أبيه ملحقا بالزاني المحصن، و إن كان غير محصن، و أمّا الزاني بامرأة ابنه فلا موجب لإلحاقه بامرأة الأب، و كذا الزاني بأمة الأب، حيث لا موجب فيهما لرفع اليد عن إطلاق ما دلّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 385.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 387.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 106

..........

______________________________

على أنّ الزاني مع عدم إحصانه يجلد و مع إحصانه يرجم.

و أمّا إذا بنى على عدم الفرق في الزنا بذات المحرم بين النسب و السبب، فالحدّ هو القتل بالضرب في عنق

الزاني و الزانية بالسيف، يجري الحكم فيمن زنى بامرأة ابنه، غاية الأمر يرفع اليد فيمن زنى بامرأة أبيه عن الإطلاق، و يلتزم فيه بقتله رجما.

و الحاصل، مقتضى ما تقدّم قتل الزاني بذات المحرم بالضرب بالسيف في عنقه، و كذا الحال في الزانية و أمّا الزنا بامرأة مكرها لها، فحدّه القتل بأي آلة، و لكن ظاهر الماتن أنّ الحدّ في جميع موارد الزنا بذات المحرم و الإكراه للمرأة و الزنا بالمسلمة القتل بالسيف.

في مقابل المحكي عن ابن إدريس انّه يجلد ثم يقتل مع عدم الإحصان و يجلد ثم يرجم مع الإحصان، و كأنّه أراد الجمع بين ما دلّ على قتل الزاني و لو مع عدم إحصانه، و ما دل على أنّ الزاني غير المحصن يجلد.

و يؤيد الجمع موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني الّا أنه أعظم ذنبا»، فانّ مقتضى كونه أعظم أن يقتل بعد الجلد إن لم يكن محصنا و إن كان محصنا يجلد ثم يرجم، فانّ الحد في زنا الشيخ و الشيخة الجلد ثم الرجم مع الإحصان، و لو اقتصر في الزنا بذات المحرم مع الإحصان بالرجم أو القتل يكون الزنا بذات المحرم أهون.

أقول: ظاهر الموثقة كما ذكرنا سابقا أنّ الزنا بذات المحرم أعظم إثما، و انّ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 107

و هل يقتصر على قتله (1) بالسيف، قيل: نعم، و قيل: يجلد ثم يقتل ان لم يكن محصنا و يجلد ثم يرجم ان كان محصنا، عملا بمقتضى الدليلين، و الأوّل أظهر.

[و أمّا الرجم]

و أمّا الرجم: فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، فإن كان شيخا أو شيخة جلد ثم رجم (2)،

______________________________

الحدّ

الجاري على الزاني بذات المحرم هو حد مطلق الزنا، فيكون جلدا مع عدم إحصانه و رجما مع الإحصان، و لذا ذكرنا أنّه لا عامل بظاهرها، فتطرح أو تحمل على التقية.

و ايضا أنّ الوارد في الروايات في الزنا بذات المحرم أو في الزنا بالمسلمة أو مع الإكراه على المرأة أنّه حدّ للزنا المفروض فيها، الّا أنّه حدّ يضاف الى حدّ مطلق الزنا.

(1) يعني هل يقتصر في الموارد المتقدمة على قتل الزاني بالسيف، أو يجلد ثم يقتل مع عدم الإحصان و يجلد ثم يرجم مع الإحصان، كما نقلنا ذلك عن ابن إدريس.

(2) اتفق الأصحاب أنّ زنا المحصن ببالغة عاقلة، و كذا زنا المحصنة ببالغ عاقل موجب للرجم، و الروايات الدالة على ذلك مستفيضة على ما يأتي نقلها، و المشهور بين الأصحاب أنّ المحصن إذا كان شيخا و المحصنة شيخة يجلد ثم يرجم.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 108

..........

______________________________

و ينسب الخلاف إلى العماني حيث لم يذكر الجلد بل أطلق الرجم في المحصن، و لا يبعد أن يكون مراده كالإطلاق في بعض الروايات الرجم بعد الجلد، و يشهد لذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة» «1».

و هذه الصحيحة و إن كانت مطلقة بالإضافة إلى إحصان الشيخ و الشيخة و عدم احصانهما، الّا أنه لا بدّ من تقييد إطلاقها بالتقييد الوارد في صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة و قضى للمحصن الرجم و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي

سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها» «2».

و دعوى أنّ ظاهر هذه جلد الشيخ و الشيخة بالمائة مع عدم الإحصان و الرجم مع الإحصان بقرينة المقابلة، لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه لا تقييد في ناحية الجلد بصورة عدم الإحصان، و مقتضى إطلاقه الجمع بينه و بين الرجم مع الإحصان.

و مع الإغماض عن ذلك و فرض عدم ظهورها في ناحية الجلد من حيث الإطلاق و الاختصاص بصورة عدم الإحصان، فلا ينبغي التأمّل في دلالتها على اختصاص الرجم بصورة الإحصان، فيؤخذ بذلك و يرفع اليد عن إطلاق

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 347.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 347.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 109

..........

______________________________

صحيحة الحلبي كما ذكرنا.

نعم في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الرجم في القرآن قول اللّه عزّ و جلّ، إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة» «1»، و في صحيحة سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في القرآن رجم؟ قال: «نعم»، قلت: كيف؟ قال: «الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة» «2»، فإنّ مقتضى التعليل فيهما عدم اختصاص الرجم بصورة الإحصان مع كون الزاني شيخا أو الزانية شيخة.

و لكن يتعيّن حملهما على التقية، حيث إنّ الأساس في كون رجمهما من القرآن هو الثاني، و عدم الذكر في القرآن لنسخ التلاوة من توجيهاتهم، و لعلّه يشير الى ذلك تركه عليه السّلام الذيل المروي نكالا- إلخ.

و وجه الإشارة أنّ الكلام المزبور لا يشبه في سبك ألفاظه بالقرآن المجيد، و الذيل المروي الّذي أريد به

إعطاء الشباهة له لم ينقل في كلامه عليه السّلام ليعطي صورة ما جرى.

ثمّ انه قد ورد في موثقة أبي العباس أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «رجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يجلد، و ذكروا أنّ عليا رجم بالكوفة و جلد، فأنكر ذلك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال: ما نعرف هذا أي لم يحدّ رجلا حدين جلد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 346.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 18: 348.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 110

و ان كان شابا ففيه روايتان، إحداهما يرجم لا غير (1)، و الأخرى يجمع له بين الحدين، و هو أشبه.

______________________________

و رجم في ذنب واحد» «1».

و قال الشيخ قدّس سرّه بعد نقل الخبر: انّ أي لم يحدّ رجلا حدين (علي عليه السّلام) تفسير من يونس، و ليس بصحيح، و المشار إليه في قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: ما نعرف هذا قولهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجم و لم يجلد، و لو سلّم أنّ المشار اليه فعل علي عليه السّلام، و أنّه عليه السّلام لم يجمع بين الحدين في رجل، فلعلّ عدم جمعه عليه السّلام لعدم اتفاق الموضوع للجمع، فلا منافاة مع ما تقدّم.

أقول: لو فرض ظهوره في عدم جواز الجمع بين الجلد و الرجم فيحمل على التقية، لأنّ عدم الجمع بينهما في الشيخ و الشيخة مذهب العامة، حيث ظاهرهم تعيّن الرجم، بلا فرق بين إحصان الشيخ و الشيخة أو عدم احصانهما.

(1) إذا كان الزاني أو الزانية غير شيخ و شيخة، فقد ذكر الماتن

أنّ في البين طائفتين من الاخبار، الأولى: انّه يرجم من غير جلد، و الثانية: أنّه يجلد ثم يرجم، و انّ الثانية أشبه، كما حكى الجمع بين الحدين عن الشيخين و المرتضى و ابن إدريس و جلّ المتأخرين بل الى المشهور، و في الانتصار انّه من منفردات الإمامية خلافا لبعض الأصحاب حيث اختاروا الرجم من غير جلد.

و يستدلّ على المنسوب الى المشهور بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 346.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 111

..........

______________________________

جعفر عليه السّلام: «في المحصن و المحصنة جلد مائة ثم الرجم» «1»، و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المحصن و المحصنة جلد مأة ثم الرجم» «2»، و صحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من أقرّ على نفسه عند الإمام- الى أن قال- الّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه إلّا أن يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة ثم يرجمه» «3».

و مقتضى إطلاق هذه الروايات الجمع بين الحدّين في المحصن و المحصنة، من غير فرق بين الشيخ و الشاب و الشيخة و الشابة، و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بالإضافة الى غير الشيخ و الشيخة، و ذلك فانّ في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الرجم حدّ اللّه الأكبر و الجلد حدّ اللّه الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد».

فالمستفاد منها عدم اجتماع الحدين في المحصن بلا فرق بين الشاب و الشابة و غيرهما، و قد دلت بعض الروايات على لزوم الجمع بين الحدين في الشيخ و الشيخة، و إذا خرج الشيخ و

الشيخة مع احصانهما عن صحيحة أبي بصير، فيكون مدلولها هو أنّ المحصن يرجم و لا يجلد في غير الشيخ و الشيخة، و هذا المضمون أخصّ من الروايات المتقدّمة الدالة بإطلاقها انّ المحصن يجلد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 347.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 14: 348.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 15: 346.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 112

..........

______________________________

ثم يرجم، فيقيّد إطلاقاتها.

فيكون حاصل الجمع بين الطوائف الثلاث انّ الزاني و الزانية مع احصانهما يجلدان ثم يرجمان إذا كانا شيخا و شيخة، و يرجمان من غير جلد إذا لم يكونا شيخا و شيخة، كما يدلّ على ذلك خبر عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما و إذا زنى النصف من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن- الخبر» «1». و لضعف سنده يصلح لتأييد ما ذكرنا.

و ربما يقال: انّ ما تقدم من الجمع بين الطوائف الثلاث مبني على الالتزام بانقلاب النسبة، و لو قيل بعدم صحة الالتزام المزبور توقف الجمع بين المتعارضين المتباينين على وجود شاهد الجمع بينهما، بأن يكون في البين خطابين أو خطاب له لسانان يخصّص أحد المتعارضين بخطاب أو بأحد لسانين و يخصّص الآخر بخطاب آخر أو لسان آخر حتى يرتفع التنافي بينهما، فالمتعين الالتزام بالرجم، لأنّه لا تعارض بين الطائفتين بالإضافة إليه.

و لكن لا يخفى ما فيه، فانّ البناء على انقلاب النسبة بناء على الصحيح، كما بينا في بحث الأصول، و مع الإغماض عنه فالطائفة المثبتة للجلد موافقة لإطلاق الكتاب المجيد فتقدم،

و أيضا القول بأنّ الرجم متفق عليه من مدلول

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 11: 347.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 113

و لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الحدّ لا الرجم، و كذا المرأة لو زنى بها طفل، و لو زنى بها المجنون فعليها الحدّ كاملا (1)،

______________________________

الطائفتين لا يخلو عن المناقشة، لأنّ الرجم في إحداهما مقيد بوقوعه بعد الجلد، و في الآخرى ليس فيه قيد، فكيف تتفقان.

نعم، قد يقال بأنّ الجمع بين الطوائف الثلاث المبني على انقلاب النسبة غير صحيح، لمنافاة الجمع المزبور مع موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قضى علي عليه السّلام في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّا فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثم رجمت، و كانت أوّل من رجمها» «1».

و لكن لا يخفى ما فيه، حيث إنّه لم يفرض في الرواية إحصانها، فلعلّها حد للزانية التي قتلت ولدها، سواء كانت محصنة أم لا.

(1) ذكر قدّس سرّه أنّه لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو المجنونة لا يتعلّق به الرجم بل يتعلق به الحدّ يعني الجلد، كما عليه الشيخ قدّس سرّه في النهاية و يحيى ابن سعيد في جامعه و عن الشهيد في الروضة نسبته إلى الشهرة، خلافا للمحكي عن الحلبي و ابني زهرة و إدريس، حيث ذكروا أنّ الزاني بغير البالغة و المجنونة مع إحصانه يرجم.

و لا ينبغي التأمّل في أنّ مقتضى مثل صحيحة أبي بصير المتقدّمة إذا زنى الرجل المحصن يرجم و لم يجلد، تعيّن الرجم في الفرض أيضا، و لا بدّ في رفع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 13: 349.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 114

..........

______________________________

اليد عن إطلاقها و تقييدها بما إذا لم يكن المزني بها صغيرة أو مجنونة من قيام الدليل عليه.

و ليس في البين الّا ما يقال من استفادته من صحيحة سليمان بن خالد عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة، قال: «يجلد الغلام دون الحدّ و تجلد المرأة الحد كاملا»، قيل: فان كانت محصنة؟ قال: «لا ترجم لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك و لو كان مدركا رجمت» «1».

و لكن مدلولها كما تقدّم عدم تعلّق الرجم بالمرأة المحصنة إذا كان الزاني بها غير مدرك، و أمّا عدم تعلّق الرجم بالرجل المحصن مع كون المزني بها صغيرة، فلا دلالة لها على ذلك بوجه.

و ما قيل من نقص اللذّة في الزنا بغير البالغة و نقص حرمة غير البالغة و المجنونة و لذا لا يتعلّق الحد بقاذفهما كما ترى، فانّ نقص اللذة لو كان موجبا لعدم تعلق الرجم، لكان الزنا بالعجوزة موجبا لتعلّق الجلد بالزاني و لو كان محصنا.

و لو كان الزنا مع نقص الحرمة مانعا من تعلّق الرجم بالزاني المحصن لكان زنا المحصن بالكافرة موجبا لتعلّق الجلد دون الرجم.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 362.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 115

و في ثبوته في المجنون تردّد (1)، و المروي أنّه يثبت.

______________________________

نعم في الموثق عن أبي مريم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة و فجر بامرأة أيّ شي ء يصنع بهما،؟ قال:

«يضرب الغلام دون الحد و يقام على المرأة الحدّ»، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها، قال: «تضرب الجارية

دون الحدّ و يقام على الرجل الحدّ» «1»، فيقال: المراد بالحدّ في كلتا العبارتين الجلد بالمائة، فيكون ظاهرها انّ البالغ أيضا لا يتعلق به الرجم إذا كان المزني بها صغيرة.

و بتعبير آخر، التفكيك في المراد من الحدّ بين الفرضين الواردين في السؤال، بأن يكون المراد منه الجلد التام في فرض صغر الزاني و الجلد و الرجم في فرض صغر المزني بها، و لو كان هذا التفكيك بتقيد إطلاق الحد في الفرض الأوّل بصحيحة سليمان بن خالد عن أبي بصير أمر بعيد، و لكن دعوى البعد لا يخلو عن المناقشة.

(1) ظاهر كلامه قدّس سرّه إذا كان الزاني بالمرأة مجنونا يتعلّق بها الحدّ التام يعني الجلد بالمائة مع عدم إحصانها و الرجم مع إحصانها، و قد تقدّم انّ ذلك مقتضى ما دلّ على أنّ غير المحصنة تجلد و المحصنة ترجم، و في ثبوت الحدّ للزاني المجنون تردّد، و المروي أنّه يتعلّق به الحدّ، فان كان المجنون غير محصن يجلد و إن كان محصنا يرجم.

كما يدلّ على ذلك خبر أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا زنى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 362.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 116

..........

______________________________

المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و ان كان محصنا رجم»، قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوه و المعتوهة؟ فقال: «المرأة إنما تؤتى و الرجل يأتي، و انّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة، و ان المرأة إنما تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها» «1».

و فيه كما تقدم، انّ الرواية ضعيفة بإبراهيم بن الفضل الهاشمي، حيث لم يثبت له توثيق، و مقتضى

رفع القلم عن المجنون عدم ثبوت الحرمة و الحدّ في حقّه.

و قد ذكرنا فيما مر أنّه يستفاد من صحيحة فضيل بن يسار عدم تعلّق الحد بالمجنون، من غير فرق بين حدّ القذف أو غيره، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا حدّ لمن لا حدّ عليه، يعني لو انّ مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا، و لو قذفه رجل فقال: يا زان لم يكن عليه حدّ» «2».

و على الجملة، ضعف رواية أبان بن تغلب، و عدم عمل المشهور بها ليدعي انجبار ضعفها بعملهم و عموم رفع القلم عن المجنون، و ظاهر صحيحة فضيل بن يسار، يقتضي الالتزام بنفي الحدّ عن المجنون، سواء كان جلدا أو رجما، نعم يجب منعه عن الفساد بأيّ وسيلة ممكنة، و منها ضربه و حبسه، أو حتّى جرحه و قتله، إذا توقف منعه عليه، و هذا أمر آخر، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 21 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 388.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 332.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 117

[و أمّا الجلد و التغريب]

و أمّا الجلد و التغريب: فيجبان على الذّكر الحر غير المحصن، يجلّد مأة و يجزّ رأسه و يغرّب عن مصره عاما، مملكا كان أو غير مملك (1)، و قيل: يختص

______________________________

(1) الزاني غير المحصن و الزانية غير المحصنة يجلد كلّ منهما مائة جلدة، و عن جماعة من القدماء و المتأخرين بل المنسوب الى المشهور أنّه يضاف الى الجلد في الزاني جز شعر رأسه أو حلقه و تغريبه عن مصره سنة، بلا فرق بين كون غير المحصن مملكا أو غيره، و المراد من الملك المتزوج بامرأة و لكن لم

يدخل بها و غير المملك غير المتزوج، خلافا لجماعة حيث خصوا بالتغريب بل بالجز المملك.

و ذكر الماتن قدّس سرّه أنّ الاختلاف مبنيّ على تعيين البكر، حيث ورد فيه أنّه يجلد و ينفى، و انّ الأشبه كون المراد منه غير المحصن، سواء كان مملكا أم لا.

أقول: لا ينبغي التأمّل في أنّ جز الشعر أو حلقه يختص بالمتزوج الذي لم يدخل بزوجته، فانّ هذا الحكم وارد في صحيحة حنان، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع عن البكر يفجر و قد تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله، فقال: «يضرب مائة و يجز شعره و ينفى من المصر حولا و يفرّق بينه و بين اهله» «1».

و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: «يجلد الجلد و يحلق

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 359.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 118

التغريب بمن أملك و لم يدخل، و هو مبني على أنّ البكر ما هو، و الأشبه أنّه عبارة

______________________________

رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفى سنة» «1».

و يختصّ مدلولهما بغير المحصن المملك، فالتعدّي منه إلى غير المملك بلا وجه، و مقتضى الجمع بينهما التخيير بين جزّ شعر المملك و حلقه.

و أمّا بالإضافة إلى النفي سنة، فالوارد في بعض الروايات و إن كان عنوان البكر و الزاني غير المحصن، كصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزاني إذا زنى أ ينفى؟ قال: فقال: «نعم من التي جلد فيها الى غيرها» «2»، و نحوها غيرها.

إلّا أنّه لا بدّ

من رفع اليد عن إطلاقها و حملها على غير المحصن المملك، بشهادة معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة، و لا ينفى، و الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مائة و ينفى» «3».

و هذه مروية في الكافي و التهذيبين، رواها الحسين بن سعيد عن فضالة، عن موسى بن بكر، عن زرارة، و قد تعرضنا في بحث الطبقات لموسى بن بكر الواسطي، و ذكرنا أنّه من المعاريف مع عدم ثبوت قدح فيه، و هذا المقدار يكفي في اعتبار روايته.

و ما يقال في وجه اعتباره انّه موثق بتوثيق صفوان بن يحيى الراوي لكتابة، حيث إنّه قال عند دفع كتابه إلى الحسن بن محمّد بن سماعة أنّه ممّا لا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 359.

(2) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 393.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 347.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 119

عن غير المحصن و ان لم يكن مملكا.

______________________________

يختلف فيه أصحابنا، و قد روى الكليني في باب ميراث الولد مع الزوج عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: «دفع صفوان كتابا لموسى بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر و قرأته عليه، فإذا فيه موسى بن بكر، عن علي بن سعيد، عن زرارة، قال: هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام، أنّهما سئلا «1»- إلخ، بدعوى أنّ هذا مما ليس فيه اختلاف من قول صفوان لحسن بن محمّد بن سماعة، و هذا إشارة إلى موسى بن

بكر أو كتابه، و على كلا التقديرين يفيد توثيقه.

و لكن الوجه المزبور ضعيف غايته، فانّ: «هذا ممّا ليس فيه خلاف» قول زرارة، و هذا إشارة إلى ما يرويه زرارة عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام، كما يظهر ذلك من بعض الروايات التي يرويها زرارة في الميراث عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام.

و أوضح بعض تلك الروايات ما رواه الكليني في باب إبطال العول عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن موسى بن بكر، عن علي ابن سعيد، قال: قلت لزرارة: إنّ بكير بن أعين حدثني عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ السهام لا تعول و لا تكون أكثر من ستة، فقال: هذا ممّا ليس فيه اختلاف بين أصحابنا عن أبي عبد اللّه و أبي جعفر عليهما السّلام «2»، و وجه كونه أوضح انّه ليس في البين

______________________________

(1) الكافي ج 7 باب ميراث الولد مع الزوج، الحديث 3: 97.

(2) الكافي ج 7 باب آخر في إبطال العول، الحديث 2: 81.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 120

و أمّا المرأة فعليها الجلد مأة، و لا تغريب و لا جزّ (1).

______________________________

دفع كتاب و لا في سندها صفوان.

و يشهد ايضا لاختصاص النفي بالمملك صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة، و قضى للمحصن الرجم، و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلدا مائة، و نفي سنة في غير مصرهما، و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها» «1».

و دعوى أنّ التفسير من الراوي فلا تكون دليلا على اختصاص النفي بالمملك، لا يمكن المساعدة عليها،

فانّ الوارد في الرواية هو العطف التفسيري لا التفسير بأداته، و عدم الجملة العطفية في نقل الشيخ بسند آخر لا يضرّ، لأنّ الزيادة لعلّها لم تصل اليه بذلك السند.

و المتحصّل أنّ مقتضى معتبرة زرارة و صحيحة محمّد بن قيس رفع اليد عن إطلاق الروايات الواردة في أنّ على الإمام أن يخرج الزاني من مصره أو من المصر الذي جلد فيه إلى مصر آخر بحملها على من أملك و لم يدخل بها، و لا يلزم من تقييدها حملها على الفرد النادر، فانّ كون الرجل مملكا لم يدخل بامرأته غير عزيز.

(1) امّا أنّه لا يكون على المرأة حلق شعر الرأس أو جزه، فلا ينبغي التأمّل فيه، لأنّ الجز أو الحلق ورد على الزاني غير المحصن المملك على ما تقدم، فالتعدي إلى الزانية بلا وجه.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 20: 350.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 121

و المملوك يجلد خمسين، محصنا كان أو غير محصن، ذكرا كان أو أنثى،

______________________________

و أمّا النفي سنة، فقد ادعى عدم ثبوته على المرأة، و المحكي عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد ثبوت النفي في حقّ كل من الزاني و الزانية مع عدم احصانهما، و تردد الشهيد الثاني في ثبوته على المرأة، و أكثر الروايات واردة في حق الزاني، و لكن ورد في بعضها ثبوته للزاني و الزانية.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة» «1».

و في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مائة

و قضى للمحصن الرجم و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما» «2».

و رواية عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يضرب الشيخ و الشيخة مائة و يرجمهما و يرجم المحصن و المحصنة و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة» «3».

و يشهد أيضا لعموم النفي و ثبوته في حق المرأة ما ورد في المرأة المستكرهة للزنا و المجنونة أنها لا تملك نفسها و ليس عليها حدّ و لا نفي، فانّ ظاهره عدم ثبوت النفي على المستكرهة أو المجنونة لعدم كونها مالكة لنفسها، و لو لم يثبت في حق المرأة نفي لما كان لذكر النفي وجه.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 9: 348.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 345.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد الزنا، الحديث 12: 348.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 122

و لا جزّ على أحدهما و لا تغريب (1).

______________________________

و كذا ما ورد في الأمة الفاجرة أنّها لا تنفى حتى تعتق، فانّ جعل الغاية لانتفاء النفي عن الأمة عتقها مقتضاه ثبوت النفي على المرأة أيضا.

و دعوى أنّه لا يحتمل ان يجري التغريب على المرأة لأنّ بعدها عن أهلها و غيابها عنهم، خصوصا مع اشتداد فقرها و حاجتها إلى النفقة يوجب شدّة جرأتها على الفجور، و تغريبها مع المحرم من قبيل حمل وزرها على غيرها، وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ*، لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه من قبيل الاجتهاد في مقابل النص، و على الحاكم و الوالي ترتيب التغريب على نحو لا يترتب عليه محذور بل يترتب عليه ارتداعها.

(1)

لا يثبت على المملوك غير الجلد، بلا فرق بين كونه محصنا أو محصنة، ذكرا كان أو أنثى، شيخا أو شيخة، مسلما أو مسلمة، كافرا أو كافرة، و لم يحك الخلاف في ذلك، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.

و يشهد له بعد ظاهر الكتاب المجيد فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ «1»، ما تقدم من اعتبار الحرية في الإحصان، و في صحيحة أبي بصير المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال في العبد يتزوج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة، قال، فقال: «لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق- الحديث» «2»، و في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين

______________________________

(1) النساء: 4.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 358.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 123

و لو تكرّر من الحرّ الزنا فأقيم عليه الحدّ مرتين قتل في الثالثة، و قيل في الرابعة، و هو اولى (1)، و أمّا المملوك فإذا أقيم عليه سبعا قتل في الثامنة، و قيل في

______________________________

عليه السّلام في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة، و إن كان مسلما أو كافرا أو نصرانيا و لا يرجم و لا ينفى» «1».

هذا بالإضافة إلى العبد و أمّا الأمة فمع أنّه لا يحتمل اختلافها مع العبد كما هو ظاهر الآية المباركة، فقد ورد في صحيحة محمّد بن قيس الواردة في المكاتبة التي أدت بعض مكاتبتها عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «و أبى ان يرجمها و ان ينفيها قبل ان يبيّن عتقها» «2».

و على الجملة، لا يثبت على المملوك الّا الجلد بخمسين، و لا يثبت في حق العبد الجزّ أو الحلق، لان الجزّ أو

الحلق ذكر في روايتين مع النفي، و قيد النفي قرينة على اختصاصهما بالحرّ على ما تقدم.

(1) المنسوب إلى المشهور ان الزاني غير المحصن و الزانية غير المحصنة إذا جلدا ثلاث مرات يقتلان في المرة الرابعة، خلافا للصدوقين و ابن إدريس حيث قالوا بقتلهما في المرة الثالثة، كأصحاب سائر الكبائر.

و يشهد لما عليه المشهور موثقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 404.

(2) الوسائل: 18، الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 404.

(3) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 387.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 124

التاسعة، و هو أولى (1).

______________________________

و في رواية مروان بن مسلم، عن عبيد بن زرارة أو بريد العجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: أمة زنت، قال: «تجلد خمسين جلدة- إلى ان قال:- إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم»، قلت: كيف صار في ثماني مرات؟ فقال:

«لأن الحرّ إذا زنى أربع مرات و أقيم عليه الحدّ قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت في التاسعة» «1»، و هذه لضعف سندها قابلة للتأييد.

و كذا رواية محمّد بن سنان، عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه «و علّة القتل بعد اقامة الحدّ في الثالثة على الزاني و الزانية لاستحقاقهما- الحديث» «2».

و بذلك يرفع اليد عن عموم صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: «أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة» «3».

(1) المشهور بين الأصحاب أنّه يقتل المملوك في الثامنة بعد اقامة الحدّ عليه سبع مرات، و في

صحيحة بريد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زنى العبد جلد خمسين فان عاد ضرب خمسين فان عاد ضرب خمسين، إلى ثماني مرات، فان زنى ثماني مرات قتل و أدّى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال» «4».

و لكن عن الشيخ في النهاية على ما قيل، و عن القاضي و الجامع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 387.

(2) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 387.

(3) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 387.

(4) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 403.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 125

و في الزنا المتكرر حدّ واحد و ان كثر (1)، و في رواية أبي بصير عن أبي

______________________________

و المختلف و الإيضاح انّه يقتل في المرة التاسعة، لما ورد في رواية بريد العجلي أو عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت في التاسعة» «1».

و لكن لا يخفى ضعف سندها، و تنافي ما ورد فيها مع ظاهر صدرها الظاهر في قتل الحرّ في الرابعة و الأمة في الثامنة على ما تقدم، و عليه فلا يمكن المساعدة على ما في المتن، من أنّ القول بقتله في التاسعة اولى.

(1) المشهور أنّ الزنا المتعدد، سواء كان تكرره بحسب الأيام أو بحسب الدفعات أو بحسب تعدد المرأة المزني بها لا يوجب تكرر الحدّ، و إذا ثبت المتعدد من الزنا مع عدم جريان الحدّ على الزاني يجري عليه حدّ واحد.

و الكلام فيما إذا كان كلّ من المتعدد من قسم واحد، كما إذا زنى مع عدم إحصانه مكررا، و امّا تعدد القسم بأن

زنى مع عدم إحصانه ثم زنى مع إحصانه أو بالعكس، فهل يجري عليه حدان الجلد أولا ثم الرجم، أخذا بما دلّ على أنّ الزاني مع عدم إحصانه يجلد و معه يرجم، لا يبعد ذلك.

بل يمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عليه الحدود منها القتل، قال: «تقام عليه الحدود ثم يقتل» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 387.

(2) الوسائل: 18، الباب 15 من مقدمات الحدود، الحديث 5: 326.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 126

جعفر عليه السّلام: «ان زنى بامرأة مرارا فعليه حدّ و إن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حدّ»، و هي مطرحة.

______________________________

و نحوها الصحيح عن عبد اللّه بن سنان و ابن بكير في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، قال: «يبدأ بالحدود التي دون القتل و يقتل بعد» «1»، و مثلهما صحيحة زرارة «2» و موثقة عبيد بن زرارة «3».

و على الجملة، الزنا المتكرر من قسم واحد لا يوجب تكرر الحدّ، فإنّه إن كان المتكرر مع إحصانه فالأمر ظاهر، فان القتل رجما غير قابل للتكرار، و إذا كان مع عدم إحصانه فعدم التكرار لتعلق الجلد في الآية المباركة و الروايات على عنوان الزاني، و لا تعدد في العنوان مع تكرر الزنا، بل مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين كون الزاني بزنا متعدد أم لا، و يجري ذلك في غير عنوان الزنا ممّا علق فيه الحد على العنوان المنطبق على شخص واحد، كقوله سبحانه السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا «4».

نعم، إذا صدق العنوان بعد إجراء الحد عليه، بأن زنى بعد الجلد أو سرق بعد الحدّ يجري عليه الحد ثانيا،

لظهور الخطأ بأن الحدّ جزاء لما ارتكبه قبل ذلك، لا أنّه جزاء ايضا على ما يرتكبه بعد ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من مقدمات الحدود، الحديث 6: 326.

(2) الوسائل: 18، الباب 15 من مقدمات الحدود، الحديث 1: 325.

(3) الوسائل: 18، الباب 15 من مقدمات الحدود، الحديث 2: 325.

(4) المائدة: 38.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 127

..........

______________________________

و لو أغمض عمّا ذكرنا يكفي في جريان الحدّ ثانيا بالارتكاب بعد الحدّ الأوّل ما تقدّم، من أنّ الزاني إذا جلد ثلاث مرات يقتل في الرابعة.

و يؤيد ما عليه المشهور التعليل الوارد في تكرر السرقة قبل اجراء حدّ السرقة، و ما علم من الشرع من بناء الحدود على التخفيف.

و لكن ناقش بعضهم بأصالة عدم التداخل بعد كون كل زنا موجبا للحد، و قال مقتضى ذلك تعدد الحد، سواء كان المزني بها واحدة أم متعددة، و بما أنّه لا قائل بتعدد الحد مع وحدة المزني بها، فيرفع اليد عن أصالة عدم التداخل.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنّه لو تم انّ مقتضى الخطاب تعلّق الحدّ بكل زنا تعيّن الأخذ بأصالة عدم التداخل في غير مورد الإجماع على التداخل، فيلتزم مع تعدد المزني بها بتعدد الحد، كما هو المحكي عن الصدوق و الإسكافي، بخلاف ما إذا كان الزنا بامرأة واحدة في يوم واحد متكررا، فإنّه لا يوجب تكرر الجلد.

و يستدل عليه برواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرارا كثيرة، قال: فقال: «ان زنى بامرأة واحدة كذا و كذا مرة فإنما عليه حد واحد، فان هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد و في ساعة واحدة فإنّ عليه في كل امرأة فجر بها

حدّا» «1»، و ذكر الماتن أنّها مطرحة لم يعمل بها، و يتعيّن أن يكون مراده عدم عمل المشهور، و على أيّ تقدير فهي لضعف سندها بعلي بن أبي حمزة البطائني لا تصلح للاعتماد عليها.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 23 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 392.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 128

و لو زنى الذمي بذميّة دفعه الإمام الى أهل نحلته ليقيموا عليه الحدّ على معتقدهم (1)، و إن شاء أقام الحدّ بموجب شرع الإسلام.

______________________________

(1) إذا زنا ذمي بذمية أو كافرة غير ذمية، فالمنسوب إلى المشهور بل ادعى عدم الخلاف أنّ الإمام يتخير بين أن يدفع كلا منهما إلى أهل نحلتهما ليقيموا عليهما الحد على مقتضى دينهم، و كذا إذا زنى مسلم بذميّة أو غيرها يتخير الإمام في دفع المرأة إلى أهل نحلتها ليقيموا عليها الحدّ على مذهبهم، و بين أن يقيم الإمام الحد عليهما أو عليها على حكم الإسلام.

و يمكن الاستدلال على جواز إقامته الحد بالإطلاق في مثل قوله تعالى:

الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا «1»- الآية فإنّ مقتضاها عدم الفرق بين كون أحدهما كافرا أو مسلما.

و لكن في موثقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السّلام أنّ محمّد ابن أبي بكر كتب إلى علي عليه السّلام في الرجل زنى بالمرأة اليهودية و النصرانية، فكتب عليه السّلام اليه: «إن كان محصنا فارجمه و إن كان بكرا فاجلده مائة جلدة ثم انفه، و أمّا اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما أحبوا» «2».

و ظاهرها تعيّن الدفع إلى حكامهم و لو لم يكن في البين غيرها تعين الأخذ بها، و يرفع اليد عن إطلاق الزانية في الآية المباركة، كما يرفع اليد عنه ما إذا كان

كلّ من الزاني و الزانية من أهل الكتاب.

______________________________

(1) النور: 24.

(2) الباب 8 من أبواب حد الزنا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 129

..........

______________________________

و لكن في مقابلها صحيحة أبي بصير التي رواها في الفقيه عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دية اليهودي و النصراني و المجوسي، قال: قال: «هم سواء ثمانمائة ثمانمائة»، قال: قلت: جعلت فداك ان أخذوا في بلد المسلمين و هم يعملون الفاحشة أ يقام عليهم الحد؟ قال: «نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين» «1».

و ظاهر هذه أيضا أنّ على الإمام أن يتصدى لإجراء الحد عليه، و مقتضى الجمع العرفي بينهما هو رفع اليد عن تعيّن كلّ منهما بقرينة صراحة الأخرى، كما يقضي ذلك أيضا قوله سبحانه فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «2».

و يؤيّد جواز إقامة الحد عليهم رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال: «يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكام المسلمين».

و دعوى أنّ الدفع إلى أهل ملتها من الأمر بالمنكر و الجائز إعراض حاكم الإسلام، لا يمكن المساعدة عليه، حيث إنّ الدفع يمكن أن يكون من إلزامهم بأحكامهم.

______________________________

(1) الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 8: 162.

(2) المائدة: 42.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 130

و لا يقام الحدّ على الحامل حتى تضع و تخرج من نفاسها و ترضع الولد، ان لم يتفّق له مرضع (1)، و لو وجد كافل جاز اقامة الحدّ.

______________________________

(1) لا ترجم الحامل حتى تضع حملها و تخرج عن

نفاسها و ترضع ولدها، إذا توقف حياة الولد على إرضاعه، أو لم يوجد كافل للولد، بل لا تجلد الحامل مع الخوف من جلدها على ولدها حتى تضع حملها كما ذكر، و كأنّه لا خلاف في ذلك و أمر متّفق عليه بين الأصحاب.

و يشهد لعدم جواز رجمها صحيحة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: اني قد فجرت، فاعرض بوجهه عنها، فتحولّت حتى استقبلت وجهه، فقالت: اني قد فجرت فأعرض عنها، ثم استقبلته، فقالت: اني قد فجرت، فاعرض عنها، ثم استقبلته، فقالت: اني فجرت، فأمر بها فحبست و كانت حاملا، فتربّص بها حتى وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة- الحديث» «1».

و موثقة عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأل عن محصنة زنت و هي حبلى، قال: «تقر حتى تضع ما في بطنها و ترضع ولدها ثم ترجم» «2».

و بما أنّ تأخير رجمها للتحفظ على ولدها، فان توقّف التحفظ عليه على إرضاعها اللبن، أو بعده أيضا لعدم كافل له، تعيّن التأخير.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 381.

(2) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 381.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 131

و يرجم المريض و المستحاضة (1)، و لا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله،

______________________________

و ممّا ذكر يظهر الحال في جلدها، فإنّه إذا لم يكن من جلده خوف على ولدها أقيم عليها الحدّ، أخذا بما دل على أنّه ليس في الحدود نظرة ساعة، و مع الخوف يجب التأخير، لما يظهر من الروايتين من لزوم التحفظ على ما في بطنها و حياة ولدها بعد

وضع حملها.

بل لا يبعد أن يقال إنّ الزانية إذا لم تكن حاملا و لكن خيف من رجمها على ولدها الرضيع لعدم الكافل له، تعين التأخير إلى وجدان الكافل.

و يؤيّد ذلك ما رواه المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال لعمر و قد أتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له، علي عليه السّلام: «هب لك سبيل عليها أيّ سبيل لك على ما في بطنها، و اللّه يقول لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ*» «1»، فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثم قال: فما اصنع بها يا أبا الحسن، قال: «احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحد عليها» «2».

و يظهر من عبارة الماتن أنّ مع وجدان كافل لولدها لا يتعيّن اجراء الحدّ بل يجوز، و لكن لا يخفى ما فيه، لما تقدّم من عدم جواز التأخير في إقامة الحدّ.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، فإنّ التأخير في إجراء الحدّ غير جائز، و المطلوب بالرجم موته، فلا يمنع عنه المرض أو الاستحاضة.

______________________________

(1) الأنعام: 6.

(2) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 381.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 132

و لا رجمه توقيّا من السّراية و يتوقع بهما البرء، و ان اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بالضغث المشتمل على العدد، و لا يعتبر وصول كل شمراخ الى

______________________________

نعم ذكر في المسالك احتمال جواز التأخير فيما إذا ثبت الزنا الموجب للرجم بالإقرار لاحتمال سقوط الرجم بالرجوع عن الإقرار، و فيه ما لا يخفى، فإنّه لو جاز التّأخير بعد ثبوت الزنا الموجب للرجم في المريض و نحوه لجاز التأخير في الصحيح أيضا، مع أنّ مقتضى عدم جواز تعطيل

الحد و تأخيره عدم الفرق بين ما إذا ثبت الموجب بالإقرار أو بغيره.

نعم، إذا لم يكن الحدّ هو الرجم بل الجلد خاصة، فلا يجري على المريض و المستحاضة خوفا من السراية و يتوقع برئها، كما يشهد لذلك معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها» «1».

و بما أنّ مناسبة الحكم و الموضوع إقامة الحدّ عليها بعد انقطاع الدم للتحفظ على خوف السراية، تكون مختصة بصورة كون الحدّ جلدا، خصوصا بملاحظة معتبرته الثانية المروية في الفقيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أقرّوه حتى تبرأ لا تنكؤها عليه، فتقتلوه» «2»، حيث إنّ ظاهرها لزوم التأخير في إجراء الجلد، للتحفظ على حياته و ان لا يقتله الحد.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 321.

(2) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 322.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 133

جسده (1)، و لا تؤخّر الحائض لأنّه ليس بمرض، و لا يسقط الحدّ باعتراض

______________________________

(1) ما ذكر قدّس سرّه من أنّه إذا اقتضت المصلحة التعجيل في الضرب، فرضه وارد في المريض الذي يأس عن برئه، و في مثل ذلك يضرب بضغث مشتمل على العدد مرّة واحدة.

كما يدل على ذلك صحيحة أبي البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: برجل دميم قصير قد سقى بطنه و قد درّت عروق بطنه قد فجر بامرأة، فقالت المرأة: ما علمت به الّا و قد دخل عليّ، فقال

له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أ زنيت؟، فقال له: نعم، و لم يكن قد أحصن، فصعد رسول اللّه بصره و خفضه ثم دعا بعذق فقده مائة ثم ضربه بشماريخه» «1».

و موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام عن النبي: «أنّه أتى برجل كبير البطن قد أصاب محرّما فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه مرّة واحدة، فكان الحد» «2».

و لا يعتبر وصول كل شمراخ إلى جسده، لإطلاق الروايتين، بل لعدم إمكانه عادة بالضربة الواحدة.

و في الجواهر أنّه لو جعل الضغث خمسين يضرب مرّتين، و لعلّه اولى، و لكن لا يخفى أنّه لا أولوية فيما ذكره بعد خروجه عن مدلول الروايتين.

نعم يمكن استظهار جوازه من خبر زرارة، عن ابي جعفر عليه السّلام: «لو ان

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5: 322.

(2) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 7: 323.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 134

الجنون أو الارتداد (1).

______________________________

رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدة ما يريد أن يجلد من عدة القضبان» «1»، و لكن في سندها ضعف، و لم يفرض فيه موجب الحد كما لا يخفى.

ثم إنّ هذا الحكم يثبت في المريض و المريضة، و أمّا المستحاضة فمقتضى ما تقدم انتظار انقطاع دمها، و أمّا الحائض فلا شي ء في البين يقتضي تأخير اجراء الحدّ عليها إلى ما بعد حيضها، فيؤخذ في حقها بما دلّ على عدم جواز تأخير الحدود.

(1) عدم سقوط الحد بالارتداد أو بطرو الجنون، سواء كان الجنون أدواريّا أو مطبقا،

و سواء كان الارتداد فطريا أو مليا، للأخذ بالإطلاق فيما دلّ على أنّ المحصن أو المحصنة يرجم و غيرهما يجلد، و ما دلّ على عدم الحد على المجنون المراد منه الارتكاب حال الجنون، و مع الارتكاب حال العقل و طرو الجنون قبل اجراء الحد يعمه الإطلاق.

و مع الإغماض عن ذلك يشهد له صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال: «ان كان أوجب على نفسه الحد و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحد كائنا ما كان» «2».

و مقتضى الإطلاق في الجواب عدم الفرق بين حدّ الجلد و القتل، كما أنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8: 323.

(2) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 317.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 135

و لا يقام الحدّ في شدة الحر و لا في شدة البرد، و يتوخى به في الشتاء وسط النهار، و في الصيف طرفاه (1)،

______________________________

مقتضى إطلاق الشرط في الجواب عدم الفرق بين الزنا و سائر موجب الحدّ.

(1) قد ذكر ذلك في كلام جماعة، و يستدلّ على ذلك بان توخّى وسط النهار في الشتاء و في الصيف طرفاه من الاحتياط و التحفظ على نفس المحدود، و برواية هشام بن احمر عن العبد الصالح عليه السّلام، قال: كان جالسا في المسجد و أنا معه فسمع صوت رجل يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد فقال: ما هذا؟ قالوا:

رجل يضرب، فقال: «سبحان اللّه في هذه الساعة أنّه لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلّا في آخر ساعة من النهار و لا في الصيف

إلّا في أبرد ما يكون من النهار» «1».

و مقتضى الذيل أنّ المراد من آخر ساعة من النهار ساعة الحرارة، كما ورد ذلك في مرسلة أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا، قال: مررت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام و إذا رجل يضرب بالسياط، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «سبحان اللّه في مثل هذا الوقت يضرب»، قلت له: و للضرب حدّ؟ قال: «نعم إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار» «2»، و نحوها مرسلة سعدان بن مسلم «3».

و لكن للضعف في اسناد ما ذكر لزوم رعايتها غير معلوم، نعم إذا كان في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 316.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 316.

(3) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 316.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 136

و لا في أرض العدو مخافة الالتحاق (1)، و لا في الحرم على من التجأ إليه، بل يضيق عليه في المطعم و المشرب ليخرج (2).

______________________________

البين الخوف على نفس المحدود فالمتعيّن رعايته.

(1) ظاهر كلام الماتن قدّس سرّه لزوم الترك، و في كلام جماعة يكره إقامة الحد في أرض العدو، و لا يبعد التعيّن فيما احتمل التحاقه بالعدوّ، فانّ الغرض من اقامة الحد تأديبه و منعه عن المنكر، و إقامته عليه في أرض العدو فيما أوجب التحاقه بهم يوجب نقض الغرض.

و في موثقة إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام: «لا أقيم على رجل حدّا بأرض العدو حتى يخرج منها، مخافة أن تحمله الحميّة فيلحق بالعدو» «1»، و مقتضى التعليل عدم البأس

بإقامته عليه في أرضهم مع الاطمئنان بعدم ترتب المحذور.

و لا يبعد أن يكون ظهور مخافة أن تحمله- الى آخره في التعليل موجبا لرفع اليد عن إطلاق موثقة أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يقام على أحد حدّ بأرض العدو» «2»، من غير ان يحمل على بيان الحكمة في المنع.

(2) و ذلك لقوله سبحانه وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً «3»، و في صحيحة هشام

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 34 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 318.

(2) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث ..

(3) آل عمران: 97.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 137

و يقام على من أحدث موجب الحد فيه.

______________________________

ابن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: «لا يقام عليه الحد و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم و لا يبايع، فإذا فعل به ذلك يوشك ان يخرج فيقام عليه الحد، و ان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنّه لم ير للحرم حرمة» «1».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً، قال: «إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد ان يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم، فإنّه إذا فعل ذلك يوشك ان يخرج فيؤخذ، و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم، لانّه لم يرع للحرم حرمة» «2».

و في صحيحة معاوية بن

عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم، فقال: «لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يباع و لا يؤذى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد»، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: «يقام عليه الحد في الحرم صاغرا، لأنّه لم ير للحرم حرمة، و قد قال اللّه عزّ و جلّ فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» «3»، فقال: هذا هو في الحرم، و قال: «لا عدوان إلّا

______________________________

(1) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث: 5.

(2) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث: 2.

(3) البقرة: 194.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 138

[الثاني في كيفية إيقاعه]

الثاني في كيفية إيقاعه.

______________________________

على الظّالمين» «1».

و في معتبرة القاسم بن محمّد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً، قال: «ان سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى مكة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه، و لكن يمنع من السوق فلا يبايع و لا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، و ان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه» «2».

المراد من الحرم في هذه الروايات ما هو المعروف بمكة من مسجد الحرام و الكعبة، فإنّهما المنساق من الحرم من مكة، كما يشير اليه خبر علي بن أبي حمزة، و احتمال أن يكون المراد بالحرم مقابل الحلّ غير وارد في المقام، لعدم مناسبة ما ورد في الروايات لهذا الاحتمال.

نعم، عن النهاية و التهذيب إلحاق حرم النبي صلّى

اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام، و عن ابن حمزة الاقتصار في الإلحاق على حرم النبي، و كلاهما لا يخلو عن التأمل.

و أرسل الصدوق قدّس سرّه في الفقيه: لو انّ رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و الحرم و ضرب عنقه، و ظاهره عدم جواز إقامة الحد في الحرم، يعني الكعبة و المسجد الحرام.

______________________________

(1) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث: 1.

(2) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث: 3.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 139

إذا اجتمع الجلد و الرجم جلد أولا (1)، و كذا إذا اجتمعت حدود بدأ بما لا

______________________________

و رواه في معاني الاخبار عن محمّد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس ابن معروف، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته- و ذكر حديثا يقول فيه-: «و لو ان رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه» «1».

و لا بعد في الأخذ بظاهرها، بل مع الغضّ عنه يتعيّن ذلك فيما إذا كان الاجراء بغير ضرب العنق و نحوه مظنة التنجيس بخلاف الجلد، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) إذا اجتمعت على أحد حدود بدأ بالحدّ الذي لا يفوت بإجرائه عليه الآخر، كما إذا اجتمع عليه الجلد و الرجم فيرجم بعد جلده أوّلا و كذا فيما إذا اجتمع حدّ آخر مع الرجم أو القتل، و هذا الحكم لم يظهر فيه خلاف، و الروايات متطابقة على ذلك، مع أنّه مقتضى ما دلّ على أن كلّ موجب له حدّ.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيّما رجل اجتمعت عليه حدود، و فيها القتل، يبدأ بالحدود التي هي

دون القتل، ثم يقتل بعد ذلك» «2».

و في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، فقال: «كان علي عليه السّلام يقيم عليه الحدود ثم يقتله و لا تخالف عليا» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب بقية الحدود، الحديث 4: 579.

(2) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 325.

(3) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 325.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 140

يفوت معه الآخر، و هل يتوقع برء جلده، قيل: نعم (1) تأكيدا في الزجر، و قيل: لا لان القصد الإتلاف.

______________________________

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قضى علي عليه السّلام فيمن قتل و شرب خمرا و سرق فأقام عليه الحد فجلده لشربه الخمر و قطع يده في سرقته و قتله بقتله».

و مقتضى ما تقدّم عدم الفرق في البدء بغير القتل ما كان المبدوّ به من حقوق اللّه سبحانه أو من حقوق الناس، نعم، فيما كان عليه القتل حدا و قصاصا فلا يبعد أن يقال بتقديم ما كان موجبه مقدّما، و أمّا تقديم حقّ الناس على حق اللّه، و لو مع تأخر موجب حق الناس فلا دليل عليه.

و الوجه في عدم البعد أنّ مع تحقق الموجب الأوّل يتعلق به الحدّ، و لا عذر في تركه بعد ثبوته، فيكون القصاص غير ممكن، فينتقل الأمر إلى الدية كسائر موارد عدم إمكان القصاص.

(1) و القائل الشيخان و جمع آخر على المحكي، و علّلوا توقع البرء بأنّ الغرض من الحدّ زجر المرتكب و هو آكد بتوقع البرء، و قيل لا يجب التوقع بل هو مستحب، و قيل:

لا يجوز لأنّه تأخير في إجراء الحدّ بعد ثبوت الموجب، و لا نظرة في الحدود، و قد تقدّم أنّ المريض يرجم و لا ينتظر برؤه، و الغرض من اجراء الحدّ الثاني إتلاف المرتكب لا زجره و منعه عن الارتكاب.

و على الجملة، مقتضى ما ذكر عدم جواز التأخير في إجراء الحد، الّا مع قيام دليل عليه في مورد فيتبع.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 141

و يدفن المرجوم الى حقويه (1) و المرأة إلى صدرها، و ان فرّ أعيد ان ثبت

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 141

______________________________

(1) المنسوب إلى المشهور في كيفية الرجم أنّ الرجل يدفن في الحفيرة إلى حقويه، و تدفن المرأة فيها إلى ثدييها، و في كون الغاية داخلا في الحكم بأن تدفن الحقوين أو الثديين أو أنها خارجة عنه عندهم خلاف في ذلك، و لكن الظاهر عدم دخولها في الحكم بالدفن، كما هو ظاهر الغاية في أمثال ذلك.

و في موثقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام ثم يرمي الناس بعده بأحجار صغار» «1».

و نحوها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار، و لا يدفن الرجل إذا رجم الّا إلى حقويه» «2».

و الظاهر أنّ المراد بالوسط فيهما فوق حقويها المعبر عنه بموضع الثديين، بقرينة صحيحة أبي مريم الأنصاري حيث ورد فيها: «انّ أمير المؤمنين عليه السّلام أدخلها الحفيرة إلى الحقو و موضع الثديين» «3».

الّا ان يقال:

هذه الصحيحة حكاية فعل لا تكون لها دلالة على تعين ذلك، و أنّ الظاهر من الوسط موضع الحزام، فيكون الحقوان خارجين عن الدفن في الرجل و مدفونين في المرأة، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب الأزيد من

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 374.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 374.

(3) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 380.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 142

زناه بالبينة (1)، و لو ثبت بالإقرار لم يعد، و قل: ان فرّ قبل إصابة الحجارة أعيد.

______________________________

ذلك.

بل ربما يناقش في أصل وجوب الدفن، و يقال بأنّ الثابت جعل المرجوم أو المرجومة في الحفيرة لا الدفن، و لكن لا يخفى ما فيه من ظهور ما تقدّم في الدفن، و أمّا ما حكى عن بعض من تعين الدفن إلى العنق أو التسوية بين المرأة و الرجل في لزوم دفنهما إلى الصدر، فلم يعلم وجه صحيح لأيّ منهما.

و كذا في المحكي عن ابن أبي حمزة، من أنّ الدفن إذا ثبت الزنا بالبينة، و أمّا فيما كان بالإقرار فلا يجب، و لعلّ ما ذكره ناظر إلى أن الدفن للتحفظ على فراره من الحدّ و مع إقراره لا داعي له إلى الفرار، أو أنّ فراره رجوع عن إقراره المسقط للرجم، و لكن لا يخفى أنّ هذا وجه استحساني يدفعه إطلاق الموثقتين.

و ربما يجاب عن ذلك بأنّ صحيحة أبي مريم صريحة في خلافه، حيث انّ المفروض فيها ثبوت الزنا بالإقرار، و لكن أشرنا أنّها من حكاية الفعل، فلا يكون لها دلالة على وجوب الدفن، و انما يستفاد منها مجرد المطلوبية، و قد ورد فيها خياطة

ثوب جديد لها، فراجع.

(1) الظاهر عدم الخلاف في أنّ مع ثبوت الزنا بالبيّنة يعاد الفار إلى الحفيرة و لا يكون فراره مسقطا للحدّ، بلا فرق بين أن يكون فراره قبل اصابة شي ء من الحجارة لجسده أم بعدها، و يقتضيه ما دل على أنّ الزاني أو الزانية مع الإحصان يرجم أي يقتل بالرجم، و أمّا مع ثبوته بالإقرار، فالمنسوب إلى المشهور سقوط الحدّ بالفرار بعد اصابته شي ء من الحجارة.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 143

..........

______________________________

و ربما يقال بعدم الفرق في السقوط بين ان يفر قبل اصابته الحجارة أم بعدها، و يعلّل بأنّ الفرار رجوع عن الإقرار و الرجوع عنه مسقط للرجم.

و يدل عليه أيضا مرسلة الصدوق، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن المرجوم يفر، قال: «ان كان أقر على نفسه فلا يردّ، و ان كان شهد عليه الشهود يرد» «1».

و لكن لا يخفى أنّ الفرار لا يدلّ على إنكاره الارتكاب أو رجوعه عن إقراره و المرسل المزبور لإرساله لا يمكن الاعتماد عليه مع معارضته برواية الحسين بن خالد، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتى يقام عليه الحد؟ فقال: «يرد و لا يرد»، فقلت:

و كيف ذاك؟ فقال: «ان كان هو المقر على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يرد، و ان كان انما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب ردّ و هو صاغر حتى يقام عليه الحد، و ذلك فانّ ماعز بن مالك أقر عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالزنا فأمر به ان يرجم، فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير

فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه، ثم أخبروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك فقال لهم: (فهلّا تركتموه إذا هرب يذهب فإنما هو الذي أقر على نفسه، و قال لهم: اما لو كان علي حاضرا معكم لما ضللتم)، قال: و ودّاه رسول اللّه من بيت مال المسلمين» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 377.

(2) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 376.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 144

..........

______________________________

و مقتضى ما ذكره عليه السّلام في الشرطية الاولى، من تقييد الفرار بعد اصابة شي ء من الحجارة انّ فرار ماعز أيضا كان بعد اصابته، كما يدل على ذلك موثقة أبي العباس.

و أمّا صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّه ان كان اصابه ألم الحجارة فلا يرد و ان لم يكن اصابه ألم الحجارة يرد» «1»، فلا بدّ من تقييدها بما إذا لم يكن ثبوت الزنا بالبيّنة، فإنّ ما ورد في رواية الحسين بن خالد من قوله عليه السّلام: «و ان كان انما قامت عليه البينة و هو يجحد ثم هرب ردّ و هو صاغر»، و ان تكون النسبة بينه و بين هذه الصحيحة العموم من وجه، حيث انّ هذه الصحيحة مختصة بصورة الإصابة، و مطلقة من حيث ثبوت الزنا بالإقرار أو البينة، و إنّ الهارب في هذه الصورة لا يرد، و رواية حسين بن خالد تعني ما ورد فيها مختصة بصورة ثبوته بالبينة و مطلقة من حيث ان الهرب بعد الإصابة أو قبلها، إلّا أنّه لا بدّ من تقديم الإطلاق في رواية حسين، حيث إنّ الأخذ بالصحيحة في مورد اجتماعهما يوجب بطلان التفصيل في

الرواية بين ثبوت الزنا بالبينة أو بالإقرار.

بقي الكلام في سند رواية حسين بن خالد، حيث إنّه قد يقال انّه مشترك بين الحسين بن أبي العلاء و بين الحسين بن خالد الصيرفي، و لم يثبت للثاني توثيق و لا مدح، فتقييد الصحيحة بها يكون مشكلا، و يجاب عن الإشكال بأنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 377.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 145

..........

______________________________

الحسين بن خالد الخفاف، هو الحسين بن أبي العلاء له كتب و معروف بكثرة روايته و رواية الأجلاء عنه، فيكون اللفظ عند الإطلاق منصرفا اليه.

و لكن في النفس من الجواب شي ء، و هو انّ المذكور في سند الروايات الكثيرة هو الحسين بن أبي العلاء، و الخفاف الثقة معروف بهذا العنوان، و أمّا بعنوان الحسين بن خالد، فلم يعلم معروفيته به حتى ينصرف اللفظ اليه.

نعم، لو كان المروي عنه أبا عبد اللّه عليه السّلام، يمكن حمله على أبي العلاء لكثرة روايته عنه عليه السّلام، بل لم يثبت أصل رواية الصيرفي عنه عليه السّلام، و لكن المروي عنه في هذه الرواية هو أبو الحسن عليه السّلام.

و أمّا ما ذكرنا سابقا، من أنّ الراوي عن الحسين بن خالد عمرو بن عثمان الخزاز، و هذا قرينة على كونه ابن أبي العلاء الخفاف، فقد اعتمدنا على ما استظهره الأردبيلي، ثم راجعنا روايات الحسين بن خالد و الحسين بن أبي العلاء و لم نجد وجه لما استظهره.

و لكن مع ذلك لا بدّ من الالتزام بأنّ الهارب من الحفيرة إذا ثبت زناه بالبينة يرد، أخذا بما دلّ على تعين قتله بالرجم، فإنّه يدخل فيما دل على أنّ المحصن يرجم، و اما صحيحة أبي بصير فالوارد فيها

الضمير لا الاسم الظاهر، و لعدم ذكر مرجعه يكون مجملا، فالقدر المتيقن من مرجعه الثابت زناه بإقراره، بقرينة موثقة أبي العباس الوارد فيها رمي الزبير الهارب بساق بعير.

هذا كله بالإضافة إلى الرجم، و أمّا بالإضافة إلى الجلد، فان هرب الزاني

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 146

و يبدأ الشهود برجمه وجوبا، و لو كان مقرا بدأ الامام (1)، و ينبغي أن يعلم

______________________________

قبل اصابة الجلد أو بعدها لا يوجب سقوط الحدّ، كما هو مقتضى قوله سبحانه:

فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ «1».

و في خبر محمّد بن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الزاني يجلد فيهرب بعد ان اصابه بعض الحدّ أ يجب عليه أن يخلّا عنه و لا يرد كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: «لا و لكن يردّ حتى يضرب الحدّ كاملا»، قلت: فما الفرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّه قال: «المحصن هرب من القتل و لم يهرب الّا إلى التوبة، لأنّه عاين الموت بعينه، و هذا انما يجلد فلا بدّ من ان يوفى الحدّ لانه لا يقتل» «2».

(1) المشهور أنّ المحصن إذا ثبت زناه بالبينة يبدأ الشهود برجمه، و كذا الحال في المحصنة، و ظاهرهم أنّ الحكم وجوبي، كما أنّه إذا ثبت الزنا بالإقرار يبدأ برجمه الإمام ثم الناس.

و يستدلّ على ذلك بما رواه الكليني في الموثق عن صفوان، عمن رواه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أقر الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الإمام ثم الناس، فإذا قامت عليه البينة كان أوّل من يرجمه البينة ثم الإمام ثم الناس» «3».

و رواه في الفقيه عن صفوان بن يحيى و ابن

المغيرة، عمن رواه، عن أبي

______________________________

(1) النور: 2.

(2) الوسائل: 18، الباب 35 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 407.

(3) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 374.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 147

الناس ليتوفّروا على حضوره (1).

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام، و لكن مع إرسال الخبر يشكل الاعتماد عليه، و عمل المشهور به لعله لما ذكر الشيخ قدّس سرّه في حق جماعة من أنّهم لا يروون الّا عن ثقة، أو لكون التفصيل يناسب الحكم.

و في موثقة أبي بصير المتقدّمة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها، و يرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار» «1»، و كذا في موثقة سماعة المتقدمة «2».

و مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين ثبوت الزنا بالإقرار أو بالبيّنة، و يتعيّن فيهما بدء الإمام بالرمي، و لكن قد يشكل في كون أصل الحكم لزوميا، لأنّ ما ورد في قضية ماعز مع إقراره بالزنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظاهره عدم حضوره صلوات اللّه عليه و آله في رجمه.

و يمكن الجواب بأنّ ما يظهر منه عدم حضوره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى آخر الرمي، مع انّه قضية في واقعة، و يمكن أن يكون عدم حضوره لمانع، فالأحوط على الحاكم البدء بالرمي حتى فيما إذا كان الثبوت بالبينة.

(1) و يشهد لاستحباب الاعلام التأسي بفعل أمير المؤمنين عليه السّلام، فإنّ أقل مراتبه الاستحباب، بل يأتي ما يدل على عدم وجوب ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 374.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 374.

أسس الحدود و التعزيرات،

ص: 148

و يستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة (1)، و قيل: يجب تمسكا بالآية، و أقلها واحد، و قيل: عشرة، و خرّج متأخر ثلاثة، و الأوّل حسن.

______________________________

و روى في الفقيه عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة في قضية المرأة التي أتت أمير المؤمنين عليه السّلام و أقرت بالزنا أربع مرات فصعد المنبر فقال:

«يا قنبر ناد في الناس الصلاة جماعة»، فاجتمع الناس حتى غصّ المسجد بأهله، فقال: «أيّها الناس ان إمامكم خارج بهذه المرأة إلى الظهر ليقيم عليها الحدّ ان شاء اللّه تعالى».

(1) المحكي عن الشيخ قدّس سرّه و جماعة استحباب حضور طائفة إقامة الحدّ، خلافا لجماعة أخرى، حيث التزموا بوجوب الحضور، و استدلّوا بالآية الشريفة:

وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ «1»، و اختلفوا في المراد من الطائفة، فعن جماعة انّه الواحد و ما زاد، كما في قوله سبحانه وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «2»، خصوصا بملاحظة قوله سبحانه فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.

و في موثقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ «3» قال: «في إقامة الحدود»، و في قوله تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال:

«الطائفة واحد» «4».

______________________________

(1) النور: 2.

(2) الحجرات: 9.

(3) النور: 2.

(4) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 370.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 149

و ينبغي ان تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف (1)، و قيل: لا يرجمه

______________________________

و المحكي عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف أنّ أقلّ الطائفة عشرة، كما أنّ المحكي عن ابن إدريس أقلها ثلاثة.

و لا يخفى أنّ ظهور الطائفة و إن لا يساعد ارادة الواحد

فما زاد، خصوصا إذا كان المراد من الحضور و لو مباشرتهم الرجم كما هو ظاهر كلامهم، و يظهر من صحيحة أبي بصير الآتية الّا أنّه ليس بحيث يباين الظهور لئلا يمكن الالتزام به، و يتعيّن طرح الموثقة لعدم اعتبار الخبر المنافي للكتاب، بل هو من قبيل الالتزام بخلاف الظاهر للقرينة التي هي الموثقة، كظاهر شاهد العذاب في غير المباشر له، فيرفع اليد أيضا من ظهورها من هذه الجهة.

نعم، ظاهرها كون الحكم إلزاميا، و على الجملة يجب الحضور لإقامة الحدّ جلدا كان أو رجما، و المقدار اللازم بحيث يسقط التكليف عن الآخرين حضور الواحد.

(1) الرمي بأحجار صغار وارد في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي بصير، حيث ورد فيها: «و يرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار» «1».

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم يرمي الإمام و يرمي الناس بأحجار صغار» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 375.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 375.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 150

من للّه تعالى قبله حد، و هو على الكراهية (1).

______________________________

و لكن لا بدّ من رفع اليد عن ظهورهما، بحمل الرمي بالصغار من الأحجار على الاستحباب، بقرينة صحيحة أبي بصير المروية في تفسير علي بن إبراهيم الحاكية لرجم مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، فإنّه صلوات اللّه و سلامه عليه أخذ حجرا فكبّر أربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة أحجار في كل حجر ثلاث تكبيرات، ثم رماه الحسن مثل ما رماه أمير المؤمنين عليهما السّلام، ثم رماه الحسين عليه السّلام فمات الرجل «1»، فانّ الغالب عدم القتل بتسعة أحجار صغار.

(1) لم يعرف القائل بعدم الجواز،

و المشهور على ما ذكر على الكراهة، و لكن قد يقال مقتضى بعض الروايات عدم جواز الرجم ممّن عليه حدّ الرجم بل الحدّ مطلقا، و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: اغدوا غدا علي متلثمين، فقال لهم من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف، قال: فانصرف بعضهم و بقي بعضهم فرجمه من بقي منهم» «2».

و في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني- إلى أن قال- ثم وضعه في حفرته و استقبل الناس بوجهه، ثم قال: معاشر الناس إنّ هذه حقوق اللّه فمن كان للّه في عنقه حق فلينصرف و لا يقيم حدود اللّه من في عنقه حدّ، فانصرف

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 375.

(2) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 342.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 151

و يدفن إذا فرغ من رجمه و لا يجوز إهماله (1).

______________________________

الناس و بقي هو و الحسن و الحسين- الحديث» «1»، و نحوهما رواية سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة «2».

و لا يخفى أنّ ظاهر الصحيحة أنّه لا يحضر اقامة الحد و لا إجرائه غير من ليس في عنقه حدّ للّه سبحانه من غير فرق بين أن يتوب عن ارتكابه أم لا، و لعلّ رعاية الحكمين معا لازمه تعسّر إقامة الحدود، و يمكن أن يعد هذا قرينة على الكراهة.

(1) و ذلك لأنّ إجراء الحدّ على شخص لا يوجب خروجه عن

الإسلام، و مقتضى ما دل على وجوب تجهيز الميت المسلم لزوم تجهيز المرجوم، و في صحيحة أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام: «فادفعوها إلى أوليائها و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» «3».

و في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام فأمر فحفر له و صلى عليه و دفنه، فقيل: يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة و لقد صبر على أمر عظيم» «4».

و لكن لا بدّ من أن يكون المراد صورة اغتساله و تكفينه قبل الرجم، كما

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 342.

(2) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 342.

(3) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 380.

(4) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد الزنا، الحديث 5: 375.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 152

و يجلد الزاني مجردا (1)، و قيل: على الحال التي يوجد عليها، قائما أشد

______________________________

عليه خبر مسمع بن كردين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك. ثم يرجمان و يصلى عليهما، و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغسل و يحنط و يلبس الكفن ثم يقاد و يصلى عليه»، و قد تكلمنا في المسألة في باب تغسيل الأموات.

(1) المحكي عن جماعة و المصرح به في كلمات جملة من الأصحاب أنّ الرجل الزاني يجلد عاريا مستورا عورته، و يشهد له موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: «أشدّ الجلد»، قلت:

فمن فوق ثيابه؟ قال: «بل

تخلع ثيابه»، قلت: فالمفتري؟ قال: «يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه» «1».

و فيما رواه صفوان عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: «أشد الجلد»، فقلت: من فوق الثياب؟ قال: «بل يجرّد» «2».

و المنسوب إلى المشهور أنّه يجلد على الحالة التي وجد عليها، فان كان عاريا فيجلد عاريا و الا فكاسيا، و هذا فيما لم يمنع الثوب من ألم الضرب و الا ينزع.

و في معتبرة طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام قال: «لا يجرد في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 369.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 3: 369.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 153

..........

______________________________

حد و لا يشنح يعني يمد، و قال: و يضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ان وجد عريانا يضرب عريانا، و ان وجد و عليه ثياب ضرب و عليه ثيابه» «1».

و بما أنّ المعلوم خروج ما إذا كانت ثيابه مانعة عن وصول ألم الضرب إلى جسده عن فرض هذه المعتبرة، لأنّ الجلد مع عدم وصول الألم لا يعدّ عذابا، فلا تعارض بين الموثقتين مع هذه المعتبرة في أنّه و ان وجد الزاني عاريا يجلد عاريا، و انما يتعارضان فيما إذا وجد كاسيا، و لم يكن ضربه كاسيا موجبا للممانعة من وصول الألم، فمقتضاهما النزع و الجلد عاريا، و مقتضى هذا الجلد كاسيا، فان لم يمكن حمل الموثقتين على صورة عدم وصول الألم لاطلاقهما فيتساقطان فيرجع إلى إطلاقات الجلد.

و أمّا اعتبار قيام الزاني في جلده، فيدلّ عليه موثقة زرارة أو صحيحته عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يضرب الرجل الحدّ قائما

و المرأة قاعدة و يضرب على كل عضو و يترك الرأس و المذاكير».

و في رواية الصدوق: «و يترك الوجه و المذاكير»، و قد ورد في موثقتي إسحاق بن عمار اعتبار أشد الضرب.

و لكن في مرسلة حريز عمن أخبره، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «يفرق الحدّ على الجسد كله و يتقي الفرج و الوجه و يضرب بين الضربين» «2»، و الرواية

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 7: 370.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 369.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 154

الضرب، و روى متوسطا و يفرق على جسده، و يتقي وجهه و رأسه و فرجه.

______________________________

لإرسالها و عدم فرض الزاني فيها لا توجب رفع اليد بها عن ظهور الموثقتين، و لا المعارضة بينها و بينهما ليرجع إلى الإطلاق.

ثم إنّ ظاهر كلام الماتن كظاهر جملة من الأصحاب لزوم التفريق على جسده، و يدل عليه ظاهر مرسلة حريز، و كذا التعليل فيما رواه في العلل عن محمّد بن سنان، عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه: «و علة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به»، و شي ء منهما لضعفهما سندا لا يصلح للاعتماد عليه.

نعم في صحيحة زرارة: «و يضرب كل عضو و يترك الرأس و المذاكير»، و ربما يقال بدلالتها على تعيّن التفريق، و لكنه لا يخلو عن تأمّل.

و لا يبعد دعوى ظهورها في أنّ التفريق لا بأس به، و البأس في ضرب الرأس و المذاكير لا لزوم التفريق على غير الرأس و المذاكير، و المذكور في عبارة الماتن استثناء الرأس و الوجه و المذاكير.

و يمكن ان يكون المراد بكلّ من الوجه

و الرأس ما يعم الآخر، حيث ان استثناء الوجه مذكور في نقل الصدوق و في رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه، لأنّ الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه و انّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلها» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6: 375.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 155

و المرأة تضرب جالسة، و تربط عليها ثيابها (1)

[النظر الثالث في اللواحق]

اشارة

النظر الثالث في اللواحق، و هي مسائل عشرة:

[الأوّلى: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا، فادّعت أنّها بكر فشهد لها أربع نساء بذلك]

الأوّلى: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا، فادّعت أنّها بكر فشهد لها أربع نساء بذلك فلا حدّ، و هل يحدّ الشهود للفرية، قال في النهاية: نعم، و قال في المبسوط: لا حدّ لاحتمال الشبهة في المشاهدة و الأوّل أشبه (2)

______________________________

و ظاهرها إرادة خصوص الوجه، و لكن في سندها علي بن أحمد بن أبي نصر، عن أبيه، و علي بن أحمد لم يثبت له توثيق، و على الجملة الأحوط اتّقاء الرأس و الوجه، إمّا لأنّهما مرادان من الوارد في صحيحة زرارة، أو لإجمال الوارد فيها و دورانه بين الرأس و الوجه، كما أنّ الأحوط ملاحظة التفريق.

(1) أمّا جلدها و هي جالسة، فقد ورد ذلك في صحيحة زرارة المتقدّمة، حيث ذكر سلام اللّه عليه فيها: «و يضرب الرجل الحدّ قائما و المرأة قاعدة».

و أمّا شدّ ثيابها عليها، فهذا فيما إذا احتمل انكشاف بعض جسدها عند جلدها، حيث لا يجوز كشف جسدها و لو بالتسبيب، و قد ورد في صحيحة أبي مريم من أمر علي عليه السّلام بخياطة ثوب جديد للمرأة التي أراد رجمها، و حكي عنه عليه السّلام أمره بأن يشدّ على الجهنية ثيابها.

(2) لا خلاف في المفروض في عدم الحدّ على المرأة، و يدلّ عليه موثقة إسماعيل بن أبي زياد- يعني السكوني- عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن علي عليه السّلام أنّه: «أتى رجل بامرأة بكر زعم أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 156

..........

______________________________

عذراء، فقال علي عليه السّلام: ما كنت لا ضرب من عليها خاتم من اللّه، و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا» «1»، و وجه

الدلالة هو أنّ تعليله عليه السّلام عدم اجراء الحدّ عليها يناسب تمام البينة بزناها.

و في معتبرته الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بامرأة بكر زعموا أنها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء، فقال: ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّه» «2».

و أوضح منهما صحيحة زرارة التي رواها الصدوق بإسناده اليه، و سنده اليه صحيح عن أحدهما عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، فقالت: أنا بكر، فنظر إليها النساء فوجدنها بكرا، فقال: «تقبل شهادة النساء» «3».

ثم انّه و إن لم يذكر في هذه الروايات شهادة أربع نساء، لكن المعتبر من شهادة النساء منفردات شهادة الأربع، كما تقدم في باب الشهادة، و ظاهر الروايات المزبورة عدم اعتبار شهادة الشهود بزناها مع شهادة النساء بكونها بكرا، بلا فرق بين أن يقع شهادة الشهود بزناها في قبلها أو بزناها من غير تقييد بالقبل، فانّ المنصرف اليه من زناها زناها في قبلها.

بقي الكلام في تعلق حدّ القذف بالشهود بزناها، كما هو المحكي عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب الزنا، الحديث 1: 394.

(2) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 13: 261.

(3) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 44: 267.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 157

[الثانية: لا يشترط حضور الشهود عند اقامة الحد]

الثانية: لا يشترط حضور الشهود عند اقامة الحد (1)، بل يقام و إن ماتوا أو غابوا لا فرارا، لثبوت السبب الموجب.

______________________________

الشيخ في النهاية، و مختار الماتن قدّس سرّهما و ابن إدريس في كتاب الشهادات أم لا، كما هو المحكي عن الشيخ في مبسوطه، و عن جماعة عدم الفرق في عدم تعلق حدّ القذف بين شهادتهم بزناها في قبلها

أو بزناها مطلقا، فإنّه كما لا يجرى على المرأة حدّ الزنا و لو للشبهة الحاصلة من شهادة النساء بعذرتها، كذلك لا يتعلّق بشهود زناها حد القذف لاحتمال الشبهة في مشاهدتهم.

و لعلّ المراد من الشبهة أنّ عدم تعلّق حدّ القذف للشهود لتمام شهادة أربعة رجال، و انما يسقط اعتبارها بالمعارضة بشهادة النساء لاحتمال صدقهم و اشتباه النساء، و بتعبير آخر لم يثبت كذب الشهود بقبول شهادة النساء في سقوط الحدّ عن المشهود عليها بالزنا.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا شهد الشهود بزنا الرجل و شهد شهود أنه مجبوب، أو شهدت النساء للمرأة المشهود عليها بالزنا أنها رتقاء، فإنّه لا يجرى حدّ الزنا على المشهود عليهما، الا انّه لا يثبت حدّ القذف أيضا للشهود.

نعم إذا كان ثبوت الجب أو كونها رتقاء بحيث لا يحتمل الخلاف، كما إذا كان ذلك بالتواتر، فيمكن الالتزام بتعلق حدّ القذف بالشهود لفريتهم، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) هذا ظاهر إذا لم يجب على الشهود البدء باستيفاء الحدّ كما في الجلد، فانّ موجب الحدّ بشهادتهم بالزنا محرز، و المكلّف بالاستيفاء هو

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 158

..........

______________________________

الحاكم، و احتمال اشتراط استيفائه بحضورهم مدفوع بإطلاقات الجلد.

و أمّا إذا كان بدء الشهود بالاستيفاء واجبا، كما التزم به المشهور في المحصن إذا ثبت زناه بالبينة، فغاية ما يستفاد من المرسلة المتقدمة أن بدأهم واجب في الاستيفاء الواجب على الحاكم، كما أنّه واجب على نفس الحاكم إذا كان ثبوت الزنا بإقرار الزاني أو مطلقا على ما تقدم.

و إذا سقط وجوب البدء لموتهم أو لغيابهم أو لعذر آخر يكون مقتضى الإطلاق في وجوب اجراء الحد على الحاكم استيفاء الحد بالمباشرة أو بالتسبيب، و قد تقدم أيضا ما

كان ظاهره عدم حضور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الرجم.

نعم، لو كان غياب الشهود موجبا لاتهامهم في شهادتهم، كما إذا فرّوا بعد أداء الشهادة لا يقام الحد على المشهود عليه.

كما ربما يستظهر ذلك من صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شهد عليه رجلان بالسرقة عند أمير المؤمنين، فأمرهما بأن يمسك أحدهما يده و يقطعها الآخر ففرّا، فقال: المشهود عليه يا أمير المؤمنين شهد عليّ الرجلان ظلما، فلما ضرب الناس و اختلطوا ارسلاني و فرّا و لو كانا صادقين لم يرسلاني، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من يدلاني على هذين انكلهما» «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 264.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 159

[الثالثة: قال الشيخ: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم]

الثالثة: قال الشيخ: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم (1)، و لعلّ الأشبه الوجوب، لوجوب بدأتهم بالرجم.

[الرابعة: إذا كان الزّوج أحد الأربعة]

الرابعة: إذا كان الزّوج أحد الأربعة (2)، فيه روايتان، و وجه الجمع سقوط الحدّ

______________________________

(1) إن كان المراد من حضور موضع الرجم البقاء فيه الى تمام الرجم، فهذا غير واجب على الشهود، و ان كان المراد الحضور في موضعه ليبدأوا بالرمي عند الرجم، فوجوبه مبني على أمرين، أحدهما: الالتزام بأنّ الرجم في موارد ثبوته بالبينة يبدأ برمي الشهود، و الثاني: وجوب مقدمة الواجب شرعا، و الأمر الأوّل قد تقدّم التأمّل فيه، و الأمر الثاني غير تام، كما ذكرنا في علم الأصول.

(2) قد تقدّم البحث في ذلك في ذيل ثبوت الزنا بالبيّنة، و ذكرنا أنّ مقتضى رواية إبراهيم بن نعيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قبول شهادة الزوج، قال:

سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: «تجوز شهادتهم» «1».

كما أنّ مقتضى رواية زرارة عن أحدهما عليه السّلام عدم القبول، قال: في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: «يلاعن الزوج و يجلد الآخرون» «2».

و هذه الرواية و ان كانت أخصّ من الاولى حيث انّ الأمر بلعان زوجها

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1: 606.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 2: 606.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 160

إن اختل بعض شروط الشهادة، مثل أن يسبق الزوج بالقذف فيحدّ الزّوج أو يدرأ باللعان و يحدّ الباقون، و ثبوت الحدّ إن لم يسبق بالقذف و لم يختل بعض الشرائط.

______________________________

قرينة على فرض الدخول بزوجته بخلاف الأولى فإنها مطلقة، إلّا أنّ كون هذه أخص لا يفيد في خروجهما عن المتعارضين، حيث انّ شهادة

الزوج لو كانت معتبرة ثبت زنا زوجته، فلا يبقى للّعان مورد فإنّه في فرض عدم ثبوت الزنا، و إن لم يكن شهادته معتبرة لم يتعلق بزوجته حدّ لعدم ثبوت زناها حتى مع عدم الدخول بها.

و بتعبير آخر اللعان مسقط لحدّ القذف عن الزوج، و حدّ الزنا المحتمل ثبوته عن الزوجة، حيث لا يمكن بعد اللعان إثبات ذلك الزنا، و لو بالظفر على البينة به، و الدخول بالزوجة موجب لجواز اللعان، لا لخروج الزوج عن صلاحية الشهادة بزنا زوجته.

و قد ذكرنا أنّ الرواية الأولى ضعيفة سندا فانّ في سندها عباد بن كثير، و الرواية الثانية في سندها إسماعيل بن خراش فلا يمكن الاعتماد عليها.

نعم في صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بفجور أحدهم زوجها، قال: «يجلدون الثلاثة و يلاعنها زوجها و يفرّق بينهما و لا تحل له ابدا» «1».

و هذه الصحيحة تعمّ ما إذا كانت شهادة الزوج بفجورها مع شهادة الباقين

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 3: 606.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 161

[الخامسة: يجب على الحاكم اقامة حدود اللّه تعالى بعلمه]

الخامسة: يجب على الحاكم اقامة حدود اللّه تعالى بعلمه كحدّ الزنا (1)

______________________________

أو كانت قبل شهادتهم، بأن سبق منه رمي زوجته بالزنا، فالمتبع إطلاقها.

و إن قلنا كما تقدّم أنّ الآية المباركة الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ* «1»، لا تعم شهادة الزوج بزنا زوجته مع بقية الشهود، و قد تقدّم أيضا أنّ ما ذكر الماتن في الجمع بين الروايتين مبني على تعارض الروايتين، و جعل الآية المنصرفة إلى سبق رمي الزوج زوجته الموجب لاختلال شرط قبول شهادته، قرينة على الجمع بينهما.

(1) في المقام أمران:

الأوّل: كما أنّ القضاء بين الناس في المرافعات من وظيفة القاضي الذي

تقدّم في كتاب القضاء بيان الأوصاف المعتبرة فيه، كذلك إقامة الحدود على مرتكبي موجباتها من وظيفته.

الثاني: أنّه كما يعتبر قضاؤه بعلمه في موارد المخاصمات، حتى فيما كانت المرافعة من قبيل دعوى تحقّق الموضوع أو ارتفاعه، حيث إنّ القضاء بالعلم يدخل في القضاء بين الناس بالعدل و بالحق، و هو يعلم كذلك يجوز له اقامة الحدود بعلمه، فإنّه بعد البناء على أنّ إقامتها من وظيفته يكون مقتضى إطلاقات خطابات الحدود لزوم إقامتها على مرتكبي موجباتها، كقوله سبحانه الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ «2»- إلخ، و شهادة الأربعة أو غيرها

______________________________

(1) النور: 4.

(2) النور: 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 162

..........

______________________________

كالإقرار من المرتكب طريق الى تحقق موجب الحدّ فيما إذا لم يحرز الارتكاب وجدانا.

أمّا الأمر الأول، بمعنى أنّ اقامة الحدود و التعزيرات وظيفة الحاكم، و من ثبت له منصب القضاء، فمجمل القول فيه أنّه لا يحتمل جواز تعطيل الحدود و التعزيرات مع فقد الإمام المعصوم أو المنصوب بالنصب الخاص من قبله، فإنهما شرعتا لأمن الناس و الممانعة عن انتشار الفساد في البلاد في كل العصور و الأزمنة، كما هو مقتضى إطلاقات خطاباتهما، و لا يحتمل أيضا أن يجوز لكلّ أحد المباشرة لإقامتهما فان ذلك يوجب انتشار المخاصمات و العداء بين الناس و الفساد في البلاد.

و في صحيحة داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالوا لسعد بن عبادة: أ رأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به، قال: كنت أضربه بالسيف قال: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: «ما ذا يا سعد»، فقال،

سعد: قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به، فقلت: اضربه بالسيف، فقال: «يا سعد فكيف بأربعة شهود» فقال: يا رسول اللّه بعد ما رأى عيني و علم اللّه أنّه قد فعل، قال: «أي و اللّه بعد رأى عينك و علم اللّه ان قد فعل، أن اللّه جعل لكل شي ء حدّا و جعل لمن تعدى ذلك الحدّ حدّا» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 310.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 163

..........

______________________________

و المستفاد منها أنّه لا يجوز للرعية التعدي لإجراء الحدّ، بل لا بدّ من ثبوت موجبه عند الحاكم.

و يدلّ على أنّ إقامتها كالقضاء من وظيفته موثقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام: «انّه كان لا يجيز كتاب قاض الى قاض في حدّ و لا غيره «1»- الحديث».

فإنّه لو لم تكن الحدود بيد القضاة لم يكن للمنع عن اعتبار الكتابة معنى، و في خبر حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت: من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: «اقامة الحدود الى من اليه الحكم» «2».

و على الجملة، القدر المتيقن ممن له اقامة الحدود هو الفقيه المنصوب للقضاء و لو بالنصب العام، الذي ذكرناه في باب القضاء، مع تمكنه من إقامتها، و هذا بالإضافة إلى الحدود التي من حقوق اللّه كحدّ الزنا، و أمّا ما كان من حقّ الناس، سواء كان حدّا كحد القذف أو التعزير كشتم شخص فاستيفائهما يتوقف على مطالبة من له الحق.

كما يدل على ذلك ما في صحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث ورد فيها: «و اما حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية

لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليّه، و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي، الحديث 1: 218.

(2) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعاوي، الحديث 1: 220.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 164

و أمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيرا.

[السادسة: إذا شهد بعض و ردّت شهادة الباقين]

السادسة: إذا شهد بعض و ردّت شهادة الباقين، قال في المبسوط و الخلاف: ان ردّت بأمر ظاهر حدّ الجميع (1) و ان ردّت بأمر خفي فعلى المردود

______________________________

أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم» «1».

و في صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أقرّ على نفسه عند الامام بحق أحد من حقوق المسلمين فليس على الإمام ان يقيم عليه الحدّ الّذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحبه حق الحد أو وليه و يطلبه بحقه» «2».

(1) و الوجه في ذلك أنّ مع ظهور موجب الردّ كالعمى في بعضهم، بناء على اعتبار الشهادة بالرؤية كالميل في المكحلة أو الفسق الظاهر، لا يكون شهادة الباقين من شهادة الأربعة بالزنا الموجبة لانتفاء القذف، و هذا بخلاف ما إذا كان ردّ شهادة البعض لأمر خفي، فإنّه مع عدم اطلاع الباقين بذلك الأمر الخفي لا تكون شهادتهم مع شهادته إلّا العمل بما عليهم من الشهادة حسبة.

نعم، يتعلق بالمردود شهادته الحدّ، حيث انّه يعلم على صفة يحسب شهادته قذفا، و لكن في التفصيل المزبور إشكال، لأنّه مع عدم ثبوت الزنا يحسب شهادة كل واحد قذفا، و القذف موجب لحدّه، و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدلوا،

قال: «يضربون الحدّ».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 344.

(2) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 344.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 165

الحد دون الباقين، و فيه اشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة، و لو رجع واحد بعد شهادة الأربع حدّ الراجع دون غيره.

[السابعة: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني فله قتلهما و لا أثم]

السابعة: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني فله قتلهما و لا أثم (1)، و في الظاهر

______________________________

نعم، إذا شهد الشهود بالزنا و رجع بعضهم عن شهادته لا يتعلق حدّ القذف بغير الراجع لثبوت الزنا بشهادتهم و رجوع البعض، و ان يوجب سقوط الحدّ عن المشهود عليه، بل يتعلّق حد القذف بالراجع، لأنّ رجوعه تكذيب نفسه في شهادته على الغير بالزنا، بلا فرق بين رجوعه بعد حكم الحاكم بمقتضى شهادتهم أو قبله، لأنّ الموجب لانتفاء القذف تحقّق الشهادة المسموعة لا تحقّق الحكم على طبق شهادتهم.

بل ذكرنا في باب رجوع الشاهد عن شهادته أنّ الموجب لإجراء الحدّ ثبوت الارتكاب للحاكم، و لا أثر لحكمه بعد ثبوته، و ذكرنا ما يصحّ أن يقال في وجه سقوط الحدّ عن المشهود عليه بعد رجوع بعض الشهود.

و على كلّ تقدير يتعلّق بالراجع حدّ القذف، لأنّ رجوعه عن شهادته السابقة اعتراف بأنّها كانت رمي الغير بالزنا.

(1) و هذا هو المحكي عن الشيخ قدّس سرّه و جماعة، بل المنسوب الى المشهور، و مقتضى إطلاق الكلمات عدم الفرق بين إحصانهما و عدمه، و عن ابن إدريس تقييد الحكم بصورة احصانهما، كما أنّ مقتضى إطلاقهم عدم الفرق بين كون الزاني حرّا أو عبدا، و الزوجة حرّة أو أمة، بل عدم الفرق بين كون القاتل زوجا لها بالعقد الدائم أو المنقطع، فيجوز له

قتلهما حال وجدانهما على الفجور

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 166

عليه القود إلّا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه الولي.

______________________________

أم بعد ذلك.

و يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في انّه يجوز للزوج قتلهما و أنّه لا شي ء عليه واقعا، لا القود و لا الإثم.

و الثاني: انّه إذا لم يتمكن من إثبات فجورهما عند الحاكم لعدم الشهود و عدم اعتراف أوليائهما، يتعلّق على الزوج القود بحسب قوانين القضاء.

أمّا المقام الأوّل: فقد يستدلّ على الجواز بما ورد فيمن اطلع على دار قوم من أن عينيه مباحان لأهل الدار، و أنّه يجوز لهم جرحه، و انّ من دخل دار قوم بغير إذن أهلها فدمه مباح.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «عورة المؤمن على المؤمن حرام، و قال: من اطّلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحة للمؤمن في تلك الحال، و من دمّر على مؤمن بغير إذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحالة» «1».

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، و قال: من

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2، 4، 6، 7: 48- 50.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 167

..........

______________________________

اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» «1».

و في رواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلال شي ء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينه فليس عليهم غرم» «2».

و يقال: إذا جاز فقأ عين المطلع و جرحه أو قتله جاز القتل بالفجور، و لكن لا يخفى

هذه الروايات واردة في الدفاع عن العرض و ترخيص للممانعة عن اطلاع الغير بعوراتهم.

و في موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «اطلع رجل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجريد، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو اعلم أنّك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتّى افقأ به عينيك قال: فقلت له: و ذاك لنا، فقال: ويحك- أو ويلك- أقول لك إنّ رسول اللّه فعل و تقول ذاك لنا» «3».

و على ظاهر هذه و ما قبلها أنّ فقأ عين المطّلع أو جرحه للممانعة و الدفاع عن العرض، و قد قيّد الأصحاب الدفاع بما إذا لم ينفع الزجر، و يأتي الكلام فيه في بحث الدفاع، و هذا لا ينطبق على ما يذكر في المقام، و من جواز أن يقتل الزوج الزاني و زوجته المزني بها حال الفجور أو بعده.

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4: 48.

(2) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6: 48.

(3) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 48.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 168

..........

______________________________

و ممّا ذكر يظهر المناقشة في الاستدلال على ما عليه المشهور كما قيل، بما ورد في جواز الدفاع عن العرض، كصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا قال: «ليس عليها شي ء فيما بينها و بين اللّه عزّ و جلّ، و ان قدّمت الى امام عادل أهدر دمه» «1».

و على الجملة، الدفاع عن العرض بل وجوبه و

لو أدّى ذلك بقتل المعتدي، كمن دخل دار شخص للاعتداء على بنته أو زوجته و لو بتقبيلهما أمر جائز، فانّ الدّفاع بقتل المعتدي في الدفاع عن ماله جائز، فكيف في دفاعه عن عرضه.

و الكلام في المقام في غير مورد انطباق عنوان الدفاع عن العرض، كما هو ظاهر الفرض، فانّ القتل في المقام يعمّ ما إذا كان بعد العمل و لم يكن الفجور بالدخول في داره، و القتل في المقام كأنه انتقام و جزاء لهتك عرضه.

نعم، يستدل للجواز برواية سعيد بن المسيّب أنّ معاوية كتب الى أبي موسى الأشعري أنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته، قال: فاسأل لي عليّا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليّا فسألته- الى ان قال- فقال: «انا أبو الحسن ان جاء بأربعة يشهدون على ما شهد فهو و الّا دفع برمّته» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 23 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 46.

(2) الوسائل: 19، الباب 69 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 102.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 169

..........

______________________________

فإنّها ظاهرة في جواز قتل الزاني بامرأته، بل لا يبعد شمولها إذا كان قتله بعد فجوره بها و لو بمدّة، و لكنها ضعيفة سندا، و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، لاحتمال أنّ فتوى البعض للاعتماد على الروايات المتقدمة، مع أنّ فتواهم جواز قتل الزاني و زوجته المزني بها، مع أنّ الرواية ظاهرها قتل الزاني.

نعم، عن الشهيد في الدروس: روى أنّ من رأى زوجته تزني فله قتلهما «1»، و لكن غايته أن تحسب هذه رواية مرسلة لم توجد في كلام من تقدم عليه.

و مع الغضّ عما ذكر فقد يقال: انّ صحيحة داود بن فرقد تعارضها،

قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قالوا لسعد بن عبادة: أ رأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به، قال: كنت أضربه بالسيف، قال: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ما ذا يا سعد؟ فقال سعد:

قالوا: لو وجدت على بطن امرأتك رجلا ما كنت صانعا به، فقلت: اضربه بالسيف، فقال: يا سعد كيف بأربعة شهود؟ فقال: يا رسول اللّه بعد ما رأى عيني و علم اللّه ان قد فعل، قال، اي و اللّه بعد رأي عينك و علم اللّه ان قد فعل، ان اللّه جعل لكل شي ء حدّا و جعل لمن تعدى ذلك الحد حدّا» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 45 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 413.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 309.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 170

[الثامنة: من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها]

الثامنة: من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها (1)، و لو كانت أمة لزمه عشر قيمتها، و قيل: يلزمه الأرش، و الأوّل مروي.

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: انّه لو تم أمر السّند في رواية سعيد بن المسيب كان مقتضى الجمع بينها و بين هذه الصحيحة حمل هذه على أنّ قتل الزاني بزوجته بلا شهود أربعة غير جائز، لا لانّ قتله فيما بينه و بين اللّه غير جائز بل بما هو تغرير النفس و ارتكاب ما يوجب القود عليه بحسب قوانين القضاء.

لا يقال: يجرى ذلك، أي عدم جواز تغرير النفس، في ظاهر الشرع في موارد الدفاع عن العرض و المال.

فإنّه يقال: إذا انطبق على قتل المعتدي عنوان الدفاع مع توقفه عليه فالتغرير

المزبور مرخص فيه، بخلاف رؤية الزاني بزوجته، فإنّه لا يجوز، كما هو مقتضى الجمع بين الروايتين.

اما المقام الثاني: فيظهر الحكم فيه مما سبق بان تعلق القود على الزوج انما هو بحسب قوانين القضاء و ارتكابه ما يوجب القود على ما هو مقتضى الجمع بين الروايتين بناء على تمامية سند رواية سعيد بن المسيب، لا لان قتل الزاني بالزوجة فيما بينه و بين اللّه غير جائز.

(1) ظاهر ما ذكره في المتن لا يرتبط بمسائل حدّ الزنا، و لعلّه سقط عن قلمه ذكر الحد أو التعزير، و كيف كان افتضاض البكر الحرة و إذهاب بكارتها بالإصبع أو بغيره يوجب ضمان مهر المثل على الفاعل، و لم يظهر في ذلك خلاف.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 171

..........

______________________________

و يدلّ عليه عدة روايات كصحيحة عبد اللّه بن سنان و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في امرأة افتضّت جارية بيدها قال: «عليها المهر و تضرب الحدّ» «1».

و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة افتضت جارية بيدها، قال: عليها مهرها و تجلد ثمانين» «2».

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ عليا عليه السّلام رفع اليه جاريتان دخلتا الحمام فافتضت إحداهما الأخرى بإصبعها، فقضى على التي فعلت عقلها» «3»، و العقل هو الصداق في ذهاب العذرة بغير جماع.

و في صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه في حديث طويل: «إن امرأة ادعت نسوة فأمسكن صبية يتيمة بعد ما رمتها بالزنا و أخذت عذرتها بإصبعها، فقضى أمير المؤمنين عليه السّلام أن تضرب المرأة حدّ القاذف و ألزمهن جميعا العقر، و جعل عقرها أربعمائة درهم» «4».

و هذه قضية

في واقعة، و التحديد بالأربعمائة لعلها بمقدار مهر أمثالها، يستفاد منها أنّ الاشتراك في الافتضاض و لو بإمساك البكر يوجب الاشتراك في ضمان المهر، و لعلّ الحدّ في صحيحة عبد اللّه بن سنان يختص بصورة القذف،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 409.

(2) الوسائل: 18، الباب 39 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 409.

(3) الوسائل: 19، الباب 45 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1: 270.

(4) الوسائل: 14، الباب 3 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 2: 239.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 172

[التاسعة: من تزوج أمة على حرّة مسلمة فوطئها قبل الاذن]

التاسعة: من تزوج أمة على حرّة مسلمة فوطئها قبل الاذن، كان عليه ثمن حدّ الزاني (1).

______________________________

بقرينة أنّ الفعل المزبور إذا صدر عن المرأة يكون لاتّهام الجارية كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن وهب، و إلّا لم يحك الحدّ بالثمانين أو بالمائة في مجرّد الافتضاض، و يمكن أن يكون المراد بالحدّ التعزير و ذكر في الجواهر: لو كان المفتض الزوج فعل حراما، و قال بعضهم و عزّر و استقر المسمى، فتأمل.

أقول: لعلّ أمره بالتأمل ناظر الى استقرار المهر المسمى، فإنّه لا ينبغي التأمل في حرمة فعله و استحقاقه التعزير، لكون الافتضاض بالإصبع يحسب من الجناية على الباكرة لا الاستمتاع ببضعها، فيوجب ذلك استقرار مهر المثل على زوجها ايضا، و استقرار المهر المسمّى يكون بدخوله بها، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر ذلك جماعة و قالوا: انّ وطء الأمة الّتي تزوج بها على حرّة مسلمة قبل الاذن و اجازة الحرة، يوجب تعلّق ثمن حدّ الزنا بالزوج الواطي.

و يستدل على ذلك برواية حذيفة بن منصور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج أمة على حرّة لم يستأذنها، قال: «يفرق

بينهما»، قلت: عليه أدب؟ قال: «نعم اثنا عشر سوطا و نصف ثمن حد الزاني و هو صاغر» «1».

و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل تزوج

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2: 394.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 173

..........

______________________________

أمة على مسلمة و لم يستأمرها، قال: «يفرّق بينهما»، قلت: فعليه أدب؟ قال: «نعم اثنا عشر سوطا و نصف من حد الزاني و هو صاغر» «1».

و بما أنّ الوطء في الروايتين غير مفروض فاعتبارهم الوطء، في الحكم لانصراف التزويج في المقام إلى صورة الوطء، خصوصا بملاحظة الأدب و التعزير، حيث إنّ مجرد إنشاء عقد النكاح لا يكون محرّما تكليفا ليثبت فيه الأدب أو الحدّ.

و مع ذلك لا يمكن الالتزام بذلك، لأنّ نكاح الأمة بلا إذن الحرة محكوم بالبطلان، فلا بدّ في صحته من إذنها أو إجازتها، كما هو ظاهر ما ورد في نكاح الأمة على الحرة، و عليه فان كان الرجل عند وطء الأمة عالما بفساد نكاحها، و مع ذلك أقدم بوطيها، فلا بدّ من ثبوت حدّ الزنا لا الأدب بثمن حد الزاني، و إن كان جاهلا فالتعزير لا بأس به.

و لكن تحديده بثمن حدّ الزنا لا يتمّ لضعف الرواية الأولى، فانّ في سندها احمد بن عوذة، عن إبراهيم بن إسحاق، و الثاني ضعيف و مع ضعفه لا يفيد دعوى كون الأول من المعاريف، و أنّه أحمد بن نصر بن سعيد البابلي أو الباهلي، و الرواية الثانية مع إرسالها لا يمكن الاستدلال بها على حكم الأمة، فإنّ الشيخ رواها و متنها: «تزوج أمة على مسلمة»، و الكليني رواها:

«تزوج ذمية على مسلمة»، و لو لم

يكن الصحيح نقل الكليني بقرينة: «على

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4: 419.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 174

..........

______________________________

مسلمة» فلا أقلّ من الإجمال.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو بنى على صحة تزويج الأمة على الحرة، و انّ للحرة حل النكاح و فسخه، و حرمة وطء الرجل الأمة قبل إجازة الحرة و رضاها ايضا، لا يمكن تحديد التعزير على الوطء بثمن حدّ الزنا.

و يجري ما ذكرنا في نكاح الذمية على المسلمة بغير إذن المسلمة و رضاها، فإنّه لو قلنا ببطلان التزويج المزبور فوطئها مع العلم ببطلان النكاح يوجب حدّ الزنا، و مع الجهل فلا يبعد الالتزام بالتعزير.

و لكن في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل تزوّج ذمية على مسلمة، قال: «يفرّق بينهما و يضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر سوطا و نصفا، فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ و لم يفرّق بينهما»، قلت: كيف يضرب النصف؟ قال: «يؤخذ السّوط بالنصف».

و يؤيّده رواية منصور بن حازم المتقدّمة، بناء على رواية الكليني، كما نفينا عنها البعد، فلا بدّ على القول ببطلان النكاح عن حمل ثمن حدّ الزاني على تحديد التعزير في صورة الجهل بالحكم.

نعم، بناء على الالتزام بصحة النكاح و انّ للمسلمة فسخه و إبطاله و حرمة وطيها قبل الاستيذان و رضاها، فلا موضوع لتعلق حدّ الزنا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 175

[العاشرة: من زنى في شهر رمضان]

العاشرة: من زنى في شهر رمضان، نهارا كان أو ليلا، عوقب زيادة على الحدّ لانتهاكه الحرمة، و كذا لو كان في مكان شريف أو زمان شريف (1).

______________________________

(1) و يستدلّ على ذلك بأنّ انتهاك حرمة الشهر أو المكان الشريف كالمساجد و المشاهد المشرفة، أو

الزمان الشريف، عنوان آخر يوجب زيادة الحدّ بثبوت التعزير معه، و بما ورد في مرفوعة جابر عن أبي مريم قال: أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بالنجاشي الشاعر و قد شرب الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة ثمّ دعا به من الغد فضربه عشرين، فقال له: يا أمير المؤمنين ضربتني ثمانين في شرب الخمر و هذه العشرون ما هي، قال: «لجرئتك على شرب الخمر في شهر رمضان» «1».

ثم انه لا فرق في تعلّق الحدّ بالزاني جلدا أو رجما، بين زناة بالمرأة الحية أو الميتة، فإن كان محصنا رجم و ان كان غير محصن جلد.

و كان على الماتن قدّس سرّه جعل ما ذكرنا المسألة الحادية عشر، و إن كان الإطلاق في تعلّق الحدّ بالزاني جلدا أو رجما كان كافيا في إفادة عدم الفرق، و لعلّ دعوى الإجماع و عدم الخلاف في الحكم لاستظهار الإطلاق من كلمات الأصحاب، كما هو الحال في إطلاق ما دلّ على حدّ الزاني المحصن و غيره.

و يدلّ عليه ايضا ما رواه الكليني قدّس سرّه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن محمد الجعفي، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام و جاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش قبر امرأة فسلبها ثيابها ثم

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 474.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 176

..........

______________________________

نكحها فانّ الناس قد اختلفوا علينا، طائفة قالوا اقتلوه و طائفة قالوا أحرقوه، فكتب إليه أبو جعفر عليه السّلام: «إنّ حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحد في الزنا ان أحصن رجم و ان

لم يكن أحصن جلد مائة» «1».

و نحوها ما رواه المفيد قدّس سرّه في كتاب الاختصاص عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، قال: «لما مات الرضا عليه السّلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر و قد حضر خلق من الشيعة- الى ان قال- فقال أبو جعفر عليه السّلام: «سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال ابي يقطع يمينه للنبش و يضرب حدّ الزنا، فإن حرمة الميّتة كحرمة الحية» «2»، و للمناقشة في سندهما تصلحان للتأييد.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 511.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 6: 511.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 177

[الباب الثاني في اللواط و السحق و القيادة]

اشارة

الباب الثاني في اللواط و السحق و القيادة.

[أمّا اللّواط]

أمّا اللّواط.

فهو وطئ الذكران بإيقاب و غيره (1)، و كلاهما لا يثبتان إلّا بالإقرار أربع

______________________________

(1) إذا كان وقاع ذكر بين أليتي ذكر آخر مع الإيقاب و الثقب، فلا ينبغي التأمّل في كونه ظاهر لفظ اللواط المترتب عليه ما يأتي.

و أمّا إذا لم يكن في البين إيقاب و ثقب، فهو و إن كان محرما بلا شبهة إلّا أنّ اللواط منصرف عنه، و لا أقلّ من عدم ظهوره فيه أيضا، كرواية أبي بكر الحضرمي بين الفرضين.

و لعل تعميم الماتن قدّس سرّه اللواط لكلا الفرضين مستند الى ما يستظهر من بعض الروايات، كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بامرأة و زوجها قد لاط بابنها من غيره و ثقبه، و شهد عليه بذلك الشهود، فأمر به عليه السّلام، فضرب بالسّيف حتّى قتل و ضرب الغلام دون الحدّ، و قال: اما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك إيّاه بنفسك بثقبك» «1».

و وجه الاستظهار أنّه لو لم يكن اللواط بلا ثقب لم يكن وجه لذكر الثقب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد اللواط، الحديث 1: 418.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 178

..........

______________________________

في السؤال بعد فرض وقوع اللواط، و لكن لا يخفى لو سلّم ظهورها في استعمال اللواط في مطلق الوقاع بين أليتي ذكر و لو مع عدم الثقب، كما هو مقتضى ذكر الثقب بعد فرض اللواط، فلا يوجب ذلك ظهور لفظ اللواط في العموم و عدم انصرافه الى فرض الثقب.

و امّا ما في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اللواط ما دون الدبر و الدبر

هو الكفر» «1»، و رواية حذيفة بن منصور قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اللواط؟ فقال: «ما بين الفخذين»، و سألته عن الذي يوقب، فقال: «ذاك الكفر بما انزل اللّه على نبيه» «2».

فظاهرهما أنّه تنزيل بلحاظ العقوبة و تشديد في تحريم الإيقاب و الثقب، و الّا فمجرّد الإيقاب و الثقب لا يوجب الارتداد و لا يتعلق حدّ الارتداد، كما أنّه لا يترتّب على مثل التفخيذ من غير ثقب حدّ الإيقاب.

نعم، لا تأمّل في حرمته ايضا، و تعلّق الحدّ به و لكنّه غير حدّ اللواط.

ثم إنّه قد يقال: أنّه لا يعتبر في الإيقاب و الثقب المترتب عليه الحد الآتي و غيره من الأحكام، من تحريم أم الملوط و أخته و بنته إدخال تمام الحشفة، بل يكفي في ترتب ما ذكر الإدخال و لو ببعضها لأنّ الإيقاب بمعنى الإدخال، و هو يصدق مع دخول بعضها.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 2: 257.

(2) الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3: 257.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 179

مرّات (1)، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة.

______________________________

و لكن يمكن المناقشة فيه، بأنّ المرتكز في الأذهان من الدخول و الثقب ما حدّد به موجب الغسل و استقرار المهر و تعلّق حدّ الزنا.

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ اللواط بالمعنى المتقدّم المترتب عليه الحدّ الآتي و غيره من الأحكام لا يثبت إلّا بالإقرار به بأربع مرّات أو تمام شهادة الأربعة، و هذا أمر متّفق عليه بين الأصحاب.

و في صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «بينما أمير المؤمنين عليه السّلام في ملاء من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين إني

أوقبت على غلام فطهّرني، فقال له: يا هذا اذهب إلى منزلك لعلّ مرارا هاج بك، حتّى فعل ذلك ثلاثا بعد مرّته الاولى، فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حكم في مثلك بثلاثة أحكام، فاختر أيهّن شئت، قال: و ما هنّ يا أمير المؤمنين، قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو إهداب من جبل مشدود اليدين و الرجلين، أو إحراق بالنّار- الحديث» «1».

فإنّها ظاهرة في اعتبار الإقرار بأربع مرات، حيث إنّه لو كان يثبت بالإقرار ثلاثا مثلا لم يكن وجه لتأخير ما ذكره عليه السّلام الى عقيب الرابعة، و قد تقدّم في بحث ثبوت الزنا بالإقرار أنّ كلّ إقرار يحسب شهادة، و مقتضاه أن لا يثبت

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد اللواط، الحديث 1: 422.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 180

..........

______________________________

اللواط بأقلّ من شهادة الأربع.

أضف الى ذلك أنّه لا يثبت موجب الحد بأقلّ من الإقرار بأربع مرات، و يثبت بشهود أقلّ، حيث إنّ الإقرار، كما هو مقتضى استقصاء موارده يثبت بعض موجب الحد أو جلّه بالمرة الواحدة، و لا يثبت موجب حدّ بشهادة عدل واحد هذا كلّه بالإضافة إلى ثبوت اللواط بالمعنى المتقدم، و أمّا ثبوت ما أدخله الماتن و بعض آخر في معنى اللواط، فعدم ثبوته إلّا بالإقرار أربع مرات أو بشهادة الأربعة فإتمامه بالدليل مشكل، بعد ثبوت الإطلاق في اعتبار الإقرار و لو بمرة واحدة، و كذا في ناحية اعتبار البينة المنصرفة إلى شهادة العدلين.

و على الجملة، الذي لا يثبت بأقلّ من شهادة الأربعة هو اللواط الموجب للقتل بالضرب بالسيف في عنق اللائط أو بإهداره أو بإحراقه،

بناء على أنّه موجب للحدّ المزبور مطلقا، و لو كان اللائط غير محصن كما يأتي، و ان بنى أنّ غير محصن لا يقتل بل يجلد، كالزاني غير المحصن، فلا بدّ في ثبوته أيضا الإقرار بأربع مرات أو شهادة أربعة رجال.

كما يدلّ على ذلك مثل قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة حريز المرويّة عن تفسير علي بن إبراهيم: «القاذف يجلد ثمانين جلدة و لا تقبل له شهادة ابدا إلّا بعد التوبة أو يكذب نفسه، فان شهد له ثلاثة و أبى واحد يجلد الثلاثة و لا تقبل شهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 433.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 181

و يشترط في المقر البلوغ، و كمال العقل، و الحرية، و الاختيار، فاعلا كان أو مفعولا و لو أقر دون أربع لم يحدّ و عزر (1)، و لو شهد بذلك دون الأربعة لم

______________________________

فإنّ إطلاق القاذف يقم نسبة اللواط الى شخص محصنا كان أو غيره، كما أنّ ثبوت الزنا بأربعة رجال كان الزاني محصنا أو غيره.

كما يدل عليه ما تقدم في بحث ثبوت الزنا و نحوه، كموثقة عمّار الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال أنّه قد زنى بفلانة و يشهد الرابع أنّه لا يدري بمن زنى، قال: «لا يحدّ و لا يرجم» «1»، غاية الأمر قد ثبت في ثبوت الزنا جواز انضمام شهادة النساء الى الرجال على ما تقدم.

(1) قد تقدّم اعتبار البلوغ و العقل و الحرية في المقر في ثبوت الزنا بالإقرار، و كذا اعتبار الاختيار بمعنى عدم الإكراه، فلا نعيد.

و أمّا إذا اعترف

الواجد للأوصاف بأقلّ من أربع مرات، فقد ذكر الماتن و غيره أنّه لم يحدّ و لكن يعزّر، و لا يبعد أن لا يكون للتعزير وجه إذا كان اعترافه عند الحاكم بداعي التطهير، ثم ندم و لم يكمل الإقرار أو بغير ذلك.

كما لا يبعد الحكم بفسقه، حيث لا منافاة بين عدم ثبوت المقرّ به و نفوذ إقراره على نفسه بالفسق، فلا يقبل شهادته فيما إذا كان قبل ذلك عدلا و لا يجوز الاقتداء به، الى غير ذلك من نفي الأحكام المترتبة على عدم العدالة، و دعوى أنه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 372.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 182

يثبت و كان عليهم الحدّ للفرية (1)، و يحكم الحاكم فيه بعلمه، إماما كان أو غيره، على الأصح (2).

______________________________

إذا ثبت الفسق ثبت التعزير عليه، فقد تقدم الجواب عن ذلك.

و قد يمكن أن يستظهر نفي التعزير من صحيحة مالك بن عطية، حيث إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يعزّر الرجل في شي ء من المرات الثلاث من إقراره، الّا ان يقال بعدم التعزير في مورد العلم أو الاحتمال في إتمام الإقرارات، و الكلام في مورد عدم إتمامها.

(1) لما تقدم و يأتي التفصيل، من عدم الفرق في القذف الموجب لحدّه بين النسبة إلى الزنا أو اللواط، و ذكرنا ما يدلّ على أنّ مع عدم تمام شهادة الأربعة يحدّ الشهود بحدّ القذف.

نعم ذكرنا أنّه يقوم شهادة النساء مقام الأربعة إذا انضمت شهادتهن إلى شهادة رجلين أو ثلاثة رجال، بتمام شهادة الأربعة حكما ينتفي حدّ القذف بخلاف ثبوت اللواط، فإنّه لا دليل على سماع شهادة النساء، بل مقتضى الإطلاق في بعض روايات عدم قبول شهادة النساء في

الحدود عدم السماع.

(2) و قد تقدّم الكلام في ذلك في بحث القضاء، و في حدّ الزنا، و ذكرنا أنّ علم الحاكم إحراز لموجب الحد، فعليه إجراؤه على المرتكب، و لا أثر في ثبوت الموجب لحكمه بل علمه بنفسه إحراز للموجب، نعم هذا في الحدود التي من حق اللّه سبحانه، و امّا ما كان من حق الناس فاجراؤه على المرتكب محتاج إلى المطالبة كحدّ القذف.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 183

و موجب الإيقاب القتل على الفاعل و المفعول، إذا كان كلّ منهما بالغا عاقلا، و يستوي في ذلك الحرّ و العبد و المسلم و الكافر و المحصن و غيره (1).

______________________________

(1) الموجب- بالفتح- أي الحدّ المترتب على الإيقاب هو القتل، فإنّه يقتل الواطي و الموطوء إذا كان كلّ منهما بالغا عاقلا، بلا فرق بين الحر و العبد، و المسلم و الكافر، و المحصن و غير المحصن.

و قد ذكر في المسالك أنّ العبد في حدّ اللواط كالحر، و يفترق اللواط عن الزنا، حيث تقدّم انّه لا يرجم العبد بالزنا و ان كان محصنا بل يجلد خمسين جلدة، و التسوية في اللواط بالإجماع، و قد يستدل على عدم الفرق بين الحر و العبد، كعدم الفرق بين المسلم و الكافر، بالإطلاق في حدّ اللواط.

لا يقال: قد ورد في صحيحة زرارة أو موثقته عن أبي جعفر عليه السّلام: انّ الملوط حدّه حد الزاني، و مقتضاه جريان التفصيل في حد الزنا على اللواط أيضا، و من التفصيل فيه كون الزاني أو المزني بها حرا أو حرة أو عبدا أو أمة.

فإنه يقال: ظاهر هذه الصحيحة غير معمول بها عند أصحابنا، فإنّ الملوط يقتل، بلا فرق فيه بين المحصن و غيره، و لا يمكن

أن يكون حدّه حد الزنا حتى يتمسك بإطلاقه.

و ما ورد من أنّ على العبد و الأمة نصف ما على الحر و الحرة، وارد في زنا العبد و الأمة و انهما لا يقتلان و ان كانا محصنين. بل يضربان خمسين سوطا، و لا إطلاق فيه ليتمسك به في مثل المقام، و لذا لا يتمسكون به في مثل حدّ الشرب و نحوه، فضلا عمّا لم يكن الحدّ قابلا للتنصيف كالقطع و القتل، و ما في عبارة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 184

و لو لاط البالغ بالصبي موقبا قتل البالغ و أدّب الصبي، و كذا لو لاط بمجنون، و لو لاط بعبده حدّا قتلا أو جلدا، و لو ادعى العبد الإكراه سقط عنه دون المولى، و لو لاط مجنون بعاقل حدّ العاقل، و في ثبوته للمجنون قولان، أشبههما السقوط.

و لو لاط الذّمي بمسلم قتل و ان لم يوقب (1)، و لو لاط بمثله كان الامام مخيرا بين إقامة الحدّ عليه و بين دفعه إلى أهله ليقيموا عليه الحدّ.

______________________________

الماتن، من أنّه لو لاط بعبده حدّا قتلا أو جلدا مبني على عموم اللواط، فان كان مع الإيقاب فالقتل و بدونه فالجلد.

و على الجملة اللواط بمعنى الإيقاب يترتب عليه الحد إذا كان المرتكب بالغا عاقلا و بالاختيار، فلو لاط البالغ العاقل بالمجنون قتل العاقل و يجري في المجنون ما تقدّم في زناه، و كذا إذا لاط المجنون بالبالغ العاقل، و قد تقدّم انّه لا يجري الحدّ على المجنون و لكن يجب الممانعة عن ارتكابه، و إذا لاط البالغ بالصبي قتل البالغ إذا كان بنحو الإيقاب و أدّب الصبي، و كذا إذا لاط الصبي بالبالغ، و ما ورد في المزني بها

المحصنة أنّها لا ترجم إذا زنى بها الصبي، لأنّ الذي أتى بها غير مدرك لا يجري في اللواط، و التعدي قياس مع الفارق.

(1) و قد نفى الخلاف في وجوب قتله و لو مع عدم الإيقاب، و يذكر أنّ اللواط أشدّ حرمة من الزنا، و قد تقدم ما يدلّ على قتل الكافر إذا زنى بالمسلمة، و انّ الذمي بلواطه هذا قد هتك حرمة الإسلام، و عن بعض انّه خرج عن شرط الذمة.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 185

و كيفية إقامة هذا الحدّ القتل، إن كان اللواط إيقابا (1)، و في رواية: ان كان محصنا رجم و ان كان غير محصن جلد، و الأوّل أشهر.

______________________________

و لكن لا يخفى أنّه لم يثبت أنّ تفخيذ الذّكرين أشدّ حرمة من الزنا، بل الثابت أشدّية حرمة الإيقاب و هتك حرمة مسلم و لو كان فاسقا فاجرا غير هتك حرمة الإسلام، مع أنّ مثل هذا الهتك لو كان موجبا للقتل ثبت ذلك في تقبيل الغلام المسلم و نحوه، و مجرّد ارتكاب الفاحشة لا يوجب الخروج عن الذّمة، و على تقديره فقتله لكونه حربيا لا للجزاء على الفعل.

و لو لاط ذمي بذمي آخر فالحكم فيهما كما تقدم في الزنا، من تخيير الحاكم بين اقامة الحد عليهما أو إرجاعهما إلى حكامهم ليجروا عليهما الحدّ عندهم.

(1) المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا أنّ اللاطئ و الملوط يقتلان، بلا فرق بين المحصن و غيره، و لعلّ الحكم في ناحية الملوط مجمع عليه بينهم، و ان الملوط البالغ العاقل المختار يقتل، بلا فرق بين كونه محصنا أو غير محصن، و يقتضيه أيضا مناسبة الحكم و الموضوع.

و في صحيحة حماد بن عثمان، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل أتى رجلا، قال: «عليه إن كان محصنا القتل و إن لم يكن محصنا فعليه الجلد»، قال: قلت: فما على المؤتى به؟، قال: «عليه القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن» «1».

و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كان الرجل كلامه كلام

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 4: 417.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 186

..........

______________________________

النساء و مشيته مشية النساء و يمكن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة فارجموه و لا تستحيوه» «1».

و إن يمكن أن يناقش في هذه بأنّ ظاهرها المخنث لا مجرد كونه ملوطا.

و يمكن استظهار ذلك من رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بامرأة و زوجها قد لاط بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود فأمر به فضرب بالسيف حتى قتل و ضرب الغلام دون الحد، و قال: أما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك إياه من نفسك بثقبك» «2».

فانّ مقتضى التعليل في الذيل ان البالغ الممكن من نفسه الغير ليثقبه يقتل، و هذا لضعف سندها تصلح للتأييد.

و في رواية يزيد بن عبد الملك، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام: «انّ الرجم على الناكح و المنكوح- الى ان قال:- و هو على الذكر إذا كان منكوحا أحصن أو لم يحصن» «3».

و امّا اللاطي فالروايات فيه على طوائف، إحداها: أنّه يقتل إذا كان محصنا، كما تقدم في صحيحة حماد بن عثمان.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 5: 421.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد اللواط، الحديث 1: 419.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط،

الحديث 8: 417.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 187

..........

______________________________

و ثانيتها: أنّه يرجم مع إحصانه، كما في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام: إذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل و أدب الغلام، و ان كان ثقب و كان محصنا رجم» «1».

و في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن عدة من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يوقب: «أنّ عليه الرجم إن كان محصنا و عليه الجلد إن لم يكن محصنا» «2».

و في رواية العلاء بن الفضيل، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ اللوطي مثل حدّ الزاني، و قال: إن كان قد أحصن رجم و الّا جلد» «3».

و في رواية يزيد بن عبد الملك المتقدمة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام:

«الرجم على الناكح و المنكوح ذكرا كان أو أنثى إذا كانا محصنين- الحديث».

و في معتبرة الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السّلام انّه كان يقول في اللوطي: «إن كان محصنا رجم و ان لم يكن محصنا جلد الحدّ» «4».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 7: 421.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 8: 421.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 3: 417.

(4) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 6: 417.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 188

..........

______________________________

و في مقابلهما الطائفة الثالثة، و مقتضى إطلاقها قتل اللاطي- يعني الموقب- بلا تقييد أو استفصال بين كونه محصنا أو غير محصن.

و في صحيحة مالك بن عطية، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في حديث: «انّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرجل أقرّ باللواط أربعا: يا هذا إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت، قال: و ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو إهداب من جبل مشدود اليدين و الرجلين أو إحراق بالنار- الحديث» «1»، حيث إنّه عليه السّلام في مقام بيان قول علي عليه السّلام في مقام الحكم لم يقيد الرجل بكونه محصنا.

و في رواية سليمان بن هلال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يفعل بالرجل، قال: فقال: «ان كان دون الثقب فالجلد و ان كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك» «2».

و في صحيحة الحسين بن سعيد، قال: قرأت بخطّ رجل أعرفه إلى أبي الحسن عليه السّلام، و قرأت جواب أبي الحسن عليه السّلام بخطّه، هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حدّ، فانّ بعض العصابة روي أنّه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه، فكتب: «لعنة اللّه على من فعل ذلك»، و كتب ايضا هذا الرجل و لم أر الجواب: ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته، و كتب:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد اللواط، الحديث 1: 423.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 2: 417.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 189

..........

______________________________

«القتل»، و ما حدّ رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد، فكتب: «مائة سوط» «1».

و لكن الاستدلال بهذه الصحيحة على أنّ النكاح بين الفخذين من دون ثقب حدّه القتل أولى من الاستدلال

على حدّ الثقب، و يلاحظ ايضا أنّ الحسين ابن سعيد لم ير جوابه عليه السّلام عن الكتاب الثاني.

و على الجملة، غاية ما يقال: إنّ هذه الطائفة بإطلاقها تدلّ على أنّ الحدّ على الموقب هو القتل، فيرفع اليد عن إطلاقها بالطائفة الاولى و الثانية، و قد ورد فيهما اعتبار كون الموقب محصنا في قتله.

و هذا كله في اختلاف الروايات في اعتبار الإحصان في الموقب و عدم اعتباره فيه، و بين الروايات اختلاف في جهة أخرى، و هي أنّ الوارد في بعض الروايات أن حدّ الموقب هو القتل، كما في صحيحة حماد بن عثمان، و في بعضها الرجم، كما هو الحال في الطائفة الثانية.

و في بعضها تعيين القتل بالضربة في عنقه بالسيف، و الأهداب من شاهق مشدود اليدين و الرجلين أو الإحراق بالنار، و يجمع بينها بأنّ دلالة الطائفة الثانية بجواز قتله بالرجم بالتصريح، و دلالة عدم جواز قتله بالرجم في صحيحة مالك ابن عطية بالإطلاق، أي بعدم ذكر الرجم عدلا لما ذكر فيها، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بصراحة الطائفة الثانية، كما أنّ عدم جواز قتله بغير الرجم في صحيحة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 5: 417.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 190

..........

______________________________

أبي بصير و نحوه بالإطلاق، فيرفع عنه بالتصريح بغيره في صحيحة مالك بن عطية، و يكون مقتضى الجمع العرفي أنّ حدّ الموقب مع الإحصان الرجم و الضرب في عنقه بالسيف أو الأهداب من شاهق أو الإحراق.

لا يقال: الطائفة المفصلة بين كون الموقب محصنا و غير محصن لم تعمل بها الأصحاب، كما هو المحكي عن الشهيد الثاني و غيره، فتحمل على التقية، لما ذكر الشيخ قدّس سرّه في التهذيب، من

أنّ التفصيل مذهب جماعة من العامة، و ذكر في الجواهر، و لعله تبعا لغيره، انّ هذه الطائفة تطرح أو تحمل على التقية.

أقول: الحمل على التقية في رواية يكون في موردين:

أحدهما: أن يقع التعارض بين الطائفتين أو روايتين، بحيث لم يكن بينهما جمع عرفي، و إذا كانت إحداهما موافقة للعامة و لو لبعضهم تحمل على التقية.

الثاني: ان يوجد في البين قرينة أو يطمئن و لو بقرينة خارجية أنّ إحداهما و لو مع الجمع العرفي بينهما و بين غيرها صدرت عنهم عليهم السّلام لرعاية مذهبهم أو مذهب جماعة منهم، و شي ء من الأمرين غير محقّق في المقام.

أمّا الأول، فلما تقدّم من الجمع العرفي بين الطوائف الثلاث.

و أمّا الثاني، فلأنّ الوجه في إعراض المشهور أو البعض عن الطائفة المفصّلة، كما هو ظاهر كلماتهم، زعمهم أنّ ما ورد من أنّ حدّ اللاطي أو الملوط

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 191

..........

______________________________

حدّ الزنا ناظر إلى صورة عدم الإيقاب، حيث إنّ اللواط معناه أعمّ يعم النكاح بين الفخذين و الأليتين، و ما ورد في القتل ناظر إلى صورة الإيقاب، كما هو مفاد رواية حذيفة بن منصور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اللواط، فقال: «ما بين الفخذين»، و سألته عن الذي يوقب، فقال: «ذاك الكفر بما انزل اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1».

و على الجملة التزموا بأنّ حدّ اللواط من غير إيقاب جلد مائة و مع الإيقاب القتل، و بما أنّ الروايات المفصلة في الثقب بين المحصن و غيره لا يبقى لها مجال و مورد بعد الالتزام بما ذكر تركوها أو حملوها على التقية، خصوصا مع اشتمالها على الرجم حيث لم يذكروه حدّا للايقاب.

و

قد ذكرنا أنّ الجمع بالالتزام بما ذكروا لا يمكن المساعدة عليه، لظهور اللواط و انصرافه إلى الإيقاب، و رواية حذيفة غير ناظرة إلى بيان الحد على ما تقدّم و كيف يمكن دعوى أنّ أحدا من أصحابنا لم يعمل بالروايات المفصلة، فلاحظ الصدوق قدّس سرّه حيث اقتصر في باب حدّ اللواط برواية حماد بن عثمان المتقدّمة، و رواية السكوني المتقدّمة الوارد فيها لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي.

و قال في محكي المقنع: و إذا أتى رجل رجلا و هو محصن فعليه القتل

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3: 256.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 192

..........

______________________________

و ان لم يكن محصنا فعليه الحد، و على المأتي به القتل على كلّ حال، محصنا كان أو غيره، و ما ذكر في المأتي به قرينة على كونه مراده من الإتيان الإيقاب.

و المتحصل أنّ حدّ اللائط مع عدم إحصانه أيضا القتل ليس بمقتضى الأدلّة.

ثم إنّه إن قلنا بعدم القتل على اللائط غير المحصن بل عليه الجلد بمائة، فهل يستوي في الجلد الحر أو العبد، أو ينتصف الجلد على العبد كما في الزنا، فقد ذكرنا فيما سبق أنّ التنصيف وارد في الزنا، و أمّا اللواط فليس فيه ما يقتضي التنصيف.

و لكن استظهر بعض مشايخنا قدّس سرّهم التنصيف من صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، حيث ورد فيها: قيل له: فان زنى و هو مكاتب و لم يؤدّ شيئا من مكاتبته، قال: «هو حق اللّه يطرح من الحدّ خمسين جلدة و يضرب خمسين» «1».

و وجه الاستظهار أنّه لو كان التنصيف مختصا بالزنا لم يكن وجه لذكر قوله عليه السّلام: «هو حق اللّه

يطرح من الحدّ خمسين جلدة»، بل كان يكتفي عليه السّلام بقوله يضرب خمسين، فذكره بيان كلّية و هي أنّ الجلد من حق اللّه سبحانه ينتصف إذا كان المرتكب عبدا، و يجري هذا في جلد غير المحصن في اللواط

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 31 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 401.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 193

..........

______________________________

إذا كان اللاطي عبدا، كما يجري في غير اللواط ايضا.

و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثمّ أنّ العبد أتى حدّا من حدود اللّه، قال: «إن كان العبد حيث أعتق نصفه قوّم ليغرم الذي أعتقه نصف قيمته فنصفه حر، يضرب نصف حدّ الحر و يضرب نصف حدّ العبد، و إن لم يكن قوّم فهو عبد يضرب حدّ العبد» «1».

و لكن مدلول الصحيحة الأخيرة هو أنه في مورد يكون على المرتكب الحر حدّ و على العبد المرتكب حدّ آخر يكون في العبد المشترك الذي أعتقه أحد الشريكين و ارتكب الموجب تفصيل، و يقسط عليه الحدّين في صورة و يجري عليه حدّ العبد في صورة آخرى.

و أمّا المورد الذي لا اختلاف في حدّ الارتكاب بين العبد و الحر، كما في حد شرب الخمر، و منه حدّ اللواط كما هو مقتضى إطلاق ما دل على حدّه، فالصحيحة غير واردة في حكمه هذا، مضافا إلى أنّ الحديث ينافي سراية العتق، على ما هو المقرر في بابه.

و أمّا الصحيحة الاولى فلا بأس بالاستظهار المزبور، و أوضح منها موثقة ابن بكير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عبد مملوك قذف حرّا، قال: «يجلد ثمانين، هذا من حقوق الناس فامّا ما كان من حقوق اللّه فإنه

يضرب نصف

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 33 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 404.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 194

ثمّ الامام مخير في قتله بين ضربه بالسيف، أو تحريقه، أو رجمه، أو إلقائه من شاهق، أو إلقاء جدار عليه (1)، و يجوز ان يجمع بين أحد هذه و تحريقه (2).

______________________________

الحد»، قلت: الذي من حقوق اللّه ما هو؟، قال: «إذا زنى أو شرب الخمر» «1».

فانّ ظهورها في أنّ حدّ الجلد ينتصف في العبد إذا كان من حقوق اللّه ممّا لا ينبغي التأمّل فيه، و إن كان الانتصاف في شرب الخمر لا يؤخذ به، لما دل على أنّ الحر و العبد سواء في حدّه.

(1) قد تقدم وجه التخيير بين الرجم و الضرب بالسيف في عنقه أو اهدابه من شاهق و تحريقه، و أمّا كون إلقاء الجدار عليه من عدل ما ذكر فلم يرد إلّا في الفقه الرضوي، و ادعى أنّ المشهور قد عملوا به، و لكن الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية ليدعي انجبار ضعفها بعمل المشهور، و لعل فتواهم أو فتوى بعضهم لإطلاق القتل في بعض الروايات.

و قد ذكر أنّه لا بدّ من رفع اليد عنه بما ورد في صحيحة مالك بن عطية، و ما دلّ على أنّه يرجم، حيث إنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «يا هذا انّ رسول اللّه حكم في مثلك بثلاثة أحكام»، عدم كون مطلق القتل حدّا، و يرفع عن هذا الظهور بالإضافة إلى الرجم على ما مر.

(2) ذكر الماتن قدّس سرّه أنّ للإمام أن يجمع بين قتله بأحد الأمور المتقدمة، و قيل: صرّح بذلك غير واحد، بل ادّعى عدم الخلاف فيه.

و يستدل على ذلك بصحيحة عبد الرحمن العزرمي، قال: سمعت أبا

______________________________

(1)

الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 10: 436.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 195

..........

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام يقول: «وجد رجل مع رجل في إمارة عمر فهرب أحدهما و أخذ الآخر، فجي ء به إلى عمر، فقال للناس: ما ترون في هذا، فقال: هذا اصنع كذا و قال هذا اصنع كذا، فقال: ما تقول يا أبا الحسن، قال: اضرب عنقه فضرب عنقه، قال: ثم أراد أن يحمله، فقال: مه انّه قد بقي من حدوده شي ء، قال: أيّ شي ء بقي، قال: ادع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر به أمير المؤمنين عليه السّلام فأحرق به» «1».

و لكن يمكن أن يقال إنّها واردة فيمن قتل بالضرب بالسيف في عنقه لا بالرجم أو الإلقاء من شاهق، فالتعدّي إلى ما قتل بهما مشكل، بل يمكن دعوى أنّ هذا فيما أخذ على عمله بالشهود، و لا يجري على من أحرز عمله باعترافه على نفسه، فانّ الاعتراف بمنزلة الشهادة في جريان العقوبة لا في التحريق بعد الموت، كما هو ظاهر الرواية.

و لكن الاختصاص ممنوع بإطلاق تنزيل الإقرار منزلة الشهادة، و حيث لم يعيّن عليه السّلام في نقله الرجل المأخوذ باللائط أو الملوط، فمقتضاه عدم الفرق في الحكم المزبور بينهما.

و على الجملة، ظاهر الصحيحة لزوم الإحراق بعد القتل بالسيف، لا أنّه أمر جائز، كما هو ظاهر الماتن، كما أنّ ظاهره يعطي قتله بكلا الأمرين لا إحراقه بعد قتله.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 4: 420.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 196

و إن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين، فحدّه مأة جلدة (1)، قال في النهاية: يرجم إن كان محصنا و يجلد إن لم يكن، و الأوّل أشبه.

______________________________

و

المتحصل، لا يتعيّن قتل اللائط بخصوص الضرب بالسّيف، لأنّ صحيحة مالك بن عطية صريحة في جواز قتله بغيره مما ورد فيها، كما تقدم جواز قتله بالرجم، إلّا أنّه إذا قتل بالضرب بالسيف يحرق بعده، و يجري هذا الحكم في الملوط ايضا، لما تقدم من أنّه مقتضى عدم تعيين الرجل.

أضف إلى ذلك أنّ إحراق الملوط بعد قتله بالسيف ورد في رواية محمد ابن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه، كما ورد في مرفوعة أبي يحيى الواسطي «أنّ الداعم عليه يحرق بالنار»، و لكن في سندهما ضعف.

و كيف كان فلا يكون أمر الملوط أخفّ من اللائط مع بلوغه و عقله و اختياره، و لا يختلف كيفية قتله عن قتل اللائط بعد الأمر بقتل كلّ من اللائط و الملوط في صحيحة حماد بن عثمان، و الأمر برجمه كالأمر برجم اللائط في بعض الروايات المعتبرة المتقدمة.

(1) كون الحد في التفخيذ و الوطء بين الأليتين من غير إيقاب هو الجلد بمائة سوط هو المعروف بين الأصحاب، و لعل مستندهم في ذلك ما ورد في بعض الروايات، من أنّ حدّ اللوطي مثل حد الزاني أو انّ الملوط حدّه حدّ الزاني، و قد حملوا مثل ذلك على غير صورة الإيقاب، بدعوى أنّ اللواط لا يدل على خصوصية الإيقاب، فيحمل ذلك على غير الإيقاب، جمعا بينه و بين ما دل على أنّ حدّ الإيقاب و الثقب القتل، و لذا فصل بعض كالشيخ في النهاية صورة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 197

..........

______________________________

عدم الإيقاب إلى فرضين: أحدهما: كون اللائط غير محصن فيجلد مائة، و ثانيهما: كونه محصنا فيرجم كما هو مقتضى كونه كالزنا، و لكن تقدم أنّ ظاهر اللواط الإيقاب، فالجمع المزبور غير تامّ.

و مع

ذلك الحدّ في التفخيذ و الوطء بين الأليتين من غير إيقاب هو الجلد بمائة، و ذلك لما ورد في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام: إذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل و أدب الغلام» «1»، و الضرب في هذه الرواية هو الضرب بمائة جلدة، بقرينة ما ذكر بعد ذلك من قوله: «و أدب الغلام».

و مقتضى الشرطية الثانية أنّه يعتبر في رجم اللائط الثقب و إحصانه فلا يكون في غير الثقب قتلا حتى مع كون الرجل محصنا، غاية الأمر إطلاق الشرطية الأولى، يعني فرض عدم الثقب يشمل مجرد نومهما تحت ثوب واحد بلا وقوع التفخيذ و نحوه، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بما تقدم من أنّ الضرب في مجرد نومهما تحت لحاف واحد مائة جلدة إلّا جلده.

و يؤيّد ذلك رواية سليمان بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يفعل بالرّجل، قال: فقال: «ان كان دون الثقب فالجلد و ان كان ثقب أقيم قائما ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف ما أخذ» فقلت له: هو القتل؟ قال: «هو ذاك» «2».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد اللواط، الحديث 7: 421.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد اللواط، الحديث 2: 416.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 198

و يستوي فيه الحرّ و العبد (1) و المسلم و الكفار و المحصن و غيره، و لو

______________________________

و المتتبع في الروايات يجد أنّ الجلد مطلقا يراد به الجلد في حد الزنا.

(1) أمّا التسوية بين الحر و العبد في حدّ التفخيذ و الوطء بين الأليتين فقد نفى في الجواهر الخلاف فيه، و نقل

عن نكت الإرشاد دعوى الإجماع عليه، و تمسك بالإجماع المنقول، و إطلاق ما دلّ على أنّ الحد مع عدم الإيقاب هو الجلد حيث لم يرد فيه التفصيل بين الحر و العبد.

و لا يخفى أنّ دعوى الإجماع على مدعيه و إطلاق ما دل على الجلد و الضرب لا يمكن الأخذ به لوجهين:

أحدهما: انّ اللاطي منزل في الرواية منزلة الزاني و كذا الملوط، و مقتضى التنزيل الناظر إلى صورة عدم الإيقاب، كما تقدم أنّ ينتصف الجلد للعبد.

و ثانيهما: ما إذا استظهرنا الكبرى الكلية، من أنّ الحدّ إذا كان من حق اللّه ينتصف للعبد، من غير فرق بين جلد الزنا أو غيره، غاية الأمر يرفع اليد عنه إذا قام دليل خاص في مورد على عدم الانتصاف، كما يأتي في حدّ شرب الخمر.

و دعوى أنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي اختصاص التنصيف بالزنا، حيث إنّ العبد لا يتمكن على التزويج إلّا برضا مولاه، و انسداد باب التزويج عليه استقلالا يناسب التخفيف له في حد الزنا بخلاف اللواط، و ما يجري مجراه من المحرمات التي بابها منسد شرعا على الكلّ بلا فرق بين المولى و عبده، لا يمكن المساعدة عليها، لما تقدّم من أنّ العبد إذا كان محصنا لا يقتل، فالدعوى المزبورة لا تخرج عن التخمين و الاستحسان.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 199

تكرّر منه الفعل و تخلّله الحد مرّتين قتل في الثالثة (1)، و قيل في الرابعة، و هو أشبه.

______________________________

و أمّا التسوية بين المسلم و الكافر، فالمراد أنّ الكافر إذا ارتكب بمثله يجلد مائة، و أمّا إذا كان الفاعل كافرا و المفعول مسلما يقتل الكافر عند الماتن، لما تقدم في ذيل كلامه السابق، و لو لاط الذمي بمسلم قتل

و إن لم يوقب، و أمّا عدم الفرق بين المحصن و غيره فقد تقدم الكلام عند التكلم في الروايات فلا نعيد،

(1) القتل في الثالثة للعموم في صحيحة يونس، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: «إنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة» «1».

بناء على أنّ فرض غير الثقب ايضا يدخل في الكبائر، كما هو ظاهر معتبرة السكوني و رواية حذيفة، حيث طبّق فيهما اللواط المرتكز كونه من الكبائر، و أشدّ من الزنا على غير الثقب.

و أمّا القتل في الرابعة، فلما ورد من أنّ الملوط حدّه حد الزاني و حد اللوطي مثل حد الزاني، و حيث إنّ الزاني غير المحصن يقتل في الرابعة كما تقدم في مسائل حدّ الزنا، فيكون الأمر في التفخيذ و الوطء بين الأليتين كذلك، و لكن قد عرفت ما في هذا الاستدلال، فالأظهر القتل في الثالثة، أخذا بالعموم في صحيحة يونس.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 313.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 200

و المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين ليس بينهما رحم يعزران من ثلاثين سوطا إلى تسعة و تسعين سوطا (1)، و لو تكرّر ذلك منهما و تخلّله التعزير

______________________________

لا يقال: قد ورد في صحيحة أبي خديجة، قال: «لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلّا و بينهما حاجز، فان فعلتا نهيتا عن ذلك، فان وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدا، فان وجدتا الثالثة في لحاف حدّتا فان وجدتا في الرابعة قتلتا» «1»، و تقدم عدم الفرق في ذلك بين المرأتين و الرجلين، فيكون القتل في المرة الرابعة.

فإنّه يقال: الرواية على نقل الشيخ مضمرة، مع أنّ ظاهرها

الاكتفاء بالنهي في المرة الاولى، و هذا يناسب جهلهما بالحرمة، فيكون قتلهما في الرابعة من القتل في الثالثة بعد الحدّ مرتين، أضف الى ذلك أنّها على رواية الكافي المروية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هكذا: «فان وجدتا الثالثة قتلتا».

(1) هذا مذكور في كلام أكثر المتأخرين من أصحابنا، و أضيف إلى اعتبار عدم كون أحدهما ذا رحم مع الآخر عدم الضرورة، و ذهب الى ذلك الشيخ و ابن إدريس، و لم يذكر في كلام جماعة اعتبار عدم كونهما ذا رحم، و كأنّ هذا حكم على المجتمعين تحت لحاف أو ثوب واحد مجرّدين من غير ضرورة و حاجب بينهما، من غير فرق في كونهما ذا رحم أم لا.

و المحكي عن المفيد قدّس سرّه أنّهما يعزّران من عشرة إلى تسعة و تسعين، بحسب ما يراه الحاكم من حالهما و بحسب التهمة و الظن بهما.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 25: 368.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 201

..........

______________________________

و يستدل على الأول برواية سليمان بن هلال، قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال:

«ذوا رحم»، فقال: لا، قال: «من ضرورة»، قال: لا، قال: «يضربان ثلاثين سوطا» «1».

و في معتبرة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجلين يوجدان في لحاف واحد، قال: «يجلدان غير سوط واحد» «2»، بدعوى أنّ ما في الروايتين بيان لأقلّ التعزير و أكثره و ما بينهما موكول الى نظر الحاكم، و يقال: انّ ضعف الروايتين سندا منجبر بعمل المشهور.

أقول: الرواية الثانية صحيحة، فإنّ الشيخ رواها بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، و

طريقه الى يونس صحيح، لأن ابن الجنيد من مشايخ النجاشي، و قد تكرر منّا أنّ ظاهر كلام النجاشي توثيق مشايخه، و في صحيحة معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال: «تضربان»، فقلت: حدّا؟ قال: «لا» قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: «يضربان»، قال: قلت: الحد، قال «لا» «3».

و في عدة من الروايات أنّ الرجلان أو المرأتان إذا وجدا في ثوب واحد أو لحاف واحد يضربان الحد، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 21: 367.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 18: 367.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 16: 366.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 202

..........

______________________________

«حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ» «1».

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول:

«حدّ الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد و في الرجلان يوجدان في لحاف واحد» «2».

و مصححة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«كان علي عليه السّلام إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ- الحديث» «3».

و مصححة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان علي إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كل واحد منهما» «4»، الى غير ذلك.

و قد تقدم أنّ هذه الروايات المثبتة لحدّ الجلد مع السابقة عليها النافية للحدّ و ان كانتا متعارضين إلّا أن يجمع بينهما بأنّ على المجتمعين تحت ثوب واحد حدّ

الجلد، أي مائة جلدة إلّا جلده، بقرينة معتبرة عبد اللّه بن سنان، و شهادة مصححة عبد الرحمن بن الحجاج الحاكية لدخول عبّاد البصري مع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 363.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 4: 364.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 364.

(4) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 15: 366.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 203

..........

______________________________

أناس من أصحابه على أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث يظهر منها أنّ ذكر الحدّ بلا استثناء سوط لرعاية التقية.

قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه عبّاد البصري و معه أناس من أصحابه، فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد، فقال له: «كان علي عليه السّلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد»، فقال له عباد: انك قلت لي غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث، حتّى أعاد ذلك مرارا، فقال: «غير سوط»، فكتب القوم الحضور عند ذلك- الحديث «1».

و أمّا رواية سليمان بن هلال مع ضعف سندها و عدم ثبوت ما يوجب انجبار ضعفها، لا يمكن الاعتماد عليها، مع أنّ ما تقدّم من حملها على بيان أقلّ التعزير، و حمل معتبرة عبد اللّه بن سنان على أكثر التعزير، لا يعدّ من الجمع العرفي، لظهور كلّ منهما أنّ العقوبة على المجتمعين ما ورد فيعد الجمع بتخيير الحاكم بينهما من التخيير بين الأقل و الأكثر كما لا يخفى.

ثمّ انّ التقييد بعدم الرحم بين الرجلين غير وارد في الروايات مع كثرتها، و الوارد في رواية سليمان بن هلال كون المجتمعين ذوا محرم، و النسبة بين الرحم و

كونهما ذوا محرم العموم من وجه.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 2: 363.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 204

حدا في الثالثة (1).

______________________________

و اعتبار كونهما مجرّدين فهو ظاهر كونهما في ثوب واحد، و في مصححة أبي عبيدة: «كان علي عليه السّلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كل واحد منهما، و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة» «1».

و لم يعتبر في المسالك اعتبار تجردهما و كذا عدم الرحم بينهما، و اكتفى بالتقييد بكون اجتماعهما في لحاف واحد على النحو الحرام، و لعدم اعتبار الثاني وجه لما تقدم، و أمّا مع كونهما كاسيين فلا يجري عليه ما ذكر من الحدّ يعني المائة إلّا سوطا بل يجري التعزير المنوط بنظر الحاكم كما إذا اجتمع الرجل و المرأة الاجنبيان تحت لحاف واحد كاسيين، و أمّا نوم الرجلين كاسيين تحت لحاف واحد كما عليه سيرة الفقراء في السفر و نحوه، فلا دليل على حرمته ليجري عليه التعزير فضلا عن الحد بمائة إلّا سوطا، و كذا الحال في المرأتين الكاسيتين.

(1) قد ذكر ذلك جماعة و انّهما يجلدان في المرة الثالثة مائة جلدة، بل عن ابن حمزة، فإن وجدا بعد ذلك أي في المرة الرابعة قتلا.

و يستدل على ذلك بفحوى صحيحة ابي خديجة، قال: «لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد إلّا و بينهما حاجز، فان فعلتا نهيتا عن ذلك، فان وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كل واحدة منهما حدّا حدّا، فإن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 15: 369.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 205

و كذا يعزر

من قبل غلاما ليس له بمحرم بشهوة (1).

______________________________

وجدتا الثالثة في لحاف حدّتا، فان وجدهما الرابعة قتلتا» «1».

لكن قد تقدم أنّ ظاهرها عدم الحد و التعزير في المرة الأولى، فيكون مقتضاها القتل في الثالثة، و لو كان المراد من الحدّ فيها التسعة و التسعين سوطا فيستوي المرة الثانية و الثالثة فيه، و ان كان المراد مائة جلدة تماما، فكذلك فالتفكيك بينهما بعدم الحدّ التام في الثانية و ثبوت الحدّ التام في الثالثة بلا موجب.

ثم إنّ مقتضى المصححة أنّه إذا اجرى على المرأتين المجتمعتين الجلد بمائة إلّا سوطا أو بالمائة، تقتلان في الثالثة، و لا يبعد جريانه في الرجلين المجتمعين، نعم جريانه على الرجل و المرأة المجتمعين في لحاف واحد مع كونهما أجنبيين مشكل، لما تقدم من أنّ القتل في الزنا في المرة الرابعة، فلا يكون اجتماعهما مجردتين تحت لحاف واحد أشدّ من الزنا.

(1) يحرم تقبيل الغلام بشهوة و أنّه يتبعه التعزير كما في سائر المحرمات، و في موثقة طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من قبّل غلاما من شهوة ألجمه اللّه يوم القيامة لجاما من نار» «2».

و في معتبرة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: محرم قبّل غلاما من شهوة، قال: «يضرب مائة سوط» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد الزنا، الحديث 25: 370.

(2) الوسائل: 14، الباب 21 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 1: 275.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد اللواط، الحديث 1: 422.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 206

و إذا تاب اللائط قبل قيام البينة سقط الحدّ، و لو تاب بعده لم يسقط (1)، و لو كان مقرا كان الامام مخيرا في العفو أو

الاستيفاء.

______________________________

و التعبير بالمعتبرة لأنّه لا يبعد كون يحيى بن المبارك من المعاريف الذين لم يرد فيهم قدح، و لكن لا يخلو عن التأمّل، كما لا يخلو متنها عن الإجمال.

و فصل بعض بين تقبيل المحرم و غيره، بالالتزام بأنّ الحد في تقبيل المحرم مائة جلدة، و في تقبيل غيره التعزير، و ظاهر الماتن قدّس سرّه اعتبار عدم كون الغلام محرما و كذا في كلام جماعة و لم يعلم له وجه، فإنّه لا فرق في حرمة التقبيل بشهوة بين المحرم و غيره، مع أنّ المحرمية لا معنى صحيح لها بين الذكرين أو الأنثيين.

نعم، كثيرا ما لا يكون تقبيل الغلام في موارد القرابة، خصوصا القرابة الموجبة للمحرمية بين الذكر و الأنثى، ظاهرا في كونه عن شهوة، بخلاف تقبيل الغلام الأجنبي، و لكن هذا لا يوجب التفرقة في الحرمة و التعزير إذا أحرز كونه عن شهوة، و كذا لا فرق في الحرمة و التعزير بين تقبيل الغلام البالغ و غيره.

(1) قد تقدم سابقا أنّ توبة السارق و المحارب قبل أنّ يظفر بهما توجب سقوط الحدّ، و يدلّ على السقوط في المحارب الكتاب المجيد قبل الاخبار و الروايات، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى اللّه عز و جلّ ترد سرقته إلى صاحبها و لا قطع عليه» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 426.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 207

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 207

[و أمّا السحق]

اشارة

و أمّا السحق (1).

______________________________

و أمّا

في غيرهما فلا دليل على سقوط الحدّ بالتوبة قبل قيام البينة أو بعدها، و مقتضى الإطلاق فيما دل على حدّ الارتكاب تعلقه به و عدم جواز تعطيله على ما مر.

نعم، ليس على المرتكب تقديم نفسه للحدّ بالإقرار عند الحاكم، لما تقدم من أنّه لو تاب عن ارتكابه و استغفر ربّه كان هذا خيرا له.

بل لو تاب بعد قيام البينة بفاحشته و فرّ من الحدّ لم يكن عليه وزر و ان لا يسقط عنه الحدّ، فعلى الحاكم إجراؤه عليه إذا ظفر به، فإنّه لا دليل على وجوب تمكين نفسه من الحاكم، و تقدّم أيضا إذا ثبت الارتكاب باعتراف المرتكب، فللإمام اجراء الحدّ أو العفو على ما يراه من الصلاح، و هذا أمر آخر، و يشهد له في خصوص المقام صحيحة مالك بن عطية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الواردة فيها قضية اعتراف رجل عند علي عليه السّلام أربع مرات.

(1) السحق وطء المرأة مثلها، و قد عبّر في الروايات: اللواتي مع اللواتي، أو باللواتي، و لا خلاف في كون المساحقة فاحشة.

و في صحيحة جميل المروية في تفسير القمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، دخلت امرأة مع مولاتها على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقالت: ما تقول في اللواتي مع اللواتي، فقال: «هنّ في النار إذا كان يوم القيامة أتي بهنّ فألبسن جلبابا من نار و خفّين من نار و قناعين من نار، و ادخل في أجوافهن و فروجهن أعمدة من النار، و قذف بهنّ في النار»، قالت: فليس هذا في كتاب اللّه، قال: «بلى» قالت أين؟،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 208

..........

______________________________

قال: قوله وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحٰابَ الرَّسِّ «1»، الى غير ذلك.

و المشهور

أنّ الحدّ في السحق مائة جلدة، بلا فرق بين المسلمة و الكافرة و الحرّة و الأمة و المحصنة و غير المحصنة، للفاعلة و المفعولة، للإطلاق في صحيحة ابن أبي عمير، عن محمّد بن أبي حمزة، و هشام و حفص، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال، «حدّها حدّ الزاني»، فقالت المرأة: ما ذكر اللّه ذلك في القرآن؟ فقال: «بلى»، قالت: و أين هنّ؟ قال: «من أصحاب الرس» «2».

و في موثقة زرارة أو موثقته عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «السحاقة تجلد» «3».

و مقتضاهما عدم الفرق في الحدّ المزبور بين الحرة و الأمة و المسلمة و الكافرة و الفاعلة و المفعولة، و لكن مقتضى كون حد المساحقة حدّ الزاني هو التنصيف في الأمة، أضف الى ذلك ما تقدّم من أنّ ما كان من حدود اللّه ينتصف للعبد و الأمة.

نعم في مرسلة عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد» «4»، و قيل: مقتضاها عدم الفرق بين الأمة و الحرة

______________________________

(1) الفرقان: 38.

(2) الوسائل: 14، الباب 24 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 8: 262.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب السحق، الحديث 2: 425.

(4) المستدرك: 18، الباب 1 من أبواب السحق، الحديث 4: 86.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 209

و الحدّ في السحق مأة جلدة، حرّة كانت أم أمة، مسلمة أو كافرة، محصنة كانت أو غير محصنة، للفاعلة و المفعولة، و قال في النهاية: ترجم مع الإحصان و تحدّ مع عدمه، و الأوّل أولى (1).

______________________________

و المحصنة و غير المحصنة، كما هو الحال في حد اللواط، و فيه أنّ المرسلة لضعفها

سندا و معارضتها بما تقدم لا يمكن الاعتماد عليها، و ما في عبارة الماتن قدّس سرّه من عدم الفرق بين المحصنة و غيرها ينافي كون حدها حد الزاني.

و قد تقدم عدم البعد في التفصيل في حدّ اللواط، بناء على جلد غير المحصن بين الحر و الأمة، و يمكن الاستدلال على التنصيف أيضا بإطلاق قوله سبحانه فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ «1»، حيث إنّ الفاحشة لا تختص بالزنا، و تعم المساحقة أيضا.

(1) و الوجه في الأولوية الأخذ بالإطلاق في صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السّلام: «السحاقة تجلد»، و ما في المرسلة المتقدمة عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «السحق في النساء كاللواط في الرجال، و لكن فيه جلد مائة لأنه ليس فيه إيلاج»، فإنّ مقتضى التعليل و الإطلاق في الصدر عدم الفرق في الجلد بين المحصنة و غيرها.

و لكن عن الشيخ قدّس سرّه في النهاية و المحكي عن ابن حمزة و القاضي: انّ الحدّ مع الإحصان الرجم، و مال إليه في المسالك: فانّ التفصيل مقتضى تعيين

______________________________

(1) النساء: 25

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 210

..........

______________________________

حدّ السحق في حدّ الزاني، و قد عنون في الوسائل بأنّ حد السحق حدّ الزنا مائة جلدة مع عدم الإحصان و القتل معه.

و يدلّ على كون الحدّ مع الإحصان الرجم، صحيحة محمّد بن مسلم قال:

سمعت أبا جعفر و أبا عبد اللّه عليهما السّلام يقولان: «بينما الحسن بن علي في مجلس أمير المؤمنين عليه السّلام إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمّد أردنا أمير المؤمنين عليه السّلام، قال:

و ما حاجتكم، قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: و ما هي تخبرونا بها، قالوا:

امرأة جامعها زوجها،

فلمّا قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فوقعت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا، فقال الحسن: معضلة و أبو الحسن لها، و أقول: فإن أصبت فمن اللّه و من أمير المؤمنين و إنّ أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا أخطى ء إنشاء اللّه، يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أوّل وهلة، لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة» «1».

و دعوى أنّ مثل ذلك معرض عنها عند المشهور، فإنّهم عيّنوا الحدّ في الجلد بلا فرق بين الإحصان و غيره، يدفعها أنّ الاعراض على تقديره، فلعله للأخذ بالإطلاق المتقدّم و للاحتياط في الدماء، و ما هو المعروف عندهم من درء الحدّ بالشبهة، و لكن شي ء من ذلك لا يوجب رفع اليد عن الدليل، لأنّ الاحتياط مورده فقد الدليل على الرجم و مع تعيين الحدّ بالدليل لا شبهة، مع أنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حدّ السحق و القيادة، الحديث 1: 426.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 211

و إذا تكررّت المساحقة مع إقامة الحدّ ثلاثا قتلت في الرابعة (1).

______________________________

درء الحدّ بالشبهة معناه عدم اجراء الحدّ مع عدم إحراز الموضوع له لا عدم اعتبار الأدلة الاجتهادية في تعيين الحدّ أو ثبوته.

(1) الحدّ في كل من اللواط من غير إيقاب و السحق و إن كان الجلد بمائة، إلّا أن الماتن قدّس سرّه فرّق بينهما بأنّ حدّ اللواط المزبور إذا أقيم على المرتكب مرتين يقتل في الثالثة بخلاف حد السحق، فإنّه إذا اجرى على المرتكب ثلاث مراّت يقتل في الرابعة، و لعل الوجه في التفرقة ما ورد في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن

أبي حمزة و هشام و حفص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «السحق حدّها حد الزاني».

و قد تقدم أنّ الزاني إذا جلد ثلاث مرّات يقتل في الرابعة و كذا الحال في الزانية، و يجري ذلك على السحق ايضا بخلاف اللواط من غير إيقاب، فإنّ مقتضى صحيحة يونس بن عبد الرحمن المتقدمة قتل أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين في المرة الثالثة.

و لكن يشكل بأنّه قد ورد في اللواط ايضا أنّ حدّ اللوطي أو الملوط حدّ الزنا، و حملوه على اللواط من غير ثقب، و ذكرنا أنّه يؤخذ بمقتضى صحيحة يونس في اللواط بالمعنى الذي ذكروه، و كذا يؤخذ به في السحق أيضا، لأنّ ظاهر صحيحة ابن أبي عمير انّ حدّ السحق في المقدار كحدّ الزنا لا أنّ السحق كالزنا، فهي مثل ما ورد: حدّ شرب المسكر أو شاربه حدّ القاذف لا أنّ ما يترتب على أحدهما يترتب على الآخر.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 212

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل البينة و لا يسقط بعدها، و مع الإقرار و التوبة يكون الامام مخيرا (1).

و الأجنبيّتان إذا وجدتا في إزار مجرّدتين عزرت كل واحدة دون الحدّ، و ان تكرّر الفعل منهما و التعزير مرتين أقيم عليهما الحدّ في الثالثة، و إن عادتا قال في النهاية: قتلتا، و الأولى الاقتصار على التعزير احتياطا في التهجم على الدم (2).

______________________________

اللّهم إلّا انّ يقال: انّ القتل بعد الجلد ثلاث مرات في الزنا حدّ، فمقتضى قوله عليه السّلام: السحق حدها حد الزاني يقتضي ذلك في السحق.

(1) قد تقدم الكلام في أنّ سقوط الحدّ بالتوبة قبل قيام البينة بحيث لو قامت بعد التوبة على ارتكابه السابق لا يتعلق به الحد مدلول مرسلة

جميل، و لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، نعم ذكرنا أنّ المرتكب إذا تاب فلا وزر عليه في عدم تسليم نفسه على اقامة الحدّ عليه، و لو كان ذلك بعد قيام البينة.

(2) ذكرنا سابقا أنّ اجتماع المرأتين مجردتين كاجتماع رجلين مجردين تحت ثوب واحد يوجب الجلد بتسعة و تسعين سوطا، و ان هذا حدّ، و ما ورد في بعض الروايات المعتبرة من نفي الحدّ فيه المراد نفي الحدّ التام يعني مائة جلدة، كما عبر عن ذلك بالجلد بمائة إلّا سوطا.

و عليه يكون تكراره مع اجراء الحد بمرتين موجبا للقتل في المرة الثالثة، كما استظهرناه من صحيحة أبي خديجة، و قلنا أنّه مقتضى صحيحة يونس

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 213

..........

______________________________

المتقدمة: «ان أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة».

و لكن المنسوب الى المشهور، كما هو ظاهر كلام الماتن، أنّ الثابت في الاجتماع في إزار واحد مجردتين التعزير من ثلاثين إلى تسعة و تسعين سوطا، و عليه فلا يمكن الأخذ بعد التعزير بمرتين بصحيحة يونس المتقدمة، حيث انّها لا تعمّ اقامة التعزير بمرتين بل يكون الثابت في المرة الثالثة الحدّ التام، كما ورد ذلك في صحيحة أبي خديجة.

نعم قد ورد فيها: القتل في المرة الرابعة، و لكن بما أنّ القتل لا يخلو عن التهجم على الدم، فالأحوط الاقتصار على التعزير ايضا بمرتين و الحدّ التام في المرة السادسة، و إذا جرى إقامة الحدّ التام بمرتين تقتل في السابعة، و في الجواهر: في التاسعة أو الثانية عشر، و كأن مراده قدّس سرّه انّ ارتكاب الكبيرة ثلاث مرات يكون في التاسعة و اربع مرات يكون في الثانية عشر.

أقول: لا يمكن المساعدة على ما ذكر الماتن بوجه،

فانّ الوارد في صحيحة أبي خديجة كما ذكرنا هو أنّ على كل من المرأتين الحدّ في الثانية أيضا، فإن قلنا إنّ المراد من الحد في المرة الثالثة هو الحدّ التام جرى ذلك في المرة الثانية أيضا، و إنّ قلنا إنّ المراد بالحدّ في المرة الثانية الجلد بتسعة و تسعين جرى ذلك في المرة الثالثة أيضا، فالتفكيك بين الثانية و الثالثة بلا وجه، كما أنّ القتل بعدها مع اعتبارها سندا و دلالة لا يكون من التهجم على الدماء كما لا يخفى.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 214

..........

______________________________

و قد تقدم أنّ ظاهرها فرض جهل المرأتين بالحرمة في المرة الأولى، فيكون القتل في الرابعة قتلا في المرة الثالثة بعد اقامة الحدّ بمرتين.

نعم، يبقى في البين أمر، و هو إنّ الاجتماع في إزار واحد لا يزيد في الحرمة على الزنا الموجب للجلد و كالزاني، و كذا الزانية تقتل في المرة الرابعة، فكيف تقتلان المجتمعتان في المرة الثالثة، و يمكن الجواب عن ذلك بأنّ مجرّد الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن ظهور الدليل.

ثم إنّ ظاهر كلام الماتن قدّس سرّه أنّ الثابت على المجتمعين في إزار واحد مجرّدين تعزير، و بما أنّه قدّس سرّه عيّن غايته بتسعة و تسعين، فيعلم ما هو المتسالم عليه من أنّ التعزير يكون دون الحدّ هو عند الماتن دون حدّ الزنا أي مائة جلدة و حيث إنّ أكثر الحدّ في الحر مائة جلدة كما في الزنا، و أقله ثمانين كما في شرب الخمر و القذف، و أكثره في المملوك خمسون و أقله أربعون.

ذهب جماعة إلى أنّ التعزير لا يبلغ الحد الكامل أي مائة جلدة، سواء كان موجب التعزير ممّا يناسب الزنا و نحوه أو كان مناسبا

لشرب الخمر و القذف، و هذا في تعزير الحر، و أمّا إذا كان الارتكاب من عبد أو أمة فالتعزير يكون أقلّ من خمسين، و ذهب بعض الى تفصيل آخر، و هو إنّ موجب التعزير إذا كان مناسبا للزنا و نحوه يكون أقل من المائة، و إذا كان مناسبا لشرب الخمر و القذف يكون أقلّ من ثمانين.

و لكن في صحيحة حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: كم

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 215

..........

______________________________

التعزير؟ فقال: «دون الحدّ»، قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: «لا و لكن دون أربعين فإنها حدّ المملوك»، قلت و كم ذاك؟ قال: «على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه» «1»، و ظاهر، أنّ التعزير يكون أقلّ من الأربعين، بلا فرق بين ارتكاب الحر أو المملوك، و بلا فرق بين مناسبة ما ارتكبه للزنا و نحوه و عدم مناسبته له.

و في موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن التعزير كم هو؟ قال: «بضعة عشر سوطا ما بين العشرة و العشرين» «2».

و لو أمكن الجمع بين الموثقة المانعة عن التعزير بأزيد من عشرين، و الصحيحة كالصريحة في جوازه بأزيد منه بالقرينة العامة، و هي أنّ التعزير مع كونه عقوبة يكون الغرض الأدب و الممانعة عن تكرار الارتكاب، و بما ورد في الصحيحة: «على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه»، بحمل الموثقة على صورة احتمال الارتداع بالعشرين و ما دون، فهو و إلّا يتعارضان و يتساقطان في تحديد التعزير بما دون الأربعين أو ما دون العشرين، فيرجع الى إطلاقات التعزير، و الثابت من تقييدها عدم كون التعزير بمقدار الحدّ

أي المائة، و أمّا اعتبار كونه أقل من الأربعين فهو مدلول الصحيحة المفروض تعارضها مع الموثقة.

و من الظاهر أنّه لا اعتبار بالمدلول الالتزامي للمتعارضين بعد سقوطهما

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب بقية الحدود، الحديث 3: 583.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1: 583.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 216

[مسألتان]
اشارة

مسألتان:

[الاولى: لا كفالة في حدّ و لا تأخير فيه مع الإمكان]

الاولى: لا كفالة في حدّ و لا تأخير فيه مع الإمكان و الأمن من توجه ضرر، و لا شفاعة في إسقاطه (1).

______________________________

عن الاعتبار في مدلولهما المطابقي، و عدم جواز كون الحدّ بأزيد من الأربعين مدلول التزامي كما لا يخفى.

(1) الكفالة بمعنى ضمان مكلّف للحاكم أن يجي ء بمرتكب موجب الحدّ لإقامته عليه زمان مطالبته، نظير الضمان للدائن أن يحضر المدين عند مطالبته و الكفالة غير ممضاة شرعا في الحدّ، سواء كان حدّ الزنا أو غيره.

و قد يستدل على عدم الإمضاء بأنّ الكفالة تؤدّي الى التأخير في إقامة الحد على المرتكب، و لا يجوز التأخير في إقامته، كما يشهد لذلك معتبرة السكوني في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال علي عليه السّلام: «أين الرابع» قالوا:

الآن يجي ء، فقال علي عليه السّلام: «حدوهم فليس في الحدود نظرة ساعة» «1».

و في مرسلة الصدوق، عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إذا كان في الحدّ لعل أو عسى فالحدّ معطل» «2»، و ذكر في الوسائل و أنها رواية الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام، و لكنها في الفقيه كما ذكرنا مرسلة، و الاستدلال بهما على عدم مشروعية الكفالة في موارد جواز التأخير في إقامة الحدّ كما في المريض و الحبلى غير تام.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد الزنا، الحديث 8: 372.

(2) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 336.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 217

[الثانية: لو وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت]

الثانية: لو وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت، قال في النهاية: على المرأة الرجم (1) و على الصبية جلد مأة بعد الوضع و يلحق الولد بالرجل و يلزم المرأة المهر.

______________________________

و الاستدلال على عدم مشروعيتها في موارد عدم جواز التأخير في الحدّ يشبه

الأكل من القفا، حيث إنّ للسكوني معتبرة اخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا كفالة في حدّ» «1».

و أمّا عدم الشفاعة للحاكم في إسقاط الحدّ عن المرتكب أو عدم إجرائه عليه، فهو مقتضى ما دلّ على وجوب إقامة الحدّ على الحاكم مع ثبوت الموجب بالبينة، و أنّه لا يجوز له العفو، بل إذا كان ثبوته بالإقرار فالشفاعة أيضا لا اثر لها، و لو رأى الحاكم الصلاح في جواز عفوه جاز له العفو لا بعنوان الشفاعة.

و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يشفعنّ أحدكم في حدّ إذا بلغ الإمام فإنّه لا يملكه و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم- الحديث» «2».

و الظاهر أنّ الشفاعة فيما لم يبلغ الإمام بأنّ لا يشهدوا عنده و لا يأخذوا المرتكب إليه إذا أحرز ندمه عما فعله، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ما ذكر الشيخ قدّس سرّه في ناحية المرأة يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 21 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 333.

(2) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 333.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 218

..........

______________________________

عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام، و قد تقدّم نقلها آنفا «1».

و ذكرنا أنّه لا وجه لرفع اليد عنها، و أنّها مقيدة لما دلّ على أنّ حدّ السحق مائة جلدة، حيث يختص الجلد بصورة عدم إحصان المرأة، كما هو الحال في ناحية الجارية التي عبر عنها بالصبية، و لكن من الظاهر أنه قد فرض في ناحيتها البلوغ كما هو فرض كونها حاملة.

و

المناقشة في لحوق الولد بصاحب الماء، بأنّ اللازم في لحوق الولد الوطء الصحيح أو الوطء شبهة ضعيفة، لأنّه ليس في النسب حقيقة شرعية، فالأب في الإنسان صاحب الماء و الام من حملته و وضعته، غاية الأمر حكم الشارع في مورد الزنا بانقطاع النسب بالإضافة إلى التوارث، و لا يمكن التعدي إلى السحق لاحتمال الخصوصية في الزنا الموجبة للحكم المزبور.

و أمّا المهر على المرأة التي ساحقتها فيلتزم به، و لا يجري ما ذكر في الزانية من عدم الدية لعذرتها، لما دل أنّه لا مهر في الزنا، بل لو كان في البين إطلاق يشمل السحق يرفع عنه اليد، لدلالة الصحيحة على ثبوته في السحق مع كون الجارية بكرا قد حملت به.

و ما في كلام الماتن قدّس سرّه من تعليل الفرق بأنّ الزانية قد أذنت في إزالة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حدّ السحق و القيادة، الحديث 1: 426.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 219

أمّا الرجم فعلى ما مضى من التردّد، و أشبهه الاقتصار على الجلد، و أمّا جلد الصبية فموجبه ثابت و هي المساحقة، و أمّا لحوق الولد فلأنّه ماء غير زان و قد انخلق منه الولد فيلحق به، و أمّا المهر فلأنّها سبب في ذهاب العذرة و ديتها مهر نسائها، و ليست كالزانية في سقوط دية العذرة، لأنّ الزانية أذنت في الافتضاض و ليست هذه كذا، و أنكر بعض المتأخرين ذلك فظنّ أنّ المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة و سقوط النسب.

[أمّا القيادة]

أمّا القيادة:

فهي الجمع بين الرجال و النساء للزنا، أو بين الرجال و الرجال للّواط (1)،

______________________________

بكارتها بخلاف الصبية التي ساحقتها غير تام، لما يأتي في الديات، من أنّ اذن شخص لآخر في الجناية

عليه الموجبة للقود أو الدية لا يوجب سقوطهما.

و على الجملة، فالأظهر في المسألة ما ذكره في النهاية و تبعه غيره، و المناقشة بأنّه لا موجب لإعطاء الدية قبل وقوع الجناية و ذهاب العذرة، يدفعها بأنّ المراد استحقاقها المهر على المرأة التي ساحقتها.

(1) القيادة هي الجمع بين الرجل و المرأة للزنا أو الجمع بين ذكرين للواط، و قيل: حتّى جمع المرأتين للسحق، و قد يناقش شمولها للجمع بين المرأتين للسحق حيث شمول معناها على ذلك غير محرز، و لكن لا ينبغي التأمّل في حرمته ايضا.

و المذكور في كلام الأصحاب أنّ حدّ القيادة خمس و سبعون جلدة ثلاثة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 220

..........

______________________________

أرباع حدّ الزنا، و ثبوته يكون بشهادة عدلين أو بالإقرار به مرتين مع كون المقر بالغا عاقلا حرا غير مكره.

أمّا ثبوته بالإقرار بمرتين و عدم كفاية المرة الواحدة، فلما ذكروه من أنّ كل إقرار يحسب شهادة واحد، على ما ورد في بعض روايات ثبوت الزنا بالإقرار بأربع مرات، فيكون الإقرار بمرتين بمنزلة شهادة عدلين يثبت به كلّ موجب الحدّ إلّا ما استثنى، و موجبه في المقام يدخل في المستثنى منه، و عن المراسم كلّ ما يثبته الشاهدان من الحدود فالإقرار فيه مرتان.

و لكن لا يخفى أنّ تنزيل كلّ إقرار منزلة شهادة واحدة في الزنا و اللواط لا يوجب تسريته الى غيرهما من موجبات الحدّ، كما لا يوجب تسريته إلى الإقرار في مقام المرافعة إلى الحاكم، بأنّ يكون ثبوت دعوى المدعى بإقرار الخصم بمرتين ليتم ما هو بمنزلة البينة على دعواه، خصوصا مع ورود أنّ المرتكب إذا أقر عند الحاكم بارتكابه موجب الحدّ و لو مرة واحدة يقيم عليه الحدّ.

و في صحيحة الفضيل، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود اللّه مرة واحدة حرا أو عبدا أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام ان يقيم عليه الحدّ- الحديث» «1».

و على الجملة دعوى أنّ ما دل على نفوذ الإقرار مطلقا و نفوذه في الحدود

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 343.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 221

و يثبت بالإقرار مرّتين مع بلوغ المقرّ و كماله و حرّيته و اختياره أو شهادة شاهدين (1):

______________________________

كالصحيحة لا يمكن الأخذ به، لإعراض المشهور و التزامهم في الحدود بالتعدد في الإقرار لا يمكن المساعدة عليها، فانّ من المحتمل جدا أن يكون اعتبارهم الإقرار بالمرتين للاحتياط في إجراء الحدّ، بملاحظة التنزيل الوارد في الإقرار بالزنا، و أمّا عدم اعتبار شهادة النساء منفردات أو منضمات لما تقدم في كتاب الشهادات أنّه لا اعتبار بشهادتهن في الحدود، و ذكرنا أنّ شهادتهن لا تكون طريقا الى ثبوت الارتكاب، و امّا إذا حصل العلم للحاكم في مقام من شهادتهن لبعض القرائن يكون الثبوت بعلمه لا بشهادتهنّ.

و قد تقدّم اعتبار البلوغ و العقل و عدم الإكراه في اعتبار الإقرار في كل مقام، و أمّا اعتبار كون المقر حرا و لا يسمع إقرار العبد فلكونه اعترافا على الغير و هو مولاه.

و قد ورد في صحيحة فضيل نفوذ إقرار العبد و الأمة على ارتكابه موجب الحدّ، و يقال: يرفع اليد عن إطلاقها و حملها على صورة تصديق مولاه، و في صحيحة الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و إذا شهد عليه شاهدان قطع» «1».

(1) و

قد ذكروا من غير خلاف معروف أو منقول أنّ الحدّ في القيادة ثلاثة أرباع حدّ الزاني، و يستدلّ على ذلك برواية عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 35 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 532.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 222

و مع ثبوته يجب على القوّاد خمسة و سبعون جلدة، قيل: يحلق رأسه و يشهر، و يستوي فيه الحر و العبد و المسلم و الكافر.

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن القواد ما حده؟ قال: «لا حدّ على القواد أ ليس انما يعطى الأجر على ان يقود»، قلت: جعلت فداك انما يجمع بين الذكر و الأنثى حراما؟ قال: «ذاك المؤلف بين الذكر و الأنثى حراما»، فقلت: هو ذاك، قال:

«يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة و سبعون سوطا و ينفى من المصر الذي هو فيه- الحديث» «1».

و هذه الرواية و ان تكون ضعيفة سندا، حيث إنّ الراوي عن محمّد بن سليمان يعني إبراهيم بن هاشم، قرينة على انّ محمّد بن سليمان هو الديلمي و هو ضعيف، و استناد المشهور إليها و ان كان غير بعيد، بقرينة التزامهم بنفي القواد و هو وارد فيها، و ان قال بعضهم بكون النفي في المرة الثانية، و مقتضى إطلاق الرواية هو النفي في المرة الاولى.

و لكن من المحتمل أن يكون استنادهم إلى الرواية يعني العمل بها مقتضى الاحتياط، حيث لا ينبغي التأمّل في تعلق التعزير بالقواد، و الوارد في الرواية أقل من حدّ الزنا، فالتزموا بما في الرواية لانطباق عنوان التعزير عليه و شرطه موجود و هو كونه أقلّ من الحدّ، فإجراء الوارد فيها على القواد جائز حدّا أو تعزير.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب

حدّ السحق و القيادة، الحديث 1: 429.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 223

و هل ينفى بأوّل مرّة، قال في النهاية: نعم، و قال المفيد: ينفى في الثانية، و الأوّل. مروي، و أمّا المرأة فتجلد و ليس عليها جزّ و لا شهرة و لا نفي.

______________________________

و يؤيد كون ما ذكر من التعزير ما تقدم في مثل صحيحة حماد بن عثمان، من أنّ أقلّ الحدّ في الحر هو ثمانون و أمّا النفي فضلا عن حلق رأسه و تشهيره فلا يمكن الالتزام بوجوبهما، لضعف الرواية و ظهور وجه استنادهم و عملهم بها، و لا أقلّ من احتمال كون ما ذكر وجها لعملهم بها، هذا بالإضافة الى الرجل.

و أمّا المرأة، فلا وجه للالتزام في حقها بالنفي، فانّ الوثوق في اشتراك المرأة مع الرجل في مقدار الجلد، و أمّا النفي فلا وثوق بالإلحاق لو لم نقل بالوثوق بعدمه.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 225

[الباب الثالث: في حدّ القذف]

اشارة

الباب الثالث:

في حدّ القذف، و النظر في أمور أربعة:

[الأول: في الموجب]

الأول: في الموجب و هو الرمي بالزنا أو اللواط، كقوله زنيت أو لطت أو ليط بك، أو أنت لائط أو منكوح في دبره، و ما يؤدي هذا المعنى صريحا، مع معرفة القائل بموضوع اللفظ بأي لغة اتفق.

______________________________

(1) من الكبائر القذف، كما ورد في الروايات الواردة في تعيين الكبائر، و قد ذكر سبحانه و تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1».

و القذف، و ان كان بمعنى الرمي لغة، إلّا أنّ المراد به في المقام هو الرمي بالزنا أو اللواط، و كون الرمي بالثاني قذفا ايضا مما لا خلاف فيه.

و يدلّ عليه موثقة عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال سمعته يقول: «كان علي عليه السّلام يقول: إذا قال الرجل للرجل يا معفوج يا منكوح في دبره،

______________________________

(1) النور: 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 226

..........

______________________________

فانّ عليه حدّ القاذف» «1»، و قريب منها غيرها.

و أمّا الرمي بالسحق، فقد يقال بشمول الآية المباركة له، حيث إنّ رمي المحصنات يشمل رميهنّ بالزنا أو السحق، و لذا يعتبر في ثبوت السحق كالزنا شهادة الأربعة و يثبت فيه حدّ الزنا على ما تقدم.

و يمكن أن يقال بعدم كون الرمي بالسحق قذفا، حيث ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام أن الفرية ثلاث- يعني ثلاث وجوه- إذا رمى الرجل الرجل بالزنا، و إذا قال: ان امه زانية، و إذا دعا لغير أبيه، فذلك فيه حدّ ثمانون» «2».

و ظاهرها حصر القذف الموجب للجلد

بثمانين في رمي الغير بالزنا أو رمى امه أو رمى أبيه، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها في الرمي باللواط لما تقدم، و يؤخذ في غيره بمقتضى الحصر، اللّهم إلّا انّ يقال: صحيحة عبد اللّه بن سنان في مقام بيان القذف الغالب، فلا تمنع عن الأخذ بالإطلاق في الآية المباركة.

ثم إنّ الرمي بالزنا أو اللواط و كذا الرمي بالسحق، بناء على كونه قذفا، لا يتحقق إلّا بمعرفة القائل بمعنى اللفظ الذي يتلفظ به، سواء كان المخاطب أيضا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب السحق و القيادة، الحديث 1: 426.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد القذف الحديث 2: 432.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 227

و لو قال لولده الّذي أقرّ به لست ولدي، وجب عليه الحد (1)، و كذا لو قال لغيره لست لأبيك، و لو قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية، فهو قذف للأم، و كذا لو قال: زنى بك أبوك أو يا بن الزاني، فهو قذف لأبيه، و لو قال: يا بن الزانيين، فهو قذف لهما.

______________________________

عارفا بمعناه أو جاهلا به، لصدق الفرية و رميه بالزنا أو اللواط و لو مع جهل المخاطب بالمعنى.

(1) أي حد القذف لأمه، و كذا إذا قال لغيره: لست لأبيك يكون قذفا لام الغير، و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أقر بولد ثم نفاه جلد الحدّ و الزم الولد» «1»، و إذا كان الأول قذفا لامّ الولد الذي أقرّ به يكون الثاني أيضا قذقا لام الغير، نظير ما قال لولده أو للغير: زنت بك أمك أو يا بن الزانية.

و لكن عنوان القذف و رمي الغير بالزنا يتحقق في الأولين، فيما

إذا قصد التعرض لامه باتهامها أو الحكاية بفاحشتها التي ارتكبتها، و أمّا إذا كان القصد توبيخ الولد أو الغير بسوء أدبه، و انّه لم يتأدب ولده بأدبه أو الغير بأدب والده، و أنّه ليس فيه صفاته، كما هو المتعارف في مقام توبيخ ابنه أو توبيخ ولد الغير، فلا ينطبق عليهما عنوان القذف أصلا.

و على الجملة، كون الأولين قذفا فيما كان ظاهر كلامه اتهام الام و رميها بالفاحشة، كما في قوله: زنت بك أمك أو يا بن الزانية و كون الأم زانية، لا يقتضي

______________________________

(1) الباب 23، من أبواب حد القذف، الحديث 1: 457.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 228

و لو قال: ولدت من الزنا، ففي وجوب الحدّ لامّه تردد، لاحتمال انفراد الأب بالزنى و لا يثبت الحدّ مع الاحتمال (1)، و أمّا لو قال: ولدتك أمك من الزنا،

______________________________

كون الوطء من الواطي زنا، لاحتمال كونه بنحو الشبهة، بل لو صرح بابن الزانية بزان لا يكون الكلام إلّا قذفا للام لعدم تعيين الزاني بها، و هذا بخلاف ما لو قال:

زنى بك أبوك أو يا بن الزاني، فإنّه قذف لأبيه، و لو قال: يا بن الزانيين، فهو قذف لأبيه و أمّه حيث رمى كلا منهما بالزنا.

و على ذلك، فالحدّ عليه حدّ القذف لأمه في الأولين، و لأبيه في الثانيين، و في الصورة الأخيرة عليه حدّان لقذف امه و أبيه، و امّا المتوجه اليه خطابه أي الابن فلا قذف بالإضافة إليه لعدم رميه، و لذا لو كان الابن المخاطب كافرا يثبت الحدّ على القاذف لقذفه أباه و أمّه المسلمين.

نعم، يتوجه الالتزام بتعزيره لإيذاء الابن المخاطب إذا كان للابن حرمة، كما هو الحال فيما لو قال: ولدت من الزنا.

(1) ذكر

الماتن قدّس سرّه أنّه لو قال ولدت من الزنا، ففي ثبوت حدّ القذف لامه تردّد، لاحتمال كون مراد المتكلم انفراد أبيه بالزنا، و لا يثبت حدّ القذف لشخص مع احتمال قذفه.

و بتعبير آخر يحتمل أن لا يكون زنا من ناحية أمّه بأنّ تكون مكرهة أو مشتبهة، و مع انفراد. واطئ أمّة بالزنا يصدق قول القائل: ولدت من الزنا، و قد يضاف إلى ذلك أنّه لا يثبت حقّ القذف لأبيه أيضا، لاحتمال أنّ الزنا كان من امّه فقط، بأن كان أبوه مشتبها أو مكرها، و لو من قبل غير امّه، و مع ثبوت الاحتمال لا

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 229

فهو قذف للأم (1)، و هذا الاحتمال أضعف، و لعل الأشبه عندي التوقف، لتطرق الاحتمال و ان ضعف.

______________________________

يثبت حدّ القذف.

و قد يقال، كما عن المسالك: أنّه يتعلق على المتكلم حدّ القذف إذا اجتمع أبوه و امّه على مطالبة الحدّ، لأنّ المقذوف أحدهما يقينا، و مع مطالبتهما يحرز مطالبة المستحق، بخلاف ما لم يطالبه إلّا أحدهما، فإنّه لم يحرز قذفه ليستحق المطالبة بالحدّ.

أقول: لا يبعد أن يقال: ظاهر ما ورد في حدّ الفرية و القذف رمي المعين بالزنا أو غيره من الفاحشة، و مع عدم تعيين شخص في رميه يخرج عن مدلول خطابات حدّ القذف، و لو لم يكن الخروج محرزا فلا أقلّ من عدم ظهور تلك الخطابات في العموم.

نعم، يتعلق بالرامي التعزير لإيذائه الشخصين بجعله كلا منهما في معرض الاتهام، بل لإيذاء الابن ايضا كما تقدم، اللهم إلّا أن يقال: المتفاهم العرفي من قوله ولدت من الزنا كون الولادة القائمة بين أبيه و امّه المعروفين كانت بزناهما، فيكون قذفا إيّاهما، و لكنه لا يخلو عن

تأمّل بل منع.

(1) فرق قدّس سرّه بين قول القائل للمخاطب: ولدت من الزنا، و بين قوله: ولدتك أمك من الزنا، بظهور الثاني في رميه امّه بالزنا و احتمال كون مراده استقلال أبيه بالزنا، بان كانت امه مكرها عليها أو مشتبهة، أضعف من الاحتمال في الصورة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 230

و لو قال: يا زوج الزانية، فالحدّ للزوجة (1)، و كذا لو قال: يا أبا الزانية أو يا أخا الزانية، فالحدّ لمن نسب إليها الزنا دون المواجه.

و لو قال: زنيت بفلانة أو لطت به، فالقذف للمواجه ثابت (2)، و في ثبوته للمنسوب اليه تردد، قال في النهاية و المبسوط: يثبت حدّان لأنّه فعل واحد متى

______________________________

الاولى، ثم توقف في كونه قذفا لامّه للاحتمال المزبور و ان كان ضعيفا، و على الجملة يعتبر في القذف أن يكون المقذوف و المرمي بالفاحشة شخصا معينا بحسب ظاهر كلامه.

(1) قد ظهر ممّا تقدم أنّ حدّ القذف يتعلق بالقاذف و لكنه حقّ للمقذوف المعين، و تعيين من يتوجه اليه كلام القاذف أي مخاطبة لا يلازم تعيين المقذوف، و عليه فلو قال للزوج: يا زوج الزانية، فالحدّ حق لزوجته، لأنها المنسوب إليها في الرمي بالزنا، و كذا لو قال: يا أبا الزانية، و يا أخا الزانية، فالحد يثبت لمن نسب الزنا اليه من بنته أو أخته.

و لكن هذا إذا لم يكن للمخاطب زوجات أو زوجتان، أو بنتان أو أكثر، أو أختان أو أكثر، و إلّا لما كان يثبت حدّ القذف لواحد لعدم التعيين، نعم يثبت عليه التعزير لايذائه كلا من الاثنين أو الأكثر على ما تقدم.

(2) لا تأمّل في كون الكلام المزبور قذفا للمواجه حيث رماه بالزنا أو اللواط، و المحكي

عن الشيخ و كذا المفيد و جماعة قدّس سرّهم أنّه قذف ايضا بالإضافة من عينه في الزنا بهما أو اللواط به، و استدلوا على ذلك بأنّ الزنا أو اللواط فعل واحد قائم بالاثنين، و إذا كان المخبر كاذبا في إسناده إلى الفاعل يكون كاذبا في

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 231

كذب في أحدهما و كذب في الآخر، و نحن لا نسلّم انّه فعل واحد، لأنّ موجب الحد في الفاعل غير الموجب للمفعول، و حينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.

و لو قال لابن الملاعنة، يا ابن الزانية فعليه الحد (1).

______________________________

إسناده الفعل الى المفعول به.

و أجاب الماتن قدّس سرّه: انّ موجب الحدّ ليس ذات الفعل بل تعنونه بعنوان يوجب الحدّ و الفعل بهذا العنوان مضاف الى المواجه، و حصوله بالإضافة إلى المواجه لا يلازم حصوله بالإضافة الى من عينه بأنها المزني بها أو الملوط به.

و على الجملة، الكذب و الافتراء في الفعل القائم باثنين كالصدق فيه، و إذا قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، فإن أقرّ بزناه اربع مرات يجرى عليه حدّ الزنا، مع أنّه لا يتعلق الحد بالمرأة بل لها حد القذف.

كما يظهر ذلك من صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، قال: «عليه حدّ واحد لقذفه إياها، و اما قوله انا زنيت بك فلا حدّ فيه إلّا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الإمام» «1».

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، لأنّ اللعان تدرء الحدّ، يعني حد القذف عن زوجها، لا أنها مثبتة لزناها، و لذا لو قال الزوج لها: يا زانية، أو لابنها:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من

أبواب حد القذف، الحديث 1: 446.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 232

و لو قال لابن المحدود قبل التوبة لم يجب به الحدّ، و بعد التوبة يثبت الحد (1).

______________________________

يا ابن الزانية، يثبت لها حدّ القذف.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قذف ملاعنة قال:

«عليه الحدّ» «1»، و في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه قال: «يجلد قاذف الملاعنة» «2».

و قد تقدم أنّ درء العذاب عن الزوجة بلعانها عدم بقاء مورد لثبوت رمي زوجها بأربعة شهود بعد لعانها، كما لا يخفى.

(1) يعني لو قال لابن المحدودة: يا ابن الزانية، أو للمحدودة: يا زانية، فإن كان القول المزبور قبل توبة المحدودة لم يجب على القائل حدّ، لسقوط المقذوف عن الإحصان بثبوت فجورها، نعم لو قال ذلك بعد توبتها كان الكلام المزبور قذفا إياها مع إحصانها، لظهور الكلام المزبور في فعلية الوصف فيكون قذفا.

نعم، لو ذكر في كلامه ما يسقطه عن الظهور في فعلية الوصف لم يتعلق على القائل إلّا التعزير لإيذاء الأم أو الولد بالكلام المزبور، و في رواية الفضل بن إسماعيل الهاشمي، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة زنت فاتت بولد و أقرت عند إمام المسلمين بأنّها زنت و انّ ولدها ذلك من

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب حد القذف، الحديث 3: 442.

(2) الباب 18، من أبواب حد القذف، الحديث 1: 44.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 233

و لو قال لامرأته: زنيت بك، فلها حدّ على التردّد المذكور، و لا يثبت في طرفه حدّ الزنا حتى يقر أربعا (1).

______________________________

الزنا فأقيم عليها الحدّ، و انّ

ذلك الولد نشأ حتّى صار رجلا فافترى عليه رجل، هل يجلد من افترى عليه؟ فقال: «يجلد و لا يجلد»، فقلت: كيف يجلد و لا يجلد؟ فقال: «من قال له يا ولد الزنا لم يجلد و انّما يعزر و هو دون الحدّ، و من قال له يا بن الزانية جلد الحدّ تاما»، فقلت: و كيف صار هكذا؟ فقال: انّه إذا قال له يا ولد الزنا كان قد صدق فيه و عزّر على تعيير أمّه ثانية، و قد أقيم عليها الحدّ و ان قال له يا بن الزانية جلد الحدّ تاما لفريته عليها بعد إظهارها التوبة و اقامة الإمام الحدّ عليها» «1».

(1) يستدلّ على الحدّ للمرأة على زوجها و تعلق حدّ الزنا بالزوج مع تكرار اعترافه بزناه اربع مرات، بصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل قال لامرأته: يا زانية و انا زنيت بك، قال: «عليه حدّ واحد لقذفه إياها، و أمّا قوله انا زنيت بك فلا حدّ فيه إلّا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الإمام» «2».

و لكن لا يخفى ظهورها في عدم الحدّ للمرأة في قوله زنيت بك، و ان ثبوته لها لقول الرجل أولا يا زانية، و أما القول المزبور فلا اثر له إلّا أن يكرّره أربع مرات ليثبت زناه بتمام الإقرار بأربع مرات.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 441.

(2) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 446.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 234

و لو قال يا ديوث أو يا كشخان، أو يا قرنان، أو غير ذلك من الألفاظ، فإن أفادت القذف في عرف القائل لزمه الحد (1).

______________________________

(1) قيل: الديوث

من يعلم زنا زوجته و لا يبالي، و قيل: من يدخل الغير على زوجته، و القرنان من يرضى ان يدخل الرجال على بناته، و الكشخان من يدخل الرجال على أخواته، و كيف ما كان فان كان القول المزبور عند القائل الرمي بزوجته أو بنته أو أخته يثبت لهنّ حقّ القذف عليه و إلّا يثبت التعزير، كما في كلّ تعريض لم يكن ظاهرا في القذف، و لكن يكون إيذاء أو تحقيرا أو هتكا للمواجه أو غيره.

و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سب رجلا بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال: «لا، عليه تعزير» «1».

و في موثقة يونس بن يعقوب، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام: قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الهجاء بالتعزير» «2».

و في موثقة إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن علي عليه السّلام: «كان يعزّر في الهجاء و لا يجلد الحد إلّا في الفرية المصرحة، أن يقول يا زان أو يا بن الزانية أو لست لأبيك» «3».

و لكن كلّ ذلك إذا لم يكن المقول فيه مستحقا، و إلّا فلا يثبت الحد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 453.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 453.

(3) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد القذف، الحديث 6: 453.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 235

و ان لم يعرف فائدتها أو كانت مفيدة لغيره فلا حدّ، و يعزّر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه.

و كلّ تعريض بما يكرهه المواجه و لم يوضع للقذف لغة و لا عرفا يثبت به التعزير لا الحدّ، كقوله: أنت ولد حرام،

أو حملت بك أمّك في حيضها، أو يقول لزوجته: لم أجدك عذراء، أو يقول: يا فاسق يا شارب الخمر، و هو متظاهر بالستر أو يا خنزير، يا حقير و يا وضيع، و لو كان المقول له مستحقّا للاستخفاف فلا حدّ و لا تعزير، و كذا كلّ ما يوجب أذى، كقوله: يا أجذم أو يا أبرص.

______________________________

و لا التعزير، كما إذا كان مبدعا أو متظاهرا بالفسق، نعم يعتبر في الثاني أن لا يدخل في عنوان الكذب، لما ورد في المعلن بفسقه أنّه لا حرمة له «1»، و في الأول يعني المبدع يجوز البهتان فضلا عن التحقير و الإهانة.

و في صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم لكيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّمون من بدعهم يكتب لكم بذلك الحسنات» «2».

و يستفاد من صحيحة أبي يعفور «3» الواردة في طريق العدالة، أنّ مع عدم حسن الظاهر لشخص عند قوم يعيش بينهم يجوز إظهار سوئه و اغتيابه.

______________________________

(1) الوسائل: 8، الباب 154 من أبواب العشرة الحديث 5: 605.

(2). 11، الباب 39 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1: 508.

(3) الوسائل: 18، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1: 288.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 236

[الثاني في القاذف]

الثاني في القاذف.

و يعتبر فيه البلوغ (1) و كمال العقل، فلو قذف الصبي لم يحدّ و عزّر و ان قذف مسلما بالغا حرّا، و كذا المجنون.

و هل يشترط في وجوب الحدّ الكامل الحرّية (2)، قيل:

نعم، و قيل: لا يشترط،

______________________________

(1) لما دلّ على رفع القلم عن الصبي و أنّه لا يؤخذ بالحدود، و هذا يجري على المجنون أيضا، و في صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا حدّ لمن لا حدّ عليه، يعني لو أنّ مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا و لو قذفه رجل فقال: يا زان، لم يكن عليه حدّ» «1»، فانّ الكبرى في الصدر يعم الصبي أيضا، و التفسير لا يوجب التقييد، حيث أنه مثال لما لا يتعلق به الحدّ.

و في معتبرة أبي مريم الأنصاري قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد؟ قال: «لا و ذلك لو أنّ رجلا قذف الغلام لم يجلد» «2».

هذا بالإضافة إلى الحدّ، و أمّا تعزيره ليتادّب و يمنع عن التعود بالفرية، فيشهد له ما ورد في تعزيره لسرقته أو شربه المسكر و غيرهما.

(2) المحكي عن الصدوق قدّس سرّه اشتراط الحرية في تعلق الحد بالثمانين بالقاذف، و كذا عن الشيخ قدّس سرّه في النهاية و المبسوط، و يستدل على ذلك

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من مقدمات الحدود، الحديث 1: 332.

(2) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 439.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 237

فعلى الأوّل يثبت نصف الحدّ، و على الثاني يثبت الحدّ كاملا، و هو ثمانون.

______________________________

بالإطلاق في قوله سبحانه فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ «1»، بناء على شمول الفاحشة في الآية القذف ايضا، و لا يخلو عن تأمّل بملاحظة ما على المحصنات، و معتبرة القاسم بن سليمان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العبد إذا افترى على

الحرّ كم يجلد، قال:

«أربعين»، و قال: «إذا أتى بفاحشة فعليه نصف العذاب» «2».

و لكن في مقابل ما ذكر روايات تدل على عدم الفرق بين العبد و الحر في كون حدّ القذف ثمانين جلدة، و في موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«في الرجل إذا قذف المحصنة يجلد ثمانين حرّا كان أو مملوكا» «3».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا قذف العبد الحرّ جلد ثمانين، و قال: هذا من حقوق الناس» «4».

و موثقة أخرى لسماعة قال: سألته عن المملوك يفتري على الحر، قال:

«يجلد ثمانين» قلت فإنه زنى، قال: «يجلد خمسين» «5».

و مصححة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن عبد

______________________________

(1) النساء: 25.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 15: 434.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 433.

(4) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 4: 433.

(5) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 433.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 238

..........

______________________________

افترى على حرّ، قال: «يجلد ثمانين» «1»، الى غير ذلك.

و الأظهر هو الحكم بأنّ الحدّ على القاذف و لو كان مملوكا ثمانون، فانّ الروايات الواردة في قذف العبد أو عدم الفرق بين قذفه و قذف الحر لكثرتها، و صحة سندها توجب العلم الإجمالي بصدور بعضها عن المعصوم عليه السّلام، فلكون التسوية مدلول السنة لا يكون معارضها معتبرا.

و مع الغض عن ذلك و فرض التعارض فالروايات الكثيرة الدالة على التسوية موافقة للكتاب المجيد الدال على أنّ حدّ الفرية ثمانون، حيث أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الرامي للغير بالزنا حرا أو عبدا.

و دعوى

أنّ معتبرة قاسم بن سليمان أيضا موافقة لإطلاق قوله سبحانه فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ «2»، و هذه الآية حاكمة على أدلة الحدود، و منها الآية الدالة على حد القذف و الافتراء، لا يمكن المساعدة عليها، فإنّ الفاحشة و ان تعم السحق كما تقدم سابقا، و لكنها لا تعم القذف بقرينة المحصنات، و قد ذكر قبل الآية وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ «3»، و الاستشهاد بالأربعة أيضا قرينة على عدم عمومها للقذف، أضف الى ذلك أنّ الفرق بين العبد و الحر في القذف منسوب إلى العامة.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 7: 435.

(2) النساء: 25.

(3) النساء: 15.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 239

و لو ادّعى المقذوف الحرية و أنكر القاذف، فان ثبت أحدهما عمل عليه و ان جهل ففيه تردّد، أظهره (1) أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال.

______________________________

و أمّا ما في صحيحة محمد، عن أبي جعفر عليه السّلام في العبد يفتري على الحر، قال: «يجلد حدّا إلّا سوطا أو سوطين» «1»، و قريب منها رواية عبيد بن زرارة «2»، و ما في موثقة ثالثة لسماعة، قال: سألته عن المملوك يفتري على الحر، قال: «عليه خمسون جلدة» «3»، فلا يمكن الاعتماد بشي ء منها لمعارضتها لكلتا الطائفتين المتقدمتين و عدم عامل بهما و مخالفتها للكتاب المجيد على ما تقدم.

(1) و لكن الأظهر أنه يثبت على القاذف الأكثر، بناء على أن حدّ القذف على المملوك نصف ما على القاذف الحر.

و الوجه في ذلك ان مقتضى الإطلاق و العموم في مثل قوله سبحانه:

الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ*، أن قذف المحصنة من كل شخص مع عدم ثبوت ارتكابها الفاحشة يوجب

الجلد بثمانين جلدة و قد خرج عن الإطلاق أو العموم العبد، و مع تردد أمر القاذف بين كونه عبدا أم لا فالأصل عدم كونه عبدا، و لا يعارض بأصالة عدم كونه حرا، فإن خصوصية الحرية غير مأخوذة في الموضوع أضف الى ذلك أن الأصل في كل انسان هو الحرية.

و دعوى أن الحدّ تدرء بالشبهة مطلقا قد تقدم سابقا عدم ثبوت هذا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 19: 438.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 434.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 20: 438.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 240

[الثالث: في المقذوف]

الثالث: في المقذوف.

و يشترط فيه الإحصان، و هو هنا عبارة عن البلوغ و كمال العقل و الحرية و الإسلام و العفة، فمن استكملها وجب بقذفه الحدّ، و من فقدها أو بعضها فلا حدّ (1).

______________________________

الإطلاق، و الثابت في الشبهة في الارتكاب أو عدم ثبوت الموضوع بوجه معتبر، و على الجملة ما نحن فيه من موارد جريان حكم العام و المطلق على الفرد بإحراز عدم دخوله في عنوان المخصص و المقيد بالأصل.

(1) يعتبر في المقذوف البلوغ و العقل لما تقدم في مصححة فضيل بن يسار و في معتبرة أبي مريم الأنصاري، ففي الأول: لا حدّ لمن لا حدّ عليه، و في الثاني: لو ان رجلا قذف الغلام لم يجلد، و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة قال لا يجلد إلّا ان تكون أدركت أو قاربت» «1»، و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يقذف الصبية يجلد قال لا حتّى تبلغ» «2» و

لعل المراد من قاربت، و في نسخة قارنت، بلوغها سنا و ان لم تحض.

و اما ما في مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كل بالغ من ذكر أم أنثى افترى على صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى أو مسلم أو كافر أو حر أو مملوك فعليه حدّ الفرية و على غير البالغ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 3: 440.

(2) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 4: 440.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 241

..........

______________________________

حدّ الأدب» «1» فلا بد من حمله على توجيه القذف الى الصغير كما إذا خاطب الصغير بقوله يا بن الزانية، جمعا بينها و بين معتبرة أبي مريم و صحيحة أبي بصير هذا مع كونها مرسلة و لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها.

و يعتبر في المقذوف الحرية فلو قذف عبدا أو أمة فلا يتعلق بالقاذف حدّ القذف بلا خلاف ظاهر عند أصحابنا، و يشهد له موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من افترى على مملوك عزر لحرمة الإسلام» «2»، و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحر يفتري على المملوك قال: «يسئل فان كانت أمه حرة جلد الحدّ» «3»، و مقتضى الجمع بينهما حمل الثانية بما إذا كانت الفرية بمثل قوله يا بن الزانية، فيكون قذفا لامه الحرة.

و يؤيد ذلك رواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم منه إلّا خيرا لضربته الحد حدّ الحر إلّا سوطا» «4»، حيث ان الضرب كذلك ينطبق عليه عنوان التعزير.

و يعتبر

في المقذوف الإسلام أيضا فلا يكون قذف الكافر موجبا لحد القذف بلا خلاف معروف أو منقول، و يشهد لذلك مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلّا ان يطلع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 440.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 12: 434.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 11: 434.

(4) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 433.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 242

و فيه التعزير، كمن قذف صبيا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزنا، سواء كان القاذف مسلما أو كافرا أو حرّا أو عبدا (1).

و لو قال لمسلم: يا بن الزانية، أو أمك زانية، و كانت امّه كافرة أو امة، قال في النهاية: عليه الحد تاما لحرمة ولدها، و الأشبه التعزير (2).

______________________________

على ذلك منهم و قال أيسر ما يكون ان يكون قد كذب» «1»، فان ظاهرها أن الموجب لعدم جواز قذفهم لمحذور الكذب و مع الاطلاع و الإحراز فلا حرمة، و نحوها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «أنّه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام إلّا أن تكون قد اطلعت على ذلك منه» «2».

(1) ثبوت التعزير فيما قذف صبيا أو مجنونا أو مملوكا ممّا لا ينبغي التأمّل فيه، و قد ورد التعزير في قذف العبد، كما تقدم التعزير في إيذاء الناس و الوقيعة فيهم، و كونه كذبا كما تقدم في قذف الكافر مع عدم الاطلاع.

و أمّا قذف المتظاهر بالزنا و اللواط فلا يوجب الحد، لتقييد الرمي في الآية المباركة بالإحصان

المقصود منه في المقام العفاف، و عدم التظاهر بالفاحشة فعلا أو قولا، بل الظاهر عدم التعزير في قذف المتظاهر ايضا، لعدم احترامه كما تقدم، و إن كان ظاهر كلام الماتن ثبوته فيه ايضا، نعم لو كان القذف بنحو يدخل في عنوان الكذب يحرم بعنوان الكذب لا بعنوان القذف.

(2) قد تقدم أنّه إذا قال لشخص يا بن الزانية فالقذف لامه، و إذا كانت امه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 430.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد القذف، الحديث 6: 450.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 243

و لو قذف الأب ولده لم يحدّ و يعزّر (1)، و كذا لو قذف زوجته الميتة و لا وارث الا ولده، نعم لو كان لها ولد من غيره كان الحدّ تامّا، و يحدّ الولد لو قذف أباه و الأم لو قذفت ولدها، و كذا الأقارب.

______________________________

مسلمة يكون لها حدّ القذف على القائل المزبور، و أمّا إذا كان الابن مسلما و أمّه كافرة و قال قائل للابن: يا بن الزانية، فعن الشيخ قدّس سرّه في النهاية: إنّ على القاذف حدّه.

و يستدل على ذلك برواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «النصرانية و اليهودية تكون تحت مسلم فيقذف ابنها، يضرب القاذف لأنّ المسلم قد حصنها» «1»، و حملها على التعزير لا يناسب التعليل، لأنّ في قذف الكافر تعزيرا أيضا لكونه كذبا، و العمدة ضعف سندها، فانّ في طريقها بنان بن محمد، و لم يثبت له توثيق، و في طريقها الآخر معلى بن محمد و قد ذكر أنّه ضعيف، و ان لا يخلو التضعيف عن المناقشة.

و على الجملة، مقتضى ما دلّ

على عدم الحدّ في قذف غير المسلم عدم ثبوته في المقام بل الثابت التعزير، و اللّه العالم.

(1) كما عليه المشهور، لصحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: «لو قتله ما قتل به و ان قذفه لم يجلد له»، قلت: فان قذف أبوه أمّه؟ قال: «ان قذفها و انتفى من ولدها تلاعنا و لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه و فرّق بينهما و لم تحلّ له ابدا، قال: و ان كان قال

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد القذف، الحديث 6: 450.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 244

[الرابع: في الأحكام]

اشارة

الرابع: في الأحكام،

[و فيه مسائل]
اشارة

و فيه مسائل:

[الأولى: إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد]

الأولى: إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد (1) فلكلّ واحد حدّ، و لو قذفهم

______________________________

لابنه و أمه حيّة يا بن الزانية و لم ينتف من ولدها جلد الحدّ لها و لم يفرق بينهما، قال. و ان قال لابنه يا بن الزانية و أمّه ميتة و لم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلّا ولدها منه فإنه لا يقام عليه الحدّ لان حق الحدّ قد صار لولده منها فان كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له و ان لم يكن لها ولد من غيره و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحق جلد لهم» «1»، و أمّا تعلق الحدّ بالابن بقذفه أباه أو تعلق حدّ القذف بالأم بقذفها ابنه و كذا في قذف سائر الأقارب فيؤخذ فيه بالإطلاق فيما دل على تعلق الحدّ بالقاذف.

نعم لا يبعد ان يجري على الجد للأب فإن عدم جواز القتل يجري فيه ايضا دون الجد للام لانصراف الابن عنه كما لا يخفى.

(1) ظاهر كلامه قدّس سرّه أنّه لو قذف جماعة بغير كلمة واحدة، بأنّ يكون القذف بنحو التفريق، بأن قال: زيد زان عمرو زان و بكر زان، سواء كان القذف كذلك مع الفصل بين قذف شخص و قذف الآخر أو بلا فصل، يتعلق بالقاذف لكلّ مقذوف حدّ، سواء جاءوا بالقاذف للحاكم مجتمعين أو متفرقين، و أنّه إذا كان القذف بكلمة واحدة، فإن جاءوا به مجتمعين ضرب الجميع حدّا واحدا، و إن أتوا به متفرقين ضرب حدّا لكل واحد منهم، بلا فرق بين أن يسمى كلّ واحد منهم في قذفه أم لا، بأن قال: هؤلاء كلّهم زناة، فالتسمية إذا كان القذف

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد

القذف، الحديث 1: 447.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 245

بلفظ واحد و جاءوا به مجتمعين فلكلّ حدّ واحد، و لو افترقوا في المطالبة فلكلّ

______________________________

بكلام واحد لا أثر له، و ينسب ذلك إلى الشهرة.

و يستدلّ عليه بصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل افترى على قوم جماعة، قال: «إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحدا و إن أتوا به متفرقين ضرب لكل منهم حدّا» «1»، بناء على ظهور قوله جماعة، كون قذف كل منهم بكلام واحد.

و أوضح منه موثقة الحسن العطار أو صحيحته، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل قذف قوما، قال: «بكلمة واحدة»، قلت: نعم، قال: «يضرب حدا واحدا فان فرّق بينهم في القذف ضرب لكل واحد منهم حدّا» «2».

نعم، يرفع اليد عن إطلاق صدرها بتقييده بما إذا جاءوا به مجتمعين، بقرينة ما ورد في صحيحة جميل بن دراج المتقدمة.

و موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل افترى على نفر جميعا فجلده حدّا واحدا» «3»، فهذه ايضا تحمل على صورة المجي ء بالقاذف و المطالبة دفعة واحدة.

و ممّا ذكر يظهر أنّه إذا كان القذف بكلمة واحدة و جاءوا به مجتمعين فلا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 444.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 444.

(3) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 4: 444.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 246

واحد حدّ، و هل الحكم في التعزير كذلك، قال جماعة: نعم و لا معنى للاختلاف هنا (1)، و كذا لو قال: يا بن الزانيين، فان الحدّ لهما، و

يحدّ حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة و حدّين مع التعاقب.

______________________________

يفرق بين أنّ يسمى كلّ واحد منهم أو ذكر الكلّ بعنوان واحد، حيث يكون مع التفريق في المطالبة و المجي ء به لكل واحد منهم حدّ القذف عليه، سمّاه بالاسم أو لم يسمّه.

نعم، يستظهر الفرق من رواية بريد عن أبي جعفر عليه السّلام، في الرجل يقذف القوم جميعا بكلمة واحدة، قال: «إذا لم يسمهم فإنما عليه حدّ واحد و إن سمى فعليه لكل رجل حدّ» «1»، و لكن في سندها ضعف بأبي الحسن الشامي، و لا مجال لدعوى انجبار ضعفها بالشهرة.

و قد ذكرنا أنّ ظاهر كلام الماتن عدم الفرق بين التسمية و عدمها، و يدل على ما استظهرنا من كلامه قوله في آخر كلامه، و كذا لو قال يا بن الزانيين يحدّ حدّا واحدا مع اجتماع الأبوين على المطالبة و حدّين مع التعاقب، و وجه الدلالة أنّه لا أثر لتسمية الأبوين و عدمها مع كونه بكلمة واحدة.

(1) إذا سبّ واحد جماعة، قال بعضهم: أنّه كالقذف في أنّه لو كان بكلام واحد، و أتوا به مجتمعين فعليه تعزير واحد، بخلاف ما أتوا به متفرقين، فانّ لكلّ منهم تعزيرا، و إذا كان السبّ مترتبا مع الفصل أو بدونه فعليه تعزير بكل سب، حيث لا يحتمل أن يكون أمر التعزير أشدّ من أمر الحدّ.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 444.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 247

[الثانية: حدّ القذف موروث]

الثانية: حدّ القذف موروث (1) يرثه من يرث المال من الذكور و الإناث، عدا الزوج و الزوجة.

______________________________

و ذكر الماتن قدّس سرّه أنّه لا معنى للاختلاف في التعزير و أنّه يتعين تعزير واحد أو لكل منهم تعزير عليه، لأنّ

التعزير منوط بنظر الحاكم، و لكن لا يخفى أنّ كون التعزير منوطا بنظر الحاكم لا ينافي لزوم رعاية الشرط الآخر، و هو لزوم كون التعزير ما دون الحدّ، و رعاية هذا الشرط يستلزم أن لا يتكرر التعزير فيما لا يتكرر الحدّ، لأنّه لو تكرر يزيد على الحدّ، فرعايته يقتضي تعلق تعزير واحد على سب الجميع.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، و يدل عليه ما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، من قوله عليه السّلام: «و ان قال لابنه يا بن الزانية و أمّه ميتة و لم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلّا ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ لأنّ حق الحدّ قد صار لولده منها فان كان لها ولد من غيره فهو وليها يجلد له و ان لم يكن لها ولد و كان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم» «1».

و بتعبير آخر، إذا قذف شخص الآخر بعد موته كما إذا قال رجل لآخر:

يا بن الزاني أو يا بن الزانية، و كان أبوه و أمّه ميتين عند القذف، لم يكن على القائل إلّا التعزير، و أمّا إذا كانا حيّين عند القذف يرث حدّ القذف من يرث المال من الذكور و الإناث من ذوي القرابة لا الأسباب كالزوج و الزوجة، و لكن ليس إرث الحد كإرث المال في التوزيع للورثة بل هو ولاية كلّ منهم على المطالبة به و ان

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 447.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 248

..........

______________________________

عفا الآخرون.

و يدلّ على ذلك موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «إنّ الحدّ لا يورث كما تورث الدية و المال و

العقار، و لكن من قام به من الورثة فطلبه فهو وليه و من لم يطلبه فلا حقّ له، و ذلك مثل رجل قذف رجلا و للمقذوف أخ فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر ان يطلبه بحقه لأنّها أمهما جميعا و العفو إليهما جميعا» «1».

و ظاهر الإرث القذف حال حياة أمهما، فالمراد من قوله: «و للمقذوف أخ»، أي من توجه اليه خطاب القاذف له أخ، حيث أن المقذوف حقيقة أمهما، و ما في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الحدّ لا يورث» «2»، محمول على أنّه لا تورث كإرث المال أو أنّه محمول على الحدود التي من حقوق اللّه سبحانه، لا مثل حدّ القذف من حقوق الناس.

و في موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قال لرجل يا بن الفاعلة يعني الزنا، فقال: «ان كانت أمّه حيّة شاهدة ثم جاءت تطلب حقها ضرب ثمانين جلدة، و ان كانت غائبة انتظر بها حتّى تقدم ثم تطلب حقها، و ان كانت قد ماتت و لم يعلم منها إلّا خير ضرب المفتري عليها الحدّ ثمانين جلدة» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 334.

(2) الوسائل: 18، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 334.

(3) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 440.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 249

[الثالثة: لو قال: ابنك زان أو لائط]

الثالثة: لو قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية، فالحد لهما لا للمواجه (1)، فان سبقا بالاستيفاء أو العفو فلا بحث، و ان سبق الأب قال في النهاية: له المطالبة

______________________________

حيث إنّ ضرب الحدّ على القاذف الوارد في ذيلها يحمل على صورة مطالبة أولياء الإرث بقرينة

ما تقدم، و تخصيص أولياء الإرث بالقرابة و عدم إرث مثل الزوج و الزوجة للتقييد الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

(1) حيث إنّ حدّ القذف من حقوق الناس يثبت للمقذوف لا للمواجه كما تقدم، و المقذوف في الفرعين هو الابن أو البنت لا الأب و ان يلحق العار به بقذفهما، و لو كان لحوق العار بشخص موجبا لثبوت حق القذف له لثبت لغير الأب أيضا لو كان الغير مواجها لقذف القاذف، كما إذا قال: يا أخت الزاني أو يا عم الزانية و نحو ذلك، و على ما ذكرنا فان سبق الابن أو البنت بالاستيفاء أو العفو في الفرعين فهو، و أمّا لو سبق الأب بأحدهما فلا اثر لسبقه.

و لكن المحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية أنّ له ذلك، و لم يعلم وجه لما ذكراه، لعدم ثبوت حق القذف له على القاذف، و لم يثبت له ولاية على الابن و البنت بالإضافة إلى حقّ القذف الثابت لهما.

نعم، ربما قيل بأنّ الابن الصغير أو البنت الصغيرة إذا ورثا حقّ القذف يكون للأب الولاية عليهما في حق القذف الثابت لهما بالإرث، فيكون للأب العفو على تقدير عدم المفسدة، و لا يبعد الالتزام بذلك، و هذا غير الفرعين.

و يمكن الاستدلال عليه بما ورد في صحيحة الفضيل من جواز اقامة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 250

و العفو، و فيه إشكال، لأنّ المستحق موجود و له ولاية المطالبة، فلا يتسلّط الأب كما في غيره من الحقوق.

[الرابعة: إذا ورث الحدّ جماعة لم يسقط بعضه بعفو البعض]

الرابعة: إذا ورث الحدّ جماعة لم يسقط بعضه بعفو البعض، فللباقين المطالبة بالحدّ تامّا و لو بقي واحد، و امّا لو عفى الجماعة أو كان المستحق واحدا فعفى سقط الحق، و لمستحق

الحدّ ان يعفو قبل ثبوت حقّه و بعده، و ليس للحاكم الاعتراض عليه، و لا يقام الّا بعد مطالبة المستحق (1).

______________________________

الحاكم الحد الذي من حقوق الناس حتّى يطالبه صاحب الحق أو وليه، فإنّ الأب ولي الابن و البنت الصغيرين.

(1) و قد تقدّم أنّ ذلك ظاهر موثقة عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث ورد فيها: «أنّ الحدّ لا يورث كما تورث الدية و المال و العقار، و لكن من قام به من الورثة فطلبه فهو وليه و من لم يطلبه فلا حق له».

أضف الى ذلك ما ورد في صحيحة ضريس الكناسي، من جواز العفو في الحدّ الذي من حقوق الناس عن ولي الحق، قال فيها أبو جعفر عليه السّلام: «لا يعفى عن الحدود التي للّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حق الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام» «1».

فإنّ ملاحظة الروايتين بانضمام مدلول إحداهما إلى الآخرى يقتضي الالتزام بجواز استيفاء حدّ القذف من بعض المستحق و لو مع عفو الباقين، و أنّه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 330.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 251

..........

______________________________

إذا عفى الجميع أو كان المستحق واحدا نفذ العفو، و ليس للحاكم الاعتراض على عفوه أو عفوهم.

و قد تقدم أنّ مقتضى ما ورد في صحيحة الفضيل «1» أنّه لا يجوز للحاكم إقامة الحد الذي من حقوق الناس حتّى يطالبه صاحب الحق أو وليه، و على الجملة مقتضى كون القذف من حقوق الناس أنّ له تركه و عدم المطالبة، سواء كان ذلك قبل ثبوت موجبه أو بعده.

و لكن المحكي عن الصدوق قدّس سرّه استثناء قذف الزوج زوجته فإنّه لا يكون لها

العفو، و عن الشيخ في كتابي الأخبار و يحيى بن سعيد عدم نفوذ العفو بعد ثبوته و المرافعة.

و يستدلّ على ذلك بصحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته، قال: «يجلد»، قلت: أ رأيت ان عفت عنه، قال: «لا و لا كرامة» «2».

و رواها الصدوق بإسناده عن العلاء بن رزين، و كأنّه استظهر منها عدم نفوذ عفو الزوجة عن قذف زوجها، بلا فرق قبل ثبوت القذف أو بعده، و لكن الشيخ قدّس سرّه حملها على العفو بعد الثبوت أو رفع الزوج للمرافعة الى الحاكم.

و القرينة على هذا الحمل لعلّها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 343.

(2) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد القذف، الحديث 4: 455.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 252

..........

______________________________

عليه السّلام قال: «من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع الى الإمام قطعه، فان قال الذي سرق له أنا أهبه له لم يدعه الى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه اليه و انما الهبة قبل أن يرفع الى الإمام، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «1» فإذا انتهى الحدّ الى الإمام فليس لأحد أنّ يتركه» «2».

و في الصحيح عن حمزة بن حمران، عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا، قال: قال: «ارى عليه خمسين جلدة و يستغفر اللّه عزّ و جلّ»، قلت: أ رأيت ان جعلته في حلّ و عفت عنه؟ قال: «لا، ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل ان ترفعه» «3»، و مقتضى الشرطية أنّ القاذف يضرب إذا كان عفوها بعد ان ترفعه

الى الحاكم.

و لا يخفى أنّ مقتضى هاتين عدم نفوذ عفو من له الحدّ بعد رفعه الى الإمام، بلا فرق بين كون القاذف زوجا و المقذوف زوجته أو شخص آخر، و صحيحة مسلم واردة في قذف الزوج زوجته فتكون أخصّ بالإضافة إلى الروايتين، و مقتضى إطلاقها عدم نفوذ عفو الزوجة قبل الرفع الى الإمام أو بعده، فاللازم الالتزام بما ذهب اليه الصدوق قدّس سرّه، لو لم نقل بعدم ظهور الصحيحة في الإرشاد الى عدم نفوذ عفو الزوجة، بل ظهورها في مجرد نفي الكرامة عن العفو فيكون العفو أمرا مرجوحا، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) التوبة: 112.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 330.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 3: 434.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 253

[الخامسة: إذا تكرّر الحدّ بتكرّر القذف مرّتين]

الخامسة: إذا تكرّر الحدّ بتكرّر القذف مرّتين قتل في الثالثة (1)، و قيل في الرابعة، و هو اولى، و لو قذف فحدّ و قال: الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني التعزير، لأنّه ليس بصريح (2)، و القذف المتكرر يوجب حدّا واحدا لا أكثر.

______________________________

(1) لما تقدّم من أنّ أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة، و القول بأنّه يقتل في الرابعة لما تقدم من دعوى العلم بأنّ القذف لا يزيد في الحرمة على الزنا و انّ الزاني يقتل في المرة الرابعة، و قد أجبنا عن ذلك فيما سبق و ذكرنا احتمال الخصوصية في الزنا كما لا يخفى.

(2) بل لأنّه ليس قذفا جديدا، و العمدة في عدم الحدّ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف فقال: «إن قال له: إن الذي

قلت لك حقّ لم يجلد و ان قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحدّ، و ان قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلّا حدّ واحد» «1»، فانّ ظاهرها عدم تكرار الحدّ عليه إذا أظهر أنّ القذف السابق لم يكن باطلا و كذبا و لو كان هذا بعد جلده.

نعم، إذا قذفه بمثل قوله يا زان بعد اقامة الحد عليه يعاد الحدّ، بخلاف ما إذا كان التكرار قبل إجراء الحد عليه، فانّ القذف المتكرر بالإضافة إلى شخص قبل جلده بقذفه لا يوجب تعدّد الحدّ، سواء كان القذف المتكرر من نوع واحد أم لا و أمّا إذا كان تكرر القذف قبل اجراء الحدّ بالإضافة إلى أشخاص فقد تقدّم حكمه في قذف شخص جماعة.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 443.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 254

[السادسة: لا يسقط الحدّ عن القاذف إلّا بالبينة المصدقة]

السادسة: لا يسقط الحدّ عن القاذف إلّا بالبينة المصدقة أو تصديق مستحق الحدّ أو العفو، و لو قذف زوجته سقط الحدّ بذلك و باللعان (1).

[السابعة: الحدّ ثمانون جلدة]

السابعة: الحدّ ثمانون جلدة حرّا كان أو عبدا، و يجلد بثيابه و لا يجرّد، و يقتصر على الضرب المتوسط (2) و لا يبلغ به الضرب في الزنا، و يشهّر القاذف

______________________________

(1) سقوط الحدّ عن القاذف مع ثبوت الزنا أو اللواط بالبينة المعتبرة فيهما يخرج القذف عن عنوان الافتراء، و تعلّق حدّ الرمي بالرامي متعلّق في الكتاب المجيد بعدم إقامة الشهود و سقوطه باعتراف المقذوف بالزنا و لو مرة واحدة لخروجه عن العفة، و ان لم يثبت بالاعتراف مرّة الزنا أو اللواط و قد تقدّم سقوطه بالعفو.

و إذا كان القاذف زوجا فيسقط الحدّ عنه بما ذكر و باللعان على ما يذكر في بابه، و لا يبعد ثبوت التعزير في مورد عفو المقذوف، لعدم خروج القذف المزبور بالعفو عن الافتراء المحرم، و يؤيده ما ورد في سقوط الحدّ بالتقاذف مع تعلّق التعزير بهما.

(2) و يدل عليه الروايات المتظافرة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الفرية ثلاث يعني ثلاث وجوه- الى أن قال:- فيه حدّ ثمانون» «1».

و موثقة عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول: «كان

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 432.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 255

لتجتنب شهادته (1)، و يثبت القذف بشهادة عدلين و الإقرار مرتين، و يشترط في

______________________________

علي عليه السّلام يقول: إذا قال الرجل للرجل يا معفوج يا منكوح في دبره فعليه حدّ القاذف» «1».

و في موثقة سماعة

بن مهران، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يفتري كيف ينبغي للإمام أن يضربه، قال: «جلد بين الجلدين» «2».

و في موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجلد الزاني أشد الحدّين»، قلت: فوق ثيابه؟ قال: «لا و لكن يخلع ثيابه»، قلت: فالمفتري؟

قال: «ضرب بين الضربين فوق الثياب يضرب جسده كله» «3».

و معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

«أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن لا ينزع شي ء من ثياب القاذف إلّا الرداء» «4»، الى غير ذلك.

و أمّا ما ورد في صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في المملوك يدعو الرجل لغير أبيه، قال: أرى أن يعرى جلده»، فيحمل على الكناية عن جلده، خصوصا بملاحظة أنّ المورد من موارد التعزير يكون منوطا بنظر الحاكم.

(1) قد ورد التشهير في شاهد الزور، و المراد به هناك أن يطاف به حتّى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 433.

(2) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 448.

(3) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد القذف، الحديث 6: 448.

(4) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد القذف، الحديث 4: 448.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 256

المقرّ التكليف و الحرية و الاختيار.

[الثامنة: إذا تقاذف اثنان]

الثامنة: إذا تقاذف اثنان سقط الحدّ و عزّرا (1).

[التاسعة: قيل: لا يعزّر الكفار مع التنابز بالألقاب و التعيير بالأمراض]

التاسعة: قيل: لا يعزّر الكفار مع التنابز بالألقاب و التعيير بالأمراض (2)، إلّا ان يخشى حدوث فتنة فيحسمها الامام بما يراه.

______________________________

يعرف، و تسريته الى القاذف لا يخلو عن تأمّل بل منع.

(1) و يقال بعدم الخلاف في ذلك، و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه، قال:

«يدرأ عنهما الحدّ و يعزران» «1».

و صحيحة أبي ولّاد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال: فدرأ عنهما الحدّ و عزرهما» «2».

و لا يبعد أن يكون التعزير لحرمة فعل كلّ منهما فيثبت في موارد حرمة الافتراء، و ان لم يثبت حدّ القذف لفقد شرطه.

(2) و الظاهر جواز تعرض المسلم للكفار بالألقاب المشعرة بالذمّ و الأمراض، فيما إذا لم يتضمن الكذب على ما مر في قذف الكافر لعدم احترامه، و إذا كان التعرّض له جائزا من المسلم فلا موجب للتعزير فيما إذا تنابز الكفار بالألقاب المزبورة، نعم إذا كان تنابزهم أو حتّى التعرض لهم من المسلم موجبا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 451.

(2) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 451.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 257

[و يلحق بذلك مسائل أخر]
اشارة

و يلحق بذلك مسائل أخر:

[الاولى: من سب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاز لسامعه قتله]

الاولى: من سب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاز لسامعه قتله (1)، ما لم يخف الضرر على

______________________________

لخوف الفتنة التي يصيب المسلمين ايضا، يتعين على ولي المسلمين بل على المسلمين الممانعة عنه.

(1) بلا خلاف بين الأصحاب، بل ينفى الخلاف عن وجوب قتله، و لا يبعد مع التمكن و عدم الخوف على نفسه، ففي صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عمّن شتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال عليه السّلام: «يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع الى الإمام» «1».

و في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّ رجلا من هذيل كان يسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: من لهذا، فقام رجلان من الأنصار فقالا: نحن يا رسول اللّه، فانطلقا حتّى أتيا عربة فسألا عنه فإذا هو يتلقى غنمه، فقال: من أنتما و ما اسمكما فقالا له: أنت فلان بن فلان، قال: نعم، فنزلا فضربا عنقه، قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ رأيت لو أنّ رجلا الآن سب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ يقتل، قال: ان لم تخف على نفسك فاقتله» «2».

و صدرها هذه، و ان لا يستفاد منه قتل ساب النبي بلا مراجعة الحاكم، إلّا أنّ ذيلها ظاهر في أنّ من سمع السب فعليه قتل الساب مع عدم الخوف على

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب المرتد، الحديث 1: 554.

(2) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد القذف، الحديث 3: 459.

أسس

الحدود و التعزيرات، ص: 258

..........

______________________________

نفسه.

و على الجملة القتل و ان كان حدّا، و قد تقدم أنّ اجراء الحدّ يجب على الحاكم و لا يجوز لغيره إقامته من غير مراجعته، إلّا أنّه يستثني من ذلك موارد، منها ساب النبي صلّى اللّه عليه و آله، و سلّم، فإنّه يجوز قتله لكلّ سامع، بل يجب عليه مع عدم خوف الضرر على نفسه أو أهله أو ماله الذي يقع مع ذهابه في الحرج و الضيق، فانّ الوجوب على السامعين مقتضى الروايتين.

و دعوى عدم دلالتها إلّا على الجواز، حيث إنّ اجراء الحدود من وظيفة الإمام أو المنصوب من قبله و لا يجوز للسائرين القيام بذلك فيكون أمرهم بإجرائه في مورد ظاهرا في الجواز، كما هو مقتضى ورود الأمر في مقام توهم الحظر، لا يمكن المساعدة عليها، فانّ ظاهر قوله عليه السّلام: «يقتله الأدنى فالأدنى» هو الوجوب.

و يؤيّده ما في خبر علي بن جعفر، قال: أخبرني أخي موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «كنت واقفا على رأس أبي حين أتاه رسول زياد بن عبيد اللّه الحارثي عامل المدينة- الى ان قال:- فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني أبي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: الناس في أسوة سواء، من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني و لا يرفع الى السلطان، و الواجب على السلطان إذا رفع اليه ان يقتل من نال مني» «1»، و للمناقشة في سندها ذكرناها مؤيدّة.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد القذف، الحديث 2: 459.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 259

نفسه أو ماله أو غيره من أهل الايمان، و كذا من سبّ أحد الأئمة عليهم السّلام

(1).

______________________________

ثم إنّ الواجب فيما إذا لم يخف الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الايمان، و مع الخوف لا يجب، كما هو مقتضى حديث نفي الضرر، و ما ورد في ذيل صحيحة محمّد بن مسلم، و ما يأتي في صحيحة هشام بن سالم الواردة فيمن سب عليا عليه السّلام، فانّ الصحيحتين و إن لا تعمّان الضرر المالي إلّا انّ قاعدة نفي الضرر تعمّه.

(1) لا خلاف بين أصحابنا في أنّه يجري على ساب أحد الأئمة عليهم السّلام حكم ساب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جواز قتله أو وجوبه على ما تقدم، و في صحيحة هشام بن سالم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السّلام، قال:

فقال لي: «حلال الدم و اللّه لو لا ان تعم به بريئا»، قال: قلت: فما تقول في رجل موذ لنا؟ قال: «في ما ذا»، قلت: فيك يذكرك، قال: فقال لي: «له في علي نصيب»، قلت: إنه ليقول ذاك و يظهره، قال: «لا تعرّض له» «1»، و ما في ذيلها من النهي عن التعرّض له تحفظا منه على الشيعة، فلا يدلّ على حرمة دمه.

و مثل سابهم عليهم السّلام ساب أمّ الأئمة بنت النبي فاطمة الزهراء البتول عليها السّلام، فانّ من الضرورة عند الشيعة عصمتها و طهارتها، فهي سلام اللّه عليها من أهل بيت العصمة و الطهارة.

ثم إنّ الوارد في الروايات عنوان السب، فهو ينطبق على الهجاء و التعرّض

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 461.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 260

..........

______________________________

لهم بالهتك و الإهانة، بل لو نوقش في صدقه على ما ذكر فلا ينبغي التأمّل

في جريان حكمه فيها، خصوصا بملاحظة ما ورد في الصحيحة المتقدمة: «موذ لنا، فيك يذكرك»، و قد روى قتل جماعة بعد فتح مكة بأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانوا يؤذونه، و منهم بنتان كانتا تغنيان بهجائه.

و ما ورد في خبر علي بن جعفر المتقدمة عن أخيه، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من سمع أحدا يذكرني فالواجب أن يقتل من شتمني و لا يرفع الى السلطان، و الواجب على السلطان إذا رفع اليه أن يقتل من نال مني».

و ربّما يستدلّ على وجوب قتل ساب الأئمة عليهم السّلام، بما ورد في قتل الناصب و عدم حرمة نفسه و ماله، و لكن لا يخفى أنّ النصب و إظهار العداوة موجب للكفر و عدم حرمة نفسه و أمواله لكفره، و الكلام في المقام في مطلق السب و الشتم و نحوهما من الهجاء، و لو كان الداعي له غير النصب و العداوة محكوما بالإسلام فهو ارتداد فطريا كان أو مليا و سيأتي حكمهما، و اما إذا كان النصب من الكافر فلا يوجب إظهاره إلّا إظهار كفره.

و على الجملة، القتل في السب حدّ لا أنّه بنفسه موجب للكفر و لا يتوقف إقامة هذا الحدّ على الثبوت عند الحاكم أو الاستيذان منه على ما مر.

نعم، إذا كان منشأ السبّ إظهار العداوة يكون محكوما بالكفر بإظهار العداوة، أو الإنكار على النبي صلوات اللّه و سلامه عليه و آله.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 261

[الثانية: من ادّعى النبوة وجب قتله]

الثانية: من ادّعى النبوة وجب قتله (1)، و كذا من قال: لا ادري محمّد بن

______________________________

و في صحيحة داود بن فرقد، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول

في قتل الناصب، فقال: «حلال الدم و لكني اتقي عليك فان قدرت ان تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل»، قلت: فما ترى في ماله، قال: «توّه ما قدرت عليه» «1».

و في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» «2»، و ظاهرهما أنّ الناصب محكوم بالكفر، و قد تكلمنا في ذلك في بحث النجاسات، و ذكرنا أنّ الناصب كالكلب محكوم بالنجاسة على ما هو ظاهر بعض الروايات المعتبرة، فلاحظ.

(1) بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب، و يدلّ عليه موثقة ابن أبي يعفور، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ بزيقا يزعم أنّه نبي، قال: «إنّ سمعته يقول ذلك فاقتله»، قال: فجلست إلى جنبه غير مرة فلم يمكني ذلك «3».

و في موثقة أبي بصير يحيى بن القاسم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ايها الناس انّه لا نبي بعدي و لا سنة بعد سنتي، فمن ادعى ذلك فدعواه و بدعته في النار فاقتلوه و من تبعه فإنّه في النار، أيّها الناس أحيوا القصاص و أحيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا- الحديث» «4».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حد القذف، الحديث 5: 461.

(2) الوسائل: 6، الباب 2 من أبواب الخمس.

(3) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد المرتد، الحديث 2: 555.

(4) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد المرتد، الحديث 3: 555.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 262

عبد اللّه (ص) صادق أو لا فكان على ظاهر الإسلام (1).

[الثالثة: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما]

الثالثة: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما (2)، و يؤدّب إن كان

كافرا.

______________________________

و ظاهر الاولى أنّ قوله عليه السّلام: «إن سمعته يقول ذلك فاقتله» بيان للحكم الشرعي لا إنشاء الحكم الولائي، كما هو ظاهر الثانية ذلك، و إنّ خطابه لعامة المسلمين، و لا يتوقف ثبوته عند الحاكم أو الاستيذان منه.

(1) إذا كان إظهار الشك ممّن كان محكوما بالإسلام فهو ارتداد فطريا كان أو مليا، و سيأتي حكمهما، و أمّا إذا كان من الكافر فلا يوجب إظهاره إلّا إظهار كفره.

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من شك في اللّه و في رسوله فهو كافر» «1».

و لكن الكفر في مثلها في مقابل الإيمان لا الإسلام، و إذا أظهر شكّه يحكم بكونه كافرا في مقابل الإسلام، و قد ذكرنا ذلك في الفرق بين الإسلام و الإيمان.

و في رواية الحارث بن المغيرة، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: لو أنّ رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: و اللّه ما أدري أ نبيّ أنت أم لا كان يقبل منه، قال: «لا، و لكن كان يقتله أنّه لو قبل ذلك ما أسلم منافق ابدا» «2».

(2) قد نفي الخلاف في قتل الساحر المسلم، و في تأديب الساحر الكافر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد المرتد، الحديث 22: 561.

(2) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد المرتد، الحديث 4: 551.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 263

..........

______________________________

و تعزيره، و الظاهر أنّ المستند في ذلك معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، فقيل: يا رسول اللّه و لم لا يقتل ساحر الكفار؟

قال: لأنّ الكفر أعظم من السحر و لأنّ السحر و الشرك مقرونان» «1»، و لا يبعد ظهورها في قتل الشخص بكلّ من السحر و الشرك.

ثم إنّ ظاهر الساحر من يعمل بالسحر و يضرّ الناس بعمله، و مقتضى موثقة إسحاق بن عمّار أنّ متعلّمه ايضا يقتل، حيث روى عن جعفر، عن أبيه:

«إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: من تعلّم شيئا من السحر كان آخر عهده بربّه، و حدّه القتل إلّا ان يتوب» «2».

و هذه أيضا محمولة على متعلّمه لغاية السحر الذي يضر الناس، و دعوى حمله على المتعلم العامل به لظهور التوبة في ترك العمل بما تعلم خوفا من اللّه سبحانه قابلة للمناقشة، فإنّ التعلم إذا كان حراما فالتوبة ترك تعلّمه.

و على الجملة فالمنهي عنه هو التعلم الدارج في ذلك الزمان من كون الغاية العمل بما يضرّ الناس و لا ينفعهم.

و يمكن الاستدلال بذلك بما رواه الكليني قدّس سرّه عن علي بن إبراهيم، عن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1: 576.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب بقية الحدود، الحديث 2: 577.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 264

..........

______________________________

أبيه، عن شيخ من الكوفيين من أصحابنا قال: دخل عيسى بن شقفي على أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ على ذلك الأجر، فقال له:

جعلت فداك انا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت و منّ اللّه عليّ ببقائك و قد تبت إلى اللّه عزّ و جلّ فهل لي في شي ء منه مخرج قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: حل و لا تعقد» «1».

و على ذلك فلا بأس بتعلّمه لإبطال

دعوى النبوة، و نحوها ممّا قالوا بالجواز معه بل بالوجوب كفائيا، و لا أظن أن يلتزم بأنّ السحر الذي يبطل به دعوى النبوة أو ما دونها محرّم، خصوصا بعد ما ورد فيما روى الكليني من الأمر بالحلّ و النهي عن العقد.

قال الصدوق قدّس سرّه: و روى أنّ توبة الساحر أن يحلّ و لا يعقد.

ثم إنّ ظاهر موثقة إسحاق بن عمّار أنّ توبة المتعلم مسقطة للحدّ، و لا بأس بالالتزام به في المتعلم، بل في نفس الساحر، بقرينة رواية الكليني قدّس سرّه التي يستفاد منها جواز إبطال السحر بالسحر.

و أمّا تأديب الكافر فلا ينبغي التأمّل فيه، لأنّ السحر الذي ذكرنا عمل فيه فساد و إضرار الناس، فيكون كسائر الأعمال الفاسدة المفسدة التي للحاكم الممانعة عنها بالتعزير، بل بقتله إذا توقف ممانعة الكافر عن ذلك على قتله و ان كان ذميا.

______________________________

(1) التهذيب 6: 364.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 265

[الرابعة: يكره ان يزداد في تأديب الصبي على عشرة أسواط]

الرابعة: يكره ان يزداد في تأديب الصبي على عشرة أسواط (1)، و كذا

______________________________

و في معتبرة زيد بن علي، عن أبيه عن آبائه، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الساحر، قال: «إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه»، و يرفع اليد عن إطلاقه في الكافر الذي يمكن المنع عن سحره بتعزيره، بقرينة معتبرة السكوني.

و يستفاد ايضا من المعتبرة ثبوت كون الشخص ساحرا بشهادة عدلين، و أمّا ثبوته بإقراره و لو بمرّة واحدة، فقد تقدّم أنّه الأظهر، إلّا مع ثبوت الدليل في مورد على اعتبار الإقرار بأزيد من مرّة.

(1) ليس عندي بالإضافة إلى ما ذكره في تأديب الصبي وجه، و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ أمير

المؤمنين عليه السّلام ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم، فقال: أمّا إنها حكومة و الجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم إنّ ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه» «1».

و في رواية حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في أدب الصبي و المملوك، فقال: «خمسة أو ستّة، و ارفق» «2».

و المتفاهم العرفي منها أنّه لا يجوز ضرب الصبي إلّا بالأقل ممّا يرجى به أدبه، و الزائد عليه جناية، كان الضارب وليه أو من أوكل إليه وليه أدبه كالمعلّم.

و أمّا المملوك، فالحال فيه في أدب السيّد لئلا يعصيه فيما يجب عليه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب بقية الحدود، الحديث 3: 581.

(2) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1: 581.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 266

المملوك، و قيل: ان ضرب عبده في غير حدّ حدّا لزمه إعتاقه (1)، و هو على الاستحباب.

______________________________

طاعته كالسعي في حوائجه فأيضا كذلك، فعلى مولاه أن يقتصر على الأقل ممّا يرجى فيه أدبه.

و في حسنة زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما ترى في ضرب المملوك؟ فقال: «ما أتى فيه على يديه فلا شي ء عليه و أمّا ما عصاك فيه فلا بأس، قلت: كم اضربه؟ قال: «ثلاثة أو أربعة أو خمسة» «1».

و في صحيحة حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس أن يؤدّب المحرم عبده ما بينه و بين عشرة أسواط» «2».

و الظاهر أنّ ذكر المحرم لدفع احتمال أنّ المحرم لا يجوز له ضرب عبده تأديبا حال إحرامه لا لخصوصية اختصاص الحكم بالمحرم، فيكون الزائد على ذلك مع رجاء الأدب بذلك

غير جائز، و لعلّل الماتن قدّس سرّه أخذ هذه الصحيحة سندا فيما ذكره مع حمله النهي عن الزائد على الكراهة، و لكن الكراهة مع رجاء الأدب بالأقلّ خلاف ظاهرها، بل ظاهرها عدم الجواز.

(1) القائل الشيخ قدّس سرّه في النهاية، و يستدلّ على ذلك بصحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من ضرب مملوكا حدّا من الحدود من غير حدّ أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلّا عتقه» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1، 2، 3: 581.

(2) الوسائل: 9، الباب 95 من أبواب تروك الإحرام.

(3) الوسائل: 18، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5: 340.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 267

[الخامسة: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّه سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين]

الخامسة: كلّ ما فيه التعزير من حقوق اللّه سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين (1) على قول، و من قذف أمته أو عبده عزّر (2) كالأجنبي.

______________________________

و ظاهرها الضرب من غير موجب الحدّ، و لا تعمّ ضربه في مورد ارتكابه موجب الحدّ مقدار الحدّ أو أكثر من الحدّ، و لكن ربما يدعي عدم إمكان الالتزام بوجوب ذلك، لأنّ الاستغفار مع الاستحلال كفّارة فيحمل العتق على الاستحباب.

(1) قد تقدّم الكلام في نفوذ الإقرار و الاكتفاء بالمرة حتّى في موارد ثبوت الحدّ إلّا أن يقوم في مورد كالزنا و نحوه باعتبار المرات، و ذكرنا أنّ ما ورد من أنّ الإقرار الواحد شهادة واحدة لا يعم غير الزنا و نحوه، على ما تقدم فلا نعيد.

(2) بلا خلاف معروف أو منقول، و يعمّه الإطلاق لموثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام» «1»، فإن مقتضى إطلاقها كاقتضاء التعليل الوارد فيها عدم الفرق

بين كون القذف من مولاه أو غيره.

و في موثقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، قال: «جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: يا رسول اللّه اني قلت لأمتي يا زانية، فقال: «هل رأيت منها زنا؟ فقالت: لا، فقال: أما أنّها ستقاد منك يوم القيامة، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطا، ثم قالت: اجلديني، فأبت الأمة فأعتقتها، ثم أتت إلى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب مقدمات القذف، الحديث 12: 436.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 268

..........

______________________________

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبرته، فقال: عسى أن يكون به» «1».

و قد يقال: إنّ ظاهرها عدم تعزير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرأة بقذفها مملوكتها، و ربّما يجاب عن ذلك بعدم إقرارها على قذف أمتها مرتين.

و في الحديث أيضا جهة أخرى للإشكال، و هو انّه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله سأل المرأة هل رأيت منها زنا، و هذا السؤال لا دخل له في ثبوت التعزير و عدمه، و لا في ثبوت القذف و عدمه، و لا في ثبوت زنا أمتها و عدمه.

اللهم إلّا ان يقال: المستفاد من بعض الروايات جواز اقامة المولى الحد على مملوكه إذا شاهد ارتكاب الموجب من المملوك، و لذا سأل صلوات اللّه عليه و آله عن رؤيتها، و يدلّ على ذلك موثقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام- إلى ان قال عليه السّلام:- يا إسحاق ان كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم فيه الحدّ و لا تعد حدود اللّه» «2».

و موثقة عبد اللّه بن بكير عن عنبسة عن مصعب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه

السّلام: «جارية لي زنت أحدّها؟ قال: نعم، قلت: أبيع ولدها قال: نعم»، و على رواية الصدوق قدّس سرّه ان زنت جارية لي أحدّها؟ قال: نعم و ليكن ذلك في ستر فإنّه أخاف عليك السلطان» «3»، فتأمّل.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب القذف، الحديث 4: 430.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 339.

(3) الوسائل: 18، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 340.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 269

[السادسة: كلّ من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره]

السادسة: كلّ من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره (1) بما لا يبلغ

______________________________

و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن رجل هل يصلح له أن يضرب مملوكه في الذنب يذنبه؟ قال: «يضربه على قدر ذنبه ان زنى جلده و ان كان غير ذلك فعلى قدر ذنبه السوط و السوطين و شبهه و لا يفرط في العقوبة» «1».

و في معتبرة طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السّلام، قال: «اضرب خادمك في معصية اللّه عزّ و جلّ و اعف عنه فيما يأتي إليك» «2».

و على الجملة، سؤال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرأة عن رؤية زنا أمتها لاحتمال ان يأذن في إقامة الحدّ عليها، مع سقوط حدّ القذف لرؤيتها و ثبوت زناها و عدم تعزيره المرأة مع نفيها رؤية أمتها على الزنا، لعله لعفوه صلوات اللّه عليه لما يرى من تندّمها عن فعلها و سؤالها عن طريق التخلّص عن وزرها.

(1) ظاهر كلامه قدّس سرّه ثبوت التعزير و تعلّقه بكلّ من ارتكب عملا محرما أو ترك واجبا، و إنّ التعزير موكول في إقامته و مقداره إلى

من له ولاية إقامة الحدّ، و لكن يعتبر في التعزير أن لا يبلغ حدّ الحر إذا كان المرتكب حرا، و لا يبلغ حدّ العبد فيما إذا كان المرتكب عبدا، و عن جماعة تقييد الحرام أو ترك الواجب بالكبائر، فلا تعزير على ارتكاب الصغيرة إلّا في مورد قام الدليل فيه على التعزير أو الحدّ، لكون ترك الكبائر مكفّر الصغائر.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8: 340.

(2) الوسائل: 18، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 340.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 270

الحدّ، و تقديره الى الامام، و لا يبلغ به حدّ الحر في الحر، و لا حدّ العبد في العبد.

______________________________

و ربّما يقال بعدم الفرق بين كون المرتكب حرا أو عبدا، فاللازم في كلا الفرضين أن لا يبلغ التعزير أقلّ الحدّ الذي يقام على العبد يعني أربعين سوطا، و قد تقدّم أنّ هذا يستفاد من صحيحة حماد بن عثمان على ما قيل.

و قد يفصّل في التعزير و يقال: ما ناسب الزنا فلا يجوز أن يبلغ التعزير فيه حدّ الزنا يعني مائة جلدة في ارتكاب الحر و ان لا يبلغ ما ناسب القذف أو شرب المسكر حدّهما يعني ثمانين جلدة، و فيما لا يناسب له لا يبلغ أقل الحدود و هو خمسة و سبعون حدّ القواد.

و عن كاشف اللثام انّ التعزير في غير الموارد التي ورد فيها نص خاص بالأدب و التعزير منوط بما إذا لم ينته المرتكب بالنهي و التوبيخ و نحوهما، و أمّا إذا انتهى عن الارتكاب بذلك فلا موجب للتعزير، و ربّما احتمل إدخال غير الضرب من مراتب الإنكار في التعزير.

أقول: ما يمكن أن يستند إليه في المقام ما ذكرنا

سابقا من إنّ على الإمام حفظ النظام الإسلامي في البلاد بين الرعية، فكلّ من أخلّ بنظامها بالفساد و التعدي على الغير و المزاحمة للسائرين فعليه أدبه و تعزيره، على ما يظهر ذلك من سيرة علي عليه السّلام في موارد مختلفة من الروايات المتفرقة، سواء كان المنع و التعزير بالتسبب أو المباشرة.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 270

و أمّا في جميع موارد ارتكاب المحرم و ترك الواجب ممّا يقع بين العبد و ربه ممّا اطلع عليه الإمام، فيستدلّ عليه بموثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 271

..........

______________________________

قال: «ان لكل شي ء حدّا و من تعدى ذلك الحدّ كان له حدّ» «1».

و نحوها ما في صحيحة داود بن فرقد، حيث ذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام فيها:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لسعد بن عبادة: «ان اللّه جعل لكل شي ء حدّا و جعل لمن تعدى ذلك الحدّ حدّا» «2»، و تجاوز الحدّ يكون بمخالفة الوجوب و ارتكاب الحرام، و امّا المباحات فلا يكون فيها تجاوز الحدّ بالارتكاب أو الترك لثبوت الترخيص في كل منها.

و بما أنّ ظاهر الروايتين كون الحدّ في الموضعين بمعنى واحد، فلا بدّ من التقييد في كل شي ء يكون المراد منه مخالفة الشرع أو التعدي و الفساد، و المتيقن هو الثاني كما لا يخفى.

و أمّا تحديد التعزير بما دون الحدّ و الوكول فيه إلى نظر الحاكم، فقد تقدم الكلام فيه في ذيل ما تقدم عن الماتن، من أنّ الأجنبيتان إذا وجدتا في إزار واحد مجردتين،

و ذكرنا أنّ الثابت في التعزير عدم بلوغه مقدار الحدّ في الحر و في العبد مقدار حدّ العبد كما في عبارة الماتن.

و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين» «3»، و لا يبعد منصرفها ايضا بلوغ حدّ الحر في الحر و حدّ العبد في العبد، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 311.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 309.

(3) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6: 312.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 273

[الباب الرابع: في حدّ المسكر و الفقاع]

اشارة

الباب الرابع:

في حدّ المسكر و الفقاع، و مباحثه ثلاثة.

[الأوّل: في الموجب.]

الأوّل: في الموجب.

و هو تناول المسكر أو الفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم إذا كان المتناول كاملا، فهذه قيود أربعة (1)، و شرطنا التناول ليعم الشرب و الاصطباخ و أخذه ممزوجا بالأغذية و الأدوية.

______________________________

(1) ذكر قدّس سرّه أنّه يتعلق الحدّ في تناول المسكر و الفقاع إذا كان التناول اختياريا فلا حدّ إذا كان بالإكراه و الإجبار عليه، و ان يكون التناول الاختياري مع العلم بحرمته و كان المتناول كاملا بالبلوغ و العقل فانّ مع الإكراه و الإجبار لا يكون التناول محرما ليكون موجبا لتعلّق الحدّ.

كما لا يتعلّق الحدّ إذا كان التناول مع الجهل بحرمته، لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام و أقرّ به ثم شرب الخمر أو زنى و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلا، إلّا أن تقوم عليه البينة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركب بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ» «1»، و نحوها غيرها.

______________________________

(1) الوسائل 18 باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 274

..........

______________________________

و ينبغي إضافة اعتبار العلم بالموضوع إلى العلم بالحكم، فانّ مع الجهل بالموضوع لا يتعلّق الحدّ، و لو مع العلم بحرمة الخمر و اجتماع سائر الأمور المذكورة، كما هو مقتضى ترخيص الشارع في الارتكاب مع الجهل بالموضوع بحديث الرفع أو غيره، و الاعتذار عن ترك التعرض لاعتباره للوضوح غير صحيح، فانّ وضوح اعتبار كمال المتناول لم يمنع عن التعرض لاعتباره.

ثم

انّه قدّس سرّه اعتبر التناول لا الشرب، لعدم اختصاص الحرمة و تعلّق الحد بما كان التناول بالشرب، بل يعم و لو بنحو طبخ الطعام أو غيره بالمسكر أو مزجه بالأغذية و الأدوية، و بتعبير آخر الوارد في كثير من الروايات و إن كان عنوان شرب الخمر أو المسكر أو النبيذ، إلّا أنّ المتفاهم العرفي عدم الخصوصية للشرب، بل بما هو فرد متعارف من تناول الخمر و المسكر، و لا يحتمل الفرق بحسبه بين شرب الخمر متميزا أو ممزوجا بغيره حتّى فيما كان الامتزاج موجبا لفقد التمييز.

نعم، إذا لم يصدق تناول الخمر و المسكر و الفقاع لم يتعلّق بالارتكاب حدّ شرب المسكر، كما إذا القى مقدارا قليلا من الخمر بحبّ من الماء و شرب من الماء المزبور، و هذا فيما إذا اقتصر على شرب بعض الماء ظاهر، فإنّه و إن يحرم شرب الماء لنجاسته إلّا انّه لا يصدق عليه شرب المسكر.

نعم، إذا شرب تمام الماء تدريجا ففي عدم صدق تناول الخمر تأمل، لما ذكرنا في بحث الاستهلاك انّه ليس من انعدام الموضوع بل تبعية الممتزج بالممتزج فيه من حيث الحكم و تحتاج هذه التبعية إلى قيام دليل عليها، كما إذا

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 275

..........

______________________________

كان الماء المستهلك فيه معتصما، فانّ مقتضى ما دلّ على جواز الشرب و الوضوء من المعتصم عدم الاعتناء بما يستهلك فيه من القذر.

و قد يقال: إنّ مقتضى موثقة إسحاق بن عمّار عموم الحكم لمطلق تناول المسكر و أنّها تدل على تعلق الحدّ بمطلق تناول المسكر، فإنّه روي عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين» «1»، و لكن لا يخفى

عدم إمكان الأخذ بإطلاقها، و إلّا لزم الالتزام بتعلّق الحدّ في صنع الخمر و النبيذ و بيعهما و حملهما، إلى غير ذلك من التصرّفات المحرّمة فيهما.

نعم، يمكن أن يقال: انها تعم الشرب و لو غير متميّز، كما في خلط الخمر و النبيذ بالغذاء و الماء، و يدلّ على ذلك ايضا ما ورد في عدم جواز شرب الخمر و النبيذ بكسرهما بالماء.

و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن النبيذ، فقال: «حلال»، فقلت: أصلحك اللّه إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتّى يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كلّ ما أسكر حرام»، فقال الرجل: إنّ من عندنا بالعراق يقولون إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنى بذلك القدح الذي يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقال له الرجل: فأكسره

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 2: 469.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 276

و نعني بالمسكر ما هو من شأنه أن يسكر (1)، فان الحكم يتعلّق بتناول

______________________________

بالماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا و ما للماء أن يحل الحرام اتّق اللّه و لا تشربه» «1».

و في رواية عمر بن حنظلة، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال: «لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ» «2»، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على حرمة التناول، و لكن

في دلالتها على تعلّق حدّ شرب الخمر تأمّل بل منع، و العمدة ما ذكرنا.

و ظاهر الكلمات عدم الفرق بين المسكر الجامد و المائع في تعلّق الحدّ الآتي، و لكن تناول الجامد و ان يكون محرما كالمائع لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

كل مسكر حرام، على ما في عدة من الروايات، إلّا أنّ الحدّ كما تقدّم ذكره لشرب الخمر و النبيذ و الفقاع بل لشرب المسكر، فالتعدي منها إلى تناول الخمر أو غيرها بغير الشرب أمر صحيح كما ذكرنا، إلّا أنّ في التعدي إلى الجامد بالأصل تأملا، و اللّه العالم.

(1) المراد أنّه لا يعتبر في تعلّق الحدّ بالمتناول صيرورته سكرانا، بل لو شرب منه قطرة بالشرائط المتقدّمة يتعلّق به الحدّ، بلا فرق بين المسكر المعمول من التمر أو الزبيب أو العسل، أو المعمول من الشعير و الحنطة أو الذرة، أو المعمول من شيئين أو ما زاد.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7: 270.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1: 272.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 277

القطرة منه، و يستوي في ذلك الخمر و جميع المسكرات، التمرية و الزبيبية

______________________________

و الظاهر عدم الفرق في تعلّق الحد بين تناول القليل و الكثير اتفاقي، و لا يعتبر في تعلّقه صيرورة المتناول سكرانا، و يشهد لذلك مضافا إلى الإطلاق المقتضي لعدم الفرق في مثل صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام يضرب شارب الخمر ثمانين و شارب النبيذ ثمانين» «1».

مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الحدّ في الخمر ان يشرب منها

قليلا أو كثيرا» «2».

و لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، قلت: أ رأيت ان أخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد ثمانين، قال: «لا، و كل مسكر حرام» «3».

و في مصحّحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قلت: أ رأيت ان أخذ شارب النبيذ و لم يسكر أ يجلد، قال: «لا» «4».

و في المرسلة المروية عن علل الصدوق قال، قال أبو جعفر عليه السّلام: «إذا سكر من النبيذ المسكر و الخمر جلد ثمانين» «5».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 470.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 3: 470.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 5: 470.

(4) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 4: 470.

(5) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 8: 470.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 278

و العسلية و المرز المعمول من الشعير أو الحنطة أو الذرّة، و كذا ما لو عمل من شيئين أو ما زاد.

______________________________

و روى قبل هذه عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام و سمعتهم يقولون انّه عليه السّلام قال: «إذا شرب الرجل الخمر فسكر هذي فإذا هذي افترى فإذا فعل ذلك فاجلدوه جلد المفتري ثمانين جلدة» «1».

أقول: أمّا المرسلة الاولى فلا يمكن الاعتماد عليها، و كذا الثانية، بل يمكن دعوى ظهور الثانية في تعلّق الحدّ بشرب الخمر و ان لم يحصل السكر و الهذي و القذف، لكون ما ذكر حكمه في تعيين الحدّ في شرب الخمر بحدّ القذف.

فقد روى الكليني قدّس سرّه عن علي بن إبراهيم، عن

محمّد بن عيسى، عن يونس، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قال علي عليه السّلام يقول: «ان الرجل إذا شرب الخمر سكر و إذا سكر هذي و إذا هذي افترى فاجلدوه حدّ المفتري» «2»، و الظاهر أنّ هذه هي التي رواها الصدوق قدّس سرّه في العلل عن زرارة.

و أمّا صحيحتا الحلبي و أبي الصباح الكناني، فالوارد فيهما عدم الحدّ في شرب النبيذ إذا لم يسكر، فيحملان على التقية لموافقة مدلولهما مذهب العامة أو على النبيذ الحلال.

و على الجملة، شرب النبيذ كشرب الخمر و انّ الموضوع لتعلّق الحدّ تناولهما، سواء كان بشربهما أو بما لا يحتمل الفرق بينه و بين الشرب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 7: 470.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، حديث 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 279

..........

______________________________

كالاصطباغ و امتزاجهما و لو عند الشرب بماء أو غيره من مائع أو جامد، سواء أسكر لكثرته أو لم يسكر لقلّته.

و في معتبرة كليب الأسدي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النبيذ، فقال:

«انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطب للناس فقال: أيها الناس ألا ان كلّ مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام» «1».

فإنّ إطلاق مثلها يعم تناول القطرة و إنّ لم يصدق عليه الشرب، و في موثقة سماعة قال: سألته عن التمر و الزبيب يخلطان للنبيذ، فقال: «لا، كل مسكر حرام، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: كل ما أسكر كثيره فقليله حرام» «2»، إلى غير ذلك ممّا يقتضي حرمة تناول المسكر بلا فرق بين القليل و الكثير، كان بنحو يصدق عليه الشرب

أم لا.

و أمّا تعلق الحدّ بالتناول من أي أنواع المسكر، فيشهد له عدة من الروايات، منها صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» «3»، و صحيحة محمد ابن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الفقاع، فقال: «خمر، و فيه حدّ شارب الخمر» «4».

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2: ح 5.

(2) الوسائل: 17، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2: ح 5.

(3) الوسائل 18 باب 7 من أبواب حد المسكر ح 1.

(4) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد المسكر، ح 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 280

و يتعلّق الحكم بالعصير إذا غلى و اشتدّ و ان لم يقذف بالزبد (1)، الّا أن

______________________________

(1) لا ينبغي التأمّل في حرمة تناول العصير العنبي بعد غليانه و قبل ذهاب ثلثيه، سواء القى الزبد أم لا، و قد تعرّضنا لذلك عند البحث في نجاسته عند المشهور، و الكلام في المقام في ثبوت حدّ شرب المسكر في شربه.

فإنّه يستدلّ على ذلك بصحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول: قط طبخ على الثلث و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف، فقال: «خمر، و لا تشربه» «1».

و لكن قد يناقش في الاستدلال أنّ لفظ الخمر موجود في الرواية على نقل الشيخ قدّس سرّه، و أمّا على نقل الكليني غير موجود، فلم يثبت تنزيله منزلة الخمر حتّى يقال بجريان حدّ شرب الخمر في شربه، و ليس المقام من باب اختلاف الروايتين في الزيادة و

النقيصة في النقل ليقال يؤخذ بالزيادة، لأنّ راوي النقيصة لا ينفي الزيادة.

كما يناقش في دلالتها على تقدير وجود لفظ الخمر بأنّه ليس في البين قرينة على إطلاق التنزيل، و المتيقن منه حرمة الشرب كما وقع السؤال عنها، و بتعبير آخر لو كانت الرواية هكذا: خمر فلا تشربه، كان التفريع قرينة على إطلاق التنزيل، و لكن الموجود: خمر لا تشربه.

و لكن ذكرنا في بحث نجاسة العصير أنّه لو كانت الرواية: خمر فلا تشربه، لم يمكن لنا الحكم بنجاسة العصير أو جريان سائر أحكام الخمر على

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 281

..........

______________________________

العصير، لأنّ الجواب في الرواية حكم ظاهري فإنّه وقع جوابا عن السؤال عن حكم العصير الذي أخبر ذو اليد الذي يرى جواز شربه على النصف بأنّه مطبوخ على الثلث، و مع احتمال الصدق في قوله ذكر سلام اللّه عليه خمر لا تشربه أو فلا تشربه.

و من المعلوم أنّ التنزيل في الحكم الظاهري في المشكوك تابع للتنزيل بحسب الحكم الواقعي، فإن كان تنزيل العصير المغلي منزلة الخمر في خصوص حرمة شربه يكون الثابت في المغلي المشكوك ذهاب ثلثيه هي الحرمة الظاهرية، و ان ذكر النهي عن شربه بنحو التفريع و ان كان التنزيل بلحاظ جميع الأحكام يكون الثابت في المشكوك تمام تلك الأحكام، و المتيقن من التنزيل بحسب الحكم الواقعي هو التنزيل في حرمة الشرب.

و ذكرنا أيضا أنّ الفرق بين قوله عليه السّلام: خمر لا تشربه، و بين قوله: خمر فلا تشربه، على تقدير كون التنزيل لبيان الحكم الواقعي و إن كان موجودا، حيث إنّ التفريع ظاهره إطلاق التنزيل و عمومه، إلّا أنّ هذا الظهور ظهور

زائد على ظهور نفس إطلاق التنزيل، فلا يكون فقده موجبا لعدم ظهور نفس التنزيل في الإطلاق.

كما أنّ ذكر حكم بعد التنزيل بدون التفريع لا يكون مانعا عن انعقاد الإطلاق في التنزيل، فيما كان ذكر ذلك الحكم لكونه محل الابتلاء أو مورد السؤال، نظير ما ورد أنّ ما أصاب المحرم من صيد ميتة لا تأكله، حيث إنّ النهي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 282

يذهب بالغليان ثلثاه أو ينقلب خلا، و بما عداه إذا حصلت فيه الشدة المسكرة (1).

و أمّا التمر إذا غلا و لم يبلغ حدّ الإسكار ففي تحريمه تردّد، و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ، و كذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى بنفسه أو بالنار، و الأشبه أنّه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.

و الفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم (2)، و ان لم يكن مسكرا، و في وجوب

______________________________

عن الأكل لا يمنع إطلاق التنزيل بلحاظ آثار الميتة.

(1) قد ذكرنا في بحث نجاسة العصير العنبي و عدم نجاسته أنّ حرمة تناوله بالغليان إلى أن يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه تختص به و لا تجري فيما عداه من الزبيب أو التمر، و انّ الملاك في حرمة عصيرهما صيرورته مسكرا، فانّ مع الإسكار يدخل في قولهم عليهم السّلام: «كل مسكر حرام».

و يعمه مثل قوله عليه السّلام في معتبرة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» «1».

(2) بلا خلاف يعرف عند أصحابنا، و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن الفقاع، قال: «هو خمر و فيه حدّ شارب الخمر» «2»، و موثقة

ابن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 473.

(2) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 479.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 283

الامتناع عن التداوي به و الاصطباخ.

______________________________

أسأله عن الفقاع، فقال: «هو الخمر و فيه حدّ شارب الخمر» «1»، إلى غير ذلك مما يدلّ على تنزيله منزلة الخمر، و لذا لا يجوز تناوله و لو بغير الشرب كما تقدم في الخمر، و لا يجوز التداوي به من غير اضطرار رافع للحرمة، كما هو الحال في التداوي بالخمر.

ثم إنّ حرمة التداوي بالخمر و الفقاع مع إمكان التداوي بغيرهما ممّا لا ينبغي التأمّل فيها لعدم الاضطرار معه الموجب لارتفاع حرمتهما، و في مصححة عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر أسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللّذة إنّما يريد الدواء، فقال: «لا و لا جرعة انّ اللّه لم يجعل في شي ء مما حرّم دواء و لا شفاء» «2».

و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه، قال سألته عن الدواء هل يصلح بالنبيذ، قال: «لا»- إلى أن قال- سألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالخمر، قال:

«لا» «3».

و في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دواء عجن بالخمر، فقال: «لا و اللّه، ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به أنّه بمنزلة شحم الخنزير أو

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2: 387.

(2) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة، ح 1.

(3) الوسائل: 17، الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة،

ح 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 284

و اشترطنا الاختيار تفصّيا من المكره، فإنّه لا حدّ عليه و لا يتعلق الحكم بالمتناول ما لم يكن بالغا عاقلا، و كما يسقط الحد عن المكره يسقط عمن جهل التحريم أو جهل المشروب (1).

______________________________

لحم الخنزير و ترون أناسا يتداوون به».

إلى غير ذلك ممّا التزم غير واحد من أصحابنا بإطلاقها و شمولها، حتّى لصورة الاضطرار إلى التداوي بهما لعدم إمكان التداوي بغيرهما.

و لكن لا يخفى على تقدير شمولها لحالة الاضطرار إلى التداوي لكون المرض يجعله في معرض الهلاك أو غيره من الضرر اللازم دفعه، فيرفع اليد عن إطلاقها بحديث رفع الاضطرار، نظير الاضطرار إلى لحم الخنزير و شحمة، و ما في بعض الروايات من التعرض لحرمته في خصوص صورة الاضطرار فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، مع احتمال أن يكون المراد بالاضطرار خصوص الحاجة لا الاضطرار إلى التحفظ على النفس من الهلاك و نحوه.

(1) قد تقدّم الوجه في اعتبار الأمور الأربعة، و لكن قد ورد في بعض الروايات نفي التقية في شرب النبيذ، و قد يقال: يستفاد منها عدم جواز شربه مع الإكراه أيضا، نظير ما يستفاد ممّا ورد في نفي التقية في إراقة الدم و القتل.

و لكن المراد من نفي التقية في شرب النبيذ نظير نفي التقية في المسح على الخفين هو عدم الحكم بجواز الأول تكليفا و بمشروعية الثانية وصفا رعاية للتقية في الحكم، و إلّا فلا يحتمل حرمة شربه إذا أكره على شربه بالوعيد بالقتل أو في مورد الاضطرار عليه نظير الاضطرار إلى أكل الميتة.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 285

و يثبت بشهادة عدلين مسلمين، و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لا منضمات (1)،

و بالإقرار مرتين و لا يكفي المرّة، و يشترط في المقرّ: البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار.

[الثاني في كيفية الحدّ]

الثاني في كيفية الحدّ.

و هو ثمانون جلدة، رجلا كان الشارب أو امرأة، حرّا كان أو عبدا (2)، و في

______________________________

و لذا لم ينضم إلى إراقة الدم و القتل في الروايات النافية للتقية في القتل و إراقة الدم، بأن يرد: فإذا بلغت التقية الدم أو شرب النبيذ فلا تقية.

(1) لما تقدّم من إطلاق ما دلّ على اعتبار البينة يعني شهادة العدلين، و لا تقبل شهادة النساء في الحدود إلّا في الزنا، و انّ الإقرار مرّة كاف في الثبوت و التعدي عما ورد في الإقرار بالزنا من حسابه شهادة واحدة إلى مثل المقام قياس، و يؤخذ في المقام بالإطلاق المتقدّم الدال على إجراء الحدّ على المرتكب بإقراره بالارتكاب مرّة.

(2) لا خلاف بين أصحابنا في أنّ الحدّ في شرب الخمر ثمانون جلدة، و يشهد لذلك موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان علي عليه السّلام يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين الحر و العبد و اليهودي و النصراني»، قلت: و ما شأن اليهودي و النصراني؟ قال: «ليس لهم ان يظهروا شربه يكون ذلك في بيوتهم» «1».

و في موثقته الأخرى قال: «كان أمير المؤمنين يجلد الحر و العبد و اليهودي

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 471.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 286

..........

______________________________

و النصراني في الخمر و النبيذ ثمانين- الحديث» «1».

و في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام أن يجلد اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهروا شربه في

مصر من أمصار المسلمين» «2».

و في صحيحة أبي المغراء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يجلد الحر و العبد و اليهودي و النصراني في الخمر ثمانين» «3»، و نحوها غيرها.

و ما في بعضها من إطلاق الضرب بثمانين من غير تقييده بالجلد ينصرف إلى الضرب جلدا، فإنّه المعهود في الحدود و التعزير خصوصا بملاحظة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: إنّ الرجل إذا شرب الخمر سكر، و إذا سكر هذي، و إذا هذي افترى فاجلدوه حدّ المفتري» «4»، فان المفتري حدّه ثمانون جلدة كما تقدّم.

و ما يظهر في بعض الروايات من كفاية الضرب بالنّعال و السعف، كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: كيف كان يجلد رسول

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 2: 471.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 3: 471.

(3) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 4: 471.

(4) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 4: 467.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 287

..........

______________________________

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: فقال: «كان يضرب بالنعال و يزيد كلّما أتى بالشارب ثم لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف على ثمانين، أشار بذلك علي عليه السّلام على عمر فرضي بها» «1».

و مثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2»، و ظاهرها أنّ الضرب كذلك كان في ابتداء الأمر حتّى حصل التعين بثمانين جلدة.

ثم إنّ ظاهر الروايات كون الثمانين مترتبة كسائر الحدود فلا يكفي الثمانون متداخلة، و لكن في موثقة زرارة

قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«أقيم عبيد اللّه بن عمر و قد شرب الخمر فأمر به عمر ان يضرب، فلم يتقدّم عليه أحد يضربه حتّى قام علي عليه السّلام بنسعة مثنية لها طرفان فضربه بها أربعين» «3».

و في معتبرته قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إنّ الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي عليه السّلام: اقض بينه و بين هؤلاء الذين زعموا انّه شرب الخمر، فأمر علي عليه السّلام فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة» «4»، و لكنهما حكاية واقعة شخصية و لعله لملاحظة خصوصية في الواقعة، كما تقدم حكاية مثله في بعض الموارد من بعض الحدود.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 467.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 3: 467.

(3) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 2: 467.

(4) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 470.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 288

..........

______________________________

و عدم الفرق بين الرجل و المرأة فهو مقتضى الإطلاق في مثل صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إنّ في كتاب علي يضرب شارب الخمر ثمانين و شارب النبيذ ثمانين» «1»، و قوله عليه السّلام في صحيحة سليمان بن خالد: «من شرب الخمر فاجلدوه- الحديث».

و أمّا عدم الفرق بين الحر و المملوك فهو المشهور عند أصحابنا، و عن الصدوق قدّس سرّه التنصيف في المقام، لكون الحدّ فيه من حقوق اللّه سبحانه، و مال إليه العلامة في المختلف كالشهيدين.

و يستدلّ على ذلك بموثقة ابن بكير (عن أبي بكر الحضرمي)، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مملوك

قذف حرا، قال: «يجلد ثمانين هذا من حقوق الناس، فامّا ما كان من حقوق اللّه فإنّه يضرب نصف الحدّ»، قلت: الذي من حقوق اللّه ما هو؟ قال: «إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من حقوق اللّه التي يضرب فيها نصف الحدّ» «2».

و في معتبرة حماد بن عثمان، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كم التعزير، فقال:

«دون الحدّ»، قال: قلت: دون ثمانين، قال: «لا، و لكن دون أربعين فإنّها حدّ المملوك- الحديث» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 468.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد القذف، الحديث 14: 437.

(3) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب بقية الحدود، الحديث 3: 584.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 289

..........

______________________________

و قد تقدّم أنّ حدّ المملوك في القذف ثمانون، فيكون حدّ الأربعين حدّا للمملوك في شرب المسكر، و في رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان يقول أبي: حدّ المملوك نصف حدّ الحر» «1».

و لكن رواية يحيى بن أبي العلاء لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، مع أنّها مطلقة بالإضافة إلى حدّ المسكر، فيمكن تقييد إطلاقها بحدّ الزنا، للروايات الدالّة على تسوية حدّ الشرب بين الحرّ و العبد، و رواية حماد بن عثمان لا تدل على أنّ حدّ العبد في شرب المسكر أربعون، فيمكن أن يراد منه حدّ القذف، حيث ورد في حدّ القذف أنّه في العبد أربعون، و يمكن كون هذه ايضا من قبيل الرواية الواردة في حدّ القذف.

و أمّا موثقة ابن بكير عن أبي بكر الحضرمي، فهي مطروحة عند المشهور لموافقتها للعامة، فيرجح الأخبار الدالة على التسوية بين الحر و المملوك في حدّ شرب الخمر، و لا تصل

النوبة إلى التساقط و الرجوع إلى القاعدة المستفادة من الأخبار، من أنّ الحدّ في المملوك ينتصف في حقوق اللّه سبحانه.

لا يقال: على ما ذكر لا يبقى للقاعدة المزبورة مورد و يكون التنصيف مختصا بزنا المملوك، فإنه يقال: قد أخذنا بالعموم في السحق و التفخيذ و النوم تحت إزار واحد على ما تقدّم، فكيف لا يبقى لها مورد.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 9: 473.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 290

رواية يحدّ العبد أربعين، و هي متروكة، و أمّا الكافر، فان تظاهر به حدّ و ان استتر لم يحدّ (1).

______________________________

و ما ذكر الشهيد قدّس سرّه في وجه ميله إلى الانتصاف، هو أنّ الموثقة للتعليل الوارد فيها أظهر بالإضافة إلى الروايات الواردة في التسوية، و لكن لا يخفى أنّ التعليل لا يوجب كونها أظهر، مع أنّ الأظهرية التي توجب حمل الأخبار عليها ما إذا كانت موجبة للجمع العرفي بين الاخبار، و الموثقة مع الاخبار الواردة في التسوية متباينان في المدلول متكافئان.

(1) و يشهد لجريان الحدّ على الكافر مع تظاهره بالشرب مضافا الى الإطلاق في مثل صحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«إنّ في كتاب علي عليه السّلام: يضرب شارب الخمر ثمانين و شارب النبيذ ثمانين» «1».

موثقة أبي بصير، عن أحدهما عليه السّلام قال: «كان علي عليه السّلام يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين الحر و العبد و اليهودي و النصراني»، قلت: و ما شأن اليهودي و النصراني؟ قال: «ليس لهم أن يظهروا شربه يكون ذلك في بيوتهم» «2».

و في مضمرته قال: قال: «حدّ اليهودي و النصراني و المملوك في الخمر و الفرية سواء و أنما صولح أهل الذمة

على أن يشربوها في بيوتهم» «3»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 469.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 471.

(3) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 5: 471.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 291

و يضرب الشارب عريانا على ظهره و كتفيه، و يتّقى وجهه و فرجه (1)، و لا

______________________________

و في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام أن يجلد اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهر و اشربه في مصر من أمصار المسلمين، و كذلك المجوس، و لم يعرض لهم إذا شربوها في منازلهم و كنائسهم حتّى يصير بين المسلمين» «1».

و لا يخفى أنّ ظاهر هذه الروايات أنّ شرب الكافر المسكر بنفسه لا يوجب الحدّ عليه، و إنّما الموجب تظاهره بشربه في بلاد المسلمين، فلا دلالة لهذه الروايات على تكليف الكفار بالفروع، و انّ عدم اجراء الحدّ عليهم مع شربهم في بيوتهم لاقتضاء عقد الذمة، بل ظاهرها عكس ذلك و ان اجراء الحدّ عليهم للاشتراط عليهم بعدم الشرب علنا في أمصار المسلمين في عقد الذمة.

(1) ظاهر كلامه قدّس سرّه أنّ شارب المسكر يجرد لجريان الحدّ عليه عريانا، حتّى ما لو كان عند الشرب لابسا و يضرب ظهره و كتفاه و يجتنب وجهه و فرجه، و يمكن أن يستظهر الحكم في المقام من قول أبي جعفر عليه السّلام في موثقة زرارة أو مصححته: «يضرب الرجل الحدّ قائما و المرأة قاعدة و يضرب على كل عضو و يترك الرأس و المذاكير»، «2» و على رواية الشيخ قدّس سرّه: و يترك

الوجه و المذاكير.

و في مرسلة حريز عمّن أخبره عن أبي جعفر عليه السّلام: «يفرق الحدّ على الجسد كلّه و يبقى الوجه و الفرج و يضرب بين الضربين» «3».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد المسكر، الحديث 3: 471.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 1: 369.

(3) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد الزنا، الحديث 6: 369.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 292

يقام عليه الحد حتى يفيق (1).

و إذا حدّ مرتين قتل في الثالثة، و هو المروي (2)، و قال في الخلاف: يقتل في

______________________________

و في مصححة أبي بصير التي رواها مضمرة، قال: سألته عن السكران و الزاني، قال: «يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين فامّا الحدّ في القذف فيجلد على ما به ضربا بين الضربين».

و يمكن أن يكون ذكر بين الكتفين للاتقاء عن الفرج و الرأس، و لو جمعا بينها و بين ما تقدّم و ما ورد في الزنا أنّ الزاني يجلد على كل عضو منه و يتقى فرجه و رأسه أو وجهه، و لا يبعد عدم قدح الإضمار في مصححة أبي بصير، و عليه فالظاهر اعتبار التجريد، و لكنّه يختص بالرجل حيث إنّ بدن المرأة عورة فاللازم سترها، و لذا يجري عليها الحدّ قاعدة على ما مر في الجلد للزنا.

(1) و قد نفى في الجواهر الخلاف في ذلك، و علله بأنّ فائدة الحدّ هو الانزجار و لا يحصل إلّا بالإجراء بعد الإفاقة، و لكن لا يخفى ما فيه من تأخير الحدّ و لم يعلم انحصار الفائدة في الانزجار خاصة من نفس المرتكب، و لذا يجري الحدّ على المجنون الحادث جنونه بعد زناه، و كذا في شرب المسكر و غيره.

(2) هذا هو

المشهور بين الأصحاب، و يشهد لذلك صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من شرب الخمر فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فان عاد الثالثة فاقتلوه» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 476.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 293

..........

______________________________

و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فان عاد فاقتلوه» «1»، و نحوهما صحيحة جميل بن دراج، و موثقة أبي بصير و غيرها.

و يقتضيه أيضا صحيحة يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدود مرتين قتلوا في الثالثة» «2».

و مع ذلك المحكي عن الصدوق، و الشيخ في الخلاف و المبسوط، انّه يقتل في الرابعة، و قد مال إليه العلامة و الشهيد قدّس سرّهما، و لعله بأنّ شرب الخمر لا يزيد عن الزنا، و لما روى الكليني بعد صحيحته المتقدمة، و قال جميل: روي عن بعض أصحابنا أنّه يقتل في الرابعة، قال ابن أبي عمير: كأن المعنى أن يقتل في الثالثة و من كان انما يؤتى به يقتل في الرابعة.

أقول: ما ذكره ابن أبي عمير لا يخلو عن إجمال، و لعل مراده أنّ شارب المسكر يقتل في الثالثة و إذا فرّ يقتل في الرابعة، و كيف ما كان، ما قال جميل عن رواية بعض أصحابنا لا يخرج عن الرواية المرسلة التي لا يمكن رفع اليد بها عن الأخبار المتقدّمة، خصوصا مع عدم عمل المشهور بها كما لا يخفى.

و لا يختص الحكم المزبور بشرب الخمر بل يجري في شرب سائر المسكرات، لقول

أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة أبي الصباح الكناني: «كل مسكر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 3: 476.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد المسكر، الحديث 2: 476.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 294

الرابعة: و لو شرب مرارا كفى حدّ واحد (1).

[الثالث في أحكامه]

اشارة

الثالث في أحكامه،

[و فيه مسائل]
اشارة

و فيه مسائل:

[الاولى: لو شهد واحد بشربها و الآخر بقيئها]

الاولى: لو شهد واحد بشربها و الآخر بقيئها وجب الحدّ (2). و يلزم على ذلك وجوب الحدّ لو شهدا بقيئها، نظرا الى التعليل المروي، و فيه تردّد لاحتمال

______________________________

من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ» «1».

(1) كما تقدّم ذلك في سائر موجبات الحدّ، حيث إنّ ظاهر الأخبار أنّ ثمانين جلدة حدّ لشارب الخمر عند المجي ء به في المرة الاولى و الثانية، سواء كانت المرة الأولى بعد الشرب مرارا أم لا، و كان نوع المسكر واحدا أم متعدّدا، و كذا الحال في المرة الثانية.

(2) قد تقدّم في كتاب الشهادات أنّ شهادة العدلين إذا كانت بواقعة واحدة تكون تلك الشهادة بيّنة، و أمّا إذا كانت شهادة أحدهما بواقعة و شهادة الآخر بواقعة أخرى فلا بيّنة، و في مثل المفروض في المقام بأن يشهد أحد العدلين بشربه الخمر و شهادة الآخر بقيئها تتحقق البينة بشربه الخمر، حيث إنّ الشهادة بقيئها شهادة بشربها ايضا، حيث ذكرنا يكفي في الشهادة بالشي ء حسّ لازم ذلك الشي ء.

و يدلّ على ذلك أيضا رواية الحسن بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه، قال: «أتى عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر فشهد عليه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 473.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 295

الإكراه على بعد، و نقل هذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان واقفا لدفع به عن نفسه اما لو ادعاه فلا حدّ.

______________________________

رجلان أحدهما خصي و هو عمرو التميمي و الآخر المعلى بن الجارود، فشهد أحدهما أنّه رآه يشرب و شهد الآخر انّه رآه يقي ء الخمر، فقال لأمير المؤمنين: ما تقول يا أبا الحسن فإنّك

الذي قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنت اعلم هذه الأمة و أقضاها بالحق، فانّ هذين اختلفا في شهادتهما، قال: ما اختلفا في شهادتهما و ما قاءها حتّى شربها» «1».

و لكن هذه لضعف سندها تصلح للتأييد، و يلزم على السماع أنّه لو شهد كلّ منهما بقيئه الخمر يثبت الشرب، فيتعلّق به الحدّ.

و قد يقال بعدم سماع هذه البينة و لو مع فرض وحدة الواقعة، فإنّ الشهادة بالقي ء لا تكون شهادة بالشرب بالاختيار و من غير إكراه حتّى تتم الشهادة بموضوع الحدّ، و إلى ذلك يشير كلام الماتن قدّس سرّه: و فيه تردّد لاحتمال الإكراه.

و أجيب عن ذلك بأنّه لو كان في البين إكراه لتعرض المشهود عليه بأنّه كان مكرها عليه في شربه، فسكوته اعتراف بعدم الإكراه، و لذا لو كان مدعيا الإكراه لم يحدّ.

أقول: إذا كان الشخص ممّن يحتمل في حقّه الاشتباه أو الجهل بكون المشروب خمرا أو الإكراه عليه، فلا يحرز موجب الحدّ و سكوته و عدم إظهاره

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 480.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 296

[الثانية: من شرب الخمر مستحلا استتيب]

الثانية: من شرب الخمر مستحلا استتيب. فان تاب أقيم عليه الحدّ و ان امتنع قتل، و قيل: يكون حكمه حكم المرتد، و هو قوي (1)، و أمّا سائر المسكرات

______________________________

بأنّه كان مكرها عليه لاعتقاده عدم الاعتناء بدعواه أو لنسيانه أن يذكره لدهشته.

و الحاصل أنّ الرواية مع ضعفها سندا و ورودها في واقعة لعلّها كانت مقترنة بما يوجب العلم بانتفاء الإكراه أو الشبهة لا تكون صالحة لرفع اليد عن القاعدة المستفادة من الروايات، من ثبوت موجب الحدّ بالشهادة بالموجب أو أصل الارتكاب بالبينة و سائر

خصوصياته بالعلم.

و ممّا ذكر يظهر الحال فيما لو شهد أحدهما بالشرب و الآخر بالقي ء، و أنّه يثبت بشهادتهما إذا لم يحتمل في حقه الإكراه عليه أو الجهل بالمشروب، و كذلك في المورد الذي شهد كل منهما بقيئه الخمر.

(1) المحكي عن الشيخين و جمع آخر أنّه من شرب الخمر مستحلا شربه يستتاب فان تاب أقيم عليه الحدّ و إلّا يقتل بعد اقامة الحدّ عليه، بلا فرق في المستحلّ بين كون إسلامه بعد كفره أو كان إسلامه فطريا، و في مقابل ذلك أنّ المستحلّ إذا لم يكن استحلاله عن الشبهة و الجهل بحرمته، كما إذا كان جديد الإسلام يحكم بارتداده فيجري عليه حكم المرتد مليا أو فطريّا، و أمّا إذا احتمل في حقه الجهل و الشبهة فلا يقام عليه الحدّ.

و يستدلّ على ما ذهب إليه الشيخ و المفيد و اتباعه ما أرسله المفيد قدّس سرّه في الإرشاد، قال: روت العامة و الخاصة أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 297

..........

______________________________

أن يحدّه، فقال: «لا يجب عليّ الحدّ أنّ اللّه يقول لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا إِذٰا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا «1»، فدرء عنه عمر الحدّ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فمشى إلى عمر فقال: ليس قدامة من أهل هذه الآية و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم اللّه، انّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا يستحلّون حراما، فاردد قدامة فاستتبه ممّا قال، فان تاب فأقم عليه الحدّ و ان لم يتب فاقتله، فقد خرج عن الملّة فاستيقظ عمر لذلك، و عرف قدامة الخبر فأظهر التوبة و الإقلاع فدرأ عنه القتل و لم يدر

كيف يحدّه- الحديث» «2».

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الحدّ في الخمر أن يشرب منها قليلا أو كثيرا، ثم قال: أتى عمر بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر و قامت عليه البيّنة، فسأل عليا عليه السّلام فأمره ان يجلد ثمانين، فقال قدامة:

يا أمير المؤمنين ليس عليّ حدّ أنا من أهل هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا، فقال عليه السّلام: «لست من أهلها إنّ طعام أهلها لهم حلال ليس يأكلون و لا يشربون إلّا ما أحل اللّه لهم، ثم قال: إنّ الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل و يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة» «3».

و لا دلالة للصحيحة على استحلاله شرب الخمر بل ظاهرها دعوى قدامة

______________________________

(1) المائدة: 93.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد المسكر، الحديث 1: 465.

(3) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المسكر، الحديث 5: 497.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 298

فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها (1)، و يقام الحدّ مع شربها، مستحلا أو محرّما.

______________________________

عدم وجوب الحدّ عليه بشربه الخمر لكونه مؤمنا و له سابقة اعمال صالحة، فارتكابه الشرب المحرم أو أكله المحرم لا يوجب الحدّ عليه، و هذا ليس من الإنكار الضروري.

و أمّا المرسلة فلضعفها بالإرسال لا تصلح لرفع اليد عمّا دلّ على حكم المرتد من الملّي أو الفطري، و يحتمل ايضا أنّ ارتداده كان مليا، و لذا أمر بالاستتابة حيث كان يعلم بحرمة شرب الخمر للكلّ بعد إسلامه، و مع ذلك أنكر حرمة شربه على مثله، و على الجملة ما تضمنته المرسلة قضية شخصية يحتمل كون الحكم فيها على طبق حكم الارتداد الملّي.

(1)

مراده قدّس سرّه أنّ حرمة غير الخمر من المسكرات غير ضروري من الدين فلا يكون استحلالها موجبا للكفر، و لذا يقام عليه الحدّ، سواء شرب غير الخمر من المسكر مستحلا أو محرما، و قد صرح في المسالك بأنّ الإنكار الموجب للكفر يختصّ بإنكار ما انعقد على ثبوته إجماع علماء الأمة، فيكون ثبوته ضروريا، و هذا منتف في حرمة غير الخمر من سائر المسكرات.

و في كلام بعض الأصحاب أنّه لو شرب الحنفي النبيذ المسكر و إن قلّ يحدّ و لو مع استحلاله شربه، لأنّ النصوص قد دلت على أنّ شارب المسكر يحدّ، و الفرق بينه و بين الحربي أنّ الحربي غير المسلم بخلاف الحنفي.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 299

..........

______________________________

أقول: قد تقدّم في بحث نجاسة الكافر كون إنكار الضروري من الدين موجبا للكفر لاستلزامه تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إذا علم منكر غيره ايضا أنّ الحكم المزبور صادر عن النبي عليه السّلام و مع ذلك أنكره يحكم بكفره.

نعم، الفرق بين ضروري الدين و غيره أنّ دعوى الجهل فيه لا تسمع ممّن لا يمكن في حقه الجهل عادة لكونه عاش بين المسلمين برهة من الزمان، بخلاف غير الضروري فإنّه يمكن عادة الجهل به، فمع احتمال الجهل في حق مدعيه لا يجري عليه الحدّ مع عدم العلم بالخلاف.

و على ذلك، فالإطلاق في عبارة الماتن من أنّه يقام الحد على متناول سائر المسكرات مستحلا أو محرما لا يخلو عن الإشكال، فإنّ المستحلّ إذا كان يعلم بأنّ حرمة غير الخمر من النبيذ المسكر من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون استحلاله إنكارا لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم فيحكم بكفره، كما أنّ استحلاله لو كان للاعتقاد بحليته و الغفلة عن حرمته لا يجري عليه الحدّ، فإنّه إذا لم يكن على الجاهل بحرمة شرب الخمر حدّ فكيف يثبت الحدّ للجاهل و المعتقد بالحلية في سائر المسكرات، خصوصا بملاحظة ما ورد في صحيحة عبد الصمد بن بشير: «أيما ارتكب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» «1».

و قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام و أقرّ به ثم شرب الخمر و زنى و أكل الربا و لم يتبين له شي ء من

______________________________

(1) الوسائل: 9، الباب 45 من أبواب حد تروك الإحرام.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 300

[الثالثة: من باع الخمر مستحلا يستتاب]

الثالثة: من باع الخمر مستحلا يستتاب، فان تاب و إلّا قتل (1)، و ان لم يكن مستحلا عزر، و ما سواه لا يقتل و ان لم يتب بل يؤدّب.

______________________________

الحلال و الحرام لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلا إلّا ان تقوم البينة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ» «1».

نعم، لا يبعد الالتزام بإقامة الحدّ على الجاهل المقصر و غير المبالي بشرب المسكر حتّى لو كان عالما بحرمته، كما يستظهر ذلك ممّا ورد في ذيل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة من قوله عليه السّلام: «ان الشارب إذا شرب و لم يدر ما يأكل و لا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة».

(1) و لعلّ الفرق بين شرب الخمر مستحلا حيث قوى فيه الحكم بالارتداد و بين بيعها مستحلا لبيعها، أنّ حرمة شربها من ضروريات الدين بخلاف حرمة بيعها،

و لذا يستتاب من بيعها و الاستحلال فان تاب فهو و إلّا يقتل، و أمّا إذا لم يكن مستحلا لبيعها يعزر على بيعها كالتعزير على ارتكاب سائر المحرمات، هذا بالإضافة إلى بيع الخمر، و أمّا بيع سائر المسكرات فلا يقتل مستحل بيعها و ان لم يتب عن استحلاله بل يؤدب أي يعزر.

و على الجملة إذا كان مستحلا لبيع الخمر مع إعلام حرمة بيعها عند المسلمين يكون استحلاله بيعها تكذيبا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بخلاف حرمة بيع سائر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 323.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 301

[الرابعة: إذا تاب قبل قيام البيّنة سقط الحدّ]

الرابعة: إذا تاب قبل قيام البيّنة سقط الحدّ، و ان تاب بعدها لم يسقط، و لو كان ثبوت الحدّ بإقراره كان الامام مخيّرا بين حدّه و عفوه، و منهم من منع من التخيير و حتم الاستيفاء هنا، و هو أظهر (1).

______________________________

المسكرات، فإنّ حرمة بيعها خلافي و لو من العامة، فلا يكون استحلال بيعها بعد إعلامه تكذيبا للنبي، غايته تكذيبه الأئمة، و هذا لا يوجب الكفر.

و لكن لا يخفى ما فيه، فانّ حرمة شرب الخمر من ضروريات الدين و إنكار الضروري من الدين ان كان موجبا للكفر بنفسه فلا يجري ذلك في بيع الخمر، فإنّ حرمة بيعها من المسلمات من الدين لا من ضروريات الدين، فلا يوجب استحلاله الكفر، و ان كان إنكار الضروري كفرا لاستلزامه تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا يجري ذلك في المسلمات إذا لم يعتقد المستحل لبيعها بكون الحكم المزبور من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لو اعتقد بكونه من النبي، و مع ذلك أنكره

يكون ذلك تكذيبا للنبي حتّى فيما إذا لم يكن الحكم من المسلمات عند عامة الناس.

(1) قد تقدّم الكلام فيما ذكروا من أن المرتكب إذا تاب قبل قيام البينة بارتكابه سقط عنه الحدّ و ان تاب بعد قيامها لم يسقط، و على ما ذكر فتوبة الشارب قبل قيام البينة بشربه و توبته بعد قيامها بشربه من صغريات تلك الكبرى.

و قد تقدّم ايضا أنّه إذا قامت البينة بالارتكاب فليس للحاكم خيار العفو، و أمّا إذا كان ثبوت الارتكاب بالإقرار، فللحاكم العفو عن المرتكب، و قال بعض

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 302

..........

______________________________

الأصحاب: أنّ الشرب إذا ثبت باعتراف الشارب فليس للحاكم العفو بل عليه اقامة الحدّ على الشارب، و ذكر الماتن أنّ هذا هو الأظهر، و لعلّه لاختصاص ما ورد في العفو بالرجم و قطع اليد، و لا يجري في موارد كون الحدّ جلدا كما في المقام.

و لكن لا يخفى أنّ للحاكم العفو في جميع الحدود إذا كان ثبوت الارتكاب بالإقرار، سواء كان الحدّ رجما أو قطعا أو جلدا، كما هو المستفاد من صحيحة ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يعفى من الحدود التي للّه دون الإمام، فأمّا ما كان من حق الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفو عنه دون الإمام» «1».

فإنّ ظاهرها أنّ الحدّ الذي يكون من حقوق الناس و لغير الإمام أيضا العفو عنه يكون العفو عنه في حقوق اللّه للإمام، و إذا انضم إلى ذلك جواب علي عليه السّلام من اعتراض الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّه فقال: «ما يدريك ما هذا إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك الى الإمام ان

شاء عفا و ان شاء قطع» «2».

يكون المستفاد نفوذ عفوه في حدود اللّه إذا كان الثبوت بالإقرار، و ذكر القطع لكون الحدّ في المورد قطعا لا لاختصاص نفوذ عفوه بالقطع.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 331.

(2) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 331.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 303

[تتمة تشتمل على مسائل]
اشارة

تتمة تشتمل على مسائل:

[الاولى: من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها]

الاولى: من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها، كالميتة و الدم و الربا و لحم الخنزير، ممن ولد على الفطرة يقتل (1)، و لو ارتكب ذلك لا مستحلا عزّر.

[الثانية: من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له]

الثانية: من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له (2)، و قيل: تجب على بيت المال، و الأوّل مرويّ.

______________________________

(1) استحلال شي ء من المحرمات التي تكون حرمتها من المتسالم عليه بين علماء الإسلام، كالمحرمات الواردة في الكتاب المجيد يوجب ارتداد المستحل، فإذا كان مولودا على الفطرة بأنّ كان أبواه أو أحدهما مسلما يقتل بارتداده بالاستحلال، و ان لم يكن مولودا على الفطرة يستتاب فان تاب فهو و إلّا يقتل.

و هذا ظاهر كلام الماتن بالإضافة إلى الاستحلال من المحرمات المزبورة فإن التقييد في كلامه ممّن ولد على الفطرة يقتضي ذلك، و أمّا بالإضافة إلى غير المستحل فالثابت على المرتكب هو التعزير.

و قد تقدّم أنّ الاستحلال بنفسه لا يوجب الكفر، و لا بدّ في إيجابه الكفر الإنكار و تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(2) على المشهور بين الأصحاب، بلا فرق بين كون الحدّ للّه سبحانه أو من حقوق الناس، و يشهد لذلك مثل صحيحة أبي الصباح الكناني عن

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 304

[الثالثة: لو اقام الحاكم الحدّ بالقتل فبان فسوق الشاهدين]

الثالثة: لو اقام الحاكم الحدّ بالقتل فبان فسوق الشاهدين، كانت الدية في بيت المال (1) و لا يضمنها الحاكم و لا عاقلته، و لو أنفذ الحاكم الى حامل لإقامة

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية، فقال: «لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد و قال: من قتله الحدّ فلا دية له» «1»، و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له» «2»، إلى غير ذلك.

و في محكي المبسوط أنّ ذلك في حقوق اللّه سبحانه، و أمّا في حقوق الناس فيكون ديته على بيت المال، و

في المبسوط ايضا من مات بالتعزير ففي بيت مال المسلمين لأنّ التعزير ليس حدّا.

و يستدلّ على ذلك برواية الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «من ضربناه حدّا من حدود اللّه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فديته علينا» «3».

و فيه مضافا إلى ضعفها سندا، إنّ دلالتها على ما ذكر مبنية على كون الضمان على الإمام بما هو إمام ليكون مقتضيا لثبوت الضمان على بيت المال، و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع عدم الفرق في نفي الدية بين كون القتل بالحدّ أو بالتعزير فيما إذا لم يكن التعدّي في اجرائهما.

(1) على المشهور بين الأصحاب، بل لم يحك الخلاف إلّا عن ظاهر

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 1: 46.

(2) الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 9: 47.

(3) الوسائل: 19، الباب 24 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3: 46.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 305

حدّ فأجهضت خوفا، قال الشيخ: دية الجنين في بيت المال، و هو قوي، لأنه خطأ و خطأ الحاكم في بيت المال، و قيل: يكون على عاقلة الامام، و هي قضية عمر مع علي عليه السّلام.

______________________________

الحلبي، و يشهد له ما في موثقة أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين».

فلا يجري عند خطأه في الحكم الموجب للقتل حكم القتل بالخطإ المحض ليكون الدية على عاقلته، و لا شبه العمد لتكون في ماله و بيت مال المسلمين معدّ للصّرف في مصالح المسلمين و القضاء و تدارك خطإ

القاضي بموازين القضاء على تقديره منها.

ثم إن الماتن قدّس سرّه تعرّض لبعض صغريات خطإ القاضي، منها ما تقدّم في حدّ الزاني و الزانية انّ الحدّ لا يقام على حامل حتّى تضع حملها و برئت من نفاسها، و لو أخطأ القاضي لعدم علمه بكون المرأة حاملا فأرسل إليها من يقيم الحدّ عليها. فأسقطت المرأة من روعتها حملها يكون دية الجنين على بيت مال المسلمين كما ذكر الشيخ قدّس سرّه، بل نسبه في المسالك إلى الأكثر، و عن ابن إدريس دية الجنين تكون على عاقلة الحاكم.

و يستدلّ على ذلك بما فعله عمر في إرساله من يقيم الحدّ إلى امرأة حامل لإقامته عليها، و قول علي عليه السّلام فيه، ففي رواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كانت امرأة تؤتى فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروّعها و أمر

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 306

و لو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحدّ فمات فعليه نصف الدية في ماله ان لم يعلم الحداد لانّه شبه العمد (1)، و لو كان سهوا فالنصف على بيت

______________________________

أن يجاء بها إليه ففزعت المرأة فأخذها الطلق فذهبت إلى بعض الدّور فولدت غلاما فاستهل الغلام ثم مات، فدخل عليه من روعة المرأة و من موت الغلام ما شاء اللّه، فقال له بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ما عليك من هذا شي ء، و قال بعضهم: و ما هذا، قال: سلوا أبا الحسن عليه السّلام، فقال لهم أبو الحسن عليه السّلام: لئن كنتم اجتهدتم ما أصبتم و لئن كنتم برأيكم قلتم لقد أخطأتم، ثم قال: عليك دية الصبي» «1».

و لكن الرواية موردها قضية خاصة فيها احتمال الخصوصية كما لا يخفى على اهله،

مع أنّه قوله عليه السّلام: «عليك دية الصبي»، لا تدلّ على أداء الدية من ماله أو عاقلته، فيحتمل أدائها من بيت المال.

نعم، على رواية الإرشاد فقال علي عليه السّلام: «الدية على عاقلتك لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك»، و لكن ما في الإرشاد مرسلة، و على تقدير ثبوت النقل لا يضرّ بما عليه المشهور، لأنّ حكمهم فيما كان التصدي للحكم و إقامة الحدّ ممّن هو أهله.

(1) إذا استند موت الشخص من فاعل الى فعلين أحدهما جائز و الآخر غير جائز، فإن كان الفاعل يريد قتله بهما فعليه القود، فإن أراد ولي المقتول

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 30 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1: 200.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 307

مال المسلمين، و لو أمر بالاقتصار على الحدّ فزاد الحدّاد عمدا فالنصف على الحدّاد في ماله، و لو زاد سهوا فالدية على عاقلته، و فيه احتمال آخر.

______________________________

القصاص عنه يدفع الى أوليائه نصف الدية، لجواز أحد الفعلين بل وجوبه، و إلّا أخذ من الفاعل نصف دية ميتهم.

و أمّا إذا لم يرد الفاعل موته و لم يكن السبب بكلا جزئية ممّا يقتل الشخص عادة، و لكن اتّفق موته بهما و لو بالسراية يؤخذ من الفاعل نصف الدية، لأنّ موته بالإضافة إلى السبب من قبيل شبه العمد، على ما يأتي بيانه تفصيلا في كتاب القصاص و الديات ان شاء اللّه تعالى، و الحال في أمر الحاكم الحدّاد بضرب المحدود، كذلك إذا لم يعلم الحدّاد الحال، فإنّه مع جهله يستند موته الى الحاكم.

نعم، لو كان أمره بالزيادة سهوا منه، كما إذا نسي أنّ المحدود شارب الخمر و اعتقد انّه الزاني فأمره بضربه مائة فمات بضربها فالدية على بيت المال، لما

تقدّم من أنّ خطأه يتدارك من بيت المال، و هذا ايضا مع جهل الحداد بالحال و إلّا لم يجز ضرب الزيادة فإنّ ضرب الزيادة ضمن هو، لأنّ القتل مع التفات المباشر و علمه بالحال يستند إليه.

و لكن لا يخفى المناقشة في الحكم المزبور بأنّ تمام الدية يكون على الحاكم مع فرض جهل الحداد، و مع علمه بالحال يكون تمامها عليه لأنّ تقسيط الدية إلى فعلين انما هو مع تعدد الفاعل و الجاني لا في صورة تعدّده مع وحدة الفاعل، حيث انّ الموت دائما يستند إلى الزيادة كما هو المفروض

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 308

..........

______________________________

في المقام.

و ما ذكر قدّس سرّه في آخر كلامه: و فيه احتمال آخر، يمكن تفسيره بوجهين:

أحدهما: ما أشرنا إليه من أنّ الموت حيث يستند الى الموجب الأخير مع وحدة الفاعل فيحتمل كون تمام الدية على الحداد أو عاقلته.

و ثانيهما: أنّه يقسط الدية على عدد الأسواط فيثبت منها بحسب زيادة الأسواط التي حصل معها الموت، فإذا ضربه مائة سوط مع استحقاقه ثمانين يتعلق بالحداد أو عاقلته عشرون سهما من سهام الدية التي يفرض مائة سهم، و قد ظهر مما تقدّم عدم وجه صحيح لهذا الاحتمال، و اللّه العالم.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 309

[الباب الخامس: في حدّ السرقة]

اشارة

الباب الخامس:

في حدّ السرقة، و الكلام في السارق و المسروق و الحجّة و الحدّ و اللواحق.

[الأول: في السارق]

اشارة

الأول: في السارق

[و يشترط في وجوب الحدّ عليه شروط]
اشارة

و يشترط في وجوب الحدّ عليه شروط:

[الأول: البلوغ]

الأول: البلوغ (1)، فلو سرق الطفل لم يحدّ و يؤدّب و لو تكررّت سرقته،

______________________________

(1) الكلام في المقام يقع في شرائط السارق في تعلّق الحدّ به، و ما يعتبر في المال المسروق، و ما يثبت به السرقة، و بيان حدّها و اللواحق.

أمّا شرائط السارق، فمنها: البلوغ فلا يحدّ الصبي بسرقته بالحدّ المتعلّق بالبالغ، فإنّه مقتضى رفع القلم و الحدّ عن الصبي، نعم يؤدّب كما في ارتكابه سائر القبائح، حتّى إذا تكررت سرقته بعد تأديبه أولا، و لكن عن نهاية الشيخ قدّس سرّه أنّه يعفى عنه أولا، فإنّ عاد أدب، فإن عاد حكّت أنامله حتّى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ، و ذكر الماتن قدّس سرّه: و بهذا روايات.

أقول: ما ورد في سرقة الصبيان، منها صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصبي يسرق، قال: «يعفى عنه مرّة و مرتين و يعزر في الثالثة، فإنّ عاد قطعت أطراف أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 522.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 310

و في النهاية: يعفى عنه أوّلا، فإن عاد أدب، و ان عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن

______________________________

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال: «إذا سرق الصبي عفى عنه، فانّ عاد عزر، فان عاد قطع أطراف الأصابع، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» «1».

و مقتضى الجمع بينهما حمل التعزير في الصحيحة الثانية بكون العود في المرة الثالثة، حيث إنّ ظاهر الاولى كون المرة و المرتين قيد للسرقة، و أنّه يعفى عن الصبي فيهما و يعزر

في الثالثة.

و قد ورد العفو بمرتين في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام، قال: سألته عن الصبي يسرق، فقال: «إذا سرق مرّة و هو صغير عفى عنه، فانّ عاد عفى عنه، فان عاد قطع بنانه، و ان عاد قطع أسفل من ذلك» «2».

و يمكن تقييد إطلاق قطع بنانه في هذه الصحيحة بما في صحيحة عبد اللّه بن سنان بكونه مسبوقا بالتعزير في المرة الثالثة، و لكن في صحيحة عبد اللّه بن سنان الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصبي يسرق، قال: «يعفى عنه مرّة فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتّى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» «3».

فإنّه و إنّ يمكن تقييد هذه بما في الصحيحة الاولى و صحيحة محمّد بن

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 523.

(2) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 523.

(3) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 7: 524.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 311

عاد قطعت أنامله، فإن عاد قطعت كما يقطع الرجل، و بهذا روايات.

______________________________

مسلم من العفو بمرّة أخرى أيضا، و لكن ظاهرها حكّ الأنامل حتّى تدمى أو قطعها بعد العفو بمرّة و مرتين، و عليه يرفع اليد عن إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان الأولى في تعيين التعزير في المرتبة الثالثة، بحملها على التخيير بين التعزير و حكّ أطراف الأصابع حتّى تدمى أو قطع الأنامل أو أطرافها، فيكون التخيير في المرة الثالثة بين الأمور الأربعة من التعزير و حكّ أطراف الأصابع حتّى تدمى أو قطع الأنامل أو قطع أطرافها.

و يشهد لكون قطع الأنامل في المرة الثالثة موثقة إسحاق

بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: قلت: الصبي يسرق، قال: «يعفى عنه مرتين، فان عاد الثالثة قطعت أنامله، فإن عاد قطع المفصل الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث و تركت راحته و إبهامه» «1».

و المتحصل، يكون مقتضى الجمع بين الروايات المتقدّمة الالتزام بالعفو مرتين، و أنّه يتخير في الثالثة بين الأمور الأربعة حكّ الأصابع و التعزير و قطع الأنامل و قطع أطرافها، و أنّه يتعين في المرة الرابعة قطع الأصابع من المفصل الثاني، و في المرة الخامسة جريان تمام الحدّ.

و لكن في صحيحة محمّد بن مسلم الأخرى أنّ قطع الأنامل أو حكّها حتّى تدمى، و كذلك قطع المفصل الثاني فيما إذا كانت سرقته بعد كمال سبع سنين، و أنّ جريان تمام الحدّ فيما إذا كانت سرقته بعد كمال تسع سنين، قال:

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 15: 526.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 312

..........

______________________________

سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصبي يسرق، فقال: «إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه، فإنّ عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتّى تدمى، فإنّ عاد قطع أسفل من بنانه، فإنّ عاد بعد ذلك و قد بلغ تسع سنين قطع يده و لا يضيّع حدّ من حدود اللّه» «1».

و يقال: انّه بهذه الصحيحة ترفع اليد عن إطلاق مثل موثقة إسحاق بن عمار الدّالة على قطع الأنامل و المفصل الثاني، و تمام الحدّ في المرّة الثالثة و الرابعة و الخامسة، حيث انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الطفل في السابعة و التاسعة أم لا.

هذا، و لكن النسبة بين الموثقة و هذه الصحيحة العموم من وجه، لدلالة الموثقة على العفو في المرة

الثانية، سواء كانت قبل سبع سنين أو بعده، و الصحيحة دالة على قطع أنامله أو حكّها حتّى تدمى بعد سبع سنين، سواء كانت سرقته المرة الثانية أو الثالثة، فلا تعارض بينهما إذا كانت المرة الثانية قبل إكمال سبع سنين، كما أنّه لا تعارض بينهما إذا كانت المرة الثالثة عودا إلى السرقة بعد إكمال سبع سنين.

و يتعارضان فيما كانت المرة الثانية بعد إكمال سبع سنين، حيث إنّ الموثقة تقتضي العفو و مقتضى الصحيحة قطع أنامله أو حكّها، كما تتعارضان

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة، الحديث 12: 525.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 313

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل، فلا يقطع المجنون (1) و يؤدّب و ان تكرّر منه.

______________________________

فيما كانت المرّة الثالثة قبل إكمال سبع سنين، فانّ مقتضى الموثقة قطع أنامله و مقتضى الصحيحة العفو عنها لكونها قبل سبع سنين، فيتساقطان في مورد تعارضهما فيرجع الى عموم رفع القلم عن الصبي، و انّه لا يجري عليه الحدود، فالنتيجة عدم الأمر بقطع الأنامل و الحك في المرة الثانية أو حتّى في الثالثة إذا كانت قبل إكمال سبع سنين.

و يبقى مع ذلك في النفس شي ء، و هو إنّ ظاهر ذيل صحيحة محمّد بن مسلم جريان الحدّ و إقامته على الصبي بعد إكماله تسع سنين و لا يختص الجريان بحدّ السرقة بل يجري عليه جميع الحدود، فتكون الصحيحة من قبيل ما دلّ على بلوغ الصبي في تسع سنين، و لذا يشكل الاعتماد عليها، و اختلاف الروايات الواردة في المقام يعطي حملها على ما يقتضيه نظر الحاكم في ردعه و أدبه بالتعزير و الإدماء، بل و قطع لحم أصابعه.

(1) إذا سرق المجنون حال جنونه لم يقطع لرفع القلم عن المجنون

و لا يتعلّق به الحد، سواء كان جنونه أدواريا أو مطبقا.

نعم إذا سرق حال عقله ثم جنّ لا يبعد القول بإقامة الحد عليه، نظير ما تقدّم إذا زنى حال عقله ثم صار مجنونا، حيث إنّ الارتكاب قد وقع حال تكليفه و اجراء الحدّ عليه من وظيفة الحاكم، فوجوب إقامته عليه لا ينافي رفع القلم عن المحدود حال إقامته.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 314

[الثالث: ارتفاع الشبهة]

الثالث: ارتفاع الشبهة (1)، فلو توهّم الملك فبان غير مالك لم يقطع، و لذا لو كان المال مشتركا فأخذ ما يظن انّه قدر نصيبه.

______________________________

و كيف كان فيؤدّب المجنون بما يرتدع عنه عن السرقة، إذا كان بحيث يمكن ان يرتدع بالتأديب.

و يمكن استفادة ذلك ممّا ورد في سرقة الصبي حتّى إذا توقف ارتداعه بقطع أنامله جاز ذلك، بل لزم تحفظا على نظم البلاد و أمنها.

(1) و يدلّ على اعتبار ارتفاعها قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير المتقدمة، من قوله عليه السّلام: «أيّ امرء ارتكب شيئا بجهالة فلا شي ء عليه»، بل لا يحتاج نفي الحدّ عن المعتقد بأنّ المال ملكه و أنّ له تخليصه ممّن بيده الى الدليل على نفي الحدّ، حيث لا يصدق عليه عنوان السارق، و كذلك ما إذا كان مالكا أو مستحقّا من المال الذي أخذ منه ما يعتقد أنّه بمقدار حصته أو استحقاقه.

و من ذلك أخذ المستحقّ من الغنيمة أو من بيت مال المسلمين ما يظنّ انّه مقدار استحقاقه، و هذا ايضا مقتضى الجمع بين الروايات، كصحيحة محمد ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام قال في رجل أخذ بيضة من المغنم فقالوا: قد سرق اقطعه، فقال: لم اقطع أحدا له فيما

أخذ شرك» «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت: رجل سرق

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 519.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 315

..........

______________________________

من المغنم أيش الذي يجب عليه أ يقطع، قال: «ينظر كم نصيبه فان كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزّر و دفع إليه الإمام تمام ماله، و ان كان أخذ مثل الذي له فلا شي ء عليه، و ان كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجنّ و هو ربع الدينار قطع» «1».

قريب منها روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فيحمل نفي القطع في صحيحة محمّد بن قيس على ما كان المأخوذ أقلّ أو بقدر حصّته، و حيث انّه لا يعلم مقدار الحصة في مثل المغنم عادة يكون الملاك في مقدار حصته أو الأقل ظن الآخذ، و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السّلام قال: كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه» «2»، و لكن يفرض فيها كون الآخذ كانت له حصّته في المغنم، بل ظاهر سرقته عدم الحق له فيها.

و أمّا ما في رواية يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، قال: «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه انّما أخذ حقّه و إذا كان من إمام عادل عليه القتل»، فلا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها، و عدم عامل بها، و معارضتها لما تقدم، و مخالفتها للكتاب المجيد، فان حدّ السارق فيه قطع اليد لا القتل.

ثمّ إنّ ما تقدّم من الروايات، و ان

كانت واردة في السرقة من المغنم، إلّا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 519.

(2) الوسائل: 18، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 518.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 316

[الرابع: ارتفاع الشركة]

الرابع: ارتفاع الشركة، فلو سرق من مال الغنيمة ففيه روايتان (1)، أحدهما لا يقطع، و الأخرى ان زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب قطع، و التفصيل حسن، و لو سرق من المال المشترك قدر نصيبه لم يقطع، و لو زاد بقدر النصاب قطع.

[الخامس: ان يهتك الحرز]

الخامس: ان يهتك الحرز، منفردا كان أو مشاركا، فلو هتك غيره و أخرج هو لم يقطع.

[السادس: ان يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا]

السادس: ان يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا (2)، و يتحقق الإخراج

______________________________

أن تعليل الحكم في رواية مسمع بن عبد الملك، و الكبرى الكلّية الواردة في جواب علي عليه السّلام في صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة، مقتضاهما عدم الفرق بين السرقة من المغنم و الزكاة و الخمس و نحو ذلك، بل عدم الفرق بين أخذ أحد الشركاء من المال المشترك بقدر حصّته أو يظن أنّه بقدر حصته و أن لم تحصل بذلك القسمة، فإنّ ظاهر الكبرى و التعليل عدم القطع بهذا الأخذ لا حصول القسمة به.

(1) قد تقدّم ما في هذا الشرط في التعليقة السابقة.

(2) يعتبر في تعلّق الحدّ بالسارق أن يهتك الحرز، سواء كان الهتك بانفراده أو بالاشتراك بالمباشرة أو بالتسبيب، و ان يخرج المتاع من محرزة، سواء كان إخراجه بانفراده أو بالاشتراك و بالمباشرة أو بالتسبيب بما يعد كالآلة، فلو هتك الحرز غيره و أخرج هو المال لم يقطع أحدهما، و لو تعاونا على هتك

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 317

بالمباشرة و بالتسبيب، مثل ان يشدّه بحبل ثم يجذبه من خارج، أو يضعه على

______________________________

الحرز و اخرج المال أحدهما فالقطع على المخرج خاصة، بلا خلاف في ذلك كله على ما هو ظاهر كلمات جملة من أصحابنا.

و يستدلّ على ذلك بصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء، فسرق بعضهم متاع بعض، فقال: «هذا خائن لا يقطع، و لكن يتبع بسرقته و خيانته، قيل له: و ان سرق من أبيه، فقال: لا يقطع لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول الى منزل أبيه

هذا خائن، و كذلك ان أخذ من منزل أخيه و أخته ان كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول» «1».

و معتبرة السّكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه، يعني الحمامات و الخانات و الأرحية» «2»، و في معتبرته الأخرى: «لا يقطع إلّا من ثقب بيتا أو كسر قفلا» «3».

و المستفاد منها أنّ هتك الحرز و إخراج المال منه يوجب تعلّق حدّ السرقة على المخرج، سواء كان إخراجه بالمباشرة أو بما يعدّ كالآلة للإخراج، كما إذا حمل المتاع في حرزه على دابة و ساقها أو قادها أو حتّى ما إذا سارت الدابة بنفسها حتّى خرجت أو أرسل الطائر المعلّم الى الحرز بعد هتكه حتّى عاد بالمال و نحو ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 508.

(2) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 508.

(3) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 508.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 318

دابة أو جناح طائر من شأنه العود اليه، و لو أمر صبيا غير مميز بإخراجه تعلق

______________________________

و يترتب على ذلك انّه لو هتك الحرز أحد و اخرج المال آخر فلا يتعلّق الحد بأحدهما، أمّا الهاتك فلعدم إخراجه المال و اما المخرج لعدم هتكه الحرز، و عن بعض المخالفين تعلّق الحد بالمخرج فإنّه لو لا ذلك ليؤخذ هذا النحو من السرقة ذريعة إلى سقوط الحدّ كالسفر و الزنا فيه و يكون الغرض من السفر الخروج عن الإحصان و هكذا، و لكن لا يخفى أنّ سقوط الحدّ لا يمنع عن التعزير، و بعض التعزير الذي يراه الحاكم مناسبا لردع خيانته

ليس بأقلّ تأثير من قطع اليد.

و ايضا لو تعاونا على هتك الحرز و اخرج المال أحدهما يتعلّق الحدّ بالمخرج، حيث انّه سرق المال عن حرزه بعد هتكه حرزه.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يتعلّق الحدّ بمن يأخذ المال من الأمكنة العامّة كالمساجد و الخانات و الحمامات و نحوها، و لا بالمختلس الذي يأخذ المال لإغفال صاحبه، أو الطرّار الذي يأخذ المال و النقود من كمّ الناس.

و في معتبرة السكوني: «أربعة لا قطع عليهم: المختلس و الغلول و من سرق من الغنيمة و سرقة الأجير فإنها خيانة» «1».

و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على الذي يستلب قطع، و ليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 503.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 319

..........

______________________________

قطع» «1».

و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل، قال: ان طرّ من قميصه الأعلى لم اقطعه و ان كان طرّ من قميصه السافل قطعته»، و ظاهرها أنّ الموجود في كمّ الثوب الداخل حرز يقطع بإخراج الدراهم منه.

بقي في المقام أمر، و هو أنّه يظهر من بعض الروايات عدم اعتبار الأخذ من الحرز في تعلّق الحد، و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه أو يتركه، قال: «إنّ صفوان بن أميّة كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع ردائه و خرج يهريق الماء فوجد ردائه قد سرق حين رجع اليه، فقال: من ذهب بردائي فذهب يطلبه فأخذ صاحبه، فرفعوا إلى النبي صلّى اللّه

عليه و آله فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: اقطعوا يده، فقال الرجل: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول اللّه، قال: نعم، قال: فانا أهبه له، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فهلّا كان هذا من قبل أن ترفعه اليّ، قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع اليه، قال: «نعم» «2».

و قد حمل هذه على إخفاء الرداء في المسجد الحرام بحيث يصدق أنّه في محرز، و لا يخفى ما فيه، نعم غاية هذه الصحيحة انّ أخذ مال الغير من المسجد الحرام يوجب تعلق حدّ السرقة بالآخذ خفية من مالكه، و لا بأس

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 504.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 329.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 320

بالآمر القطع، لأنّ الصبي كالآلة (1).

[السابع: أن لا يكون والدا من ولده]

السابع: أن لا يكون والدا من ولده (2)، و يقطع الولد لو سرق من الوالد، و كذا يقطع الأقارب و كذا الام لو سرقت من الولد.

______________________________

بالالتزام بذلك، لأنّ للمسجد الحرام بعض الأحكام الخاصة فليكن هذا منه.

و يؤيّده ما ورد في صحيحة عبد السلام الهروي عن الرضا عليه السّلام في حديث، قلت: بأيّ شي ء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال: «يبدأ يبني شيبة فيقطع أيديهم لأنّهم سراق بيت اللّه تعالى» «1».

(1) و لو هتك الحرز و اخرج المال لا بالمباشرة بل بواسطة صبيّ غير مميّز يقطع يده، لأنّ الصبي غير المميّز يعدّ كالآلة في الأخذ.

و بتعبير آخر كلّما استند إخراج المال من حرزه الى شخص بانفراده أو بالمشاركة تعلّق به حدّ السرقة إذا كان هاتكا لحرزه منفردا أو مشتركا، و قد تقدم في معتبرة السكوني: «لا يقطع إلّا

من نقّب بيتا أو كسر قفلا».

(2) بلا خلاف، بل ادعى عليه الإجماع، و يشهد لذلك ما في صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في قذف الوالد ولده، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل يقذف ابنه بالزنا، قال: «لو قتله ما قتل به و ان قذفه لم يجلد له» «2» فانّ مقتضاها عدم تعلّق القصاص و الحد بالوالد لولده.

______________________________

(1) الوسائل: 9، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 13.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد القذف، الحديث 1: 447.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 321

[الثامن: أن يأخذه سرا]

الثامن: أن يأخذه سرا، فلو هتك الحرز قهرا و ظاهرا و أخذ لم يقطع (1)

______________________________

و يمكن الاستدلال على ذلك بما ورد من أنّ الولد و ماله لأبيه، بمعنى انّ الوالد لا يؤخذ بالتعزير بسبب مال ولده، و مقتضى هذا و ما قبله عدم الفرق بين الأب و الجد للأب و ان علا.

و هذا بخلاف ما إذا سرق الولد من الأب فإنّه يقطع إذا حصل سائر الشرائط، كما إذا كسر قفل المحرز و أخذ المال منه بخلاف المتاع الموضوع في البيت للوالد، فإنّه يدخل فيه الولد بلا اذن.

و كذا يقطع في سرقة سائر الأقارب حتّى الأم إذا سرقت من ولدها المال من حرزه، لإطلاق ما دلّ على أنّ من هتك الحرز و اخرج المال منه يقطع، كما هو مقتضى الآية المباركة بعد تقييدها بما تقدّم من الأمور المعتبرة و غيرها مما يأتي، سواء كان من الأقارب أم لا.

(1) و يدلّ على ذلك ما ورد في عدم القطع في الدغارة المعلنة و المختلس علانية، كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل

اختلس ثوبا من السوق، فقالوا: قد سرق هذا الرجل، فقال: انّي لا اقطع في الدغّارة المعلنة، و لكن اقطع من يأخذ ثم يخفى» «1».

و موثقة أبي بصير عن أحدهما عليه السّلام قال: سمعته يقول: «قال أمير المؤمنين

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 503.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 322

..........

______________________________

عليه السّلام: لا أقطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أعزّره» «1»، و نحوهما غيرهما.

و الدغارة المعلنة هو الاختلاس و سلب الناس أموالهم علنا، فإنّه إذا لم يدخل في عنوان المحارب لا يقطع بل يعزّر.

و يمكن الاستدلال على ذلك بعدم إطلاق السّارق عليه، حيث يطلق السرقة في موارد الأخذ بالإخفاء، و في الصحيحة المروية في الفقيه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «لا قطع في الدغارة المعلنة و هي الخلسة و لكن أعزّره، و لكن اقطع من يأخذ و يخفى» «2».

و كذا لا يقطع المستأمن لو خان في المال الذي بيده، لعدم صدق السارق عليه، لأنّ المال بيده، و لا فرق في المستأمن بين الودعي و غيره، و في صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يستأجر أجيرا فيسرق من بيته هل يقطع يده؟ فقال: «هذا مؤتمن ليس بسارق هذا خائن» «3».

و في موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل استأجر أجيرا فأخذ الأجير متاعه فسرقه، فقال: «هو مؤتمن» ثم قال: «الأجير و الضيف أمناء ليس يقع عليهم حد السرقة» «4»، الى غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 503.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 6: 503.

(3) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب

حد السرقة، الحديث 3: 506.

(4) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 506.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 323

و كذا المستأمن لو خان، و يقطع الذمي كالمسلم (1)، و المملوك مع قيام البينة، و حكم الأنثى في ذلك كلّه حكم الذكر.

[مسائل]
اشارة

مسائل:

[الأولى: لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن]

الأولى: لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن، و ان استحق المرتهن الإمساك، و لا المؤجر للعين المستأجرة و ان كان ممنوعا من الاستعادة (2)، مع القول بملك

______________________________

(1) يقطع الذّمي الّذي سرق من المسلم كما يقطع يد السارق المسلم، حيث إنّ الأمر بقطع يد السارق و السارقة يعمّهما، و أمّا إذا سرق من مثله فقد تقدّم جواز إرجاعهما إلى حكّامهم، و أمّا إذا سرق العبد فان كان ثبوت سرقته باعترافه لم يقطع، لما تقدّم من أنّ إقراره اعتراف على مولاه فلا يلزم إلّا بتصديقه، و أمّا إذا ثبت سرقته بالبينة يتعلق به الحد.

و ما دلّ على تنصيف الحد للملوك في حقوق اللّه يختص بما إذا كان الحدّ جلدا.

و ربّما يقال في المقام: انّ المسلم إذا سرق من مال كافر حربي أخذ الأمان من المسلمين لم يقطع، و لعلّه لعدم الضمان في ماله و نفسه و ان يحرم إتلاف ماله و نفسه لوجوب الوفاء بالأمان.

(2) غرضه قدّس سرّه أنّه يعتبر في تعلق حدّ السرقة أن يكون إخراج النصاب من ملك المسروق منه عند الإخراج و في أخذ الراهن العين المرهونة من عند المرتهن لم يؤخذ النّصاب من مال المسروق منه، لأنّ حق الإمساك بالرهن ليس له مالية، و كذا عدم جواز استعادة العين من يد المستأجر مدة الإجارة و المنفعة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 324

المنفعة، لأنّه لم يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الإخراج

[الثانية: لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله]

الثانية: لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله (1)، و لا عبد الغنيمة بالسرقة منها،

______________________________

للعين و ان كان لها مالية، إلّا ان المنفعة أمر تدريجي غير موجود حال الإخراج.

أقول: التعليل المزبور عليل، فإنّ المنفعة هي قابلية العين للانتفاع و هي

موجودة في العين فتؤخذ بأخذ العين، و هي ملك للمستأجر بمقتضى فرض الإجارة، و إذا كانت عوضها بقدر النصاب فيصدق أنّه أخذ النصاب من المستأجر مع كونه ملكا له.

و العمدة في المقام هو أنّ الاستيلاء أو الإخراج يتعلّق بالعين ابتداء و بتبعه يتعلق بمنفعتها أو بالحقّ المتعلق بها لا يكون السرقة بالإضافة إلى منفعة العين إلّا مع تحقّق السّرقة بالإضافة إلى نفس العين، حيث إنّ السرقة نوع استيلاء بها، و بما أنّ العين المرهونة ملك للراهن و العين المستأجرة ملك للمؤجر، فلا يصدق على أخذ الراهن و المستأجر عنوان السرقة، و بتعبير آخر ما ترتّب على عنوان السارق من الحكم و الحدّ ظاهره إخراج العين المملوكة للغير، فلا يعمّ إخراج العين المملوكة للمخرج.

(1) بلا خلاف يعرف، و يشهد لذلك صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في عبد سرق و اختان من مال مولاه، قال: «ليس عليه قطع» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 526.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 325

لأنّ فيه زيادة إضرار، نعم يؤدب بما يحسم به الجرأة.

______________________________

و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

عبدي إذا سرقني لم اقطعه و عبدي إذا سرق غيري قطعته، و عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه لأنّه في ء» «1».

و في صحيحة محمّد بن قيس الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجلين قد سرقا من مال اللّه، أحدهما عبد مال اللّه و الآخر من عرض الناس، فقال: أمّا هذا من مال اللّه ليس عليه شي ء مال اللّه أكل بعضه بعضا، و

أمّا الآخر فقدّمه و قطع يده ثم أمر ان يطعم اللحم و السمن حتّى برئت يده» «2».

و لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق في معتبرة السكوني، و تعليل أنّ عبد الإمارة إذا سرق لم أقطعه بأنّه في ء هو عدم قطع عبد الغنيمة و لو سرق من عرض الناس، و مقتضى التفصيل في الصحيحة الثانية لمحمد بن قيس هو حمل معتبرة السكوني على أنّ كون العبد من المغنم بعض العلة في عدم القطع لا أنّه تمامه.

لا يقال: يمكن الأخذ بكلّ من التعليلين أي كون السارق من مال اللّه و أكل بعض مال اللّه بعضه الآخر لا يوجب القطع.

فإنه يقال: إذا كان كون العبد فيئا تمام العلة لعدم القطع، فيكون ضم المسروق من مال اللّه اليه من قبيل ضم الحجر إلى الإنسان، و علّل عدم القطع في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 526.

(2) الوسائل: 18، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 526.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 326

[الثالثة: يقطع الأجير إذا أحرز المال]

الثالثة: يقطع الأجير إذا أحرز المال (1)، و في رواية لا يقطع، و هي محمولة على صورة الاستيمان، و كذا الزوج إذا سرق من زوجته أو الزوجة من زوجها،

______________________________

سرقة العبد من مال مولاه، و في سرقة عبد الغنيمة من الغنيمة بأنّ في القطع زيادة إضرار، و فيه ما لا يخفى، فانّ مقتضاه أن يثبت القطع على العبد إذا أخذ المال المسروق و ردّ على المولى أو في الغنيمة.

(1) المنسوب الى المشهور أنّ الأجير إذا سرق من مال المستأجر و كان المال في محرز يقطع، بخلاف ما إذا كان المال تحت يده، فإنّه لا يقطع فإنّه مؤتمن و ذكر الماتن قدّس سرّه: و

في رواية لا يقطع، و لعلّه أراد مثل صحيحة سليمان ابن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يستأجر أجيرا فيسرق من بيته هل يقطع يده، فقال: «هذا مؤتمن ليس بسارق هذا خائن» «1».

و لكن ظاهر الجواب فرض كون البيت و متاعه تحت يده، نظير ما في موثقة سماعة، قال: سألته عن رجل استأجر أجيرا فأخذ الأجير متاعه فسرقه، فقال: «هو مؤتمن، ثم قال: الأجير و الضيف أمناء ليس يقع عليهم حد السرقة» «2».

و على الجملة، ظاهر الاستئمان فرض كون المال المأخوذ في متناول يده.

و ممّا ذكر يظهر ما إذا سرق الزوج من زوجته أو بالعكس، فإنّه إذا كان المال المأخوذ في متناول يد الآخذ فلا قطع، بخلاف ما إذا كان في محرز بحيث

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 506.

(2) الوسائل: 18، الباب 14 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 506.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 327

و في الضيف قولان، أحدهما لا يقطع مطلقا، و هو المروي، و الآخر يقطع إذا أحرز من دونه، و هو أشبه.

[الرابعة: لو اخرج متاعا فقال صاحب المنزل: سرقته، و قال المخرج: وهبتنيه]

الرابعة: لو اخرج متاعا فقال صاحب المنزل: سرقته، و قال المخرج:

وهبتنيه أو أذنت في إخراجه، سقط الحدّ للشبهة (1)، و كان القول قول صاحب

______________________________

كسر قفلا أو فتح الحرز بنحو الهتك، فإنّه يقطع أخذ بما دلّ على قطع من هتك الحرز و اخرج المال.

نعم، إذا هتكت الزوجة الحرز و أخرجت مقدار نفقتها مع امتناع زوجها عن نفقتها فلا قطع، بل لا بأس بذلك مع فرض امتناع الزوج عن نفقتها تقاصا لما لها على زوجها، بخلاف صورة عدم امتناعه فانّ هتك الحرز و إخراج مقدار نفقتها و ان كان غير جائز

في هذا الفرض، و لكن لا يبعد الالتزام بعدم القطع أخذا بما تقدم من أن الأخذ مما فيه حقه لا يوجب القطع و ان لا يخلو عن تأمّل.

و في صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الضيف إذا سرق لم يقطع و إذا أضاف الضيف ضيفا قطع ضيف الضيف» «1»، و وجه التفصيل بين الضيف و ضيف الضيف لكون استئمان الضيف من مالك المال فلا يتعلّق به حد السرقة بخلاف ضيف الضيف، و قد تقدّم ما في موثقة سماعة، من أنّ الأجير و الضيف أمناء و ليس عليهم حد السرقة.

(1) أمّا سقوط الحدّ عن المخرج، فلعدم إحراز موجب القطع يعني

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 508.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 328

المنزل مع يمينه في المال، و كذا لو قال: المال لي، و أنكر صاحب المنزل، فالقول قوله مع يمينه، و يغرم المخرج، و لا يقطع لمكان الشبهة.

[الثاني: في المسروق]

الثاني: في المسروق:

لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار (1)، و يقطع فيما بلغه ذهبا خالصا

______________________________

السرقة، فإنّ الاستصحاب في عدم هبة المال أو عدم الاذن له في إخراجه لا يثبت سرقته، لعدم اعتبار الأصل المثبت بل على تقدير اعتباره ايضا لم يتعلّق به حدّ السرقة، حيث يأتي أنّه يعتبر في تعلّق حد السرقة إحرازها بالبينة أو الاعتراف أو علم الحاكم بالعلم الوجداني.

و ممّا ذكر يظهر انّه لو كان المال المخرج موجودا فلا موضوع للاستصحاب أيضا بالإضافة إلى المال و المتاع للعلم باستحقاق المالك إياه، حيث إنّ دعواه السرقة رجوع في الهبة أو الاذن في التصرف على تقديرهما، و انّما يحتاج الى الاستصحاب فيما إذا كان الاختلاف بعد تلفه

أو كانت الهبة ممّا لا يجوز الرجوع فيها فيثبت بعد حلفه على عدم الهبة و الاذن ضمان المخرج.

و كذا الحال فيما اخرج المال الذي كان بيد صاحب البيت و لو بكونه في بيته، و قال المخرج: انه ملكه، و قال صاحب البيت: أنه سرقه، فإنّه لا يثبت الحد، و مقتضى اعتراف المخرج بكون صاحب البيت ذا اليد على المال المزبور كون المخرج مدعيا، و مع عدم ثبوت دعواه يحلف صاحب البيت و يأخذه و مع تلفه يأخذ بدله.

(1) المشهور بين الأصحاب أنّ أقلّ ما يقطع فيه يد السارق هو بلوغ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 329

..........

______________________________

المال المسروق ربع دينار، و ان الدّينار ما يبلغ ثمانية عشر حمصة من الذهب المسكوك، و المحكي عن الصدوق قدّس سرّه انّه يقطع فيما بلغ المال المسروق خمس الدينار، و المحكي عن العماني إنّ المسروق إذا بلغ دينارا قطع.

و لعلّ المنشأ في ذلك اختلاف الروايات الواردة في المقام، فإنّها على اربع طوائف:

الأولى: ما يدلّ على ما ذهب اليه المشهور من اعتبار بلوغ ربع دينار، كصحيحة محمّد بن مسلم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في كم يقطع السارق، قال:

«في ربع دينار»، قال: قلت له: في درهمين، قال: «في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ»، قال: قلت له: أ رأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق و هل هو عند اللّه سارق، فقال: «كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق و هو عند اللّه سارق، و لكن لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر، و لو قطعت أيدي السرّاق في أقل من ربع دينار

لألفيت عامة الناس مقطّعين» «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يقطع يد السارق إلّا في شي ء تبلغ قيمته مجنّا و هو ربع دينار» «2».

و موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قطع أمير المؤمنين

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 482.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 482.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 330

مضروبا عليه السكة، أو ما قيمته ربع دينار، ثوبا كان أو طعاما، أو فاكهة أو غيره،

______________________________

عليه السّلام في بيضة، قلت: و ما بيضة؟ قال: بيضة قيمتها ربع دينار، قلت: هو أدنى حدّ السارق فسكت» «1» و نحوها غيرها.

و الثانية: ما دلّ على أنّ مع بلوغ المسروق خمس الدينار يقطع، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يقطع السارق في كل شي ء بلغ قيمته خمس دينار ان سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك» «2».

و صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: قال: قال: «ادنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار و الخمس آخر الحد الذي لا يكون القطع في دونه و يقطع فيه و فيما فوقه» «3».

و صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق، فقال: «قال أمير المؤمنين: عليه السّلام عليه بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة «4» حيث ان الدرهمين يساويان خمس دينار، على ما هو المعروف من أنّ الدينار يساوي عشرة دراهم».

و الثالثة: موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قطع أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا في بيضة، قلت: و أيّ

بيضة، قال: بيضة حديد قيمتها ثلث

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 483.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 12: 485.

(3) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 13: 485.

(4) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 22: 487.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 331

..........

______________________________

دينار، فقلت: هذا ادنى حد السارق فسكت» «1».

و موثقة سماعة قال: سألته على كم يقطع السارق، قال: «أدناه على ثلث دينار» «2».

و الرابعة: صحيحة أبي حمزة، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام في كم يقطع السارق فجمع بين كفّيه، ثم قال: «في عددها من الدراهم» «3»، و يحتمل رجوع الضمير في عددها الى الكف، فيكون عددها من الدراهم الدرهمين، فتكون من الطائفة الثانية.

و أمّا رواية ثلث الدينار فلم يلتزم بها أحد من أصحابنا، مع أنّ موثقة أبي بصير لا تدلّ إلّا على قطع أمير المؤمنين عليه السّلام في السرقة التي كان المال المسروق فيها يساوي ثلث الدينار، لا أنّه حدّ لأقل المال المسروق، نعم موثقة سماعة تدلّ على ذلك، و لكن مع معارضتها بسائر الروايات و مخالفتها لإطلاق الكتاب المجيد الدالّة على القطع حتّى في الأقل من ثلث دينار لا يمكن الاعتماد عليها.

و يبقى الكلام في الطائفتين الأولتين، و قيل: إنّ روايات التحديد بخمس الدينار موافقة للعامّة، فتطرح في مقام المعارضة و يتعيّن الأخذ بما دلّ على

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 10: 485.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 11: 485.

(3) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد السرقة، الحديث 9: 485.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 332

سواء كان أصله

الإباحة أو لم يكن، و ضابطه كلّ ما يملكه المسلم (1)، و في الطين

______________________________

التحديد بالربع.

و ربما يناقش في كون التحديد بخمس دينار مذهب العامة أو بعضهم، و يقال: ما دلّ على القطع بخمس الدينار موافق لإطلاق الكتاب المجيد فيؤخذ بها.

و لا يمكن حمل التحديد بخمس الدينار على تحديد الأقلّ المطلق و حمل التحديد بربع الدينار على الأقل بالإضافة، و ذلك فإنّه مع كونه إلغاء للتحديد بالربع ينافيه نفي القطع بالخمس في صحيحة محمّد بن مسلم الاولى، حيث نفى عليه السّلام القطع بسرقة درهمين، و تأكيده عدم القطع بأقلّ من ربع الدينار، بقوله عليه السّلام: «و لو قطعت أيدي السراق في أقل من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطّعين».

(1) هذا هو المشهور بين أصحابنا، بل لم يحك الخلاف إلّا عن المخالفين، و يقتضيه الإطلاق في الآية المباركة، حيث لم يقيّد بكون المسروق مالا مخصوصا، و كذلك ما في بعض الروايات، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يقطع السارق في كل شي ء بلغ قيمته خمس دينار ان سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك» «1».

و في صحيحة محمّد بن مسلم: «كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 12: 483.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 333

و حجارة الرخام رواية بسقوط الحدّ ضعيفة (1).

______________________________

و أحرزه فهو يقع عليه اسم السارق و هو عند اللّه سارق و لكن لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر» «1».

و مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين كون المسروق أصله الإباحة أم لا.

(1) و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا

قطع على من سرق الحجارة، يعني الرخام و أشباه ذلك» «2»، و في معتبرته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا قطع في ريش يعني الطير كلّه» «3».

في معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ عليّا عليه السّلام أتى بالكوفة برجل سرق حماما فلم يقطعه، و قال: لا اقطع في الطير» «4».

و ظاهر الماتن ضعف هذه الروايات، فان كان المراد ضعفها سندا فلا يمكن المساعدة عليه، خصوصا معتبرة غياث بن إبراهيم الذي وثّقه النجاشي، و ان أراد ضعفها لعدم عمل الأصحاب بإطلاقها فلعلّهم حملوها على الأخذ من غير المحرز أو عدم بلوغ القيمة ربع دينار، كما يشير الى ذلك قوله عليه السّلام: و أشباه ذلك، في المعتبرة الاولى، و لا يبعد أن يكون ما ورد في حجارة الرخام لعدم بلوغ قيمته النصاب، و يؤخذ في عدم القطع بسرقة الطير على

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 10: 483.

(2) الوسائل: 18، الباب 23 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 516.

(3) الوسائل: 18، الباب 22 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 516.

(4) الوسائل: 18، الباب 22 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 516.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 334

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 334

..........

______________________________

إطلاقه و لم يثبت أعراض المشهور عن ذلك، و قد عنون في الوسائل عنوانا بعدم القطع في سارق الطير، و بابا آخر في عدم القطع في سرقة الحجارة من الرخام و نحوه.

لا يقال: ما ورد في أنّه لا يقطع في سرقة الطير مع ما

ورد في سرقة ربع دينار أو خمس دينار متعارضان بالعموم من وجه، و تقديم أحدهما على الآخر بلا وجه، فيؤخذ بما دلّ على القطع في مورد تعارضهما، لموافقة ما دلّ على ان القطع بما بلغ النصاب موافقا لإطلاق الكتاب.

فإنه يقال: ما دلّ على نفي القطع في الطير هو العموم الوضعي كما أنّ الدال على القطع في كل مال بلغ النصاب كذلك إلّا انّ تقديم ما دلّ على القطع بسرقة النصاب و لو كان طيرا يوجب إلغاء عنوان الطير، و هو خلاف الظاهر.

و لا يجري ذلك في حجارة الرخام و أشباهه ممّا لا يكون عادة قيمته بمقدار النصاب.

و أمّا ما ورد في عدم القطع في ثمر و لا كثر، و الكثر شحم النخل كما في معتبرة السكوني، فيحمل على ما إذا كان الثمر و شحم النخل في غير حرز، كما إذا أخذ الثمرة التي على الشجرة، و الكثر من النخل، بل هذا ظاهرها، و مع الإطلاق يكون القرينة على الحمل مثل صحيحة الحلبي، قال: «يقطع السارق في كل شي ء بلغ قيمته خمس دينار ان سرق من سرق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك».

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 335

و من شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن (1)، و قيل: كل موضع ليس لغير مالكه الدخول اليه إلّا بإذنه، فما ليس بمحرز لا يقطع سارقه،

______________________________

و يؤيّد كون المراد من سرقة الثمرة، بل و ظهورها في سرقة الثمرة التي على الشجرة معتبرة السكوني الأخرى، قال: «قضى النبي صلّى اللّه عليه و آله فيمن سرق الثمار في كمّه فما أكلوا منه فلا شي ء عليه و ما حمل فيعزّر و يغرم قيمته مرّتين» «1»، فان التعزير

قرينة على عدم الحد، و ذكر ما أكلوا فلا شي ء عليه قرينة على عدم الأخذ من الحرز، كما إذا أكلوا من الشجرة التي في طريق مرورهم.

و أمّا التغريم بمرّتين لم أجد عاملا به، و انّه ورد في سرقة الثمرة التي على الشجرة فالغالب فيها تضييع السارق بعض الثمرة حين القطف، فيمكن أن يكون التغريم بمرتين لذلك، و اللّه العالم.

(1) قد تقدّم أنّه يعتبر في تعلّق الحد بالسارق هتكه حرز المال و إخراجه منه، و في معتبرة طلحة بن زيد: «ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت» «2».

و في معتبرة السكوني: «لا يقطع إلّا من ثقب بيتا أو كسر قفلا» «3»، و في صحيحة الحلبي: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ثقب بيتا فأخذ قبل أن يصل الى شي ء، قال: «يعاقب، فإن أخذ و قد اخرج متاعا فعلية القطع» «4».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 23 من أبواب حد السرقة حديث 2.

(2) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب حد السرقة حديث 4.

(3) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد السرقة حديث 3.

(4) الوسائل: 18، الباب 8 من أبواب حد السرقة حديث 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 336

كالمأخوذ من الأرحية و الحمامات و المواضع المأذون في غشيانها كالمساجد،

______________________________

فانّ المستفاد من هذه الروايات و نحوه تعلّق الحدّ بالسارق إذا هتك حرز المال فأخرجه من حرزه و عليه، فلا بدّ من كون المسروق في محرز.

و قد يقال: في تحديد الحرز أن يكون المال في مكان مملوك للغير عينا أو منفعة أو انتفاعا، بحيث لا يدخل في ذلك المكان بلا إذن ذلك الغير.

و يستدلّ على ذلك بمعتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير

المؤمنين عليه السّلام: كلّ مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه» «1».

و لكن لا يخفى انّه لا دلالة لها على أنّ كلّ ما يدخل فيه بالاذن فكلّ ما سرق منه يقطع سارقه، كما إذا كان باب دار شخص مفتوحا و لو اتفاقا و كان المتاع موضوعا في صحن الدار فدخل فيه داخل فأخذ ذلك المال فانّ الدار المزبورة و ان لا يجوز الدخول فيه بلا إذن إلّا انّه لا يصدق على المتاع المزبور أنّه كان في حرز.

و لذا يقال: المكان الموضوع فيه المال إن كان بحيث يدخل فيه بلا اذن كالحمامات و الخانات و الأرحية، فلا يكون المكان المزبور محرزا إلّا أنّه إذا لم يجز الدخول في مكان بلا اذن يكون ذلك المكان محرزا، كما في المثال المتقدم، نعم البيت المغلق حرز بالإضافة الى غير أهلها.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 509.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 337

و قيل: إذا كان المالك مراعيا له كان محرزا، كما قطع النبي صلّى اللّه عليه و آله سارق مئزر صفوان في المسجد، و فيه تردّد.

______________________________

و كيف ما كان، إذا شكّ في كون مكان المال أو المتاع محرزا أم لا يقطع بسرقة المال، لأنّ التقييد بالحرز ثبت بدليل منفصل، و مع إجماله يؤخذ بخطابات قطع يد السارق كالآية المباركة، و لكن القطع لا يخلو عن إشكال، لأنّ مقتضى المفهوم للحصر الوارد في معتبرة السكوني عدم القطع في غير الموارد المزبورة، فيقطع بالوثوق بعدم الفرق بين المورد و الموارد المزبورة.

و عليه، فان كان باب الدار مفتوحا و كان صاحبها نائما فدخل فيها سارق فسرق فلا يحكم بالقطع، نعم لو كان صاحبها

أو شخص آخر مراعيا فدخل فيها سارق خفية و أخذ المال يقطع، و يؤيّده ما ورد في القطع من سرقة الزرع و السوق أو ضرع أو غير ذلك.

و قيل: إنّ المراعي إذا كان ملتفتا إلى أخذه المال و لم يتمكن من دفعه فلا يكون الآخذ سارقا، حيث يعتبر في صدق السرقة الأخذ خفية و ان لم يلتفت الى أخذه، فلا يكون المال في محرز لا يمكن المساعدة عليه، فانّ الدخول مع عدم تمكّن المراعي عن منعه عن الأخذ أو الدخول لا ينافي صدق السرقة، كان عدم التمكن لعدم التفاته أو لغيره، و المعتبر في صدق السرقة إخفاء أخذه المال عن السائرين لا عن خصوص صاحب البيت و المراعي، و قد تقدّم عدم القطع على الدغارة المعلنة و المختلس أي السالب.

و امّا ما ورد في قضية صفوان بن أميّة فقد تعرضنا له سابقا، و ما ورد في

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 338

و هل يقطع سارق ستارة الكعبة، قال في المبسوط و الخلاف: نعم (1)، و فيه إشكال، لأنّ الناس في غشيانها شرع.

و لا يقطع من سرق من جيب الإنسان أو كمّه الظاهرين، و يقطع لو كانا باطنين (2)،

______________________________

قطع أيدي بني شيبة عند قيام القائم لأنّهم سرّاق بيت اللّه الحرام.

(1) يستشكل في أخذ ستار الكعبة و سرقته من جهتين: الاولى ما تقدم من اعتبار أخذ المال من المحرز، و الثاني عدم كون ستارها مملوكا للغير، و لكن شي ء من الجهتين لا تمنع القطع، لما تقدّم من قطع القائم عليه السّلام أيدي بني شيبة لأنّهم سرّاق أموال بيت اللّه الحرام مع وجود الجهتين في سرقتهم، و عليه فلا يمكن المساعدة لما ذكر الماتن في وجه الاشكال

على القطع بتساوي الناس في غشيانها، سواء أراد منه دخول عامة الناس و انتفاعهم كالحمامات أو أراد عدم اختصاص ستارتها بشخص.

(2) هذا منسوب الى المشهور، و يقال: إنّ الجيب الظاهر أو الكمّ الظاهر لا يكون حرزا بخلاف الباطنين، و في معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بطرّار قد طرّ الدراهم من كمّ رجل، قال: ان كان طرّ من قميصه الأعلى لم اقطعه، و إن كان طرّ من قميصه السافل قطعته» «1»، و نحوه خبر مسمع بن ابي سيار «2»، و مقتضاهما القطع مع الأخذ من الجيب أو الكمّ الباطن،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 505.

(2) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 505.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 339

و لا قطع في ثمرة على شجرها (1) و يقطع لو سرق بعد إحرازها، و لا على من سرق مأكولا في عام مجاعة (2)، و من سرق صغيرا فان كان مملوكا

______________________________

سواء صدق عليه الحرز أم لا.

(1) قد تقدّم أنّ عدم القطع إذا لم تكن الشجرة محرزة و إلّا يقطع.

(2) الظاهر أنّه لا خلاف في أنّه لا يقطع في عام المجاعة إذا كان المسروق طعاما، و في معتبرة السكوني: «لا يقطع السارق في عام السنة- يعني عام مجاعة» «1».

و في معتبرته الأخرى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: «لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة، يعني في المأكول دون غيره» «2».

و في مرسلة عاصم بن حميد عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام لا يقطع السارق في أيّام المجاعة» «3».

و مقتضى الإطلاق في المعتبرة الاولى و

ان كان عدم الفرق في عدم القطع في عام المجاعة بين كون المسروق طعاما أو غيره كان السارق مضطرا أم لا، إلّا انّه يشكل الالتزام بالإطلاق و التفسير في المعتبرة الثانية.

و ان يحتمل قويّا انّه من الصدوق قدّس سرّه للجمع بينها و بين مرسلة زياد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 520.

(2) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 520.

(3) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 520.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 340

قطع (1) و لو كان حرّا فباعه لم يقطع حدّا، و قيل: يقطع دفعا لفساده.

______________________________

القندي عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يقطع السارق سنة المحل (المحق) في شي ء ممّا يؤكل مثل الخبز و اللحم و أشباه ذلك» «1»، و لضعف المقيّد لا يرفع اليد عن الإطلاق.

و لكن يمكن ان يقال: عدم القطع لشبهة الاضطرار خصوصا إذا كان المسروق طعاما فالإطلاق محمول على ذلك.

(1) ظاهره قدّس سرّه أنّ الصغير إذا كان مملوكا يكون قطع يد سارقه حدّا، و لعلّ مراده بالصغير من لا يعرف سيّده بأن كان غير مميّز، و لا يمكن أن يتحفّظ على نفسه بحيث يكون أخذه من موضعه و إخراجه إلى غيره سرقة و أخذا إياه من محرزة، فيتعلّق بآخذه حد القطع، و لو كان متمكنا على التحفظ على نفسه و لو بإظهاره للناس أنّه مملوك لفلان بعد الأخذ لا يصدق على أخذه السرقة، كما صرح بذلك بعضهم.

و لكن لا يخفى انّه قد لا يمكن أن يظهر الكبير ايضا انّه مملوك فلان بعد أخذه من موضعه قهرا عليه للخوف من أخذه لاخافته بالقتل، و أمّا

إذا كان المسروق حرّا فلا يكون ذلك من سرقة المال حتّى يتعلّق بآخذه حدّ سرقة المال البالغ حدّ النصاب، حتّى ما إذا باعه، و لكن قال الشيخ في النهاية: إذا باعه يتعلّق به القطع لا حدّا لسرقة المال بل دفعا لفساده.

و يستدلّ على ذلك بمعتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد السرقة، ح 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 341

و لو أعار بيتا فنقبه المعير و سرق منه مالا للمستعير قطع (1)، و كذا لو آجر بيتا و سرق منه مالا للمستأجر، و يقطع من سرق مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف

______________________________

أمير المؤمنين عليه السّلام أتى برجل قد باع حرّا فقطع يده» «1»، و لعلّ عدم التقييد بالصغير مقتضاه عدم الفرق بينه و بين الكبير، و ذلك فانّ حكايته عليه السّلام لغرض بيان الحكم فيؤخذ بمقتضى عدم التقييد.

و يؤيّده خبر عبد اللّه بن طلحة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يبيع الرجل و هما حرّان يبيع هذا هذا و هذا هذا يفرّان من بلد فيبيعان أنفسهما و يفرّان بأموال الناس، قال: «تقطع أيديهما لأنّهما سارقا أنفسهما و أموال الناس»، و كذا رواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري على رواية الكليني، و طريف بن سنان على رواية الصدوق، و التعبير بالتأييد لضعف سندهما.

(1) و قد نفى الخلاف في ذلك في كلمات جماعة، و القطع في المفروض مقتضى العموم و الإطلاق فيما ورد في قطع سارق النصاب.

نعم، ذكر في المسالك وجها في عدم القطع على المعير، و هو جواز رجوعه في العين المستعارة لجواز العارية فلا يحصل الحرز، و لا يكون المال الموجود في

البيت للمستعير محرزا بالإضافة إلى المعير.

و هذا الوجه على تقدير تماميّته يوجب الفرق بين المعير و الموجر، و لكنه غير تامّ، و ذلك فإنّ عارية البيت و نحوها مشروطة بأن لا يدخل المعير فيها

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 20 من أبواب حد السرقة، ح 2.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 342

عليه. لانه مملوك له (1)، و لا يصير الجمال محرزة بمراعاة صاحبها و لا الغنم

______________________________

بلا اذن المستعير ما دام لم يكن تعدّ من المستعير، فيكون المال محرزا بالإضافة إليه حتّى بعد رجوعه في الاستعارة ما لم يتعدّ المستعير في التخلية.

نعم، لو كان البيت مغصوبا من مالكه فكسر المالك قفله و دخل فيه و سرق مال الغاصب، فيقال بعدم القطع لأن البيت لا يكون محرزا بالإضافة إلى مالكه، و فيه أيضا تأمّل، إلّا أن يكون الكسر و الدخول في البيت و أخذ المال للتقاص أو لاجبار الغاصب على ترك الغصب، و المحكي عن أبي حنيفة أنّه لو آجر عبده لحفظ المتاع و سرق مولاه ما يحفظه عبده لا يقطع لعدم كون المال محرزا، و ردّ بان المحرز هو المكان الذي فيه المتاع، فالحرز غير مملوك مولاه و انّما المملوك له نفس العبد.

(1) إذا كان المال المسروق وقفا على محصور فلا ينبغي التأمّل في أنّ سارقه يقطع، فانّ المال المزبور ملك لهم و قد سرقه منهم، و أمّا إذا كان من قبيل الوقف على العنوان و كان محرزا، كما هو الفرض في المقام، فان لم يكن السّارق داخلا في الموقوف عليهم، فلا ينبغي التأمّل أيضا في أنّ تعلّق القطع بالسارق إذا كان عين الوقف أو المسروق من منفعته ملكا للموقوف عليهم ظاهر، و أمّا إذا لم يكن

الوقف كذلك بل كان للموقوف عليهم الانتفاع، كالفراش الموقوفة على المساجد و المدارس، فلا يبعد ايضا الالتزام بتعلّق القطع بسارقه فيما إذا كانت العين في محرز، بلا فرق بين القول ببقاء العين الموقوفة في الوقف الانتفاعي في ملك الواقف حتّى بعد موته أو قيل بدخوله في ملك اللّه سبحانه على ما

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 343

بإشراف الراعي عليها (1)، و فيه قول آخر للشيخ.

و لو سرق باب الحرز أو من أبنيته قال في المبسوط: يقطع لأنّه محرز بالعادة، و كذا إذا كان الإنسان في داره و أبوابها مفتّحة و لو نام زال الحرز، و فيه تردد.

______________________________

قيل، لصدق السارق على آخذ الوقف من حرزه كان ملكا لشخص حي أو ميت أو ملك اللّه سبحانه.

نعم، إذا كان السارق داخلا في الموقوف عليهم، فقد يقال: يلاحظ سرقته زائدا على نصيبه نظير السرقة من بيت المال على ما تقدم، و لكنه محل تأمّل بل منع، لعدم حصّة للسارق في نفس العين في الوقف الانتفاعي و عدم شمول ما تقدّم في السرقة من بيت المال سرقة العين الموقوفة بتمامها كسرقة كل بيت المال كما لا يخفى.

(1) في الفرق فيما ورد في السرقة من الزرع و ان سارقه يقطع، و بين الجمال التي يراعيها صاحبها، أو الغنم مع وجود الراعي، بعدم القطع في السرقة من الجمال و الغنم مشكل جدا، و بتعبير آخر صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة على قطع من سرق النصاب من الزرع مقتضاه القطع في سرقة الجمال و الغنم، حيث إنّ اعتبار الحرز في الزرع لا يكون عادة إلّا بالراعي أو الحارس بل يجي ء في المقام ما تقدّم من التمسك بإطلاق بما دلّ على قطع يد السارق

في مورد الشك في كون شي ء حرزا، و إن ناقشنا في التمسك المزبور بمفهوم الحصر الوارد في معتبرة السكوني، حيث ورد فيها: «لا يقطع إلّا من نقّب بيتا أو

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 344

و يقطع سارق الكفن لأنّ القبر حرز له (1)، و هل يشترط بلوغ قيمته نصابا،

______________________________

كسر قفلا»، و العمدة في القطع فيما ذكر ما ورد في سرقة الزرع.

و ممّا ذكر يظهر الحال فيمن سرق باب الحرز أو من أبنيته، حيث إنّ نصب الباب يحسب حرزا للباب، و البناء يحسب حزرا لاجزاء البناية، و أمّا إذا كان الإنسان في داره و أبوابها مفتحة، فقد تقدّم الكلام فيه في فرضي كون المالك أو غيره راعيا أو نائما فلا نعيد.

(1) المشهور بين الأصحاب أنّ سارق الكفن يقطع، بل ادّعى عليه الإجماع، و يستدلّ على ذلك بروايات، كصحيحة حفص بن البختري قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «حدّ النبّاش حدّ السارق» «1».

و موثقة إسحاق بن عمار: «انّ عليّا عليه السّلام قطع نبّاش القبر، فقيل له: أ تقطع في الموتى؟ فقال: انّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا» «2» و صحيحة عيسى بن صبيح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطرّار و النبّاش و المختلس، قال: «يقطع الطرّار و النبّاش، و لا يقطع المختلس» «3»، و نحوها غيرها.

و لكن في صحيحة أخرى لعيسى بن صبيح التي أسندها في الوسائل الى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 511.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 12: 513.

(3) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 10: 512.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 345

قيل: نعم، و قيل: يشترط

في المرة الأولى دون الثانية و الثالثة، و قيل: لا يشترط،

______________________________

الفضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن الطرّار و النبّاش و المختلس، قال: «لا يقطع» «1».

و ربّما قيل: انّما يتعلّق به حد القطع إذا تكرّر منه الفعل مرارا و إلّا فلا قطع، و ينسب ذلك الى الصدوق قدّس سرّه في المقنع و الفقيه، و يقال: أنّه يظهر ذلك من روايات، منها صحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان النبّاش معروفا بذلك قطع» «2».

و منها رواية علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن رجل أخذ و هو ينبش، قال: «لا ارى عليه قطعا إلّا ان يؤخذ و قد نبش مرارا فاقطعه» «3».

و في الصحيح عن محمّد بن أبي حمزة عن علي بن سعيد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النبّاش، قال: «إذا لم يكن النبش له عادة لم يقطع و يعزّر» «4».

أقول: صحيحة الفضيل لا تدلّ على اعتبار تكرار الفعل في القطع، فإنّ معروفية الرجل بالنّبش لا يقتضي تكرار الفعل منه، كما انّ كلمة نباش لا دلالة لها على تكراره، كما يظهر ذلك من موارد استعمالها، و تقييده بكون النّبش عادة له في بعض الروايات.

و على الجملة، المستفاد من الكلمة المزبورة صدور النبش عنه، و يعمّ ما

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 14: 513.

(2) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 15: 513.

(3) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 11: 512.

(4) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 13: 513.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 346

و الأول أشبه، و لو نبش و

لم يأخذ عزر، و لو تكرر منه الفعل وفات السلطان كان له

______________________________

إذا سرق الكفن أو غيره من القبر أم لا، و لذا قد يحمل الروايات الدالّة على نفي القطع فيه على من أخذ حال النبش، بحيث لم يثبت عليه إلّا النبش، و ما دلّ على تعلّق الحدّ به على ما ثبت سرقته الكفن أو غيره، بشهادة موثقة إسحاق بن عمار، الواردة فيها قول علي عليه السّلام بعد السؤال أ تقطع لأمواتنا: «انّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا».

و هذه الموثقة و إن كانت في نسخة الوسائل التي عندي مقطوعة يروي إسحاق بن عمار، عن علي عليه السّلام إلّا انّه في التهذيب و الاستبصار ليست بمرفوعة يرويها إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

و أمّا روايتا علي بن سعيد فتحملان على صورة إحراز السرقة مع تكرر الفعل، هذا مع ضعف سندهما و عدم صلاحيتهما للمعارضة بما ورد فيه من أن السرقة من الموتى كالسرقة من الأحياء، كما لا تصلحان لتقييده بما إذا تكررت السرقة من الموتى.

ثم أنّه قد روي في الوسائل عن الصدوق قدّس سرّه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قطع نبّاش القبر، فقيل له: أ تقطع في الموتى، فقال: «انّا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»، و قال: انّ أمير المؤمنين عليه السّلام أتى بنبّاش فأخذ بشعره و جلد به الأرض، ثم قال: طوئوا عباد اللّه فوطئ حتّى مات» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 8: 511.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 347

قتله للردع.

______________________________

و قد ذكرنا أنّ الإسناد إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام اجتهاد من صاحب الوسائل، و الصدوق رواهما مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السّلام فإنّهما

حكاية قول و فعل لا قضائه في الواقعة، و ظاهر ما ذكر الصدوق قدّس سرّه في المشيخة من سنده الصحيح الى قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام حكاية القضاء، و قضية قتل النبّاش واقعة خاصة لعلّه قد تكرّر منه السرقة و النبش، على ما يأتي في قتل السارق مع تكرار السرقة بعد قطع يده و رجله و حبسه أو للفاحشة التي ارتكبها بعد النبش أوجب قتله.

و في المروي بسند صحيح عن ابن ابي عمير، عن غير واحد من أصحابنا، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل نبّاش فأخذ أمير المؤمنين بشعره فضربه الأرض ثم أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطؤه حتّى مات»، و لعلّ الماتن حمله على صورة تكرار الفعل و فراره عن السلطان، فانّ ذلك يوجب أن يقتله السلطان لردعه و منع فساده، و لكن الرواية لا تخلو عن الإضمار أو الإرسال.

ثم إنّ ظاهر صحيحة حفص بن البختري، و قول علي عليه السّلام: «انّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»، رعاية ما يعتبر في قطع الأحياء في قطع النبّاش، من بلوغ المسروق حد النصاب و غيره، فلا يعلم وجه صحيح لما نسب الى ابن إدريس من عدم اعتبار النصاب في المرة الثانية أو الثالثة، أو ما نسب الى الشيخ و القاضي و الى ابن إدريس في آخر كلامه، من عدم اعتبار بلوغ النصاب مطلقا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 348

[الثالث: ما به يثبت]

الثالث: ما به يثبت و يثبت بشاهدين عدلين، و بالإقرار مرّتين (1) و لا يكفي المرة.

______________________________

(1) ثبوت السرقة بالبيّنة- يعني شهادة عدلين- مقتضى ما دلّ على اعتبارها مطلقا و لخصوص ما ورد في ثبوت السرقة بها، و هذا متسالم عليه عند العلماء و المشهور بين أصحابنا

ثبوتها بالإقرار مرتين، و لا يكفي في تعلّق حدّها الإقرار مرّة.

و يستدلّ على ذلك بما يظهر من بعض الاخبار أنّ الإقرار مرّة يحسب شهادة الواحد، و لذا لو أقرّ مرّة يثبت المال و لكن لا يثبت الحد، كما إذا شهد بالسّرقة شاهد واحد و امرأتان أو شاهد مع حلف المدّعي.

و يدلّ على ذلك بعض الروايات كمرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام في حديث- قال: «لا يقطع السّارق حتّى يقرّ بالسرقة مرتين، فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود» «1».

و في روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرتين، و لا يرجم الزاني حتّى يقرّ اربع مرات» «2».

و صحيحة أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: «كنت عند عيسى ابن موسى فأتى بسارق و عنده رجل من آل عمر، فأقبل يسألني فقلت: ما تقول

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 488.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 6: 488.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 349

..........

______________________________

في السارق إذا أقرّ على نفسه انّه سرق، قال: يقطع، قلت: فما تقول في الزنا، إذا أقرّ على نفسه مرّات؟ قال: ترجمه، قلت: و ما يمنعكم من السارق إذا أقرّ على نفسه مرتين أن تقطعوه فيكون بمنزلة الزاني» «1».

حيث يقال: ظاهرها انّ الإمام عليه السّلام بصدد بيان أنّ المعتبر في ثبوت السرقة شهادة عدلين، فاللازم في تعلّق الحد بالسارق عند ثبوته بالإقرار من الإقرار مرتين، فكيف يصحّ الالتزام بالقطع بالإقرار مرّة.

بل يقال: مقتضاها كلّ مورد يعتبر فيه خصوص البينة فاللازم في ثبوته بالإقرار

هو الإقرار مرتين، بلا فرق بين حدّ السرقة و غيره، و في الجواهر و عن بعض الميل الى القطع بالإقرار مرّة، لصحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أقرّ الرجل الحرّ على نفسه عند الإمام مرّة واحدة قطع» «2».

و يضاف إليها ما يدلّ على نفوذ الإقرار من الشخص على نفسه، و دعوى أنّ مرّة واحدة في صحيحة الفضيل قيد للسرقة لا الإقرار كما ترى لا تعدّ جمعا عرفيا بينها و بين ما تقدم، و لذا قيل بحمل الصحيحة على رعاية التقية، حيث إنّ في صحيحة أبان بن عثمان المتقدمة إشعارا بل ظهورا في كون الاكتفاء بالمرة مذهب العامة أو بعضهم، حيث إنّه لو كان الإقرار مرتين معتبرا عندهم في ثبوت

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 488.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 488.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 350

..........

______________________________

السرقة لم يكن مورد لقوله عليه السّلام: «و ما يمنعكم من السارق إذا أقر على نفسه مرتين أن تقطعوه»، فانّ هذا من قبيل الاستدلال عليهم بلزوم اعتبار الإقرار مرتين.

و لكن الصحيح عدم وجه لحمل الصحيحة على رعاية التقية، حيث يمكن أن يكون قوله عليه السّلام الرد عليهم، بأنّ الاكتفاء بالمرة في ثبوت السرقة خلاف القياس عندكم نظير قوله عليه السّلام: «و كيف تقضي الحائض الصوم و لا تقضي الصلاة».

و حاصل استدلاله عليه السّلام إذا كان المعتبر في ثبوت الزنا شهادة أربعة من الرجال لأنّه فعل شخصين و لذا يعتبر في ثبوته بالإقرار الإقرار بأربع مرّات، فاللازم في ثبوت السرقة بالإقرار الإقرار مرتين لأنّ السرقة فعل شخص واحد و ثبوته يكون بشهادة رجلين.

و أمّا مرسلة جميل

بن دراج لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، و فتوى المشهور باعتبار الإقرار مرتين لعلّه للاستناد الى ما فهموا من صحيحة أبان بن عثمان، و قد ذكرنا عدم دلالتها على اعتبار المرتين، و أمّا روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ففي سندها أيضا علي بن السندي و لم يثبت له توثيق، و هو غير علي بن السّري الذي من أصحاب الصادق عليه السّلام و ذكر له توثيق، و لو فرض التعارض بين صحيحة الفضيل و بينها يرجع بعد التساقط إلى إطلاق نفوذ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 351

و يشترط في المقر: البلوغ و كمال العقل (1) و الحرية (2) و الاختيار، فلو أقر

______________________________

(1) يعتبر في المقرّ بالسرقة البلوغ و العقل، بمعنى أنّه لا يعتبر اعتراف الصبي بسرقته المال نافذا عليه و كذا المجنون، بأن يترتب على إقرارهما ما تقدّم في سرقة الصبي، فإنّ ثبوت التعزير أو ادماء أنامله أو قطعها فيما إذا ثبت سرقته و إقراره بها لا يكون طريقا الى ثبوتها، كما لا يعتبر إقراره طريقا الى الثبوت في سائر الموارد.

(2) بلا خلاف معروف أو منقول، و يشهد له صحيحة الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع و ان شهد عليه شاهدان قطع» «1».

و لكن في صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه قد سرق قطعه و الأمة إذا أقرّت بالسرقة قطعها» «2».

و في الصحيحة الأخرى للفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ من حدود اللّه مرّة واحدة، حرّا كان أو عبدا،

حرّة كانت أم أمة، فعلى الامام أن يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان، إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء- الحديث» «3».

و قد تقدّم سابقا أنّه يحمل نفوذ إقرار المملوك على صورة تصديق مولاه،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 25 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 532.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 487.

(3) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 343.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 352

العبد لم يقطع لما يتضمن من إتلاف مال الغير، و كذا لو أقر مكرها (1)، و لا يثبت به حدّ و لا غرم، و لو رد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب، قال في النهاية: يقطع، و قال بعض الأصحاب: لا يقطع لتطرق الاحتمال إلى الإقرار، إذ من الممكن ان

______________________________

حيث مع تصديقه لا يكون إقراره على الغير أو ان يجري الحدّ عليه بعد ما يعتق كثبوت الغرم بالمال، و لكنّه بعيد لما ذكرنا من عدم فرض الإقرار بعد العتق.

(1) يعتبر في نفوذ الإقرار في المقام و سائر المقامات عدم الإكراه على الإقرار، فإنّ الإقرار مع الإكراه غير نافذ كالإقرار حال السكر و الإغماء و نحوهما، و لو اعترف بالسرقة بعد إكراهه على الاعتراف بها، قال في النهاية:

يقطع إذا جاء بعين المال لإحراز سرقته.

و في صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل سرق سرقة فكابرها فضرب فجاء بها بعينها هل يجب عليه القطع، قال: «نعم، و لكن لو اعترف و لم يجي ء بالسرقة لم يقطع لانّه اعترف على العذاب» «1».

و في رواية أبي البختري: «من أقرّ عند تجريد أو تخويف

أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه» «2».

و مقتضى التعليل في الصحيحة كظاهر هذه الرواية أنّ مجرّد الاعتراف الإكراهي لا ينفذ على المعترف و لا يوجب حدّا، و إذا علم السرقة و لو بحالة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 497.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 497.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 353

يكون المال في يده من غير جهة السرقة، و هذا حسن، و لو أقر مرّتين و رجع لم يسقط الحدّ و تحتمت الإقامة (1) و لزمه الغرم، و لو أقر مرّة لم يجب الحدّ و وجب الغرم.

______________________________

الاعتراف المزبور في العلم جرى عليه الحد، و عليه فمجرّد مجيئه بعين المال المسروق لا يوجب الحدّ إذا احتمل أنّ السارق كان غيره من صديقه أو اهله.

و ما ذكره الحلّي و من تبعه: لا يقطع بمجرّد مجيئه بعين المال المسروق لتطرّق الاحتمال بأن يكون المال المسروق تحت يده بغير سرقته، أمر صحيح، و ظاهر الصحيحة أنّ سرقته كانت محرزة، فالإكراه على الاعتراف بالضرب للإتيان بالمال المسروق، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) لا ينبغي التأمّل في ثبوت الغرم بالإقرار بالسرقة و لو مرّة، فإنّه من الإقرار على نفسه بالمال، سواء رجع عن إقراره بعد ذلك أم لا، و إذا قلنا بثبوت الحدّ أيضا بالإقرار بالسرقة مرّة أو اعتبرنا المرتين فرجوعه بعد الإقرار الموجب لإقامة الحد عليه لا يوجب سقوطه.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ثم جحد بعد، فقال: «إذا أقرّ على نفسه عند الإمام انّه سرق ثم جحد قطعت يده و ان رغم انفه، و ان أقرّ على

نفسه انّه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة- الحديث» «1».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 319.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 354

[الرابع: في الحدّ]

الرابع: في الحدّ.

و هو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى، و يترك له الراحة و الإبهام (1)، و لو

______________________________

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه إلّا الرجم، فإنه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم» «1».

نعم، في المقام أمر آخر، و هو أنّ للإمام أن يعفو إذا كان ثبوت الحدّ بالإقرار، بخلاف ما إذا ثبت موجبه بالبيّنة، على ما تقدم سابقا، و على هذا يحمل مرسلة جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «لا يقطع السّارق حتّى يقرّ بالسرقة مرتين، فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع»، أضف الى ذلك ما تقدّم من ضعفها سندا لإرسالها و وقوع علي بن حديد في طريقها.

(1) بلا خلاف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع، و يدلّ على ذلك موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم عليه السّلام، قال: «تقطع يد السارق و يترك إبهامه و صدر راحته و تقطع رجله، و يترك له عقبه يمشي عليها» «2».

و موثقة سماعة بن مهران، قال: قال: «إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم، فان عاد استودع السّجن، فان سرق في السجن قتل» «3».

و صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 319.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 4:

491.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 491.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 355

..........

______________________________

عليه السّلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه، و إذا سرق مرّة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرة أخرى سجنته و تركت رجله اليمنى يمشي عليها إلى الغائط و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، فقال: انّي لأستحيي من اللّه ان اتركه لا ينتفع بشي ء و لكنّ أسجنه حتّى يموت في السجن، و قال: ما قطع رسول اللّه بعد يده و رجله» «1»، الى غير ذلك من الروايات التي تصلح و لو للتأييد للضعف في إسنادها.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال، قلت له: من أين يجب القطع فبسط أصابعه، و قال: «من ها هنا يعني من مفصل الكف» «2»، و ظاهرها قطع تمام الكف بناء على كون التفسير من الامام عليه السّلام، و لكن لا بدّ من حملها على التقية، فإنّ القطع كذلك من مذهب العامة.

ثم انّ ظاهر جماعة كون موضع القطع من الرجل اليسرى إذا عاد إلى السرقة ثانيا بعد قطع اليد هو مفصل القدم، أي يترك للسّارق عقب رجله بحيث لا يبقى من عظام القدم إلّا عظم العقب و العظم الذي يكون بينه و بين الساق المسمّى برسغ القدم، و هو المفصل بين السّاق و القدم.

و في موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة: «و تقطع رجله و يترك له عقبه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 492.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 491.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 356

سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، و يترك له

العقب يعتمد عليها، فان سرق ثالثة حبس دائما (1)، و لو سرق بعد ذلك قتل، و لو تكرّرت السرقة

______________________________

يمشي عليها»، و نحوها روايتا أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «القطع من وسط الكف و لا يقطع الإبهام و إذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع» «1»، و معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يقطع من السارق أربع أصابع و يترك الإبهام و تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» «2».

و لكن عن الصدوق قدّس سرّه في المقنع: انّه يقطع الرجل من وسط القدم، و عن جماعة: انّه يقطع من معقد الشراك و يترك له مؤخّر القدم و العقب، و غير ذلك من التعابير، و في موثقة سماعة المتقدمة: «و ان عادت قطعت رجله من وسط القدم»، و في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب» «3».

و كيف كان، الروايات متوافقة على أنّ أصابع الرجل و المشط من القدم الذي يتّصل بالكعب الذي هو قبة القدم يقطع و يصدق عليه القطع من وسط القدم، و يحتمل أن يكون تركه هو المراد من ترك العقب، فالمتعيّن القطع مما يتصل بالكعب الذي تقدم في بحث الوضوء أنّه قبة القدم.

(1) بلا خلاف يعرف و قد ورد في عدّة من الروايات المتقدّمة و غيرها،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 491.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 7: 491.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد السرقة، الحديث 8: 491.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 357

فالحدّ الواحد كاف (1).

______________________________

أنّه ان عاد ثالثة استودع في السجن و انّه لأستحيي

من اللّه ان اتركه لا ينتفع بشي ء و لكنّي أسجنه حتّى يموت في السجن، و في موثقة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال «كان علي عليه السّلام لا يزيد على قطع اليد و الرجل، و يقول: انّي لأستحيي من ربّي ان أدعه ليس له ما يستنجي به أو يتطهّر به، قال: و سألته ان هو سرق بعد قطع اليد و الرجل، قال: استودعه السجن أبدا و اغني (اكفي) عن الناس شرّه» «1».

نعم، لو سرق بعد ذلك في السجن قتل، بل يمكن كون السرقة بعد السجن موجبا لقتله، سواء كانت سرقته في السجن أو خارجه، كما إذا فرّ من السجن و سرق بعد فراره.

و التقييد بالسرقة في السجن في موثقة سماعة لكون السرقة بعد تخليده في السجن لا يكون إلّا في السجن، و لا يوجب ذلك خصوصية كما هو المتفاهم العرفي خصوصا بملاحظة صحيحة يونس، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال:

«أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة»، فإنّه يرفع اليد عن مقتضاها بالإضافة إلى السرقة بعد قطع الرجل، حيث ذكرنا أنّ مقتضى الروايات تخليده في الحبس بعد تلك السرقة.

(1) إذا تكرّرت السّرقة قبل اجراء الحد يتعلّق به حدّ واحد، و المحكي عن المخالفين ايضا عدم تعدّد الحد، و يمكن التفصيل بين ما كان ثبوت

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 495.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 358

و لا يقطع اليسار مع وجود اليمين، بل يقطع اليمين و لو كانت شلّاء (1)،

______________________________

السرقات المتعدّدة قبل اجراء الحد عليه فلا يتعلق به إلّا حد واحد، و أمّا إذا كان ثبوت بعض تلك السرقات بعد ثبوت بعضها الأخرى و

اجراء الحدّ عليه يتعلّق به الحد الثاني.

و يدلّ على ذلك صحيحة بكير بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرّة أخرى و لم يقدر عليه و سرق مرّة أخرى فأخذ فجاءت البيّنة، فشهدوا عليه بالسرقة الاولى و السرقة الأخيرة، فقال: «تقطع يده بالسرقة الاولى و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة»، فقيل له: و كيف ذاك؟ قال: «لأنّ الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الاولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الاولى، و لو أنّ الشهود شهدوا بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتّى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى» «1».

و ظاهرها شهادة الشهود بالسرقة الثانية بعد اجراء الحدّ عليه من السرقة الاولى يوجب قطع الرجل، مع فرض وقوع السرقة الثانية قبل اجراء الحد الأوّل.

(1) المشهور بين الأصحاب قطع اليمنى من السارق، سواء كانت صحيحة أو شلّاء، و سواء كانت يسراه ايضا شلاء أم لا.

و يستدلّ على ذلك بعد الإطلاق في مثل صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه و إذا

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 499.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 359

و كذا لو كانت اليسار شلّاء أو كانتا شلائين قطعت اليمين على التقديرين، و لو لم

______________________________

سرق قطعت رجله اليسرى» «1»، فإنّها بإطلاقها تعمّ ما إذا كانت يمناه صحيحة أو شلّاء، بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أشل اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال: «تقطع يده اليمنى على كلّ حال» «2».

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر و عبد اللّه بن سنان

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ان الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كلّ حال، شلّاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فان عاد خلد في السجن و اجرى عليه من بيت المال و كفّ عن الناس» «3».

و عن المبسوط و الوسيلة: انّ اليمنى الشلّاء إذا كانت بحيث لا تندمل عروقه بل تبقى مفتوحة كان كفاقد اليمنى، و إذا كانت بحيث تنسدّ عروقه المفتوحة و تندمل يقطع و يحرز ذلك بقول الأطباء، و إذا لم يحرز شي ء من ذلك يقطع أخذا بإطلاق ما دلّ على قطع يمين السارق، و عن الإسكافي من كانت يده اليسرى شلّاء أو معدمة لم يقطع يمناه، كمن كانت يمناه معدومة حيث يخلد في الحبس.

و استدلّ على ذلك بأنّه لو قطعت يمناه مع شلل يسراه يبقى بلا يد يستنجي بها، و بمرسلة المفضل بن صالح عن بعض أصحابه، قال: قال

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 10: 495.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 502.

(3) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 502.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 360

يكن له يسار قال في المبسوط: قطعت يمينه، و في رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: لا يقطع، و الأوّل أشبه (1).

______________________________

أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا سرق الرجل و يده اليسرى شلّاء لم تقطع يمينه و لا رجله، و ان كان أشل ثم قطع يد رجل قصّ منه، يعني لا تقطع في السرقة و لكن يقطع في القصاص» «1».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السارق- الى

ان قال:- قلت له: لو أنّ رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به، قال: فقال: «لا يقطع و لا يترك بغير ساق» «2».

و لكن لا يخفى أنّ المرسلة لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج لا تدلّ على عدم قطع اليمنى مع شلل اليسرى، بل مدلولها انه إذا فقد الرجل يسراه في القصاص لا يقطع يمناه للسرقة، و هذا غير كون يسراه شلّاء.

و ما في صحيحة زرارة و غيرها: إنّي أستحيي من ربّي ان أدعه ليس له ما يستنجي به أو يتطهّر به، يحمل على حكمة عدم قطع اليسرى بالسرقة الثانية، بعد ورود ما دلّ على أنّ اليمنى في السرقة تقطع و لو كانت شلّاء أو كانت يسراه شلّاء أو كان مشلول اليدين.

(1) المشهور أنّه يقطع اليد اليمنى ممّن لا يسار له إذا سرق، و يستدلّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 502.

(2) الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب حد السرقة، الحديث 3: 502.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 361

..........

______________________________

على ذلك بتعلّق الحدّ بقطع اليمنى، كما هو ظاهر صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، و المفروض وجود اليمنى، فلا يكون فقد اليسرى لصورة كون اليسرى شلّاء موجبا لسقوط الحد المتعلق باليمنى، و كما رفع اليد عن مقتضى التعليل السابق في صورة كون اليسرى شلّاء كذلك يرفع اليد عنه فيمن لا يسرى له.

و لكن مقتضى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج أنّه لا تقطع يمناه، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السارق يسرق فقطع يده، ثم يسرق فقطع رجله، ثم يسرق، هل عليه قطع، فقال: «في كتاب علي عليه السّلام: انّ رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله مضى قبل أن يقطع أكثر من يد و رجل»، و كان علي عليه السّلام يقول: «اني لأستحيي من ربّي لا ادع له يد يستنجي بها أو رجلا يمشي عليها»، قلت له: لو أنّ رجلا قطعت يده اليسرى في قصاص فسرق ما يصنع به، قال: فقال: «لا تقطع و لا يترك بغير ساق»، قال: قلت: لو أنّ رجلا قطعت يده اليمنى في قصاص ثم قطع يد رجل اقتصّ منه أم لا، فقال: «انما يترك في حق اللّه فاما في حقوق الناس فيقتص منه في الأربع جميعا، و ظاهر أنّ الحدّ الشرعي لا يكون ان يترك الرجل بلا يد يستنجي بها و لا بلا ساق حتّى يمشي به».

و عليها، فدلالتها على عدم القطع في فرض فقد اليسرى تامّة، غاية الأمر يرفع اليد عن التعليل الوارد فيها و في غيرها فيمن كان يده اليسرى شلّاء، على ما تقدم، و المناقشة في الصحيحة بأنّها معرض عنها غير صحيحة، و إجمال ما

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 362

و أمّا لو كان له يمين حين القطع فذهبت لم يقطع اليسار لتعلّق القطع بالذاهبة (1).

و لو سرق و لا يمين له قال في النهاية: قطعت يساره، و في المبسوط: ينتقل الى رجله، و لو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، و لو سرق و لا يد له و لا

______________________________

ورد فيها: «و لا يترك بغير ساق» مع عدم الإجمال، كما أشرنا لا يضرّ بظهورها كما تقدم، و لعلّ زعم الإجمال و مقتضى عموم التعليل أوجب ترك العمل بها، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) قد ذكرنا فيمن لا يسرى له لا يقطع يمناه بالسرقة، و حيث إن السرقة في

الفرض لا توجب تعلّق الحد، فيكون للحاكم تعزيره لارتكابها، و كذلك الحال إذا كانت له يمنى عند السرقة فذهبت بعدها لم تقطع يسارها لا يسار يده و لا رجله اليسرى، فانّ ما يتعلّق به الحد- يعني اليمنى- قد ذهبت و قطع اليد اليسرى أو قطع رجله اليسرى ليس بحدّ في السرقة الاولى، فتصل النوبة إلى تعزيره.

و كذا الحال فيمن لا يمنى له بالأصالة، بل لو ارتكب بعد هذه السرقة سرقة اخرى لا يقطع رجله اليسرى بالثانية، لأنّ قطع الرجل اليسرى حدّ للسرقة الثانية بعد جريان الحد على سرقته الاولى، و المفروض عدم جريانه عليه، بل إذا سرق ثالثة لا يحبس هذا أبدا فانّ الحبس أبدا حدّ للسرقة بعد قطع اليمنى و الرجل اليسرى، و يتعين في حقه التعزير، بناء على أنّ قوله عليه السّلام: «أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»، لا يعمّ موارد التعزير

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 363

رجل حبس، و في الكلّ اشكال من حيث إنّه تخطّ عن موضع القطع، فيقف على اذن الشارع، و هو مفقود.

و يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته (1)، و يتحتم لو تاب بعد البينة، و لو تاب بعد

______________________________

مرتين.

لا يقال: قطع يسار من لا يمنى له بالأصالة أو بالعرض مقتضى الآية المباركة، حيث لم يرد في الآية قطع خصوص اليد اليمنى، بل تعيين اليمنى مستفاد من مثل صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، و التحديد فيها باليمنى لا يشمل صورة فقد اليمنى، و مع فقدها يؤخذ بالإطلاق في الآية المباركة.

فإنّه يقال: مقتضى التعليل في عدم قطع اليسار في السرقة الأخرى بأنّه لا يترك الرجل بلا يد يستنجي بها عدم القطع في الفرض، و ان

حدّ القطع يتعلّق باليمنى على تقديرها و إلّا فلا قطع.

نعم، لو قيل بأنّه إذا لم يكن له أصابع في يده اليمنى أصلا أو بالعارض فسرق يقطع باقي اليد اليمنى- أي الراحة- أخذا بإطلاق الآية المباركة، بعد كون التحديد بقطع الأصابع ناظرا إلى من يكون له الأصابع، كان لما ذكر وجها، حيث يبقى له اليسرى بعد قطع راحته اليمنى ليستنجي بها، إلّا ان يدّعى ظهور الروايات المتقدّمة في التحديد بقطع الأصابع انّ القطع لا يتعلّق بغير الأصابع، لأنّ قطع غيرها لا يدخل في المراد بالآية مطلقا.

(1) و هذا هو المشهور بين الأصحاب، و يستدلّ عليه بصحيحة عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «السارق إذا جاء من قبل نفسه تائبا الى اللّه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 364

الإقرار قيل: يتحتّم القتل، و قيل: يتخير الإمام في الإقامة و العفو، على رواية فيها ضعف.

______________________________

عزّ و جلّ ترد سرقته الى صاحبها و لا قطع عليه» «1».

و قد يناقش في الاستدلال بأنّ مدلولها يعمّ ما إذا كانت توبته بعد ثبوت سرقته عند الحاكم، مع أنّهم ذكروا بتحتّم القطع لو كانت توبته بعد قيام البيّنة بسرقته، كما هو ظاهر الماتن ايضا.

و بتعبير آخر، مدلولها أنّ مجي ء السارق بنفسه الى الحاكم تائبا عن عمله يوجب سقوط الحد عنه، بخلاف ما أظهر التوبة بعد أخذه، سواء كان ثبوت سرقته عند الحاكم بالبيّنة أو بغيرها، و دعوى انصرافها عن صورة مجي ء السارق بنفسه الى الحاكم بعد ثبوت سرقته عنده بالبيّنة كما ترى، و لذا عنون في الوسائل:

الباب بأنّ من تاب قبل أن يؤخذ سقط عنه الحدّ.

و لكن يمكن الجواب عن المناقشة بأنّه يستفاد من معتبرة طلحة بن زيد

أنّه مع ثبوت موجب الحد بالبيّنة ليس للإمام إلّا إقامة الحدّ، فإنّه روى عن جعفر ابن محمد عليهما السّلام قال: «جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ بالسّرقة له، فقال له: أ تقرأ شيئا من القرآن، قال: نعم سورة البقرة، قال: وهبت يدك لسورة البقرة، قال: فقال الأشعث: أ تعطّل حدا من حدود اللّه، فقال: و ما يدريك ما هذا إذا قامت البيّنة فليس للإمام ان يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك الى الامام، ان شاء

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 327.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 365

و لو قطع الحدّاد يساره مع العلم فعليه القصاص، و لا يسقط قطع اليمين بالسرقة (1)، و لو ظنّها اليمين فعلى الحداد الدية، و هل يسقط قطع اليمين، قال في

______________________________

عفا و ان شاء قطع» «1».

فانّ مقتضى قوله عليه السّلام: «إذا قامت البيّنة فليس للإمام ان يعفو»، لزوم اقامة الحدّ على المرتكب بعد قيام البيّنة بالارتكاب، بلا فرق بين توبته و عدمه.

و لو فرض لصحيحة عبد اللّه بن سنان إطلاق يقتضي سقوط الحدّ عن التائب، و لو في فرض قيام البيّنة على ارتكابه يؤخذ بإطلاق المعتبرة، حيث انّه موافق للكتاب المجيد الدالّ على وجوب قطع يد السّارق، فتكون النتيجة عدم سقوط الحد عن التائب إذا ثبت سرقته بالبينة و لو كانت توبته قبل ان يؤخذ.

اللّهم إلّا أن يقال: لا تنافي بين الصحيحة و المعتبرة، فإنّ الصحيحة ناظرة إلى مسقطية التوبة الحدّ إذا كانت التوبة من المرتكب قبل ان يؤخذ، و المعتبرة ناظرة إلى أن للإمام أن يعفو و لا يجري الحدّ على المرتكب إذا كان ثبوت الارتكاب بإقراره لا بالبيّنة

بالارتكاب تاب أو لم يتب، كما أوضحنا ذلك سابقا.

و يؤيّد ذلك ظاهر الكتاب المجيد في سقوط الحد عن المحارب إذا تاب قبل ان يقدروا عليه، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) فانّ القصاص من الحدّاد مع تعمّده في قطع يساره و علمه بعدم جواز قطعها مقتضى الإطلاق فيما دلّ على جواز القصاص في الأطراف، كما أنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 331.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 366

المبسوط: لا لتعلّق القطع بها قبل ذهابها، و في رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «انّ عليا عليه السّلام قال: لا تقطع يمينه و قد قطعت شماله».

______________________________

كون الدية عليه مع ظنّه أنّها يمناه مقتضى ما دلّ على ثبوت الدية على الجاني.

و أمّا ما ذكره قدّس سرّه من عدم سقوط قطع يمنى السارق فلا يمكن المساعدة عليه، لما تقدّم من أنّ مقتضى ما دلّ على أنّه لا يترك الإنسان بإجراء الحدّ عليه بلا يد سقوط حدّ القطع.

و على الجملة المشهور و ان التزموا بلزوم قطع اليمنى في الفرض لتعلّق الحدّ به من قبل، إلّا انّه غير تامّ، فانّ ما ذكروه لا يكون مدركا للحكم بعد دلالة ما تقدّم في الروايات انّه لا يترك انسان بلا يد بإجراء الحدّ عليه، نعم رفعنا اليد عن ذلك فيمن كان يساره أشلّ كما يسقط قطع اليمنى إذا قطع الحدّاد يساره اشتباها.

و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أمر به أن تقطع يمينه فقدّمت شماله فقطعوها و حسبوها يمينه و قالوا: انما قطعنا شماله أ تقطع يمينه، قال: فقال: لا لا تقطع يمينه و

قد قطعت شماله- الحديث» «1».

و ربّما يستفاد منها انّ الحكم كذلك أيضا في صورة عمد الحدّاد، لعدم احتمال الفرق بحسب ما ذكر في الجواب.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 496.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 367

و إذا قطع السارق يستحب حسمه بالزيت المغلي نظرا له و ليس بلازم (1)،

______________________________

(1) الكلام تارة فيما إذا لم يتوقف الإبقاء على حياة السارق بعد قطع يده على حسمه بالزّيت أو غيره ممّا يكون موجبا لانسداد العروق المقطوعة الموجب لانقطاع نزف الدم، و في هذا الفرض لا يجب على الإمام و لا على المتصدي لإقامة الحد ذلك، بل يستحبّ فإنّه كاطعامه و مداوى يده حتّى يبرء من الإحسان إليه، كما يشهد بذلك صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجلين قد سرقا من مال اللّه أحدهما عبد من مال اللّه و الآخر من عرض الناس- الى ان قال:- فقدّمه و قطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم و السمن حتّى برئت يده» «1».

و في رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتى أمير المؤمنين عليه السّلام بقوم سراق قد قامت عليهم البيّنة و أقرّوا، قال: فقطع أيديهم، ثم قال: يا قنبر ضمّهم إليك فداو كلومهم و أحسن القيام عليهم فإذا برءوا فأعلمني- الحديث» «2».

و أمّا إذا توقف حفظ حياته على الحسم و لم يتمكّن السارق منه، فالظاهر وجوب ذلك تحفظا على حياته.

نعم، لا يختصّ وجوب ذلك على الحاكم أو على الحدّاد، بل ذلك واجب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 29 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 529.

(2) الوسائل: 18، الباب 29 من أبواب حد السرقة،

الحديث 3: 529.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 368

و سراية الحدّ ليست مضمونة، و ان أقيم في حر أو برد، لانّه استيفاء سائغ (1).

______________________________

بنحو الواجب الكفائي، و لا يبعد ان يكون الاستحباب العيني على الحاكم لما تقدم.

(1) قد تقدّم سابقا أنّه لا دية لمن قتله القصاص، أو الحدّ، و ما ورد في عدم ضمانها مقتضاه عدم ضمان السراية الموجبة لاستناد القتل الى القصاص و الحد، و يجري ذلك فيما إذا أقيم الحدّ في الحر أو البرد، بأن كان إيقاعه في الحر أو البرد موجبا للسّراية، فإنّه بعد فرض جواز إيقاع الحدّ عليه في حرّ أو برد و كونه جائزا، فمع استناد القتل إلى إيقاعه فيهما لا يكون ضمان.

نعم، قد تقدّم أنّ المرتكب إذا كانت مستحاضة أو مريضا يؤخر إقامة الحد عليه، كما يدلّ عليه معتبرتان للسكوني و غيرهما، و يمكن أن يستفاد منها وجوب تأخير الحدّ إذا كانت إقامته على المرتكب عرضه لقتله، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فاتّفق السراية، فإنّ الاجزاء عليه مقتضى ما ورد في عدم جواز التأخير في الحدود.

لا يقال: قد ورد في بعض الروايات ضمان الإمام السراية في الحدود التي من حقوق الناس، و قيل: إنّ حد السرقة منها.

و في رواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سمعته يقول:

من ضربناه حدّا من حدود اللّه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فان ديته علينا»، و في مرسلة الصدوق قال: قال

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 369

[الخامس: في اللواحق]

اشارة

الخامس: في اللواحق، و هي مسائل:

[الأولى: يجب على السارق اعادة العين المسروقة]

الأولى: يجب على السارق اعادة العين المسروقة، و ان تلفت اغرم مثلها أو قيمتها ان لم يكن لها مثل، و ان نقصت فعليه أرش النقصان، و لو مات صاحبها دفعت الى ورثته، و ان لم يكن له وارث فإلى الإمام (1).

______________________________

الصادق عليه السّلام: «من ضربناه حدّا من حدود اللّه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فديته علينا» «1».

فإنّه يقال: مع احتمال أنّهما رواية واحدة لا يمكن الاعتماد على شي ء منهما، لضعف الاولى بالحسن بن صالح الثوري و إرسال الثانية، مع أنّهما لا يعمّان المقام، لعدم كون الحدّ في المقام ضربا و كون حدّ السرقة من حقوق الناس فيه ما يأتي.

و على الجملة لا يمكن بهما رفع اليد عن إطلاق ما دلّ على عدم الضمان في قتل القصاص أو الحدّ.

(1) و ذلك فانّ يد السارق على العين المسروقة من يد العدوان فيجب ردّ العين الى مالكها مع عدم تلفها و معه ردّ مثلها أو قيمتها، على ما هو المقرّر في باب ضمان المثلي أو القيمي، سواء قطعت يده بهذه السرقة أم لا.

و في صحيحة سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا سرق

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4: 312.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 370

[الثانية: إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان]

الثانية: إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان، قال في النهاية:

يجب القطع (1)، و قال في الخلاف: إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد منها نصابا قطعوا، و ان كان دون ذلك فلا قطع و التوقف أحوط.

______________________________

السارق قطعت يده و غرم ما أخذ» «1»، و في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه

السّلام، «يتبع السارق بسرقته و ان قطعت يده و لا يترك ان يذهب بمال أمرء مسلم» «2».

و على ما ذكر فان حدث في يده أو يد الآخر ممّن أخذ العين منه نقصان و عيب في العين ضمنه، كما هو الحال في ضمان الغاصب نقص العين المغصوبة فيردّ العين أو البدل الى مالكها مع حياته، و مع فرض مماته يجب الدفع الى ورثته، و مع عدم وجدان الوارث يجري عليه حكم مال من لا يوجد له وارث، فيدفع الى الإمام عليه السّلام أو من يدفع اليه مال الإمام من سائر الأموال، على ما هو المقرّر في بابي الخمس و الإرث.

(1) إذا اشترك اثنان أو أكثر في سرقة النصاب بأن أخرجا معا العين من محرزة بعد هتكهما المحرز، قال في النهاية: يقطع يد كلّ واحد، و هو المحكي عن المفيد و المرتضى و جميع اتباع الشيخ، بل عن المرتضى في الانتصار و صاحب الغنية دعوى الإجماع عليه.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 500.

(2) الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 4: 501.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 371

[الثالثة: لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع بالأخيرة]

الثالثة: لو سرق و لم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع بالأخيرة (1) و اغرم المالين، و لو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت حتى قطع ثم شهدت عليه

______________________________

و يستدلّ على ذلك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في نفر نحروا بعيرا فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحروا، فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعا لم يخصّوا أحدا دون أحد فقضى ان تقطع أيمانهم» «1».

أقول: ظاهر ما ورد في اعتبار النصاب أن يكون المال الذي سرقه السارق بذلك

المقدار، و ان كلّ من سرق النصاب يقطع و استناد السرقة الواحدة إلى المتعدد مقتضاه سرقة كلّ منهم بعض النصاب لإتمامه.

و أمّا صحيحة محمد بن قيس فلا يمكن الاستدلال بها على الحكم المزبور، فإنّها قضية في واقعة يمكن أن يبلغ سهم ما سرقه كلّ منهم بمقدار النصاب، أضف الى ذلك أنّ ما في السؤال فامتحنوا أيّهم نحروا إلخ، يناسب ضمان كلّ واحد لا سرقه كل منهم، فلا موجب لما ذكر الماتن من أنّ التوقف أحوط.

(1) إذا تكرّرت السّرقة من شخص و أخذ بعد السرقة الأخيرة فشهدت البيّنة بالسرقة الاولى و الأخيرة، أو شهدت بينة بالأولى و بيّنة أخرى بالأخيرة يقطع يده اليمنى فقط بلا خلاف بين الأصحاب، و هل القطع بالسّرقة الأولى أو

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 34 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 531.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 372

بالأخرى، قال في النهاية: قطعت يده بالأولى و رجله بالثانية استنادا إلى الرواية، و توقف بعض الأصحاب فيه، و هو أولى.

______________________________

بالأخيرة أو بهما معا فكلماتهم مختلفة، فإنّ المحكي عن المقنع و الفقيه و الكافي و القواعد انّه بالأولى، و عن الماتن أنّه بالأخيرة، و ظاهر المسالك انّه بهما، لأنّ كلّا منهما موجب تام للقطع، فمع اجتماعهما يتداخلان.

و يقال: تظهر الثمرة فيما إذا عفى عنه المسروق منه أوّلا، فإنّه مع عفوه لا يقطع يمناه لأنّ الموجب لقطع يده السّرقة منه، و المفروض انّه عفى عنه، و الثانية لا توجب القطع، بخلاف ما إذا قيل بأنّ القطع بالثانية أو بالتداخل فإنّه مع عفوه يقطع، لأنّ السرقة الثانية هي الموجب للقطع أو أنها الموجب ايضا.

و لكن لا يخفى أنّ صحيحة بكير بن أعين و ان كانت ظاهرة في

القطع بالأولى، و كونها واجدة لما هو المعتبر في قطع السارق و السرقة بعد ثبوتها عند الحاكم قابلة للعفو إذا كان الثبوت بلا مرافعة المسروق منه كما يأتي، و لكن من المحتمل جدّا أن يكون المراد بالقطع بالأولى عدم قطع رجله بالسرقة الأخيرة، لا أنّها لا توجب قطع اليد، و عليه فلا يسقط حدّ القطع إذا عفى عنه المسروق منه أوّلا.

قيل لأبي جعفر عليه السّلام في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى و لم يقدر عليه و سرق مرّة أخرى فأخذ فجاءت البينة فشهدوا عليه بالسرقة الاولى و الأخيرة، فقال: «تقطع يده بالسرقة الاولى و لا يقطع رجله بالسرقة الأخيرة»، فقيل له: و كيف ذلك؟ قال: «لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 373

..........

______________________________

بالسرقة الاولى و الأخيرة قبل ان يقطع بالسرقة الاولى، و لو أنّ الشهود شهدوا عليه بالسرقة الاولى ثم أمسكوا حتّى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى» «1».

و ظاهر ذيلها أنّه لو أمسك الشهود عن الشهادة بالأخيرة الى ان قطع يده اليمنى بالسرقة الأولى المشهود بها ثمّ شهدوا بالأخيرة، تقطع رجله اليسرى بالسرقة الأخيرة التي وقعت قبل قطع يده اليمنى.

و ذكر الماتن التوقّف عن العمل بظاهر الذيل، و انّه اولى، بل عن الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و العلامة في المختلف و التحرير نفي قطع رجله اليسرى بذلك، و لعلّ الموجب لذلك ظهور ما ورد في قطع الرجل بالسرقة الثانية وقوع تلك السرقة بعد القطع بالسرقة الاولى.

و لكن لا يخفى أنّ الظهور المزبور ظهور إطلاقي في مقام البيان المعبر عنه بالإطلاق المقامي، و المراد بالظهور المزبور ظهور ما ذكر في

ان الموجب لقطع الرجل السرقة بعد قطع اليد دون غيرها، فيرفع اليد عن الظهور الإطلاقي بما ورد في الصحيحة أنّ السرقة الأخرى إذا وقعت قبل القطع بالأولى، و لكن ثبوتها كانت بعد هذا القطع توجب قطع الرجل أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 9 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 499.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 374

[الرابعة: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه]
اشارة

الرابعة: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه (1)، فلو لم يرافعه لم يرفعه الامام و ان قامت البينة، و لو وهبه المسروق منه يسقط الحدّ و كذا إذا

______________________________

(1) قد نسب الى المشهور اشتراط اقامة الحد على السارق بمرافعة المسروق منه، فلو لم يرافع السارق لم يجر عليه حد السرقة، حتّى ما إذا قامت البينة حسبة عند الحاكم بسرقته أو جاء السارق الى الحاكم و أقرّ على نفسه بسرقته.

و يستدلّ على ذلك برواية الحسين بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

سمعته يقول: «الواجب على الإمام إذا نظر الى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ و لا يحتاج الى بيّنة مع نظره، لأنّه أمين اللّه في خلقه و إذا نظر الى رجل يسرق ان يزبره و ينهاه و يمضي و يدعه، قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنّ الحق إذا كان للّه فالواجب على الإمام إقامته و إذا كان للناس فهو للناس» «1».

و في مقابل ذلك ما يدلّ على أنّ حدّ السرقة من حقوق اللّه، و لا يكون من قبيل حدّ القذف و لا من قبيل القصاص، و في صحيحة الفضيل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحدّ من حدود اللّه في حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم

عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب الحق أو وليه فيطالبه بحقّه، قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبد اللّه فما هذه الحدود التي إذا أقر بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحد فيها، قال: «إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّه-

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 344.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 375

عفى عن القطع، فاما بعد المرافعة فإنّه لا يسقط بهبة و لا عفو.

______________________________

الحديث» «1».

و حيث إنّ رواية الحسين بن خالد لا تخلو عن ضعف السند، فلا تصلح جعلها معارضة للصحيحة، بل على تقدير تعارضهما تقدّم الصحيحة لموافقتها لإطلاق الآية المباركة الوارد فيها الأمر بقطع يد السارق و السارقة.

أضف الى ذلك ما تقدّم في معتبرة طلحة بن زيد من هبة علي عليه السّلام السارق يده بالعفو، و علّل ذلك العفو بعدم ثبوتها بالبينة، و مقتضاه جواز قطع يد السارق بإقراره على سرقته و لزومه بقيام البينة حتّى مع عدم حضور المسروق منه، كما لا يبعد أن يكون المفروض في المعتبرة عدم حضوره.

نعم في البين ما يدلّ على انّ للمسروق منه إذا وهب المال المسروق لسارقه أو عفى عنه، بأن لم يرفعه الى الحاكم سقط عنه الحدّ، فلو أراد بعد العفو رفعه الى الحاكم أو قامت عند الحاكم البينة بسرقته لم يقطع.

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه أو يتركه، فقال: «ان صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام- الى ان قال:- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «فهلّا كان هذا قبل ان ترفعه اليّ»

«2».

و في موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له فإذا رفع الى الإمام قطعه، فان قال الذي سرق له: انا أهبه له لم يدعه الى

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1: 344.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2: 330.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 376

[فرع: لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة سقط الحدّ]

فرع: لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة سقط الحدّ، و لو ملكه بعد المرافعة لم يسقط (1).

[الخامسة: لو اخرج المال و اعاده إلى الحرز لم يسقط الحدّ]

الخامسة: لو اخرج المال و اعاده إلى الحرز لم يسقط الحدّ لحصول

______________________________

الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه اليه، و انما الهبة قبل ان يرفع الى الإمام، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ «1»، فإذا انتهى الحد الى الإمام فليس لأحد ان يتركه» «2».

ثم انّه يبقى الكلام في معارضة ما دلّ على عدم قطع السارق قبل مرافعة المسروق منه مع صحيحة الفضيل التي ورد فيها أنّ السارق إذا أقرّ بسرقته عند الإمام قطعه فإنّها من حقوق اللّه، و لكن الصحيح ليس في البين ما يدلّ على عدم القطع بالشهادة بالسرقة حسبة أو بإقرار السارق، غاية ما تقدم نفوذ عفو المسروق منه عن السارق بعدم رفعه الى الحاكم أو هبة المال إيّاه قبل الرفع، فيكون مقيدا لإطلاق صحيحة الفضيل.

(1) لما تقدّم من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لصفوان بن أمية بعد ما قال فانا أهبه له: «فهلّا كان هذا قبل ان ترفعه اليّ»، فإنه يستفاد من قوله صلوات اللّه و سلامه عليه و آله أن هبة المال لا تفيد في سقوط الحد إذا كانت بعد المرافعة، و يفيد في سقوطه إذا كانت قبلها، و حيث إنّ الهبة لا خصوصية لها، و المراد تملّك المال المسروق كانت بالهبة أو بغيرها يكون تملّكه قبل المرافعة مسقطا للحد و غير مسقط بعدها.

______________________________

(1) التوبة: 112.

(2) الوسائل: 18، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3: 330.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 377

السبب التام الموجب، و فيه تردّد، من حيث إنّ القطع موقوف على المرافعة و إذا دفعه

الى صاحبه لم يبق له المطالبة (1).

و لو هتك الحرز جماعة و اخرج المال أحدهم فالقطع عليه خاصة، لانفراده بالسبب الموجب، و لو قربه أحدهم و أخرجه الآخر فالقطع على المخرج (2)، و كذا إذا وضعها الداخل في وسط الثقب و أخرجها الخارج، و قال في المبسوط: لا قطع على أحدهما، لأنّ كل واحد لم يخرجه عن كمال الحرز.

______________________________

(1) لو قيل بأنّ اقامة الحدّ على السارق موقوف على المرافعة و مطالبة المسروق منه ماله عند الحاكم، فمع ردّ المال الى حرزه لا يكون موجب للمرافعة بمطالبة المسروق منه ماله، بل يخرج السارق عن الضمان بالرّد المزبور، لأنّ الإعادة إلى الحرز يحسب من ردّ المال على مالكه.

و أمّا إذا قيل بعدم توقف إقامته عليه على المرافعة فلا موجب لسقوط الحدّ و ان خرج السارق عن ضمان المال، حيث انّ غايته ردّ المال على مالكه.

(2) قد تقدّم أنّ الموجب لحدّ السرقة هتك حرز المال و إخراجه منه، و بما أنّ الإخراج في الفرض من أحد الهاتكين فيتمّ الموجب للحد في حقّه دون غيره، و كذا إذا قرّب المال أحدهم إلى موضع الإخراج من داخل المحرز، و أخرجه من ذلك الموضع غيره، فالقطع على المخرج بعد كونه ممّن هتك الحرز و لا قطع على من قرّبه الى الموضع المزبور، لأنّه لم يخرج المال عن محرزة، فيكون نظير من رفع المال عن موضع من المحرز و وضعه في موضع آخر من ذلك المحرز في عدم صدق الموجب للحد عن الرفع و الوضع المزبورين.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 378

[السادسة: لو اخرج قدر النصاب دفعة وجب القطع]

السادسة: لو اخرج قدر النصاب دفعة وجب القطع، و لو أخرجه مرارا ففي وجوبه تردّد، أصحّه وجوب الحد (1)، لأنّه

أخرج نصابا، و اشتراط المرة في الإخراج غير معلوم.

[السابعة: لو نقب و أخذ النصاب و أحدث فيه حدثا ينقص به قيمته عن النصاب ثم أخرجه]

السابعة: لو نقب و أخذ النصاب و أحدث فيه حدثا ينقص به قيمته عن النصاب ثم أخرجه، مثل ان خرق الثوب أو ذبح الشاة فلا قطع (2)، و لو اخرج

______________________________

و أمّا إذا هتك الحرز اثنان أو أكثر و دخل أحدهم المحرز و وضع المال في وسط النقب الذي هتكوا به المحرز و أخذ الخارج، فالمشهور على ما قيل انّ القطع على الثاني، و أمّا الذي وضع المال في وسط النقب فلا قطع عليه، لأنّه لم يخرج المال عن حرزه، و قال في المبسوط: أنّه لا قطع على أحد منهما لأنّ كلّ واحد لم يخرجه عن حرزه الكامل.

و لكن لا يبعد أن يحسب وسط النقب في بعض الصور من توابع الحرز فيكون القطع على المخرج منه.

(1) ظاهر ما دلّ على تعلّق القطع في سرقة النصاب أن يكون سرقته بالسرقة الواحدة عرفا، و كون السرقة واحدة لا ينافي إخراج المال عن محرزة بعد هتكه بدفعات، و إذا كان إخراجه بالسرقات، سواء كان المسروق منه شخصا واحدا أو شخصين، فلا قطع إذا لم يبلغ المال في كل سرقة بمقدار النصاب، و لو اخرج مالين من محرز بعد هتكه أحدهما لشخص و الآخر لآخر، و قد بلغ مجموعهما النصاب قطع كما لو سرق مالين في سرقتين و كانا لشخص واحد- لم يقطع إذا لم يبلغ كل منهما النصاب.

(2) إن كان إحداث الحدث في المال الموجب لنقصان قيمته عن

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 379

نصابا فنقصت قيمته قبل المرافعة ثبت القطع.

[الثامنة: لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب كاللؤلؤة]

الثامنة: لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب كاللؤلؤة، فإن كان يتعذر إخراجه فهو كالتالف فلا حدّ (1)، و لو اتفق خروجها بعد خروجه فهو ضامن، و ان

كان خروجها ممّا لا يتعذر بالنظر الى عادته قطع، لأنّه يجري مجرى إيداعها في الوعاء.

______________________________

النصاب قبل إخراجه من الحرز، كما إذا خرق الثوب قبل الإخراج أو ذبح الشاة قبله فلا قطع، فإنّه و ان يضمن الحدث حيث انّه من إتلاف الوصف فيه إلّا انّ الحد يتعلّق بالسارق إذا أخرج النصاب عن حرزه بعد هتكه، و لا يكون ذلك مع احداث الحدث فيه في حرزه بحيث يسقط قيمته عن النصاب.

و ممّا ذكر يظهر الحال فيما حدث في المال حدث في حرزه بأمر لا ينسب إليه، فإنّه لا يكون حدّ لعدم إخراجه النصاب، بخلاف ما إذا أخرجه عن حرزه ثمّ أحدث فيه أو حدث فيه نقص يوجب نقصانه عن النصاب فإنّه يقطع، حيث إنّ الموضوع لتعلّق الحد إخراج النصاب عن حرزه بعد هتكه، بلا فرق بين تلف المال بعده أو تلف وصفه أم لا.

و يترتّب على ذلك أنّه لو لم يكن المال عند إخراجه عن محرزة بعد هتكه بمقدار النصاب ثمّ زادت قيمته و صار بمقدار النصاب لم يقطع، سواء كان الموجب لزيادة قيمته زيادة العين أو القيمة السوقية.

(1) و ممّا ذكر في المسألة السابقة من أنّ الموضوع لتعلّق الحد بالسارق إخراجه المال عن حرزه مع كون المال المخرج عند إخراجه بالغا نصاب القطع،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 380

[الباب السادس: في حدّ المحارب]

اشارة

الباب السادس:

في حدّ المحارب.

المحارب كلّ من جرّد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر، ليلا كان أو نهارا، في مصر و غيره (1)، و هل يشترط كونه من أهل الريبة، فيه تردّد، أصحّه انه لا

______________________________

فإنّه إذا كان المال بحيث يعدّ عند ابتلاعه تالفا نظير المال الواقع في البحر، فلا موضوع للقطع لعدم المالية لما ابتلعه، و ان

اتفق بعد ذلك خروجه عن موضع خروج غائطه أو غيره و عوده إلى المالية، فإنّ الشي ء لم يخرج عن حرزه مالا و ان يجب ردّه على مالكه إلّا ان يعطى بدله قبل ذلك.

و أمّا إذا لم يعدّ بالبلع تالفا و كان عند خروجه عن المحرز باقيا على ماليته مع كونه في معدته يقطع و ان اتفق عدم خروجه، لأنّ سقوطه و تلفه كان بعد الإخراج، اللّهم إلّا أن يقال: اتفاق عدم خروجه يكشف عن تلفه بالبلع، و فيه تأمّل، فإنّ الاتفاق المزبور نظير المتاع في السفينة التي اتّفق غرق السفينة بعد ذلك.

(1) تعرّض قدّس سرّه لبيان المراد من المحارب الوارد حدّه في الكتاب

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 381

..........

______________________________

المجيد، و قال: كل من جرّد السلاح لإخافة الناس فهو محارب، بلا فرق بين كون تجريده لاخافتهم في المصر أو غيره، في البرّ أو البحر، و لا يعتبر في كونه محاربا كونه من أهل الريبة، بل لو علم أنّ قصده من تجريده السلاح اخافة الناس يدخل في المحارب و ان لم يكن من أهل الريبة.

أقول: تجريد السلاح أي إخراجه من وعائه و غمده بخصوصه غير معتبر، بل المعتبر إظهاره و شهر سلاحه لإخافة الناس، كما يدلّ عليه ما في صحيحة محمد بن مسلم من قوله عليه السّلام: «من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتصّ منه» «1»، حيث يعلم من قوله عليه السّلام: «فعقر»، كون غرضه من إشهار السلاح الجناية، و أقلّ مرتبتها اخافة الناس و تبديل أمنهم إلى الاضطراب و الرعب فيهم الموجب لصدق الفساد في الأرض.

و إذا كان تجريد السلاح و شهره لإيجاد الأمن في مجامع الناس و اخافة الجانين و المفسدين فيها،

فلا يدخل في عنوان المحارب المعبّر عن جماعتهم في الآية المباركة: ب الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً «2».

و ممّا ذكر يظهر أنّه لا يعتبر كون تجريد السلاح و شهره في خصوص

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 1: 532.

(2) المائدة: 33.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 382

..........

______________________________

مصر من الأمصار، بل لو فعل ذلك خارج البلاد في الطرق و القرى و القصبات، لدخل في المحارب الوارد في الآية و الروايات، و ذكر مصر من الأمصار في الصحيحة لكونها مجتمع الناس الابرياء المحترم أموالهم و اعراضهم و نفوسهم.

و لو فرض تجريد سلاحه و إظهاره لغرض آخر من غير أن يكون قصده الجناية على الناس و اخافتهم، كما إذا كان للخوف على نفسه من عدوّه لم يدخل في المحارب حتّى لو اتّفق خوف الناس بذلك، كما أنّه لو قصد الإخافة و لكن لم يترتب عليه الخوف لوجود الحرّاس للأمن بين الناس و ضعفه عن مقاومتهم يدخل في عنوان المحارب لسعيه الى الفساد في الأرض، و ما في الروضة من أن الحدّ يتعلّق بتجريد السلاح قصد الإخافة أم لا، يمكن المساعدة عليه.

نعم، ذكر بعض الأصحاب أنّه إذا كان تجريد السلاح و شهره ممّن هو من أهل الريبة لم يعتبر قصد الإخافة و الجناية، لصحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام: «من حمل السلاح بالليل فهو محارب إلّا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة» «1»، و قد استظهر بعض من هذه الرواية اعتبار كون شاهر السلاح أو حمله بقصد الإخافة ممّن هو من أهل الريبة، و لو قصد الإخافة من لا يكون من أهل الريبة لا يتعلّق به الحد الآتي.

و

لكن لا يخفى ما في الاستدلال و الاستظهار، فان ظاهر الرواية أنّ مجرّد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد المحارب، الحديث 1: 537.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 383

يشترط مع العلم بقصد الإخافة.

و يستوي في هذا الحكم الذكر و الأنثى إن اتفق (1)، و في ثبوت هذا الحكم

______________________________

حمل السلاح في الليل كاف في الحكم بكونه لقصد الجناية، إلّا أن لا يكون الحامل من أهل الريبة، و على الجملة إذا أحرز ان حمل السلاح أو تجريده و شهره لغرض صحيح لا يكون الحامل و الشاهر من المحارب.

(1) المشهور عدم الفرق في تعلّق الحدّ بالمحارب بالمعنى المتقدم بين كونه ذكرا أو أنثى، فإنّ تحقق ما تقدّم من الأنثى تعلق بها الحد للمحاربة، و المحكي عن ابن الجنيد الاختصاص بالذكور.

و قد حكي في السرائر عدم الفرق بين الذكر و الأنثى عن الشيخ في الخلاف و المبسوط، و قال: هذان الكتابان معظمهما فروع المخالفين و عدم الفرق في المقام قول بعض العامة و لم أجد لأصحابنا المصنّفين قولا بقتل النساء في المحاربة، و الذي يقتضي أصل مذهبنا ان لا يقتلن إلّا بدليل قاطع، ثم شرع في المناقشة في استدلال الشيخ قدّس سرّه على عدم الفرق بأنّه لا عموم في الآية و الاشتراك في سائر موارد الخطابات المتوجّهة إلى الرجال ثبت بالإجماع.

و لكن في السرائر بعد ذلك بما يزيد على الصفحة يسيرا: قال قلنا إنّ أحكام المحاربين تتعلّق بالنساء و الرجال، سواء على ما تقدم من العقوبات لقوله تعالى إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ الآية، و لم يفرق فيها بين الرجال و النساء، فوجب حملها على العموم، و في الجواهر أنّ مثل هذا التناقض في كلامه لعلّه من العقوبة

على سوء أدبه مع الشيخ و غيره من أساطين الطائفة.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 384

للمجرّد بالقصد المزبور مع ضعفه عن الإخافة تردد، أشبهه الثبوت، و يجتزئ بقصده، و لا يثبت هذا الحكم للطليع و لا للردء (1).

______________________________

و على الجملة الصحيح عدم الفرق في تعلّق حدّ المحاربة بين الرجل و المرأة، لا لإطلاق الآية، فإنّه يمكن دعوى عدم شمولها للأنثى بمقتضى التعبير فيها ب (الذين)، و ان يتبادر إلى الأذهان انّ التعبير المزبور كالتعبير في غالب الخطابات يتضمّن الحكم العام على الذكر و الأنثى، بل للإطلاق في مثل صحيحة محمد بن مسلم: «من شهر السلاح في مصر من الأمصار»، و في غيرها:

«من حارب اللّه و أخذ المال»، الى غير ذلك.

(1) المنسوب إلى الأصحاب أنّه لا يثبت حكم المحارب للطليع، و هو المراقب للمارّة ليخبر قطاع الطريق بمرورهم أو المراقب لمن يخاف على قطاع الطريق و اللصوص منه، و كذا لا يثبت حكمه للردء بكسر الراء، و هو المعين لقطاع الطريق في ضبط الأموال و نحوه.

و ما تقدم في تعريف المحارب، و هو من جرّد السلاح و شهره لإخافة الناس لا يعمّهما، و لكن يمكن أن يدّعى أنّ الوارد في الآية المباركة يعمّهما إلّا ان الدعوى غير صحيحة للقطع بأنّ المراد من الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً «1» ليس هو الإطلاق، حيث إنّ إطلاقها يعم كلّ من هو فاسق و فاجر، حيث إنّ العصيان محاربة اللّه و رسوله عملا و فساد في الأرض،

______________________________

(1) المائدة: 33.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 385

و تثبت هذه الجناية بالإقرار و لو مرّة (1)، و بشهادة رجلين عدلين، و لا يقبل شهادة النساء فيه منفردات و

لا مع الرجال، و لو شهد بعض اللصوص على بعض لم يقبل، و كذا لو شهد المأخوذون بعضهم لبعض، أمّا لو قالوا: عرضوا لنا أو أخذوا هؤلاء قبل، لأنّه لا ينشأ من ذلك تهمة تمنع الشهادة (2).

______________________________

فلا بدّ من الاقتصار على المتيقن، و هو ما ذكر في الروايات كصحيحة محمد بن مسلم و غيرها، و الطليع و الردء لا يدخلان في المذكور في تلك الروايات.

(1) ذكر في الجواهر أنّه لم يجد من اعتبر تعدّد الإقرار في خصوص المقام، نعم ذكر بعضهم- كما في المراسم و المختلف- انّ كل حدّ يثبت بشهادة عدلين يعتبر في ثبوته بالإقرار الإقرار مرتين.

أقول: قد تقدّم الوجه في اعتبارهم الإقرار بمرتين، و ذكرنا ضعفه و أنّه لا يرفع اليد عن إطلاق ما دلّ على نفوذ الإقرار و ما دلّ على ثبوت الحدود بالإقرار مرّة، و لكن العجب من الماتن و غيره حيث فرّقوا المقام عن سائر الحدود، فاعتبروا فيها مرتين و اكتفوا في المقام بالإقرار مرّة.

أمّا الثبوت بالبيّنة فقد تقدم اعتبارها في كل مقام غير ما ثبت فيه عدم كفايته كالزنا و نحوه، و تقدم ايضا انّه لا تقبل في الحدود شهادة النساء لا منفردات و لا منضمات غير ما ورد فيه النص الخاص، كما في الزنا حيث تقبل شهادتهن بالانضمام الى الرجال.

(2) تقدم في كتاب الشهادات أنّهم اعتبروا في قبول الشهادة زائدا على

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 386

..........

______________________________

عدالة الشاهد عدم التهمة في شهادته و ادخلوا عدم سماع شهادة المأخوذين منهم المال في التهمة في شهادتهم، و أمّا اللصوص فعدم سماع شهادة بعضهم على البعض لفسقهم، و امّا إقرار كل على نفسه فهو خارج عن بحث الشهادة.

و أمّا المأخوذون

إذا شهد بعضهم لبعض، سواء كان شهادتهم بقولهم انّ هؤلاء أخذوا منّا المال، أو قالوا أخذوا منا كذا و كذا و منهم كذا و كذا، أو قالوا أنّهم تعرضوا لنا و لكن أخذوا المال منهم، ففي جميع ذلك لا تقبل شهادتهم، و بعضهم كالماتن قدّس سرّه فرّق بين الفرضين الأولين و بين الأخير، فذكر قبول شهادتهم في الفرض الأخير و علّله بعدم حصول التهمة في شهادتهم حيث لم يدّعوا شيئا لأنفسهم.

و يستدل على عدم القبول برواية محمد بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رفقة كانوا في طريق فقطع عليهم الطريق و أخذوا اللصوص، فشهد بعضهم لبعض، قال: «لا تقبل شهادتهم إلّا بالإقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم عليهم» «1».

و لكن الرواية بحسب السند لا تخلو عن ضعف، فانّ محمد بن الصلت لم يثبت له توثيق و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه قد تقدم في بحث الشهادات ان يكون المستند للمشهور ما ورد في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب الشهادات، الحديث 2: 272.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 387

و حدّ المحارب (1) القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي، و قد تردّد فيه الأصحاب، فقال المفيد بالتخيير، و قال الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه بالترتيب، يقتل ان قتل، و لو عفى ولي الدم قتله الامام، و لو قتل و أخذ المال استعيد منه، و قطعت يده اليمنى و رجله اليسرى ثم قتل و صلب، و ان أخذ المال و لم يقتل قطع مخالفا و نفى، و لو جرح و لم يأخذ المال اقتص منه و نفي، و لو اقتصر على شهر السلاح نفي

لا غير.

______________________________

عدم قبول شهادة ذي الشحناء للمدّعى عليه أو عدم قبول شهادة المتّهم، و لذا ذكرنا أنّ الأظهر قبول شهادة بعض الرّفقة لبعض آخر في الفروض الثلاثة، نعم شهادتهم في الفرضين الأولين غير مسموعة بالإضافة الى ما يدّعون لنفسهم، فانّ على المدعي أن يأتي بالشاهد بدعواه، و لا يمكن ان يصير شاهدا بدعوى نفسه.

نعم، إذا شهد بعضهم لبعض و شهد الشهود لهم كلّهم أو اثنان منهم للشاهدين أو الشهود بأنهم ايضا أخذوا بأموالهم تقبل شهادتهم، نظير شهادة بعض الغرماء لبعض و شهادة ذلك البعض للشهود، و نظير شهادة عدلين بالوصية من التركة لجمع و شهادة الجمع المزبور للشاهدين ايضا بالوصية منها لهما، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) الوارد في الكتاب المجيد في حدّ المحارب القتل أو الصلب أو القطع من خلاف، يعني قطع اليد اليمنى أو الرجل اليسرى أو النفي، و اختلفوا في أنّ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 388

و استند في التفصيل إلى الأحاديث الدالة عليه، و تلك الأحاديث لا تنفكّ

______________________________

الأمور الأربعة على التخيير، و أن وليّ الأمر مخيّر في إجراء أيّ من الأمور الأربعة، كما عليه المفيد و الصدوق و الحليّ و المنسوب الى أكثر المتأخرين، أو أنها على الترتيب بحسب اختلاف جناية المحارب، كما عليه الشيخ و المنسوب إلى الإسكافي و التقي و ابن زهرة، بل ادّعى عليه الإجماع.

و المستند في التخيير كلمة أو فإنّ ظاهرها التخيير، خصوصا بملاحظة ما ورد في صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و كلّ شي ء في القرآن أو، فصاحبه بالخيار يختار ما شاء»، و هذه الصحيحة واردة في كفّارة حلق الرأس في الإحرام.

و لما ورد في صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا

عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ «1» إلى آخر الآية، أي شي ء عليه من هذه الحدود التي سمّى اللّه عز و جل، قال: «ذلك الى الإمام ان شاء قطع و ان شاء نفى و ان شاء صلب و ان شاء قتل، قلت: النفي إلى أين؟ قال: من مصر- الى آخر الحديث» «2».

و لكن في مقابل ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتصّ منه و نفي من تلك البلد، و من شهر السلاح في مصر من الأمصار و ضرب و عقر و أخذ المال و لم يقتل

______________________________

(1) المائدة: 33.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 3: 533.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 389

عن ضعف في اسناد أو اضطراب في متن أو قصور في دلالة، فالأولى العمل

______________________________

فهو محارب فجزاءه جزاء المحارب، و أمره الى الإمام ان شاء قتله و صلبه و ان شاء قطع يده و رجله، قال: و ان ضرب و قتل و أخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه»، قال:

فقال له أبو عبيدة: أ رأيت ان عفا عنه أولياء المقتول، قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام:

«ان عفوا عنه كان على الإمام أن يقتله لانّه قد حارب و قتل و سرق»، قال: فقال أبو عبيدة: أ رأيت ان أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية و يدعونه أ لهم ذلك، قال: «لا عليه القتل»

«1».

و ظاهر هذه الصحيحة: من شهر سلاحه و جرح اقتصّ من جنايته و نفي من البلد إذا لم يأخذ المال، من غير فرق بين تمكّنه من أخذه و عدمه، و إذا جرح و أخذ المال فالإمام مخيّر فان شاء قتله و صلبه و ان شاء قطع يده اليمنى و رجله اليسرى، و إذا أخذ المال و قتل يقطع الإمام يده اليمنى للسرقة، و يدفعه إلى أولياء المقتول للاقتصاص منه، و ان عفوه قتله الإمام حدّا و لا يجوز لأولياء المقتول أخذ الدية منه و يتركونه يعيش.

و لكن يبقى في البين فروض:

منها: ان يشهر سلاحه من غير ان يجرح أو يأخذ المال، و لا يبعد أن يكون المستفاد من الصحيحة أنّه ينفى، فإنّه إذا جرح يكون الاقتصاص على جرحه و نفيه لشهرة السلاح على ما هو المتفاهم العرفي.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 10: 533.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 390

بالأول تمسكا بظاهر الآية.

______________________________

و منها: ما إذا شهر السلاح و أخذ المال من غير أن يورد جرحا أو يقتل، و يدلّ على حكم هذا رواية علي بن حسان، و أنّه يقطع يده اليمنى و رجله اليسرى، روى علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن علي بن حسان، عن أبي جعفر عليه السّلام: «من حارب و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب و من حارب فقتل، و لم يأخذ المال كان عليه أن يقتل و لا يصلب و من حارب و أخذ المال و لم يقتل، كان عليه أن يقطع يده و رجله من خلاف و من حارب، و لم يأخذ المال و لم يقتل كان عليه ان

ينفى».

و وجه دلالتها أنّ قوله عليه السّلام فيها: «و من حارب و أخذ المال و لم يقتل كان عليه ان يقطع يده و رجله من خلاف»، مطلق يشمل صورة إيراد الجرح و عدمه، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بما ورد في صحيحة محمد بن مسلم، من أنّه إذا شهر سلاحه و جرح و أخذ المال و لم يقتل فللإمام أن يقتله أو يصلبه أو قطع يده و رجله من خلاف، فيكون الحدّ مع عدم إيراد الجرح قطع يده اليمنى و رجله اليسرى، و مع إيراد الجرح يكون الإمام مخيّرا بين القطع المزبور و بين قتله و صلبه.

و منها: ما إذا قتل و لم يأخذ المال، و حكمه أيضا مستفاد من رواية علي بن حسان، و هو أنّه يقتل و لا يصلب.

و على الجملة ما ذكرنا من التفصيل في حدّ المحارب نتيجة الأخذ بصحيحة محمد بن مسلم و رواية علي بن حسان، و الجمع بينهما برفع اليد عن

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 391

[و ها هنا مسائل]

اشارة

و ها هنا مسائل:

[الأولى: إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله قودا]

الأولى: إذا قتل المحارب غيره طلبا للمال تحتم قتله قودا ان كان المقتول

______________________________

إطلاق أحدهما بالتقييد الوارد في الأخرى و الترتيب في الحد كما تقدم، و ان كان منافيا لظهور صحيحة جميل بن دراج المتقدّمة الظاهرة في التخيير بين الأمور الأربعة، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظهورها و حملها على أنّ مشية الإمام في اختيار الجزاء بحسب اختلاف جناية المحارب و الموجب.

و لهذا الحمل قرينة، صحيحة بريد بن معاوية، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله اللّه عز و جل إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ، قال: «ذلك الى الإمام يفعل ما شاء»، قلت: فمفوض ذلك اليه؟ قال: «لا، و لكن نحو الجناية» «1».

فإنّ صراحة هذه بأنّ مشية الإمام في اختيار الجزاء منوط باختلاف جناية المحارب توجب حمل المشية في صحيحة جميل ايضا على ذلك، و أمّا سائر الروايات الواردة في الباب فلضعفها سندا لا يمكن الاعتماد عليها.

لا يقال: ما تقدّم من التفصيل بناء على العمل برواية علي بن حسان و العمل بها مشكل، حيث إنّ علي بن حسان مشترك بين الواسطي الثقة و بين الهاشمي الضعيف.

فإنه يقال: الظاهر انّ الواقع في السند علي بن حسان الواسطي، فانّ غالب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 2: 533.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 392

كفوا، و مع عفو الولي حدّا سواء كان المقتول كفوا أو لم يكن، و لو قتل لا طلبا

______________________________

روايات الهاشمي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير، و قد ذكر علي بن حسن بن فضال ذلك معرّفا له، و يؤيّده أنّ علي بن إبراهيم لم يذكر في تفسير الآية غير ما رواه

عن أبيه، عن علي بن حسان، مع ذكره في تفسيره أنّه يروي ما يورد في تفسير الآيات عن الثقات.

لا يقال: ما ذكر من التفصيل في حدّ المحارب و بكون الإمام مخيّرا فيما إذا شهر و جرح و أخذ المال بين قطع يده اليمنى و رجله اليسرى و بين قتله و صلبه، مخالف للقول بالتخيير و القول بالتفصيل، و لا يمكن الالتزام به.

فإنه يقال: لا يضر عدم فتواهم بالتفصيل المزبور، حيث أنّه لحسبان المعارضة و الاختلاف في مدلول الروايات، و مع بيان عدم المعارضة و وجود الجمع العرفي بين الروايات المعتبرة يلتزم بالمستفاد منها.

ثم انّه يبقى في البين حكم ما شهر السلاح و قتل و لكن لم يكن المقتول كفوا للقاتل، كما إذا كان المقتول كافرا ذميا أو عبدا، و لا يبعد الالتزام بأنّه إذا أخذ المال يقتل أو يصلب أخذا بالإطلاق في معتبرة علي بن حسان، حيث ورد فيها:

«من حارب اللّه و أخذ المال و قتل كان عليه أن يقتل أو يصلب».

و أمّا مع عدم أخذه المال يمكن أن يقال يقتل ايضا و لا يصلب للأخذ أيضا بما ورد فيها: «و من حارب و قتل و لم يأخذ المال عليه أن يقتل و لا يصلب»، فإنّ إطلاقه يعمّ ما إذا كان المقتول غير كفو لقاتله، و ما دلّ على اعتبار الكفاية، يختصّ بالقصاص و لا يجري في القتل حدا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 393

للمال كان كقاتل العمد و أمره الى الولي (1)، و أمّا لو جرح طلبا للمال كان القصاص إلى الولي، و لا يتحتم القصاص في الجرح بتقدير ان يعفو الولي، على الأظهر.

______________________________

لا يقال: على ذلك كلّ من قتل كافرا ذميا بسلاح شهره

عليه أو قتل عبدا بسلاح كذلك، فهو محارب فيقتل.

فإنّه يمكن الفرق بين من شهر سلاحه في الناس لاخافتهم و الجناية فيهم، فصادف ان جنى على كافر ذمّي أو على عبد و بين من شهر سلاحه على أحد ليقتله فقتله، فانّ الثابت في الثاني القصاص، و لا يدخل القاتل في المحارب بخلاف الأوّل، فإنّه محارب يتعلّق به حدّ المحارب، و لا يعتبر الكفاية في القتل حدّا، و لكن ظاهر الماتن في المسألة الآتية أنّه مع عدم أخذ المحارب المال يجري على قتله القود، فيعتبر في قتله الكفاية إذا كان عدم أخذه المال لعدم قصده.

(1) ذكر قدّس سرّه أنّ من شهر سلاحه و قتل لا طلبا للمال يثبت عليه القصاص خاصة، فلو عفى عنه وليّ الدم أو أخذ منه الدية صلحا فلا يقتل حدّا، و كذا إذا جرح الآخر، سواء كان جرحه طلبا للمال أو لغيره، فإنّه يثبت للمجنى عليه حق القصاص خاصة، فان عفى أو أخذ الدية لا يثبت عليه الحدّ.

أقول: ما ذكره قدّس سرّه في فرض الجرح و عدم أخذ المال صحيح، فإنّه لا دليل على تعلّق الجرح من جهة الحدّ ايضا، بل غايته تعلق النفي به حدّا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 394

[الثانية: إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحدّ]

الثانية: إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحدّ (1)، و لم يسقط ما يتعلّق به من حقوق الناس، كالقتل و الجرح و المال، و لو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه حدّ

______________________________

و أمّا ما ذكره في فرض القتل لا طلبا للمال لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه و ان بنينا على عدم إطلاق الآية المباركة و عدم التخيير في حد المحارب، إلّا ان مقتضى الإطلاق في معتبرة علي بن حسان أنّ

حدّه ايضا القتل، حيث ذكر سلام اللّه عليه: «و من حارب فقتل و لم يأخذ المال كان عليه القتل و لا يصلب»، فإنّه يعم ما إذا كان شهر سلاحه للتعدّي على أعراض الناس و أمن بلادهم، كما تقدم الفرق بينه و بين الاعتداء على شخص أو جمع بقتلهم الموجب للقود خاصة.

(1) لا خلاف في سقوط الحدّ عن المحارب بتوبته قبل أن يقدر عليه، و يشهد لذلك الآية المباركة إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1»، و في معتبرة علي بن حسان المتقدّمة: «يعني يتوبوا قبل ان يأخذهم الإمام» «2».

و بما أنّ التوبة مسقطة للعقاب الأخروي، و لا فرق في سقوطه بها قبل أن يقدر عليه أم بعده، يكون التقييد بالتوبة قبل أن يقدر ظاهره سقوط الحدّ، أضف الى ذلك ظاهر الاستثناء، حيث إنّ المستثنى منه الأمور الأربعة التي تقدم أنّها حد المحارب الذي من حقوق اللّه.

و أمّا بالإضافة إلى حقوق الناس من القصاص عن جنايته أو ضمانه المال

______________________________

(1) المائدة: 34.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 11: 536.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 395

و لا قصاص و لا غرم.

[الثالثة: اللص محارب]

الثالثة: اللص محارب، فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته (1)، فان

______________________________

فلا يحكم بسقوطه، أخذا بما دلّ على ثبوتها في المقام و غيره مع عدم الدلالة في الآية و غيرها على حكمها.

(1) إن كان المراد باللّص مطلق السارق أو السارق بالسلاح فإنّه إذا دخل دار الغير و يريد أخذ المال فيجوز قتله مع توقف الدفاع عليه، و في موثقة أو معتبرة الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «كان علي بن أبي طالب

عليه السّلام يقول: من دخل عليه لصّ فليبدره بالضربة فما تبعه من إثم فأنا شريكه فيه» «1»، و في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، قال: «انّ اللّه ليمقت العبد يدخل عليه في بيته فلا يقاتل» «2» الى غير ذلك.

و على الجملة، الدفاع عن نفسه و اهله و عرضه و ماله أمر مشروع حتّى إذا احتمل تلف نفسه، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من قتل دون مظلمة فهو شهيد» «3».

و في صحيحة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل دون مظلمة فهو شهيد، ثم قال: أيا أبا مريم هل تدري ما دون مظلمة، قلت:

جعلت فداك الرجل يقتل دون أهله و دون ماله و أشباه ذلك، قال: يا أبا مريم إنّ

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 17.

(2) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 2.

(3) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 8.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 396

..........

______________________________

من الفقه عرفان الحق» «1».

و في صحيحة محمد بن مسلم: «و من قتل دون ماله فهو شهيد» «2».

و لكن الكلام في مقامين:

أحدهما: جواز الدفاع عن ماله و عدم وجوبه يخالف الدفاع عن نفسه أو عرضه فإنّه يجب، و في صحيحة الحسين بن أبي العلاء، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقاتل دون ماله، فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد، فقلت: أ يقاتل أفضل أو لا يقاتل، فقال: ان لم يقاتل فلا بأس أمّا انا فلو كنت لم أ

قاتل و تركته» «3».

و في ذيل صحيحة محمد بن مسلم: «لو كنت أنا لتركت المال و لم أ قاتل»، و أمّا وجوب الدفاع عن النفس فيأتي البحث في وجوبه في بحث الدفاع.

و المقام الثاني: هل يجوز قتل اللّص المجرّد للسلاح إذا دخل دارا للجناية على أهلها مع عدم توقف الدفاع على قتله و أنّه إذا قتله، سواء قلنا بالجواز أو عدمه، يتعلق على القاتل شي ء أم لا، فإنّه يظهر جواز قتله مطلقا من بعض

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 9.

(2) الوسائل: 11، الباب 4 من أبواب الدفاع، الحديث 1: 589.

(3) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 10.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 397

..........

______________________________

الروايات، كمرسلة أبان بن عثمان، عن رجل، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا دخل عليك اللص المحارب فاقتله فما أصابك فدمه في عنقي» «1».

و في رواية أبي أيوب: «من دخل على مؤمن داره محاربا له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن و هو في عنقي» و في معتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «إذا دخل عليك اللص يريد أهلك و مالك فان استطعت ان تبدره و تضربه فابدره و اضربه، و قال:

اللص محارب للّه و لرسوله فاقتله» «2».

و في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن آبائه: «من شهر سيفا فدمه هدر» «3».

بل مقتضى إطلاق هذه المعتبرة جواز قتله حتّى مع عدم دخوله بيته فضلا عن عدم توقف الدفاع عن نفسه أو ماله أو أهله على قتله، و لكن المتفاهم من الروايات المتقدمة و نحوها بيان مشروعية الدفاع عن النفس و الأهل و المال

و العرض، و ان الدفاع المزبور إذا انجرّ الى قتل الداخل في بيته بان قتله المالك، و لو بزعم أنه لا يتخلص منه إلّا بقتله فلا وزر عليه.

و أمّا إذا أحرز المالك أنّه يخرج عن بيته بمجرد الصيحة عليه، و مع ذلك

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 7.

(2) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب حد المحارب، الحديث 2: 543.

(3) الوسائل: 19، الباب 22 من أبواب قصاص النفس، الحديث 7: 44.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 398

أدّى الدفع الى قتله كان دمه هدرا ضائعا لا يضمنه الدافع، و لو جنى اللصّ عليه ضمن، و يجوز الكف عنه، و أمّا لو أراد نفس المدخول عليه فالواجب الدفع، و لا يجوز الاستسلام و الحال هذه، و لو عجز عن المقاومة (1) و أمكن الهرب وجب.

[الرابعة: يصلب المحارب حيّا على القول بالتخيير]

الرابعة: يصلب المحارب حيّا على القول بالتخيير (2) و مقتولا على القول الآخر.

______________________________

يقتله فاستفادة جوازه منها مشكل جدا، فإنّه لا يبعد انصرافها إلى صورة توقف الدفاع أو توهم التوقف.

و بتعبير آخر، لا يجوز لكلّ أحد قتل المحارب بمجرد شهره السلاح حدّا، بل الذي يقيم الحد عليه الحاكم على تفصيل سابق، و انّما يجوز قتله إذا توقف الدفاع عن نفسه أو أهله أو ماله عليه، فالأمر في اللص لا يزيد عليه.

(1) الظاهر أنّ وجوب الهرب غير مشروط بالعجز عن المقاومة بل هو على نحو التخيير بينه و بين الدفاع، حيث انّ التحفظ على نفسه يحصل بكل منهما، نعم إذا لم يتمكن من أحدهما تعيّن الآخر.

نعم، إذا توقف التخلّص عن إفساده و التحفّظ على أمن البلاد على قتاله و الظفر به، فيجب كفاية و هذا أمر آخر.

(2) قد تقدّم تعيّن

الصلب بعد القتل في بعض الفروض، كما إذا شهر سلاحه و عقر و أخذ المال و لم يقتل، فإنّ الإمام مخيّر بين قطع يده اليمنى و رجله اليسرى و بين قتله و صلبه، و في بعض الفروض يتخيّر بين القتل و الصلب

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 399

[الخامسة: لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام]

الخامسة: لا يترك على خشبة أكثر من ثلاثة أيام، ثم ينزل و يغسّل و يكفن و يصلى عليه و يدفن، و من لا يصلب الا بعد القتل لا يفتقر الى تغسيله، لأنّه يقدّمه امام القتل.

______________________________

فيصلب حيّا، كما إذا شهر سلاحه أخذ المال و قتل، و على كلا التقديرين لا يترك المصلوب على الخشبة بأكثر من ثلاثة أيام بلا خلاف ظاهر.

و يشهد لذلك معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن» «1».

و يؤيّده معتبرته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه و دفنه» «2».

و في مرسلة الصدوق، قال الصادق عليه السّلام: «المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام و يغسل و يدفن، و لا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام» «3».

و ظاهر المعتبرة و غيرها موت المصلوب، فلا تعمّ ما إذا اتفق عدم موته بالصلب المزبور، فيؤخذ بظاهر الأمر بصلبه في موته بذلك الصلب إذا كان صلبه حيّا، و لا فرق في وجوب التغسيل بين من صلب حيّا أو ميتا لجواز الغسل عليه على كلا التقديرين، و التعليل بما في المتن عليل كما ذكرنا في باب تغسيل الأموات.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5

من أبواب حد المحارب، الحديث 2: 543.

(2) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 1: 543.

(3) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 3: 543.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 400

[السادسة: ينفى المحارب عن بلده]

السادسة: ينفى المحارب عن بلده (1) و يكتب الى كل بلد يأوي إليه بالمنع

______________________________

(1) ظاهر عبارة الماتن أنّ نفي المحارب هو إخراجه عن بلده، بأن لا يبقى فيه، و إذا آوى الى بلد آخر يمنع أهله عن معاشرته بمؤاكلته و مشاربته و مبايعته، و لو بقي في بلد كذلك لا يجبر عليه بالخروج منه.

و يظهر ذلك من صحيحة جميل بن دراج المتقدّمة، حيث ورد فيها: قلت:

النفي إلى أين، قال: «من مصر الى آخر»، و قال: «ان عليّا عليه السّلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة» «1»، حيث إنّ الاستشهاد بنفي علي عليه السّلام ظاهر في إخراجه من بلد الى آخر لا إخراجه من بلد آخر ايضا.

و هذه الصحيحة و إن لم يرد فيها ان أهل البلد الآخر مكلّفون بمقاطعته إلّا انّه يلتزم بها لدلالة صحيحة حنان عليها، فإنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ الآية «2»، قال: «لا يبايع و لا يؤوى و لا يطعم و لا يتصدق عليه» «3».

و لكن قد يقال: إنّ النفي كذلك خلاف ما عليه المشهور، فإنّهم التزموا بنفيه من كلّ بلد يأوي اليه مع لزوم مقاطعته حتّى يموت أو يتوب، و التزم بعض تحديد النفي من كلّ بلد يأوي إليه إلى سنة، و يقال وجه ما عليه المشهور من النفي من كلّ بلد الآية المباركة، فإنّ ظاهرها نفيه من الأرض بأن

لا يستقرّ في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 3: 533.

(2) المائدة: 33.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المحارب، الحديث 1: 539.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 401

عن مؤاكلته و مشاربته و مجالسته و مبايعته، و لو قصد بلاد الشرك منع منها، و لو

______________________________

مكان من الأرض.

كما يدلّ على ذلك موثقة أبي بصير، قال: سألته عن الإنفاء من الأرض كيف هو، قال: «ينفى من بلاد الإسلام كلّها فان قدر عليه في شي ء من أرض الإسلام قتل و لا أمان له حتّى يلحق بأرض الشرك» «1».

و في معتبرة بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا نفى أحدا من أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام، فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام» «2».

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 401

فإنّ ظاهرها كظاهر موثقة أبي بصير تعيّن نفيه عن بلاد الإسلام الى أن يستقرّ في بلد أهل الشرك أو القريب منه أو يقتل، بل مدلول الموثقة كون الغاية قتله، حيث لا أمان له، و في رواية بكير بن أعين الاستقرار في الأقرب الى بلاد الشرك، و مع تعارضهما مع ما ورد في صحيحة جميل بن دراج يكون المتعيّن الرجوع الى الآية المباركة الظاهرة في نفيه من كل البلاد بأن لا يستقرّ في شي ء منها.

لا يقال: لا يختصّ ما في موثقة أبي بصير و رواية بكير بن أعين بنفي المحارب.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المحارب، الحديث 7: 539.

(2) الوسائل: 18،

الباب 4 من أبواب حد المحارب، الحديث 6: 539.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 402

مكنوّه من دخولها قوتلوا حتى يخرجوه.

[السابعة: لا يعتبر في قطع أخذ النصاب انتزاعه من حرز]

السابعة: لا يعتبر في قطع أخذ النصاب (1)، و في الخلاف: يعتبر، و لا

______________________________

فإنه يقال: ظاهر السؤال في موثقة أبي بصير السؤال عن الإنفاء من الأرض و لم يرد النفي من الأرض إلّا في المحارب كما هو ظاهر الآية، نعم رواية بكير بن أعين كذلك، و لكن لا يبعد دعوى العلم بعدم كون الحكم في مطلق النفي ما ورد فيها، فإنّ الزاني لا ينفى إلى أقرب بلد من بلاد أهل الشرك إلى الإسلام.

و على المعارضة بين موثقة أبي بصير و صحيحة جميل كافية في الرجوع الى ظاهر الآية، بل يمكن تقديم الموثقة في مقام المعارضة لموافقتها للكتاب المجيد، هذا إذا لم نقل بأن النفي في صحيحة جميل حد بعد الظفر على المحارب و في الآية و الموثقة نفيه مع عدم الظفر به بقرينة أنّ المحارب الذي لم يخرج و لم يأخذ المال و لم يقتل لا يكون جزاؤه أشد، بحيث لا يكون له أمان حتّى يقتل.

و أمّا كون غاية النفي كما ذكر تمام السنة أو التوبة و أنّه ان دخل بلاد الشرك قوتل حتّى يخرجوه منها، فقد ورد ذلك في رواية عبيد اللّه بن إسحاق، عن أبي الحسن عليه السّلام: «يفعل ذلك به سنة فإنّه سيتوب و هو صاغر»، و في رواية عبيد اللّه المدائني، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «فان توجّه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها» و لكن لضعف السند فيهما لا يمكن الاعتماد عليهما.

(1) لا يعتبر في قطع يد المحارب و رجله أن يبلغ ما أخذه من المال بحدّ

أسس الحدود

و التعزيرات، ص: 403

انتزاعه من حرز، و على ما قلنا من التخيير لا فائدة في هذا البحث، و لأنّه يجوز قطعه و إن لم يأخذ مالا.

و كيفيّة قطعه أن يقطع يمناه ثم يحسم (1)، ثم يقطع رجله اليسرى

______________________________

نصاب السرقة، و ذلك لما تقدّم من إطلاق ما ورد فيه من أنّه إذا شهر سلاحه و جرح و أخذ المال يقطع يده اليمنى و رجله اليسرى و ان شاء قتله و صلبه، و ما تقدّم من بلوغ النصاب يعتبر في سرقة السارق لا الموضوع للحد في صحيحة محمد بن مسلم و علي بن حسان المتقدمتين، فانّ الموضوع له المحارب و الإمام مخيّر بين قطع يده و رجله و بين قتله و صلبه، و ما عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف من اعتبار النّصاب، أخذا بما دلّ عليه في السرقة لا يمكن المساعدة عليه، و ممّا ذكر يظهر عدم اعتبار انتزاع المال من حرزه في المحارب.

ثم إنّ هذا البحث مبنيّ على أنّ المحارب لا يقطع يده و رجله في صورة عدم أخذ المال، و أمّا بناء على التخيير بين الأمور الأربعة فلا يعتبر قطع المحارب آخذ المال فضلا عن بلوغ مقداره نصاب السرقة.

(1) مراده قدّس سرّه أنّه بعد قطع اليمنى من يد المحارب لا ينتظر برئها ليقطع بعد ذلك رجله اليسرى، بل يجوز قطع رجله قبل برئها، لأنّ قطعهما حدّ واحد ثبت بموجب واحد فيقطع يده اليمنى ثم تحسم ثم يقطع رجله اليسرى ثم تحسم، و قد تقدّم عدم وجوب الحسم على الحاكم في السارق فضلا عن المحارب الذي أمره أشد، و لذا ذكر الماتن انّه لو لم تحسم في الموضعين جاز.

أقول: اعتبار تقديم قطع اليد اليمنى

ثم رجله اليسرى دون العكس أو عدم

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 404

و تحسم، و لو لم تحسم في الموضعين جاز، و لو فقد أحد العضوين اقتصرنا على قطع الموجود و لم ينتقل الى غيره.

[الثامنة: لا يقطع المستلب، و لا المختلس، و لا المحتال على الأموال]

الثامنة: لا يقطع المستلب (1)، و لا المختلس، و لا المحتال على الأموال

______________________________

جواز قطعهما دفعة لا يخلو عن المناقشة و التأمّل لعدم دليل عليه، و ان كان رعايته أحوط.

و لو فرض فقده اليد اليمنى أو الرجل اليسرى اقتصر على قطع الموجود، و لا يقاس المقام بالسّارق الذي لم يكن له اليد اليمنى، حيث ذكرنا أنّه لا يقطع رجله اليسرى، لأنّ قطعها ليس حدّا للسرقة الاولى، و ذكرنا ايضا انّه لو سرق ثانية لا يقطع رجله اليسرى، لأنّ قطعها حدّ للسرقة الثانية بعد قطع اليد اليمنى بالسرقة الاولى.

و الوجه في عدم القياس أنّ قطع يد المحارب و رجله من خلاف حدّ واحد، و إذا فقد أحد العضوين سقط بعض الحدّ فلا موجب لسقوط بعضه الآخر، و المراد بكونهما حدّا واحدا كون اقامة كلّ منهما في عرض الآخر كما تقدم.

(1) المراد من المستلب الذي يأخذ المال جهرا و يهرب من غير أن يكون أخذه بشهر السلاح ليدخل في عنوان المحارب، و هذا بما أنّه أخذ المال علانية لا يقطع لأنّه يعتبر في السارق الإخفاء كما تقدم، و قد تقدّم ما ورد فيه أنّه ليس على الذي يستلب قطع و ان الدغارة المعلنة ليس عليه قطع.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 405

بالتزوير و الرسائل الكاذبة، بل يستعاد منه المال و يعزّر، و كذا المبنج، و من سقى

______________________________

و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ليس

على الذي يستلب قطع و ليس على الذي يطرّ الدراهم من ثوب قطع» «1»، الى غير ذلك.

و الاختلاس هو أخذ المال من غير حرزه خفية، و المستلب كما ذكرنا يأخذ المال جهرا و يهرب و لا يقطع كالمختلس، و في موثقة سماعة قال: «من سرق خلسة خلسها لم يقطع و لكن يضرب ضربا شديدا» «2»، و قريب منها غيرها.

و كذا لا يقطع من يأخذ مال الغير بالتزوير كالمحتال بالرسائل الكاذبة و نحوها، و هذا ايضا لكونه عدوانا على الغير في ماله محرّم يعزّر فاعله، و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في رجل استأجر أجيرا- الى ان قال:- و قال في رجل أتى رجلا و قال: أرسلني فلان إليك لترسل اليه بكذا و كذا فأعطاه و صدّقه، فقال له: ان رسولك أتاني فبعثت إليك معه بكذا و كذا، فقال: ما أرسلته إليك و ما أتاني بشي ء، فزعم الرسول انّه قد أرسله و قد دفعه اليه، فقال: ان وجد عليه بينة انه لم يرسله قطع يده، و معنى ذلك ان يكون الرسول قد أقر مرّة انّه لم يرسله و ان لم يجد بينة فيمينه باللّه ما أرسلته و يستوفى الآخر من الرسول المال، قلت: أ رأيت ان زعم انّه انما حمله على ذلك الحاجة، فقال: يقطع لأنّه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 13 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 504.

(2) الوسائل: 18، الباب 12 من أبواب حد السرقة، الحديث 5: 503.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 406

غيره مرقدا (1)، لكن ان جنى ذلك شيئا ضمن الجناية.

______________________________

سرق مال الرجل» «1».

و عن الشيخ قدّس سرّه حملها على أنّ القطع لا للسرقة حدّا بل لإفساده،

و لكن لا يخفى إن كان المراد بالإفساد الاحتيال أو أخذ المال بالكذب، فمن الظاهر انّ الكذب لا يوجب القتل و ان كان لأخذ المال به، كما هو ظاهر الرواية يكون القطع حدّه.

و قد حملها في الجواهر على أنّها حكم في واقعة خاصة اقتضت المصلحة فيها ذلك، و لكن لا يخفى ما فيه، فانّ ما ورد في الرواية من قوله عليه السّلام جواب عن واقعة كالواقعة المفروضة قبلها، و علّل الحكم بالقطع بقوله: لأنّه سرق مال الرجل، و إرجاع علمها إلى أهلها بدعوى العلم و الوثوق بعدم الفرق بينه و بين الاختلاس و الغلول الوارد في الروايات بعدم القطع بهما اولى.

(1) معطي البنج و سقي الغير بالمرقد لا يقطع بفعله، و لكن ان كان فعله هذا موجبا للجناية على المتناول في نفسه أو ماله يضمن المعطي و الساقي الجناية، و بتعبير آخر الفعل المزبور تعدّ و عدوان على الغير إذا لم يكن في البين ما يوجب ارتفاع عنوان التعدي عليه، كما في الإعطاء و سقي بعض المرضى فيعزّر مرتكبه، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 15 من أبواب حد السرقة، الحديث 1: 507.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 407

[القسم الثاني التعزيرات]

اشارة

القسم الثاني التعزيرات و فيه أبواب:

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 409

[الباب الأوّل في المرتد]

اشارة

الباب الأوّل في المرتد (1)، و هو الذي يكفر بعد الإسلام، و

[له قسمان]

اشارة

له قسمان:

______________________________

(1) المراد بالمرتدّ من اختار الكفر بعد إسلامه، سواء كان قبل إسلامه كافرا أو محكوما بالكفر أم لا، و يعبّر عن الثاني أي من لا يكون محكوما بالكفر قبل إسلامه بالمرتدّ الفطري، و عن الأول أي من كان مسبوقا بالكفر ثم أسلم ثم كفر بالمرتد الملّي.

و الكلام فعلا في المرتد الفطري، و ليعلم أنّ الخروج عن الإسلام يكون بالقول، كما إذا اعترف بخروجه عن الإسلام، أو أنكر التوحيد أو نبوة نبيّنا أو المعاد، أو أنكر ما هو معلوم من دين الإسلام مع اعترافه أنّه ممّا جاء به النبي الأعظم أو نطق به الكتاب المجيد.

و يكون بالفعل كما إذا استهزء بالدين بإلقاء المصحف الشريف في القاذورات و تلويث الكعبة و غيرها من الضرائح المقدسة و العبادة للصنم و نحوها، بل يقال بأنّه يخرج عن الإسلام بالنيّة و البناء على ترك الإسلام أو الدخول في بعض فرق الكفر و إن لم يتكلّم بشي ء و لم يعمل عملا موجبا للكفر أو يحسب إنكارا.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 410

..........

______________________________

و لا كلام في خروجه عن الايمان بذلك، و لكن مع عدم تكلّمه أو عمله بشي ء يظهر ما في قلبه، ففي خروجه عن الإسلام تأمّل خصوصا مع إظهاره الشهادتين فانّ الموضوع للارتداد في الروايات جحود النبي صلّى اللّه عليه و آله و تكذيبه و الكفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و التنصّر و اختيار الشرك و الخروج عن الإسلام، و في صدق ذلك على مجرّد النيّة و القصد تأمّل، و مثله تردّده في رفع اليد عن إسلامه و عدمه أو في حقّانية معتقداته

التي كان عليها من غير ان يظهر ذلك بقول أو عمل.

و كيف ما كان، فالمرتدّ الفطري من لم يسبق الكفر إسلامه، و المشهور أنّه يكفي في كون الشخص مرتدا فطريا أن يولد على الإسلام، بأن كان كلّ من أبويه أو أحدهما مسلما، كما يستظهر ذلك من موثقة عمار الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه، فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ و يقسّم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها، و على الإمام ان يقتله و لا يستتيبه» «1».

و صحيحة أبان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصبي إذا شبّ فاختار النصرانيّة و أحد أبويه نصراني أو مسلمين، قال: «لا يترك و لكن يضرب على الإسلام» «2»،

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 3: 545.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب حد المرتد، الحديث 2: 546.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 411

..........

______________________________

فإنّه لو لم يكن الصبي مع إسلام أحد أبويه أو كليهما محكوما بالإسلام لما كان لضربه على الإسلام حتّى مع صغره وجه.

و على الجملة، إذا كان الولد حين الولادة من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلما يكون من ولادته محكوما بالإسلام، و إذا كان أحدهما أو كلاهما داخلا في الإسلام بعد ولادته يكون من حين دخول أحدهما أو كليهما في الإسلام محكوما بالإسلام.

كما يدلّ على ذلك معتبرة حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد

ذلك، فقال: «إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار، و هم أحرار و ولده و متاعه و رقيقه له، فأمّا الولد الكبار فهم في ء للمسلمين إلّا ان يكونوا أسلموا قبل ذلك- الحديث» «1».

و هل يعتبر في الارتداد الفطري مجرّد الإسلام الحكمي، أو يعتبر أن يكون المسلم الحكمي واصفا للإسلام بعد بلوغه، فان خرج عن الإسلام بعد وصفه يترتّب عليه ما ذكر من الحكم، و الحدّ على المرتد الفطري.

و قد ذكر في كشف اللثام أنّ المراد بالمرتدّ الفطري من لم يحكم بكفره قطّ لإسلام أبويه أو أحدهما حين ولد و لوصفه الإسلام حين بلغ، و ظاهره أنّه لو

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 43 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1: 89.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 412

..........

______________________________

لم يصف الإسلام عند بلوغه و اختار الكفر فلا يكون مرتدا فطريا، و لكن لا يخفى أنّه عند بلوغه رجل و إذا اختار الكفر عنده أو من قبله يصدق عليه كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام، كما ورد ذلك في موثقة عمار الساباطي المتقدمة.

و كذا يصدق عليه ما ورد في صحيحة الحسين بن سعيد، قال: قرأت بخطّ رجل الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام، هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب، فكتب عليه السّلام: «يقتل»، الى غير ذلك.

و الحاصل اعتبار وصف الإسلام عند بلوغه، و عدم كون الارتداد عن فطرة بالكفر عند البلوغ مع إسلامه الحكمي قبل ذلك، يدفعه الإطلاق في الروايات المشار إليها.

نعم، إذا ارتدّ قبل بلوغه مع إسلامه الحكمي لا يجري عليه الحدّ لارتفاع الحد عن الصبي، و إذا لم يتب عند بلوغه، و بقي على ارتداده

يجري عليه ما يجري على البالغ المرتد، كما يأتي.

بقي في المقام أمر، و هو إنّ المعتبر في إسلام الولد و ولادته على الإسلام انعقاد نطفته حال كون أبويه أو أحدهما مسلما، أو أنّ المعتبر إسلامهما أو إسلام أحدهما عند ولادته، و إن لم يكن واحد منهما مسلما عند انعقاد نطفته و زمان

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 413

..........

______________________________

حمل امّه.

لا يبعد أن يقال: العبرة بزمان انعقاد النطفة و الحمل، و إذا أسلم أحد الأبوين أو كلاهما عند ولادة الطفل، فالولد المزبور و ان تبعهما في إسلامهما، إلّا أنّه إذا كفر بعد بلوغه لا يجري عليه حكم المرتد الفطري.

و ذلك فإنّه يستفاد ممّا ورد في إرث الحمل أنّه زمان الحمل محكوم بالإسلام، و لو مات الأب في زمان الحمل به من الزوجة الكافرة أو الأمة الكافرة يعزل ميراثه، و بما أنّه لا يرث المسلم إلّا المسلم يكون المستفاد أنّه زمان الحمل مسلم، فيكون المعيار في إسلامه زمان انعقاد نطفته.

و التعبير في بعض الروايات بالولادة على الإسلام، هو أن يكون عند ولادته محكوما بالإسلام في مقابل من يكون مسلما بعد ولادته، كما إذا أسلم أبواه أو أحدهما بعد ولادته، و هذا التعبير باعتبار الغالب حيث إنّ الغالب فيمن يكون مسلما عند ولادته انعقاد نطفته زمان إسلام أبويه أو إسلام أحدهما، و تمام الكلام في ذلك عند تعرض الماتن لولد المرتدّ.

و قد تقدّم إنّ المستفاد من معتبرة حفص بن غياث تبعيّة الولد في إسلامه إسلام أحد أبويه كان إسلامه بعد ولادته أو عندها، كما يستفاد ممّا ورد في إرث الحمل و عزل نصيبه، بضميمة ما دلّ على أنّ المسلم لا يرثه غير المسلم انّ الطفل حال الحمل ايضا

محكوم بالإسلام إذا كان أحد أبويه مسلما.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 414

[الأوّل: من ولد على الإسلام]

الأوّل: من ولد على الإسلام.

و هذا لا يقبل إسلامه لو رجع، و يتحتّم قتله و تبين منه زوجته و تعتد منه عدة الوفاة و تقسم أمواله بين ورثته، و ان التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بين الامام و بين قتله (1).

______________________________

(1) لا خلاف في أنّ المرتد الفطري إذا كان رجلا لا يستتاب بل يجب قتله حدا و تبين منه زوجته و تعتدّ عدة الوفاة و تقسم أمواله بين ورثته، قتل أو لم يقتل، كما إذا هرب و التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بينه و بين الإمام.

و في صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسم ما ترك لولده» «1».

و في موثقة عمار المتقدمة، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمدا صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع منه ذلك و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسّم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدة المتوفّى عنها زوجها، و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه» «2».

و المراد من المسلم بين مسلمين أن لا يكون للمرتدّ سابقة الكفر و لو كان حكميا كما تقدم، و لا يلزم إسلام الأبوين بل المعيار إسلام أحدهما، و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام،

قال: سألته عن مسلم تنصّر

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 2: 545.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 3: 545.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 415

..........

______________________________

قال: «يقتل و لا يستتاب»، قلت: فنصراني أسلم ثم ارتدّ، قال: «يستتاب فان رجع و إلّا قتل» «1».

و في صحيحة الحسين بن سعيد المتقدّمة قرأت بخطّ رجل الى أبي الحسن عليه السّلام رجل ولد على الإسلام ثم كفر و أشرك و خرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب، فكتب: «يقتل» «2».

و الصحيحتان دالّتان على أنّ المراد بمن يقتل بلا استتابة هو الذي لم يسبق الكفر إسلامه، فيرفع اليد بهما عن اعتبار إسلام كلا الأبوين، كما هو ظاهر موثقة عمّار بناء على كون مسلمين تثنية، كما يرفع اليد بهما عن إطلاق صحيحة محمد بن مسلم، حيث إنّ الأحكام الواردة فيها ذكرت لمطلق المرتدّ، كما يرفع اليد عن إطلاق صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من جحد نبيّا مرسلا و كذّبه فدمه مباح- الحديث».

ثم إنّه يبقى الكلام في عدم قبول توبة المرتد الفطري الذي ورد في صحيحة محمد بن مسلم، فهل المراد أنّ توبته لا تفيد بالإضافة الى ما ترتّب على ارتداده، من تعلق حدّ القتل به و بينونة زوجته و اعتدادها منه بعدّة الوفاة و انتقال أمواله إلى ورثته، أو أنّه لا يقبل إسلامه بعد ذلك، فلا يكون مسلما عند اللّه و لو مع توبته و اعترافه بالشهادتين، حتّى مع العلم بأنّ اعترافه لاعتقاده

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 5: 545.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 6: 545.

أسس الحدود

و التعزيرات، ص: 416

و يشترط في الارتداد البلوغ (1) و كمال العقل و الاختيار، فلو اكره كان نطقه

______________________________

بالإسلام و ايمانه قلبا.

و الالتزام بالثاني غير ممكن، لأنّ لازمه سقوط جميع التكاليف عنه لو يقتل لهربه أو عدم اطّلاع الغير على ارتداده زمان ردّته أو حيلولة الظالم بينه و بين قتله، كما أنّ لازم ذلك التقييد فيما ورد في بيان ما به الإسلام و الايمان، و ما ورد في التوبة و الاستغفار، مثل قوله سبحانه وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ «1»- الآية، و كلّ ذلك قرينة على أنّ المراد من نفي توبته عدم ارتفاع الأمور المترتبة على ارتداده كما ذكرنا.

ثم انّ المصرح به في كلام بعض الأصحاب بناء على قبول توبة المرتد الفطري بالإضافة الى غير الأحكام المترتّبة على الارتداد انّه إذا لم يقتل المرتدّ للالتحاق ببلاد الكفر أو لغير ذلك يكون ما يكتسبه من المال ملكه و يجوز له التزويج و لو بالمسلمة، بل يجوز له الرجوع الى زوجته بعقد جديد حتّى في أثناء عدتها كالرجوع إلى المطلقة البائنة.

و لكن ظاهر الأمر بزوجته بالاعتداد بعدّة المتوفّى عنها زوجها هو احتساب الشارع المرتد الفطري ميتا بالإضافة إلى زوجته قبل الارتداد، فلا يجوز لها التزويج بذلك الزّوج، لأنّ النكاح و الزواج علقة بين الأحياء.

(1) المراد عدم ترتّب الأحكام المترتّبة على الارتداد الفطري إذا كان المرتد صبيّا، فلا تبين زوجته منه و لا ينتقل أمواله إلى ورثته و لا يقتل، و هذا

______________________________

(1) المائدة: 54.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 417

بالكفر لغوا، و لو ادعى الإكراه مع وجود الامارة قبل (1).

______________________________

مقتضى رفع القلم عن الصبي و عدم ثبوت الأحكام العقوبتيّة في حق الصبي.

نعم

لا يترك الصبي على حاله فيضرب على العود إلى الإسلام و ان لم يرجع الى الإسلام بعد بلوغه يترتّب عليه الأحكام المتقدمة، بناء على ما هو الصحيح من كفاية الإسلام التبعي في الارتداد الفطري، و عدم اعتبار وصف الإسلام بعد بلوغه و قبل ارتداده.

و كذا الحال في المجنون، فإنّه لا يجري على ارتداده شي ء من الأحكام المتقدمة، و لا يتعلق به حدّ، مع أنّه لا اعتبار بكلام المجنون و فعله و لا يخرج بالإنكار أو الفعل عن الإسلام الحكمي.

و كذا الحال في صورة الإكراه لقوله سبحانه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1»، و قوله عليه السّلام: «قال رسول اللّه: رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه».

(1) و لو ادّعى أنّ إنكاره و إظهاره الكفر كان للإكراه فإن كان في البين قرينة على الإكراه، كما إذا كان عند كفّار بحيث يمكن الخوف منهم قبل قوله، و أمّا إذا لم يكن قرينة على ما يدّعيه من الإكراه فظاهر الماتن قدّس سرّه كتصريح بعض بأنّه يترتّب على ارتداده و أنّه يقتل لظهور فعله في الاختيار أو أصالة عدم كون ارتداده عن إكراه.

و دعوى أنّ الحدّ لا يثبت بالأصل و الحدود تدرء بالشبهات لا يمكن

______________________________

(1) النحل: 106.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 418

..........

______________________________

المساعدة عليها، فانّ الموضوع للأحكام المذكورة، و منها تعلّق الحدّ بالقتل ارتداد المسلم من غير إكراه عليه، فالارتداد محرز على الفرض و الإكراه عليه عدمه محرز بالأصل، و مع تمام الموضوع لها لا شبهة، أضف الى ذلك ضعف الرواية المزبورة و عدم الالتزام بمدلولها ان كان المراد بالشبهة احتمال الخلاف في الواقع وجدانا، فانّ لازمه عدم ثبوت الارتكاب بالبيّنة و الإقرار، و ان كان المراد

بالشبهة ظاهرا، فقد ذكرنا مع إحراز الموضوع لا شبهة ظاهرا.

و قد حمل كلام الماتن و نحوه على ما إذا شهدت البينة على ارتداده و ادّعى هو الإكراه عليه، فإنّه بما أنّ دعواه مخالفة لما شهدت البيّنة لا تسمع إلّا إذا كان في البين قرينة و موجب لاحتمال الإكراه، و أمّا إذا شهدت البيّنة بكلامه و قال نعم، صدور الكلام و القول المزبور صحيح، و لكنّه كان للإكراه عليه فلا يجري الحدّ، بل ناقش بعضهم في تعلّق الحد به في فرض الشهادة بردّته مع احتمال صدقه في دعواه.

أقول: لو كان الأصل في عدم الإكراه جاريا في المقام و يحرز به الموضوع للأحكام المزبورة، و منها تعلّق الحد لما كان في البين مجرد الامارة الظنية مفيدة في عدم ترتب الأحكام، و منها الحد، فإنّ الأصل يجري مع الامارة غير المعتبرة، و التمثيل في كلماتهم بالأمارة بكونه بين الكفار كاشف أنّ مرادهم بالأمارة مطلق ما يوجب الظن و لو نوعا بصدقه في دعوى الإكراه.

و لا يبعد أن لا يكون عدم الإكراه قيدا لموضوع الأحكام المتقدمة ليقال

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 419

و لا تقتل المرأة بالردّة بل تحبس دائما (1)، و ان كانت مولودة على الفطرة و تضرب أوقات الصلاة.

______________________________

بإحرازه بالأصل، بل مع الاعتقاد قلبا و الإنكار لسانا لا يتحقّق عنوان الارتداد أصلا، و هو رغبة الشخص و إعراضه عن الإسلام، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، و لذا لو كان في قلبه مؤمنا و تكلّم بكلمة الكفر عبثا، فانّ فعله و ان كان حراما إلّا انّه لا يترتّب عليه شي ء من الأحكام المزبورة.

نعم في البين أمر آخر، ان صدور فعل أو قول

من شخص ظاهره كونه مرادا جديا له، و عليه فان كان في البين ما يسقط هذا الظهور عن الاعتبار، كما إذا كان إنكاره الإسلام عند أسره بيد الكفار، فلا يجري عليه الحد و إلّا يجري عليه، و هذا ليس لاعتبار أصالة عدم الإكراه ليقال بجريانها حتّى مع الأمارة الظنية بالخلاف.

و على الجملة، الإكراه يتعلّق بالقول أو الفعل لا بالاعتقاد و الايمان بأن يتركهما، و لو فرض فرضا بتعلّقه على تركهما ايضا صحّ ما ذكر في ناحية جريان أصالة عدم الإكراه إلّا في مورد قيام قرينة معتبرة على صحة دعوى الإكراه.

(1) بلا خلاف بين الأصحاب في أنّ المرتدّة لا تقتل حتّى ما إذا كان ارتدادها عن فطرة، و يدلّ على ذلك صحيحة حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرتدة عن الإسلام: «لا تقتل و تستخدم خدمة شديدة و تمنع الطعام و الشراب

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 420

..........

______________________________

إلّا ما يمسك نفسها و تلبس خشن الثياب و تضرب على الصلوات» «1».

و معتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام، قال: «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل و لكن تحبس ابدا» «2».

ثم انّ الإمساك و تخليدها في الحبس ما دام لم تتب و مع رجوعها إلى الإسلام يخلّي سبيلها، فانّ في صحيحة ابن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السّلام في المرتد: «يستتاب فان تاب و إلّا قتل و المرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت فان تابت، و إلّا خلّدت» «3».

فانّ صدرها و ان يعمّ المرتدّ الفطري أيضا إلّا انّه يرفع اليد عن إطلاقه بما تقدّم من أنّ المرتدّ الفطري لا يستتاب بل يقتل، و أمّا

ذيلها فيؤخذ فيه بالإطلاق، و ظاهر قوله عليه السّلام في صحيحة حماد: «و تضرب على الصلوات»، هو ضربها على ان تصلّي، و هذا لا يكون إلّا مع قبول توبتها برجوعها إلى الإسلام.

و على الجملة، ظاهر ذيل صحيحة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «انّ توبة المرتدة مسقطة لحدّ ارتدادها»، يعني تخليدها في الحبس، حيث ذكرا عليهما السّلام في ذيلها: «و المرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت فان تابت و إلّا خلدت في السجن و ضيق عليها في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المرتد، الحديث 1.

(2) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المرتد، الحديث 2.

(3) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المرتد، الحديث 6.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 421

..........

______________________________

حبسها»، و رفع اليد عن إطلاق صدرها لا يوجب رفع اليد عن إطلاق ذيلها و اختصاصه بالمرتدة الملّية.

و لا مجال لدعوى أنّ الارتداد عن الإسلام لا يطلق على الارتداد الفطري، و الوجه في عدم المجال أنّ الارتداد عن الإسلام قد ورد في موثّقة عمار الساباطي مع اختصاصها بالمرتد الفطري، فمقتضى صحيحة حماد قبول توبة المرتدّة و رجوعها إلى الإسلام، و مقتضى ذيل صحيحة ابن محبوب، عن غير واحد سقوط الحدّ عنها بالتوبة و الحدّ تخليدها في الحبس، سواء كان ارتدادها فطريا أو مليا.

و أمّا ما ورد في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام من قضاء علي عليه السّلام في وليدة كانت نصرانية فأسلمت و ولدت لسيّدها ثم انّ سيّدها مات و أوصى بها عتاقة السري على عهد عمر، فنكحت نصرانيا ديرانيا و تنصّرت، فولدت منه ولدين و حبلت بالثالث

بأنّه يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها الإسلام، فأبت فقال: ما ولدت من ولد نصرانيا فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأول و أنا احبسها حتّى تضع ولدها فإذا ولدت قتلتها «1»، فلا يمكن العمل بظاهرها.

فانّ ظاهرها أنّ المرأة تقتل بعد عدم توبتها حتّى من الارتداد الملّي، و ما ورد فيها ايضا من صيرورة أولادها من النصراني ملكا لولدها من سيّدها المتوفى لا ينطبق على القواعد، و حمل القتل الوارد فيها على نكاحها بعد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 4 من أبواب حد المرتد، الحديث 5.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 422

..........

______________________________

نكاحها من مسلم، بأن يكون القتل حدا لهذا النكاح مناف لظاهرها بل صريحها انّ قتلها حدّ لارتدادها مع عدم توبتها بعد استتابتها، هذا كله بالإضافة إلى حدّ ارتدادها.

و أمّا أمر نكاحها من زوجها فلا يبعد الالتزام ببطلان نكاحها إذا ارتدّت قبل الدخول بها، حتّى فيما إذا كان ارتدادها بالدخول بالنصرانية أو اليهودية أو المجوسية، كما هو مقتضى قوله سبحانه وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «1»، فإنّه و ان يقال بجواز نكاح المسلم النصرانية و المجوسية و اليهودية انقطاعا أو حتّى دواما، لكن ظاهر ما ورد في جواز النكاح المرأة اليهودية و النصرانية و المجوسية بالأصل و لا يعمّ المرتدة عن الإسلام، فيؤخذ فيها بالإطلاق أو العموم في الآية، و ممّا ذكر يظهر انّه لا يجوز للمسلم التزويج بالمرتدّة حتّى إذا كان ارتدادها بدخولها في إحداها.

و أمّا إذا كان ارتدادها بعد الدخول بها، فالمعروف بين الأصحاب- على ما قيل- انّها إذا تابت قبل انقضاء عدّتها ترجع الى زوجها و إذا تابت بعد انقضاء العدة فزوجها خاطب من الخطاب، بلا فرق بين كون ارتدادها عن فطرة- كما هو

فرض الكلام- أم من ملّة، و بلا فرق ايضا بين كون ارتدادها باختيار الشرك أو بالدخول في إحداها.

و قد يستشكل في ذلك بأنّ مقتضى الآية المباركة بطلان نكاحها بمجرّد

______________________________

(1) الممتحنة: 10.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 423

[القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد]

القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد.

فهذا يستتاب (1)، فان امتنع قتل و استتابته واجبة، و كم يستتاب، قيل: ثلاثة

______________________________

ارتدادها و الثابت من تخصيصها فيما إذا كان الزوجان كافرين و أسلمت زوجته أو أسلم الزّوج، فإنّه مع إسلام الآخر قبل انقضاء العدة يبقيان على نكاحهما، و هذا لا يرتبط بارتداد الزوجة، و يأتي بقيّة الكلام في ذلك في بيان الحكم للمرتد الملّي.

(1) لا خلاف في أنّ المرتدّ الملّي يستتاب و لا يقتل قبل الاستتابة، و ظاهر الأصحاب أنّ الأمر بالتوبة وظيفة الحاكم قبل إجراء الحدّ عليه، و يدلّ على الحكم صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن مسلم تنصّر، قال: «يقتل و لا يستتاب»، قلت: فنصراني أسلم ثم ارتدّ، قال:

«يستتاب فان رجع و إلّا قتل» «1».

و صحيحة الحسن بن محبوب عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر و ابي عبد اللّه عليه السّلام في المرتد: «يستتاب فان تاب و إلّا قتل» «2».

و قد رفعنا اليد عن إطلاقها بمثل ما ورد في صدر صحيحة علي بن جعفر، بأنّ المرتد الفطري يقتل و لا توبة له، و بما أنّ آمره بالتوبة غير مذكور، فالمتفاهم العرفي أنّ ذلك من وظيفة مجري الحد عليه.

و قد وقع الخلاف في مقدار الاستتابة بحسب الزمان، و قد نسب

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المرتد الحديث 1.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد

المرتد الحديث 2.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 424

أيام، و قيل: القدر الّذي يمكن معه الرجوع، و الأوّل مروي، و هو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره. و لا تزول عنه أملاكه بل تكون باقية عليه (1).

______________________________

الماتن قدّس سرّه إلى قائل لم يذكر اسمه أنّ المقدار ثلاثة أيام، و ذكر أنّه مرويّ، و الرواية خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيّام، فإن تاب و إلّا قتل يوم الرابع» «1».

و المحكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف أنّه يستتاب بالقدر الذي يتمكن معه الرجوع الى الإسلام، حيث إنّ مقتضى إطلاق الأمر بالاستتابة هو الاكتفاء بذلك، و لكن لا يخفى عدم المجال للتمسّك بهذا الإطلاق، فإنّ خبر التحديد بثلاثة أيام و ان كان ضعيفا سندا، على رواية الشيخ و الكليني قدّس سرّهما، و لكنّه معتبر على رواية الصدوق قدّس سرّه، حيث رواه بسنده إلى السكوني، و عليه فاللازم رفع اليد به عن الإطلاق المتقدم، و أمّا ما في عبارة الماتن قدّس سرّه من التعليل بالتأنّي لإزالة عذره فلا يخرج عن مجرّد الاستحسان.

ثم إنّه لا فرق في تعيّن قتله بعد ثلاثة أيّام بين دعواه بأن له شبهة أم لا، فإن ثلاثة أيام كافية في حلّها، فان ادّعى بعد ذلك عدم حلّها لا تسمع و لا يمهل بل يقتل، أخذا بما دلّ على انّه يستتاب ثلاثة أيام و يقتل اليوم الرابع.

(1) بلا خلاف، بل الأمر في المرتدة الفطرية أيضا كذلك، فانّ ذلك

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المرتد، الحديث 5: 548.

أسس

الحدود و التعزيرات، ص: 425

و ينفسخ العقد بينه و بين زوجته و يقف نكاحها على انقضاء العدة، و هي كعدة المطلّقة.

و تقضى من أمواله ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة، و يؤدّي منه نفقة

______________________________

مقتضى الأسباب الموجبة لدخول الأموال في ملك أربابها من العقود و الإيقاعات و الأحياء و الحيازات و المواريث و غيرها بعد اختصاص ما دلّ على انتقال أموال المسلم بارتداده الى ورثته بالمرتد الفطري.

و على ذلك يؤدّي من أموال المرتدّ الملّي ديونه و نفقة زوجته المعتدّة من ارتداد زوجها، و كذلك نفقة سائر أقاربه، حيث إنّه مكلّف بأداء نفقة زوجته، فإنّ الزوجية زمان العدّة باقية نظير بقائها في الطلاق الرجعي، و كذلك بسائر التكاليف التي منها وجوب الإنفاق على أقاربه من الوالدين و الولد مع فقرهم.

هذا مع حياته، و أمّا بعد موته و لو بالقتل حدّا أو بغيره فيؤدّى ديونه من تركته، و من الديون نفقة زوجته التي كانت عليه، بخلاف نفقة سائر الأقارب، فإنّها لا تحسب دينا عليه لما تقرّر في باب النفقات ملك الزوجة نفقتها على زوجها، بخلاف سائر الأقارب، فإنّ وجوب الإنفاق عليهم مجرّد التكليف.

و ظاهر الماتن قدّس سرّه كصريح بعض الأصحاب أنّ المؤدّى ديونه، يعني المتصدي لأدائها أو نفقة زوجته و سائر أقرباؤه هو الحاكم، حيث انّ له ولاية التصرف في أموال الغائب و المحجور عليه.

و لكن لا يبعد القول بأنّه إذا أمكن للمرتد الملّي أداء دينه مباشرة أو

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 426

الأقارب ما دام حيّا، و بعد قتله تقضى ديونه و ما عليه من الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب.

و لو قتل أو مات كانت تركته لورّاثه المسلمين، فان لم يكن له وارث مسلم

فهو للإمام عليه السّلام (1)،

______________________________

بالتوكيل، و كذا الإنفاق على زوجته و أقرباؤه فلا موجب للقول بلزوم تصدي الحاكم، فإنّه لا دليل على كون مجرّد الارتداد عن ملّة موجبا للحجر عليه في أمواله، و مقتضى ما دلّ على سلطنة المالك على أمواله نفوذ تصرفاته فيها مباشرة أو توكيلا، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) إذا كان للكافر الأصلي وارث مسلم يرثه و يحجب الوارث الكافر، سواء كان الوارث الكافر مساويا المسلم في المرتبة أو أقرب رتبة من المسلم، و إذا لم يكن له وارث مسلم يرثه ورثته الكفار و لا يحجبهم الإمام عليه السّلام.

و أمّا المرتد فيرث أمواله ورثته المسلمون و لا يرثه أقرباؤه الكفار، سواء كانوا متساوين مع ورثته المسلمين في الرتبة أو كانوا أقرب منهم الى الميت، و إذا لم يكن للمرتدّ وارث مسلم ينتقل تركته إلى الإمام عليه السّلام، و قد ادّعى الإجماع على هذا الحكم في أموال المرتدّ الفطري و المرتدّة الفطرية، و المشهور انّ الحكم في المرتد الملي و المرتدّة الملية كذلك، و علّلوا ذلك لتحرّم المرتد بالإسلام، و لذا لا يجوز استرقاقه، و لا يصح نكاح المرتد بالكافرة و لا بالمسلمة على ما يأتي.

أقول: إن كان للمرتدّ الملّي وارث مسلم يرثه و يحجب الوارث الكافر،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 427

و ولده بحكم المسلم (1)، فان بلغ مسلما فلا بحث، و ان اختار الكفر بعد بلوغه استتيب، فان تاب و الّا قتل، و لو قتله قاتل قبل وصفه

______________________________

حتّى من كان أقرب الى الميت من المسلم في المرتبة، أخذا بما دلّ على أنّ المسلم يرث الكافر و يحجب وارثه الكافر، و أمّا إذا لم يكن له وارث فالأظهر أنّ تركته تنتقل الى

وارثه الكافر لا الإمام عليه السّلام.

و شهد لذلك صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

نصراني أسلم ثم رجع الى النصرانية ثم مات، قال: «ميراثه لولده النصارى، و مسلم تنصّر ثم مات، قال: ميراثه لولده المسلمين» «1».

فانّ صدرها و ان يعمّ ما إذا كان للمرتدّ الملّي وارث مسلم إلّا انّه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك بما دلّ على أنّ الإسلام لا يزيد إلّا عزّا، و إنّ المسلم يرث الكافر و يحجب الوارث الكافر.

و ما يقال من أنّ المرتد بكلا قسميه خارج عن حكم الكافر لتحرمه بالإسلام، و يكون دون المسلم و فوق الكافر لم يظهر له وجه صحيح، بل يمكن أن يقال: إذا لم يكن للمرتدّ الفطري وارث مسلم و لم يقتل و قد اكتسب مالا بعد ردّته يكون ما اكتسبه زمان ردّته لوارثه الكافر.

(1) إذا كان للمرتدّ ولد فهو محكوم بالإسلام إذا كان انعقاد نطفته قبل ارتداده لا يخرج عن الإسلام بارتداده، و إذا كبر فاختار الكفر بحسب ارتداد

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1: 385.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 428

بالكفر قتل به، سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.

______________________________

الولد فطريا كما تقدم، و تقدّم أنّه إذا أسلم أحد الأبوين بعد انعقاد نطفته حال كفرهما يحسب إسلام الولد تبعيا لإسلام أبويه أو أحدهما، و إذا كبر و اختار الكفر يكون ارتداده ملّيا.

و لا ينافي ذلك ما في موثقة عمر بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السّلام، قال: «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فان أبى قتل و إذا أسلم الولد

لم يجرّ أبويه و لم يكن بينهما إسلام» «1».

حيث يتعيّن حمل الدعوة الى الإسلام على صورة إظهار الكفر قبل البلوغ، و الدعوة في هذه الصورة إلى الإسلام يجري فيما إذا كان ارتداد الولد فطريا أو ملّيا، و ما في عبارة الماتن، من بيان وجوب الاستتابة و تقييده بصورة كفر الولد بعد بلوغه لا يمكن المساعدة عليه، فانّ اختيار الولد الكفر إذا كان حال تمييزه و قبل بلوغه ايضا يستتاب إلى أن يبلغ، فان لم يتب بعد ذلك قتل سواء كان ارتداده ملّيا أو فطريا.

و الفرق بين الملّي و الفطري أنّ الأوّل لا يقتل إلّا مع الاستتابة عند بلوغه ايضا، بخلاف الثاني فإنّه يقتل بارتداده عند بلوغه، كما تقدم ذلك عند التعرض لصحيحة أبان بن عثمان.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المرتد، الحديث 7: 549.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 429

و لو ولد بعد الردّة و كانت أمه مسلمة كان حكمه كالأوّل (1) و ان كانت مرتدة و الحمل بعد ارتدادهما كان بحكمهما، لا يقتل المسلم بقتله و هل يجوز استرقاقه تردد الشيخ، فتارة يجيز لانه كافر بين كافرين، و تارة يمنع لأنّ أباه لا

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ الطفل الذي لم يكن ولادته على الإسلام، بل جرى عليه حكم المسلم بإسلام أحد أبويه، فهذا الحكم ما دام لم يبلغ، و إذا بلغ فعليه الاعتراف بالإسلام، فإن اعترف فهو و إلّا يقتل كما هو ظاهر الموثقة.

و يترتّب على ذلك أنّه لو قتله المسلم حال صغره بعد إسلام أبويه أو أحدهما يتعلّق بالقاتل المسلم القصاص، و كذا إذا قتله بعد بلوغه و وصفه الإسلام، و أمّا إذا كان بعد البلوغ و قبل الوصف ففي ثبوت

القصاص تأمّل، و ظاهر الماتن الالتزام بإسلام الولد قبل بلوغه و بعده مع عدم ارتداده بعد بلوغه، و لذا ذكر أنّ قاتله يقتل، سواء قتله حال صغره أو بعد بلوغه قبل ارتداده.

(1) مراده أنّه لو كان تكوّن الولد حال ارتداد أبيه و لكن كانت الأم مسلمة يتبع الولد إسلام أمّه، حيث إنّ الولد يتبع أشرف أبويه، و أمّا إذا كان عند تكوّنه أي انعقاد النطفة أبواه مرتدّين فهو محكوم بالكفر، و هل يجوز استرقاقه كان في دار الإسلام أو دار الكفر.

قيل: لا يجوز لعدم جواز استرقاق أبيه لدخوله في الإسلام قبل ارتداده، و يعبّر عن ذلك بتحرّمه بالإسلام و كذا الولد.

و لكن لا يخفى أنّ عدم جواز استرقاق أبيه لأنّه كان مسلما و تعلّق به حدّ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 430

يسترق لتحرمه بالإسلام. و كذا الولد، و هذا أولى.

و يحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرّف بالإتلاف (1)، فإن عاد فهو أحق بها، فان التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ و يباع منها ما يكون له الغبطة في بيعه كالحيوان.

[مسائل من هذا الباب]

اشارة

مسائل من هذا الباب.

[الأولى: إذا تكرّر الارتداد]

الأولى: إذا تكرّر الارتداد، قال الشيخ: يقتل في الرابعة (2)، و قال: و روي

______________________________

الارتداد عند ارتداده، و الحدّ المزبور لا يجتمع مع جواز استرقاقه، أو أنّ ما دلّ على جواز استرقاق الكفّار لا يعمّ المرتد و المرتدّة، و شي ء من ذلك لا يجري على الولد المحكوم بالكفر من حين ولادته.

(1) قد تقدّم أنّه لا دليل على كون المرتد الملي أو المرتدة محجورا عليه في أمواله، و أنّ على الحاكم أن يحجر عليه في أمواله، فإنّه لم يرد في شي ء من الخطابات كون الردّة من أسباب الحجر.

و ما يقال من أنّ حجر الحاكم لئلّا يتلف أمواله على ورثته المسلمون لا يمكن المساعدة عليه، حيث إنّ أمواله باقية على ملكه و الناس مسلطون على أموالهم، و لو كان ما ذكر موجبا للحجر عليه للزم على الحاكم الحجر على الذمي إذا كان له وارث مسلم، تحفظا على ما يملكه المسلم، و لئلّا يتلف الكافر ذلك المال بتمليكه المال لسائر ورثته الكفار حال حياته أو بغير ذلك.

(2) إذا تكرّر الملّي، قال الشيخ في الخلاف: يقتل في الرابعة

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 431

أصحابا يقتل في الثالثة أيضا.

______________________________

بلا استتابه، و استدلّ عليه بإجماع أصحابنا على أنّ أصحاب الكبائر يقتل في الرابعة، و عن المبسوط: روي عنهم عليهم السّلام أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة، و قال:

روى أصحابنا أيضا يقتل في الثالثة.

أقول: دعوى الإجماع على القتل في الرابعة كأكثر دعاوي الإجماعات في الخلاف لا يمكن أن يعتمد عليها، قد روى في التهذيب في أبواب مختلفة عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام: «ان أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا

في الثالثة»، و سنده الى يونس بن عبد الرحمن صحيح، و لكن لا دلالة للصحيحة على القتل في الثالثة في مفروض كلامنا، و ذلك لعدم اقامة الحد على المرتد الملّي قبل المرة الثالثة، فإنّ حدّه القتل بعد الاستتابة و عدم توبته، و المفروض أنّه تاب في المرّة الاولى و الثانية.

نعم، روى الكليني قدّس سرّه عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج و غيره، عن أحدهما عليه السّلام في رجل رجع عن الإسلام فقال: «يستتاب فان تاب و إلّا قتل»، قيل لجميل: فما تقول إن تاب ثم رجع عن الإسلام، قال: يستتاب، قيل: فما تقول ان تاب ثم رجع، قال: لم أسمع في هذا شيئا، و لكنّه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرّتين ثم يقتل بعد ذلك، و قال: روى أصحابنا أنّ الزاني يقتل في الثالثة «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 256.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 432

[الثانية: الكافر إذا أكره على الإسلام]

الثانية: الكافر إذا أكره على الإسلام، فإن كان ممّن يقرّ على دينه لم يحكم بإسلامه (1)، و ان كان ممن لا يقرّ حكم به.

______________________________

و لكن لا يخفى أنّ القتل في الثالثة استظهار جميل بن دراج لا الحكاية عن الإمام عليه السّلام، و أمّا رواية جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أتي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل من ثعلبة قد تنصّر بعد إسلامه فشهدوا عليه، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما يقوله هؤلاء الشهود؟ قال: صدقوا و أنا ارجع الى الإسلام، فقال: اما انّك لو كذبت الشهود لضربت عنقك و قد قبلت منك فلا تعد، فإنك إن رجعت لم اقبل منك رجوعا بعده» «1».

و لكن

هذا ايضا لا يمكن الاعتماد عليه، فانّ مع الإغماض عن ضعف سنده، مدلوله قتل المشهود عليه بتكذيبه الشهود، و مع عدم تكذيبه يقتل في المرة الثانية.

نعم، لا يبعد الالتزام بقتل المرتدّة إذا تابت بعد حبسها و الضيق عليها في الطعام و الشراب في المرة الاولى و المرة الثانية، حيث يصدق على حبسها و التضييق عليها في الطعام و الشراب، الى ان تتوب أنه حد ردّتها، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) قال بعض الأصحاب: إذا أكره الكتابي على الإسلام، فأسلم لا يقبل إسلامه، لأنّ الشهادتين مع الإكراه عليهما لا اثر له كما هو مقتضى طريان الإكراه

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حد المرتد، الحديث 4: 548، الكافي 7: 257.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 433

[الثالثة: إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده]

الثالثة: إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده (1)، سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام.

______________________________

على فعل ذي أثر في سائر الموارد، فانّ الشهادتين ممّن يقرّ على دينه كالذمي يخرجه عن الكفر إلى الإسلام، و إذا كانت شهادته بالإكراه عليها فلا يخرجه إلى الإسلام، و هذا الكلام و ان يجري ممّن لا يقرّ على دينه ايضا كالمشرك إلّا أنّ السيرة القطعية من المسلمين كانت جارية على قبول إسلامه أثناء القتال، بل قبله مع أنّه إسلام جلّهم لو لا كلّهم كان خوفا من القتل و أسر اهله و أخذ أمواله.

و لكن الظاهر عدم صحة التفصيل لعموم السيرة المشار إليها، و رفع الإكراه لا يجري في موارد الإكراه على الحق، و يشهد للعموم استتابة المرتد الملّي بل المرتدة مطلقا على ما تقدم، بلا فرق بين كون ارتداده بإنكاره الشهادتين أو إنكاره عموم رسالة نبيّنا، بالإضافة الى جميع الناس أو

جميع الأزمنة، فإنّ المرتدّ الملّي أو المرتدّة إذا اعترفت بالحق و رجع عن إنكاره و لو بالإكراه عليه يسقط الحدّ عنه، قتلا كان أو التأبيد في الحبس.

(1) قد يقيّد عدم الحكم بعود المرتدّ إلى الإسلام بصلاته بما إذا لم يسمع الشهادتين منه في صلاته، أو ما إذا كان ارتداده بغير إنكارهما، و يعلّل عدم الكفاية في الرجوع الى إسلامه لاحتمال صلاته، لزعمه أنّها تمنع عن إقامة الحد عليه، كما إذا صلّى في دار الإسلام، أو لحكاية صلاة المسلمين إلى السائرين، كما إذا صلى في دار الحرب.

و ممّا ذكر يظهر أنّ استماع الشهادتين منه في صلاته ايضا لا يفيد في

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 434

[الرابعة: قال الشيخ (ره) في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه و ارتداده، و هذا يشكل مع اليقين بزوال تمييزه]

الرابعة: قال الشيخ (ره) في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه و ارتداده، و هذا يشكل مع اليقين بزوال تمييزه (1)، و قد رجح في الخلاف.

______________________________

الحكم بعوده إلى الإسلام، فإنّ المعتبر في الصلاة التلفّظ بألفاظ الشهادتين، و لا و لا يكون الشرط في صحة الصلاة قصد المدلول، و لذا لو لم يكن المصلّي عارفا بمعناهما تصحّ الصلاة، و إذا كان الأمر فيمن يصلّي أداء بوظيفته الشرعية كذلك، فما ظنّك في صلاة المرتد المحتمل وقوعها منه لحكاية فعل المسلمين أو لزعمه عدم اقامة الحد عليه معها.

نعم: إذا أحرز بوجه أنّ صلاته لرجوعه إلى الإسلام و العمل بوظيفته الشرعية، و أنّه قصد في تشهده ألفاظ الشهادتين بمدلولهما، فهذا أمر آخر، و ما تقدّم في موجبية نفس الصلاة الخارجية المشاهدة لعوده إلى الإسلام.

لا يقال: قد تقدّم أنّ سماع الشهادتين من المرتدّ بل من مطلق الكافر حتّى مع الإكراه على الإسلام كاف في الحكم بإسلامه إذا احتمل قصد مدلولهما، و عليه فإذا احتمل أنّ المرتدّ

بالتلفّظ بالشهادتين في تشهد الصلاة قصد المدلول يبنى عليه فيحكم بإسلامه.

فإنّه يقال: ما تقدّم ما إذا كان المتلفّظ بهما في مقام الاعتراف لا في مثل الصلاة التي لا يعتبر في صحتها كون المتلفّظ بهما في مقام الشهادة و الاعتراف كما تقدم.

(1) ذكر بعض الأصحاب أنّ الكافر إذا اعترف بالشهادتين حال سكره

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 435

..........

______________________________

يحكم بأنّه قد أسلم، كما أنّ المسلم إذا سكر و جحد التوحيد و النبوة و غيرهما ممّا علم من الدين بالضرورة يحكم بارتداده، حيث إنّ السكران يلحق بالصّاحي، أي بمن زال عنه السكر، كما في ارتكابه سائر ما يوجب الحد حال سكره كالزنا و القذف و السرقة و غيرها، و المنسوب الى المشهور كما يأتي في بحث القصاص أنّ على القاتل حال سكره القود، و قد نقل الماتن قدّس سرّه عن الشيخ في المبسوط و أشكل في حصول الإسلام و الارتداد، مع العلم بأن السكران لشدّة سكره فاقد للتمييز، حيث إنّ التمييز شرط في حصول كل من الإسلام و الكفر.

أقول: قد لا يكون انطباق عنوان الفعل الموضوع لحكم أو المتعلّق للحرمة و الوجوب موقوفا على قصد ذلك الفعل كالقتل و الزنا و غير ذلك، و في مثل هذه الموارد يؤخذ السكران بالافعال المزبورة، و يترتّب على الفعل الصادر عنه حال سكره الحكم المترتب عليه إذا علم أو اطمئنّ أو حتّى إذا احتمل بصدورها عنه إذا سكر، و حديث رفع الخطأ لا يعمّ هذه الموارد لتحريم الشارع شرب المسكر، و هذا التحريم إلزام على المكلف بالتحفّظ على ما يصدر عنه من فعل الحرام حال سكره حتّى و لو كان ارتكابه محتملا.

و أمّا إذا لم ينطبق عنوان الفعل على العمل

إلّا بالقصد حال العمل، كعنوان الشهادة و الإنكار و الإقرار و الطلاق و البيع و سائر العناوين الإنشائية، فالسكران بسكر موجب لفقد التمييز و القصد حال العمل يوجب عدم تحقق ذلك العمل،

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 436

[الخامسة: كل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه في دار الإسلام و الحرب]

الخامسة: كل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه في دار الإسلام و الحرب حالة الحرب و بعد انقضائها (1) و ليس كذلك الحربي، و ربما خطر اللزوم في الموضعين لتساويهما في سبب الغرم.

______________________________

و من هذا القسم الإسلام و الكفر.

(1) الوجه في ضمان المرتدّ، سواء كان ضمان تلف النفس أو الطرف أو المال، مقتضى أدلة الضمان قصاصا و دية و مثلا أو قيمة، بلا فرق بين كون الإتلاف في دار الإسلام أو دار الكفر، و على ذلك فلو وقع التزاحم بين اقامة الحدّ عليه و استيفاء الضمان، كما إذا قتل المرتدّ الملّي مسلما و تعلّق به القصاص يتقدّم القصاص على اقامة الحد، كما هو مقتضى أهمية حقوق الناس.

بل يستفاد ذلك ممّا ورد في القصاص عن المحارب الذي عليه القتل قصاصا و حدّا، و كذا الحال في الكافر الأصلي إذا أتلف على المسلم نفسا أو طرفا أو مالا، حتّى ما لو أسلم بعد إتلافه.

و ما قيل، من أنّه مع إسلامه بعد إتلافه يسقط ضمانه، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، كما في المروي في غوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه ضعيف سندا، و عدم لزوم تدارك ما فات عن الكافر حال كفره من الصلاة و الصوم و غيرهما للسيرة القطعية مع ورود الخبر في بعض الموارد.

نعم، ما يتلفه الكافر الحربي على المسلم أو المسلمين حال القتال فلا يبعد دعوى السيرة القطعية بأنّ

المسلمين لم يكونوا ملزمين للكفار بعد

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 437

[السادسة: إذا جنّ بعد ردّته لم يقتل]

السادسة: إذا جنّ بعد ردّته لم يقتل، لأنّ قتله مشروط بالامتناع عن التوبة و لا حكم لامتناع المجنون (1).

[السابعة: إذا تزوّج المرتد لم يصح]

السابعة: إذا تزوّج المرتد لم يصح، سواء تزوج بمسلمة أو كافرة، لتحرّمه بالإسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة (2)، و اتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة.

[الثامنة: لو زوّج بنته المسلمة لم يصحّ لقصور ولايته عن التسلّط على المسلم]

الثامنة: لو زوّج بنته المسلمة لم يصحّ لقصور ولايته عن التسلّط على المسلم (3)، و لو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردّد، أشبهه الجواز.

______________________________

إسلامهم بالضمان، و لذا كان ذلك موجبا لدخولهم في الإسلام، و قد نقل سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله مع قاتل حمزة عليه السّلام، و اللّه العالم.

(1) يعني لا اثر لامتناع المجنون عن التوبة، و هذا بخلاف ما امتنع عن التوبة بعد الاستتابة ثم جنّ قبل جريان الحدّ عليه، فانّ جنونه هذا لا يوجب سقوط الحدّ كما تقدم في حد الزنا و غيره، و على ذلك فان طرء الجنون على المرتد الفطري بعد ارتداده يقتل، لعدم اشتراط قتله بالاستتابه و عدم التوبة.

(2) قد تقدّم الكلام في ذلك فلا نعيد.

(3) يظهر من عبارة الماتن أنّ الأب و الجد للأب لهما ولاية تزويج بنتهما الباكرة، و لكن إذا كان الأب أو الجد كافرا أو مرتدا فلا يكون للكافر أو المرتد الولاية على البنت المسلمة، كما هو مقتضى قوله سبحانه:

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 438

[التاسعة: كلمة الإسلام أن يقول: اشهد ان لا إله إلّا اللّه و ان محمّدا رسول اللّه]

التاسعة: كلمة الإسلام أن يقول: اشهد ان لا إله إلّا اللّه و ان محمّدا رسول اللّه (1)، و ان قال مع ذلك: و ابرء من كلّ دين غير الإسلام كان تأكيدا، و يكفي

______________________________

لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1»، بل لو قيل باعتبار إذن الأب أو الجدّ في تزويج البنت نفسها فاعتبار إذن الأب أو الجد الكافر و منه المرتد الملي ساقط لكونه سبيلا عليها.

نعم، إذا زوج المرتد أمته المسلمة فلا يبعد الحكم بالصحة، فإنّ تزويجها بالملك لا بالسبيل و الولاية.

(1) كون ما ذكر كلمة الإسلام مستفاد من السيرة القطعية المشار إليها، و ما ورد في الروايات

في الفرق بين الإسلام و الايمان كموثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان، فقال: «ان الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان»، فقلت: فصفهما لي، قال:

«الإسلام شهادة ان لا إله إلّا اللّه و التصديق برسوله و حقنت به الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث» «2».

و في صحيحة فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ان الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشاركه، ان الايمان ما وقر في القلوب و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث» «3» الى غير ذلك.

______________________________

(1) النساء: 141.

(2) الكافي 2: 25.

(3) الكافي 2: 26.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 439

الاقتصار على الأول، و لو كان مقرا باللّه سبحانه و بالنبي جاحدا عموم نبوته أو وجوده احتاج الى زيادة تدل على رجوعه عما جحده.

______________________________

ثم إنّ المراد من الشهادتين يعمّ ما يرادفهما، و ما في معناهما و لو من أيّ لغة، و الظاهر عدم اعتبار كلمة أشهد، بل القول لا إله إلّا اللّه و انّ محمدا رسول اللّه في مقام الاعتراف و الإقرار كاف في الحكم بإسلام الشخص، إذا لم يبرز شيئا يعدّ قرينة و إظهارا للخلاف، كما هو مقتضى ما تقدم.

نعم، ربما يقال: إنّ الاعتراف بالشهادتين لا ينفع في توبة الزنديق، فان بنائه على إخفاء مذهبه و عدم إبرازه، و الاعتراف بالتكلّم بكلمة الإسلام يعدّ منه إخفاء لمذهبه و إظهاره، و تكلّمه بكلمة التوحيد أمر عاديّ له، حتّى إذا لم يكن مرتدا و لم يكن في مقام التوبة.

و عليه فإذا كان قتله بالزندقة واجبا كما إذا كان مرتدا ملّيا، فإنّ أحرز بالقرائن أنّه رجع الى الإسلام بتركه

الزندقة، فهو و إلّا فلا يكون مجرد تكلمه بالشهادتين مسقطا للحد عنه.

أقول: لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الروايات الواردة في بيان الإسلام إذا احتمل في مقام توبته بعد الاستتابة أنّه رجع عن الزندقة و يزيد على الكلمتين اعترافه بالتبري عن الزندقة، كمن يزيد عليهما نفي ما كان ارتداده بجحوده.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 440

[تتمة فيها مسائل]

اشارة

تتمة فيها مسائل:

[الأولى: الذميّ إذا نقض العهد و لحق بدار الحرب (1) فأمان أمواله باق]

الأولى: الذميّ إذا نقض العهد و لحق بدار الحرب (1) فأمان أمواله باق، فان مات ورثه وارثه الذمي و الحربي، و إذا انتقل الميراث إلى الحربي زال الأمان عنه،

______________________________

(1) إذا نقض الذّمي العهد و لحق بدار الحرب يزول عنه الأمان و أمواله الباقية في بلد المسلمين أو تحت استيلائهم كاولاده باقية على الأمان، فإنّ لحوقه بدار الحرب نقض لعقد الذمة و عهد الأمان بالإضافة إلى نفسه، لا بالإضافة إلى أمواله الباقية و أولاده الصغار.

و دعوى أنّ الأمان بالإضافة إلى أمواله تبع لعقد الذمة لا مستقلّا، و مع لحوقه بدار الحرب ينحلّ عقد الذمة و لكن بقاء أمواله على ما كان عليه لثبوت الإجماع لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه إن أريد من التبعيّة عدم كون عقد الذمّة متضمنا أو مستلزما إعطاء الأمان في نفسه و أمواله و أولاده الصغار بنحو الانحلال مطلقا، بل ما دام الأمان بالإضافة إلى نفسه باقيا أو ما دام لم ينقض عقد الذمة فهذه التبعية لا نسلّمها، بل عقد الذمة متضمّن بأن يكون كلّ من نفسه و أمواله و عياله باقيا على الأمان ما دام في بلد المسلمين أو تحت سيطرتهم، فبلحوقه الى دار الحرب ينتهي الأمان بالإضافة إلى نفسه لا بالإضافة إلى أمواله و عياله الباقي في بلد المسلمين أو تحت سيطرتهم، و لذا لا يلتزم ببطلان الأمان بالإضافة إلى أولاده الكبار الذين كانوا صغارا عند عقد الذمة، مع أنّ عقد الذّمة ينتهي بالإضافة إليهم عند بلوغهم.

و على ذلك فالأموال الباقية منه في بلد المسلمين ملك له، فان مات ورثه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 441

و أمّا الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة، و مع بلوغهم يخيّرون

بين عقد الذمة لهم بأداء الجزية و بين الانصراف إلى مأمنهم.

[الثانية: إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قودا]

الثانية: إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قودا (1)، و يسقط قتل الردة و لو عفى الولي قتل بالردّة، و لو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة، لأنّه لا عاقلة له على تردّد، و لو قتل أو مات حلّت كما تحلّ الأموال المؤجلة.

______________________________

الوارث الذمي و الحربي، نعم إذا انتقل المال كلّه أو بعضه الى وارثه الحربي زال الأمان عنه لزوال الملك عمن اعطى أمانها له.

و أمّا أولاده الصغار فهم باقون على الذمة، حيث إنّ إعطاء الأمان لهم بما أنّهم أولاده لا بعنوان ملكه، كما هو الحال في أمواله، و لذا مع بلوغهم يخيرون بين أن يعقدوا عقد الذمة بإعطاء الجزية و بين انصرافهم إلى مأمنهم و هم على أمانهم ما دام لم يلحقوا بمأمنهم، كما هو الحال في الكافر الحربي إذا دخل بلاد المسلمين بأخذ الأمان.

(1) لما تقدّم في بحث المحارب أنّ القصاص يقدّم على القتل حدا، غاية الأمر لو عفى أولياء الدم عن القاتل يقتل حدّا، و ذكرنا ايضا أنّ حقّ الآدمي عند تزاحمه مع حقّ اللّه يقدّم عليه لاحتمال الأهمية، لو لم نقل بأنّ أهميته معلوم.

و إذا قتل المرتد مسلما خطأ يكون عليه الدّية حتّى لو كان قتله خطأ محضا، بناء على أنّ الوارث عنه ورثته المسلمون، و المسلم لا يعقل الكافر و المرتد الملي من الكافر.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 442

[الثالثة: إذا تاب المرتد فقتله من يعتقد بقائه على الردّة]

الثالثة: إذا تاب المرتد فقتله من يعتقد بقائه على الردّة، قال الشيخ: يثبت القود لتحقق قتل المسلم و لأنّ الظاهر انّه لا يطلق الارتداد بعد توبته، و في القصاص تردد (1) لعدم القصد الى قتل المسلم.

______________________________

(1) القول بثبوت القود ضعيف، لأنّ المفروض أنّ القاتل لو كان عالما

بتوبته أو حتّى كان محتملا لها لم يكن يقتله و كان قصده قتل المرتد و لكن لم يصبه بل أصاب غيره، فيدخل في عموم قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي: «الخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره يعني قصد شيئا و أصاب غير المقصود.

و المقام مثل ما إذا رأى في الظلمة إنسانا و اعتقد أنّه كافر حربي فقتله فبان أنّه مؤمن، و مثل ذلك يدخل في شبه العمد، حيث كان قاصدا قتل من قتله و لكن بالاعتقاد الخطأ، بحيث لو كان ملتفتا لما كان يقتله، و زيادة البحث في المقام موكول الى بحث موجبات القصاص.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 443

[الباب الثاني: في إتيان البهائم و وطئ الأموات و ما يتبعه]

اشارة

الباب الثاني:

في إتيان البهائم و وطئ الأموات و ما يتبعه.

[أمّا إتيان البهائم إذا وطأ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم]

أمّا إتيان البهائم إذا وطأ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم كالشاة و البقرة، تعلّق بوطئها أحكام تعزير الواطئ و إغرامه ثمنها ان لم يكن له، و تحريم الموطوئة و وجوب ذبحها و إحراقها (1).

______________________________

(1) المراد ترتّب جميع تلك الأحكام إذا كان واطئ البهيمة بالغا عاقلا مختارا، و إن لم يكن كذلك لا يترتّب جميعها حيث لا تعزير على الصبي و المجنون بما هو المراد منه في المقام، و ان يؤدب الصبي بل المجنون إذا كان قابلا، بل لا يكون تعزير مطلقا في المكره، و أمّا حرمة لحمها و شحمها و لبنها و نسلها و وجوب ذبحها و إحراقها بل اغرام ثمنها إذا لم تكن ملكا للواطئ يترتّب على وطء الإنسان، سواء كان صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا مختارا أو مكرها.

و يدلّ على عموم الحكم في وطء الإنسان البهيمة قبلا أو دبرا الإطلاق فيما رواه الشيخ قدّس سرّه بسنده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن الرجل عليه السّلام أنّه سئل عن رجل نظر الى راع نزا على شاة، قال: «ان عرفها ذبحها و أحرقها و ان لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها فتذبح

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 444

..........

______________________________

و تحرق و قد نجت سائرها» «1».

و لا يبعد إطلاقها، يعني عدم الاستفصال في الجواب عن الراعي بين كونه بالغا أم لا إن يعمّ الحكم لوطء غير البالغ، كما يعمّ الجاهل بالتحريم و العالم به، بل لا يبعد شمولها لمثل الأبله.

و موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي البهيمة: شاة أو ناقة أو

بقرة، قال: فقال: «يحدّ حدّا غير الحدّ» «2». ثم ينفى من بلاده إلى غيرها، و ذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم و لبنها، و لا يبعد أن يكون مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع عدم دخل العقل و الاختيار فيما قالوا عليهم السّلام، من حرمة لحمها و لبنها بل و نسلها، كما هو مقتضى الأمر بذبحها و إحراقها بعد موتها.

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، و عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم موسى عليه السّلام، في الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا: «ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت أحرقت بالنار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرين سوطا ربع حد الزاني، و ان لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع الى صاحبها و ذبحت و إذا ماتت أحرقت و لم ينتفع بها و ضرب خمسة

______________________________

(1) الوسائل: 16، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1: 436.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 2: 571.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 445

اما التعزير، فتقديره الى الامام (1)، و في رواية يضرب خمسة و عشرين

______________________________

و عشرين سوطا»، فقلت: و ما ذنب البهيمة؟ فقال: «لا ذنب لها و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعل هذا و أمر به لئلا يجترئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل» «1»، و قوله عليه السّلام: «و لا ينتفع بها» مقتضاه حرمة الانتفاع بنسلها ايضا.

و ربّما يخطر بالبال: لا يناسب ذكر لئلّا يقطع النسل، عموم الحكم بالإضافة الى ما إذا كان

الواطئ صغيرا، و لكنه من قبيل بيان الحكمة، فلا ينافي عموم الحكم للصغير أو من تولّد له أطفال قبل وطء البهيمة، المستفاد ممّا رواه محمد بن عيسى الظاهر انّه العبيدي، بقرينة سائر ما يرويه محمد بن احمد بن يحيى عنه، و يقال: المراد من الرجل هو الهادي أو أبي محمد العسكري عليهما السّلام.

و لو فرض المناقشة فيه بأنّه لم يثبت أنّ المراد بالرجل هو الامام عليه السّلام، و أنّ الوارد في غيره عنوان الرجل فلا يعمّ الصبي، فلا ينبغي التأمّل في كون إلحاق الصبي أحوط، لعدم نقل الخلاف في الحكم المزبور، و في رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن البهيمة التي تنكح، قال:

حرام لحمها و لبنها»، و مقتضى هذه ايضا عموم الحكم، و لكنّها لضعف سندها صالحة للتأييد.

(1) الكلام في العقوبة المترتّبة على واطئ البهيمة إذا كان بالغا عاقلا مختارا، فقد ورد في بعض الروايات أنّ عقوبته القتل، ففي صحيحة جميل بن نعم في بعض الكلمات أنّه ينفى الواطئ عن بلده، و الوارد في موثقة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 1: 570.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 446

سوطا، و في الأخرى الحدّ و في أخرى يقتل، و المشهور الأوّل.

______________________________

دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى بهيمة، قال: «يقتل» «1».

و نحوه رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي البهيمة، قال: «يقام قائما ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال: فقلت: هو القتل؟ قال: «هو ذاك» «2».

و لكن لم يعهد العمل بظاهرهما في غير موارد التعوّد و التكرار

مع إقامة الحدّ مرتين، كما هو مقتضى العموم في صحيحة يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام: «إنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرتين يقتلون في الثالثة»، و لكن القتل في الثالثة أخذا بالصحيحة لا يحسب قرينة عرفية على أنّ المراد بالقتل في صحيحة جميل، و الرواية هو القتل في المرة الثالثة خصوصا من صحيحة جميل.

بل الصحيح في الجواب: أنّ الرواية ضعيفة سندا، و القتل في صحيحة جميل كناية عن الضرب الشديد المعبّر عنه بالقتل، كما هو المتعارف، بقرينة موثقة سماعة المتقدمة الواردة فيها عليه: «ان يجلد حدّا غير الحد» «3»، الظاهر في التعزير.

و في موثقة سدير عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يأتي البهيمة، قال: «يجلد

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم و وطأ الأموات، الحديث 6: 571.

(2) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم و وطأ الأموات، الحديث 7: 571.

(3) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم و وطأ الأموات، الحديث 2: 571.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 447

اما التحريم، فيتناول لحمها و لبنها و نسلها تبعا لتحريمها، و الذبح اما تلقيّا أو لما لا يؤمن من شياع نسلها و تعذر اجتنابه، و إحراقها لئلا تشتبه.

______________________________

دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها لأنّه أفسدها عليه و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه- الحديث» «1».

و في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتى بهيمة فأولج، قال: «عليه الحد»، و ظاهرها و ان يكون حدّ الزاني، بل ذكر صاحب الوسائل الرواية عن الكافي، و فيها قال: «عليه حد الزاني»، و لكن في سند الرواية في الكافي سهل

بن زياد، مع أنّ النسخة من الكافي التي عندي ليس إلّا قوله عليه السّلام:

«عليه الحد»، القابل للتقييد بغير الحدّ، كما في موثقة سماعة.

و في معتبرة الحسين بن علوان المروي عن قرب الاسناد، عن جعفر، عن أبيه عن علي عليه السّلام أنّه سئل عن راكب البهيمة فقال: «لا رجم عليه و لا حدّ و لكن يعاقب عقوبة موجعة»، و هذه أقرب قرينة ممّا تقدم على أنّ المراد بالقتل في صحيحة جميل الضرب الشديد.

و كيف كان فلا يحتمل قتل واطئ البهيمة حدّا و لم يلتزم به أحد من أصحابنا، و لم يثبت حدّ الزنا، أي الجلد بمائة سوط و لا بخمسة و عشرين، فإنّه و إن ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إلّا أنّه نفى التحديد به في سائر الروايات و الثابت هو التعزير بما يراه الحاكم.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم و وطأ الأموات، الحديث 4: 571.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 448

و ان كان الأمر الأهم فيها، ظهرها لا لحمها كالخيل و البغال و الحمير لم تذبح (1)، و اغرم الواطئ ثمنها لصاحبها، و أخرجت من بلد الواقعة و بيعت في غيره، أمّا عبادة لا لعلة مفهومة لنا، أو لئلا يعير بها صاحبها، و ما الذي يصنع بثمنها، قال بعض الأصحاب: يتصدّق به، و لم اعرف المستند، و قال الآخرون:

______________________________

سماعة يجلد حدّا غير الحدّ ثم ينفى من بلاده الى غيرها، و ظاهر النفي عن بلاده الى غيرها غير النفي عن بلده، فانّ ظاهر الأوّل أن لا يستقرّ في بلد يريد أن يسكن فيه، و لم نجد من التزم بذلك ضما الى تعزيره، و اللّه العالم.

ثم

إنّ الأمر بذبح البهيمة و إحراقها لا يتوقّف على ثبوت وطأها عند الحاكم، بل هو حكم يتعلّق بالبهيمة، فيجب التصدي له ممّن أحرز الإتيان، بلا فرق بين مالكها و غيره حتّى الواطئ، كما هو مقتضى توجيه التكليف الى الناظر الى راع نزا على شاة، و الحكم بأنّ لحم البهيمة و شحمها و لبنها محرّم و لا ينتفع منها، و أنّه أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لكيلا يجترئ الناس بالبهائم و ينقطع النسل.

و لا يبعد لزوم رعاية الذبح المعتبر في تذكية الحيوان لتعلق الأمر بذبحها، الظاهر في ذلك الذبح، حيث يحتمل كونه تعبدا لإزهاق روح الحيوان قبل إحراقه حتّى يجوز قتله كيف ما اتفق.

(1) ما ذكر قدّس سرّه من وجوب إخراج الحيوان الموطوء المقصود به ظهره الى بلد آخر لا يعرف فيه كونه موطوء و بيعه فيه هو المعروف بين أصحابنا، و يدلّ عليه موثقة سدير أو حسنته عن أبي جعفر عليه السّلام، حيث ورد فيها: «و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلد دون الحد و أخرجها من المدينة التي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 449

يعاد على المغترم و ان كان الواطئ هو المالك دفع إليه، و هو أشبه.

و يثبت هذا بشهادة رجلين عدلين (1)، و لا يثبت بشهادة النساء انفردن أو انضممن، و بالإقرار و لو مرّة إن كانت الدابة له (2)، و إلّا ثبت التعزير حسب، و ان

______________________________

فعل فيها الى بلاد اخرى، حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعير بها صاحبها» «1».

و ظاهرها أنّ معطي الغرامة يخرجها الى بلد لا تعرف البهيمة فيه فيبيعها، و مقتضى ذلك تملّكه ثمنها حيث تملكها بدفع الغرامة إلى صاحبها، و

الأمر فيما إذا كان واطؤها مالكها أظهر، فلا موجب للالتزام بلزوم التصدق بثمنها.

(1) ان شهادة العدلين يثبت بها كلّ موضوع إلّا في مورد قيام دليل على عدم كفايتها فيه كبينة الزنا، و وجه عدم ثبوت وطئ البهيمة بشهادة النساء و لو مع الضمّ إلى شهادة الرجل ما تقدّم من الروايات الدالة على عدم سماع شهادتهنّ منفردات أو منضمات، إلّا في موارد خاصة، و ليس المقام منها، و إلحاق المقام بالزنا لا يخرج عن القياس.

(2) إذا كان المقرّ مالك البهيمة يسمع إقراره مرّة فإنّه إقرار على نفسه، و دعوى أنّ الإقرار بالإضافة إلى الحدّ يعتبر بمرتين و لا يكفي المرة الواحدة، حيث إنّ الإقرار بمنزلة شهادة عدل واحد لا يمكن المساعدة عليه، فانّ الثابت في المقام التعزير دون الحدّ، بل تقدّم أنّ التنزيل بالإضافة إلى حدّ الزنا لا الى موجب كل حدّ و لو لم يكن المقرّ مالك البهيمة، فلا يسمع إقراره إلّا بالإضافة إلى تعزيره لا سائر الأحكام من ذبح الحيوان و إحراقه و غير ذلك، حيث إنّ إقراره

______________________________

(1) الوسائل 18: باب 1 من أبواب نكاح البهائم و .. الحديث 4.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 450

تكرّر الإقرار، و قيل: لا يثبت إلّا بالإقرار مرتين و هو غلط، و لو تكرّر مع تخلّل التعزير ثلاثا قتل في الرابعة (1).

[و اما وطئ الأموات]

اشارة

و اما وطئ الأموات.

و وطأ الميتة من بنات آدم كوطئ الحيّة في تعلق الإثم و الحدّ و اعتبار الإحصان و عدمه، و هنا الجناية أفحش، فتغلظ العقوبة زيادة عن الحدّ بما يراه الامام، و لو كانت زوجته اقتصر في التأديب على التعزير و سقط الحدّ بالشبهة.

و في عدد الحجة على ثبوته خلاف قال بعض الأصحاب:

يثبت بشاهدين

______________________________

بالإضافة الى غير التعزير إقرار على الغير فلا يسمع حتّى مع تكراره بمرّات.

و ثبوت الغرامة على الواطئ مترتب على فساد الحيوان الذي لم يثبت و لذا لا يثبت بإقراره إغرامه قيمة الحيوان، بخلاف التعزير، فإنه يثبت للعصيان الذي اعترف به على نفسه.

و لو خفي فعل الواطئ يجب عليه ذبح الحيوان و إحراقه حتّى ما لو كان للغير و إيصال قيمته الى صاحبه إذا عرفه، و مع عدم عرفانه يدخل القيمة في المال المجهول مالكه فيجري عليه حكمه.

(1) قد تقدّم الكلام في أنّ مقتضى صحيحة يونس: «أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة إذا أقيم عليهم الحد مرتين»، و إذا بنى أنّ اقامة الحد يعمّ التعزير تعيّن الالتزام بقتل واطئ البهيمة في المرة الثالثة بعد تعزيره بمرتين، بناء على أن وطئ البهيمة يدخل في الكبائر و دخوله فيها لا يخلو عن تأمّل.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 451

لأنه شهادة على فعل واحد بخلاف الزنا بالحيّة. و قال بعض الأصحاب: لا يثبت إلّا بأربعة لأنّه زنا و لأنّ شهادة الواحد قذف و لا يندفع الحدّ إلّا بتكملة الأربعة، و هو أشبه (1).

______________________________

(1) قد تقدّم في بحث الزنا أنّه لا فرق في صدقه بين كون الأجنبيّة حيّة أو ميّتة، و ما ورد في عدم ثبوت الزنا إلّا بشهادة أربعة رجال أو نحوهم يعمّها.

و ما يقال من أنّ الزنا بالحيّة يصدر و يوجد بفعل الاثنين، و لذا احتيج في ثبوته إلى شهادة أربعة رجال أو ما هو بمنزلتها بخلاف الزنا بالميّتة، فإنّه يتحقق بفعل الحيّ فيكفي في ثبوته شهادة عدلين.

و في خبر إسماعيل بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف صار القتل

يجوز فيه شاهدان و الزنا لا يجوز فيه إلّا أربعة شهود، و القتل أشدّ من الزنا، فقال: «لأن القتل فعل واحد و الزنا فعلان، فمن ثمّ لا يجوز إلّا أربعة شهود على الرجل شاهدان و على المرأة شاهدان» «1».

و في خبر آخر عن أبي حنيفة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أيّهما أشد الزنا أم القتل، فقال: «القتل»، قال: قلت: فما بال القتل جاز فيه شاهدان و لا يجوز في الزنا إلّا أربعة- الى ان قال:- فقال: «الزنا فيه حدّان و لا يجوز إلّا ان يشهد كل اثنين على واحد لأنّ الرجل و المرأة جميعا عليهما الحدّ» «2».

لا يمكن المساعدة عليه، لأنّ ثبوت الزنا يحتاج إلى شهادة الأربعة و لو

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1: 103.

(2) الوسائل: 19، الباب 1 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 2: 103.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 452

..........

______________________________

كانت المزني بها مغمى عليها أو في النوم، و الخبران ضعيفان سندا، و على تقدير صدورهما أو صدور أحدهما عن المعصوم عليه السّلام، فلا بدّ من كون الوارد فيهما من قبيل الحكمة لا العلّة، أضف الى ذلك أنّ الحدّ في الشهادة بالزنا لا يثبت على كلّ منهما دائما.

و ممّا ذكر ظهر أنّ الزنا بالميتة لا يثبت بأقلّ من الإقرار بأربع مرات، و انّ كل إقرار بالزنا يحسب شهادة واحدة، و ممّا ذكرنا فيما تقدم في بحث الزنا و أشرنا إليه في المقام، من أنّه مع صدق الزنا على الزنا بالميتة يعمّ ما ورد في الزاني أنّه يجلد مع عدم الإحصان و يرجم مع إحصانه.

و يؤيّد ذلك رواية عبد

اللّه بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها، قال: «حرمة الميت كحرمة الحيّ تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب، و يقام عليه الحدّ في الزنا ان أحصن رجم و ان لم يكن أحصن جلد مائة» «1».

و في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يأتي المرأة و هي ميّتة، فقال: «وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها و هي حية» «2».

و ظاهر المرسلة أنّ الزنا بالميّتة أشدّ حرمة و أكثر وزرا، و قد ادعى على

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 19 من أبواب حد السرقة، الحديث 2: 511.

(2) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 2: 574.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 453

[مسألتان]
اشارة

مسألتان:

[الاولى: من لاط بميت كان كاللائط بالحيّ]

الاولى: من لاط بميت كان كاللائط بالحيّ (1) و يعزر تغليظا.

______________________________

ذلك تسالمهم، و لذا ذكر الماتن و غيره بل ادّعى عدم الخلاف في أنّه يغلّظ في إقامة الحد على الزاني، حتّى فيما كان الحد هو القتل، فيجري التغليظ بالتعزير قبل القتل، و لكن في استظهار التغليظ في الحدّ من أكثرية الوزر و أشدّية العقاب الأخروي تأمّل.

و أمّا ما في خبر النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زنى بميّتة، قال: «لا حدّ عليه» «1»، فلا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الآية، و الروايات لضعفها سندا و معارضتها بما تقدّم مع ثبوت المرجّح له بموافقته للكتاب.

هذا كلّه بالإضافة إلى الأجنبية، و أمّا إذا وطأ زوجته الميّتة فلا يجري عليه حد الزنا، لزعم عامّة الناس بأنها بموتها لا تخرج عن الزوجية فلا يكون زنا.

و على الجملة ما ورد في الزنا ينصرف عن وطئ زوجته الميتة، نعم يحسب ذلك بنظرهم هتكا و تعدّيا، فيثبت فيه التعزير.

(1) قد ظهر ممّا تقدم في الزنا بالميتة وجه الحكم في اللواط بالميت، و أنّه كاللواط بالحيّ في أنّه يثبت بشهادة أربعة رجال، و يحسب الإقرار به بمرّة شهادة واحد.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 2: 574.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 454

[الثانية: من استمنى بيده عزّر]

الثانية: من استمنى بيده عزّر و تقديره منوط بنظر الامام (1)، و في رواية:

«ان عليا عليه السّلام ضرب يده حتى احمرت و زوّجه من بيت المال»، و هو تدبير

______________________________

و ما يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه من ثبوته بمشاهدة رجلين كثبوت الاستمناء بشهادتهما لا يمكن المساعدة عليه، و كذا في كلام الماتن قدّس سرّه من تغليظ

الحدّ، فإنّه كما تقدّم في الزنا من عدم استلزام أشدّية الحرمة أشدية الحدّ.

اللّهم إلّا ان يدّعى انّ اللائط بالميت ارتكب محرّمين، أحدهما اللواط و الآخر هتك الميت، و يرد عليه بأنّ اللاطي بالحيّ أيضا قد يكون ارتكابه كذلك كما في الإكراه على اللواط، فانّ اللواط المزبور هتك للحيّ، فلا بدّ من الالتزام بالتغليظ، و قد لا يكون هتكا للميت كما إذا كان الميت كافرا.

(1) الاستمناء، هو الفعل المقابل للجماع المقصود به الانزال، سواء كان باليد أو بغيرها من أعضائه أو عضو غيره و لا ينبغي التأمل في حرمته إذا كان الفعل بغير عضو زوجته أو أمته حيث يحلّ الاستمتاع بأعضائها بقصد الانزال و عدمه.

و في موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك، قال: «كلّ ما انزل به الرجل مائه من هذا و شبهه فهو زنا» «1»، حيث انّه تنزيل منزلته في الإثم و الحرمة.

و في خبر زرارة أنّ عليّا عليه السّلام أتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل فضرب يده حتّى احمرّت، و قال: و لا أعلمه إلّا انّ قال: «و زوّجه من بيت مال

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 26 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 1: 264.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 455

..........

______________________________

المسلمين» «1»، و قد ورد هذا المضمون في خبر طلحة بن زيد «2» و مرفوعة محمد ابن عيسى الأشعري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و في مرسلة العلاء بن رزين، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن الخضخضة، قال: «هي من الفواحش» «3».

و في خبر أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «ثلاثة لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ و

لا ينظر إليهم وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ*: الناتف شيبته و الناكح نفسه و المنكوح في دبره» «4».

و هذه الروايات و إن كان في إسنادها ضعف و يشتمل معه كخبر أبي بصير على حرمة ما لا يمكن الالتزام بحرمته كنتف شعر الشيبة، إلّا أنّها تصلح لتأييد حرمة الاستمناء، و نحوه المستفاد من موثقة عمار.

و ربّما يخطر بالبال أنّ الموثقة لها معارض و المعارض صحيحة ثعلبة بن ميمون و حسين بن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل يعبث بيديه حتّى ينزل، قال: «لا بأس و لم يبلغ به ذاك شيئا» «5».

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 2 من أبواب نكاح البهائم، الحديث 2: 575.

(2) الوسائل: 14، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3: 267.

(3) الوسائل: 14، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 5: 267.

(4) الوسائل: 14، الباب 28 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 7: 268.

(5) الوسائل: 14، الباب 3 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3: 575.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 456

استصلحه لا انّه من اللوازم، و يثبت بشهادة عدلين و الإقرار و لو مرة، و قيل: لا يثبت بالمرة، و هو وهم.

______________________________

و لكن لم يذكر في هذه الصحيحة اللعب بيديه ذكره، و لعلّ المراد العبث بيديه زوجته أو أمته حتّى ينزل، و يتعيّن هذا الجمع بين الموثقة و بينها، لأنّه من نحو الجمع بين الإطلاق و التقييد.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 457

[الباب الثالث في الدفاع]

اشارة

الباب الثالث في الدفاع.

للإنسان أن يدفع عن نفسه و حريمه و ماله ما استطاع (1)، و يجب اعتماد

______________________________

(1) لا خلاف في جواز دفع الإنسان العدوان عن نفسه و عرضه و ماله، سواء كان رجلا أو امرأة، و

هذا الدفاع أمر مشروع يجب فيما كان الدفاع عن نفسه و عرضه و يجوز فيما كان عن ماله، و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل عند مظلمته فهو شهيد» «1».

و في صحيحة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل دون مظلمته فهو شهيد» «2».

و لا ينبغي التأمّل في أنه إذا توقّف التحفظ على نفسه و حريمه على الدفاع وجب لوجوب التحفظ، و إذا لم يتوقّف كما إذا حصل التحفظ بالهرب فلا يجب، و لا يجوز الهرب و الفرار عن الزحف أو فيما كان الدفاع عن الحوزة الإسلامية و بلاد المسلمين و عزّهم.

و مشروعية الدفاع عن النفس و العرض و المال غير مشروط بالعلم

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 8.

(2) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 9.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 458

..........

______________________________

بالسلامة، بل إذا احتمل التلف و لو بالدفاع عن ماله جاز، كما هو ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل دون مظلمته فهو شهيد»، حيث لم يقيّد بما إذا لم يكن يحتمل القتل، و في ذيل صحيحة أبي مريم، ثم قال: «يا أبا مريم هل تدري دون مظلمته»، قلت: فذاك يقتل دون أهله و دون ماله و أشباه ذلك، قال: «يا أبا مريم إنّ من الفقه عرفان الحق»، و ظاهر قوله عليه السّلام تقرير السائل فيما ذكره.

و قد ذكروا أنّ الدفاع عن النفس واجب حتّى ما إذا لم يعلم بالسلامة و احتمال تلف نفسه في الدفاع، بل مع

العلم بالتلف أيضا، فإنّه لا يجوز الاستسلام بخلاف الدفاع عن المال فانّ الدفاع عنه غير واجب، نعم إذا كان المال بحيث يجب عليه حفظه فيجب الدفاع عنه مع الأمن على نفسه من التلف و إلّا فلا يجب.

و في صحيحة الحسين بن أبي العلاء، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقاتل دون ماله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد»، فقلت: أ يقاتل أفضل أو لا يقاتل، فقال: «ان لم يقاتل فلا بأس، و أمّا انا لو كنت لم أ قاتل و تركته» «1»، فانّ ظاهرها عدم وجوب الدفاع عن المال و أنّه لا بأس بتركه حتّى مع الأمن على نفسه.

و لا يبعد أن يقال بوجوب الدفاع عن نفس الغير ايضا مع الأمن على نفسه، و كذا عن مال الغير الذي يقع في الابتلاء و الحرج مع تلفه، و في معتبرة

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو الحديث 10.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 459

الأسهل، فلو اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه (1)، ان كان في موضع يلحقه المنجد، و ان لم يندفع عول على اليد، فان لم تغن فبالعصا، فان لم يكف

______________________________

السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» «1».

هذا كلّه بالإضافة إلى الدفاع عن نفسه و ماله، و أمّا الدفاع عن الحريم و العرض، فهل يلحق بالدفاع عن النفس أو بالدفاع عن المال، فقد يقال بلحوق الدفاع عنهما بالدفاع عن النفس، و لكن قد استظهر لحوقه بالدفاع عن المال الذي يجب على مالكه

التحفّظ عليه لتوقف إعانته عليه، و يستظهر ذلك مما ورد في سماع علي عليه السّلام دعوى المرأة بأنّها كانت مكرها عليها في الزنا بها، و لعله يأتي الكلام في ذلك ان شاء اللّه.

(1) ذكر جملة من الأصحاب بل المعروف بينهم أنّه يجوز الدفاع أو يجب على ما مرّ، و يجب فيه ملاحظة المراتب في إمكان الدفع، فإن أمكن الدفع بمرتبة أدنى، كما إذا كان الخصم يندفع بالصياح لم يجز الضرب، و مع وصول النوبة إلى الضرب يجب أن يلاحظ فيه مراتبه.

و قد تقدّم أنّ ما ورد في المحارب و اللص و المطّلع على داره مقتضاه عدم لزوم رعاية المراتب، كمعتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، انّه قال: «إذا دخل عليك رجل يريد أهلك و مالك فابدره بالضربة إن استطعت، فإنّ

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 7 من أبواب الدفاع الحديث 1.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 460

..........

______________________________

اللص محارب للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله فما تبعك منه شي ء فهو عليّ» «1».

و معتبرة الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «كان علي بن ابي طالب عليه السّلام يقول: من دخل عليه لصّ فليبدره بالضربة فما تبعه من إثم فأنا شريكه فيه» «2».

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، و قال:

من اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» «3».

و صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «عورة المؤمن على المؤمن حرام، و قال: من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحة للمؤمن في تلك الحال، و من دمر

على مؤمن بغير اذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحالة» «4»، الى غير ذلك.

نعم، لا يبعد الالتزام بأنّه إذا اندفع بغير القتل لا يجوز القتل، كما يشير الى ذلك ما ورد في المطلع على الغير، كما يلتزم بأنّه إذا ضربه مرّة، بحيث لا يتمكّن معه من إضراره، فلا يجوز تكرار الضرب و الجرح، حيث إنّ ظاهر الترخيص في

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 5 من أبواب حد المحارب، الحديث 2: 543.

(2) الوسائل: 11، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 17.

(3) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7: 50.

(4) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2: 50.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 461

فبالسلاح، و يذهب دم المدفوع هدرا جرحا كان أو قتلا (1)، و يستوي في ذلك الحرّ و العبد.

و لو قتل الدافع كان كالشهيد، و لا يبدئه ما لم يتحقق قصده إليه (2) و له دفعه

______________________________

الروايات أنّه لدفع ضرره، و إذا اندفع بالمرة الاولى يكون التكرار عدوانا، فلا يجوز و يضمن التعدي.

(1) بلا خلاف يعرف، و يدلّ عليه جملة من الروايات كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما رجل قتله الحدّ في القصاص فلا دية له، و أيّما رجل عدا على رجل ليضربه فدفع عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شي ء عليه، و أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤوا عينيه أو جرحوه فلا دية له، و قال: من بدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه

مقتلا، قال: «ليس عليها شي ء فيما بينها و بين اللّه عزّ و جلّ و ان قدمت الى امام عادل أهدر دمه» «2»، الى غير ذلك.

(2) ذكر ذلك في كلام الأصحاب و أنّه إذا تحقق للشخص ان المدفوع يريد نفسه أو ماله أو عرضه جاز له أن يبدره و يدفع عن نفسه و عرضه و ماله ضرره، و إذا لم يتحقّق ذلك فلا يجوز له المبادئة، لأنّ الموجب للجواز عنوان

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 22 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 42.

(2) الوسائل: 19، الباب 23 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1: 44.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 462

ما دام مقبلا، و يتعيّن الكف مع إدباره، و لو ضربه فعطّله لم يذفف عليه الاندفاع ضرره.

______________________________

الدفاع عن النفس أو العرض أو المال فمع عدم قصد المدفوع التعدي عليه لا يصدق عنوان الدفاع، بل ذكر بعضهم ككاشف اللثام لا يجوز شي ء ممّا ذكر حتّى مع إحراز ان قصده التعدي إذا أحرز الشخص انّه غير متمكّن من التعدي عليه لوجود حائل من نهر أو حائط أو حصن أو قفل باب و نحو ذلك.

و في المعتبرة المتقدمة: «إذا دخل عليك رجل يريد أهلك و مالك فابدره بالضربة إن استطعت، فان اللص محارب للّه و لرسوله».

نعم، مقتضاها كمقتضى غيرها انّه لا يعتبر مع قصده التعدي العلم، بأنّه ان لم يبدره لنال منه أو من اهله و ماله بل يكفي في ذلك احتمال نيله، و مع ذلك لا يبعد عدم اعتبار إحراز قصد التعدي فيما إذا كان المدفوع لصّا أو محاربا لبعض الإطلاقات المشار إليها.

و على كلّ تقدير فللمالك أن يمنع عن الدخول الى داره، فانّ الدخول فيها بنفسه تعدّو

عدوان، إلّا إذا أحرز أنّه مضطرّ الى الدخول لخوفه من سبع أو محارب أو سارق، حيث لا يكون دخوله فيها عدوانا.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ مع إدباره لا يكون ضربه أو جرحه أو قتله دفاعا، و لو ضربه و عطّله بحيث لا يتمكّن من إضراره لا يجوز ان يدنف عليه أي يجهّز عليه، و يترتّب انّه لو ضربه مقبلا فقطع يده فلا ضمان على الضارب لا في قطعه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 463

و لو ضربه مقبلا فقطع يده فلا ضمان على الضارب في الجرح و لا في السراية، و لو ولى فضربه أخرى فالثانية مضمونة، فان اندملت فالقصاص في الثانية و لو اندملت الاولى و سرت الثانية ثبت القصاص في النفس، و لو سرتا فالّذي يقتضيه المذهب ثبوت القصاص بعد ردّ نصف الدية (1).

______________________________

و لا في سراية جرحه بكونه للدفاع، و لكن لو ولّى فضربه ثانيا و قطع يده الأخرى تكون الثانية مضمونة لأنّها عدوان.

و على ذلك فان اندملت الثانية فالقصاص على الضارب في القطع الثاني، و لو اندملت الاولى و لم تندمل الثانية بل سرت و مات المقطوع ثبت على الضارب القصاص في النفس، على ما تقدم في بحث سراية الجرح.

و لكن المحكي عن الشيخ سقوط السراية عن الحكم، بل يتعلّق بالضارب المزبور القصاص في قطع يده أو يأخذ المقطوع نصف الدية يعني دية يده المقطوعة ثانيا، و ما ذكر قدّس سرّه خلاف ما بنوا عليه الأصحاب، أي المشهور انّ الجرح إذا سرى يسقط عن الحكم و يثبت قصاص النفس.

(1) ما ذكر الماتن قدّس سرّه مبني على القاعدة المذكورة في القتل، من أنّه إذا استند الى سببين، أحدهما مضمون و الآخر غير

مضمون، يثبت لأولياء المقتول حق القصاص من القاتل بعد ردّ نصف الدية عليه، و لكن ما تقدّم عن الشيخ قدّس سرّه من سقوط حكم السراية في الفرض ثبوت القصاص في اليد المقطوعة ثانية أو أخذ نصف الدية.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 464

و لو قطع يده مقبلا و رجله مدبرا ثم يده مقبلا ثم سرى الجميع، قال في المبسوط: عليه ثلث الدية إن تراضيا بالدية و ان أراد الولي القصاص جاز بعد ردّ ثلثي الدية، و أمّا لو قطع يده ثم رجله مقبلا و يده الأخرى مدبرا و سرى الجميع فان توافقا على الدية فنصف الدية و ان طلب القصاص ردّ نصف الدية، و الفرق أنّ الجرحين هنا تواليا فجرى مجري الجرح الواحد و ليس كذلك في الاولى.

و في الفرق عندي ضعف و الأقرب أنّ الأولى كالثانية، لأن جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية، كما لو قطع يده و أخر رجله ثم قطع الأوّل يده الأخرى فمع السراية هما سواء في القصاص و الدية.

______________________________

ثم نقل الماتن قدّس سرّه عن الشيخ قدّس سرّه فرعين ذكرهما في المبسوط.

الأوّل: أنّه لو قطع يده مقبلا و رجله مدبرا ثمّ يده مقبلا ثمّ سرى الجميع أنّ على القاطع ثلث الدية أن تراضيا على الدية، و ان أراد الولي القصاص جاز بعد ردّ ثلثي الدية على القاطع.

أقول: و كأنّ الدية توزع على عدد الجناية و الفرض أنّ الاثنين منها غير مضمونان، و لكن مقتضى ما تقدّم منه قدّس سرّه من سقوط حكم السراية أن يكون على القاطع القصاص في الرجل أو أخذ نصف الدية أو ثلثها.

و الثاني: إذا قطع يده ثم رجله مقبلا فأدبر و قطع الدافع يده الأخرى في حال

إدباره و سرى الجميع، فان توافقا على الدية فعلى القاطع نصف الدية للنفس، و إن أراد أولياء المدفوع القصاص ردّوا على الدافع نصف الدية.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 465

[مسائل من هذا الباب]

اشارة

مسائل من هذا الباب.

[الاولى: لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه من ينال دون الجماع]

الاولى: لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه من ينال دون الجماع فله دفعه (1)، و ان أتى الدفع عليه فهو هدر.

______________________________

و ذكر في الفرق بين الفرعين أنّ الجرح غير المضمون على الدافع في الأول اثنان و المضمون جرح واحد، حيث إنّ الفصل بين الجرحين الأول و الثالث بالجرح المضمون يوجب تقسيط الدية إلى الأسباب الثلاثة بخلاف الفرع الثاني، حيث إنّ الجرحين غير المضمونين حيث تعاقبا يعدّان جرحا واحدا فيكون المضمون واحدا و غير المضمون واحدا فيقسط الدية بالمناصفة.

و لكن لا يخفى أنّ عدّ الجرحين واحدا أو متعددا انّما هو في فرض الاندمال، و أمّا مع السراية فيسقط حكم الجرح فان استند القتل الى سبب مضمون أو غير مضمون أو الى شخصين يقسط الثمن عليهما كان الجرح واحدا أو متعددا، و عليه يكون في الفرعين على الدافع نصف الدية مع مطالبتها أو القصاص مع ردّ نصف الدية عليه، على ما أشرنا إليه من القاعدة.

(1) و هذا بناء على ما تقدّم من جواز الدفاع أو وجوبه عن عرضه، سواء كان من ينال منهم بنحو القهر و الإكراه عليهم أو بغيره، و لو ادّى الدفع الى قتل المتعدي كان دمه هدرا إذا توقّف الدفع عليه على ما تقدم، و التقييد بغير الجماع لما تقدّم من أن المشهور على جواز القتل عنده.

نعم، لو كان ذلك بغير زوجته و أمته و غير ولده و بنته و سائر أرحامه ممّن يحسب التعدي عليه من التعدي على عرضه، ففي الالتزام بوجوبه بل جوازه

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 466

..........

______________________________

حتّى ما لو أدّى الدفع الى جرح المتعدي أو قتله تأمّل، و لكن الأظهر الجواز بل الوجوب

إذا انطبق عليه عنوان الدفاع عن عرض المؤمن، كما إذا استغاث صاحب العرض، كما هو مقتضى قوله عليه السّلام: «من سمع مناديا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»، و عونك الضعيف من أفضل الصدقة.

نعم، هذا مع الظنّ بالسلامة، و إذا لم يصدق عليه عنوان الدفاع عن عرض المؤمن، كما إذا كان النيل بغير الإكراه و القهر، فجواز القتل بل ما دونه من الجرح فضلا عن وجوبه لم يثبت، حيث إنّ الفرض يدخل في عنوان منع الغير عن المنكر، فجوازه بأيّ مرتبة من كلّ أحد فضلا عن وجوبه لا دليل عليه.

و على الجملة، لا تأمّل في جواز دفاع المكلف عن عرضه بل عرض أخيه المؤمن، فإنّ الدفاع عن المال إذا كان أمرا جائزا يكون الدفاع عن العرض اولى بالجواز، بل ذكرنا وجوب ذلك مع ظنّ السلامة حتّى إذا كان العرض عرض أخيه المؤمن، مع أنّ قوله عليه السّلام: «من قتل دون مظلمته فهو شهيد»، يشمل دفاع الإنسان عن عرضه و لو مع احتمال تلفه، فيكون مقتضى الشمول جوازه، كما يكون مقتضى ما ورد في هدر دم المعتدي عدم ضمان الدافع، و التعدي على العرض المفروض في المقام أشدّ من التعدي في الاطلاع على داره الوارد فيه جواز الدفاع و نفي الضمان.

و لكن هذا كلّه بينه و بين ربّه، و أمّا إذا ادّعى ورثة المدفوع قتل مورّثهم عدوانا أو ادّعى المدفوع الجناية عليه عدوانا، فعلى الدافع إثبات ان القتل أو

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 467

[الثانية: من اطلع على قوم فلهم زجره]

الثانية: من اطلع على قوم فلهم زجره (1)، فلو أصرّ فرموه بحصاة أو عود فجنى ذلك عليه كانت الجناية هدرا، و لو بادر من غير زجر ضمن، و لو

كان

______________________________

الجرح كان دفاعا عن نفسه أو عرضه أو ماله أو إجابة لدعوة أخيه المظلوم الى الدفاع عن عرضه أو نفسه، و مع عدم تمكّنه من الإثبات بوجه يكون عليه القصاص كما هو ميزان القضاء في المرافعات.

(1) زجره فيما احتمل أنّ اطّلاعه ليس لغرض التتبّع من عوراتهم أمر لازم، و أمّا إذا أحرز أنّ غرضه التتبع منها فلان الزجر أدنى مرتبة من الدفاع عن العرض و لو أصرّ بعد ذلك فجواز الرمي بحصاة أو عود أو غيرهما مع اختيار الأسهل فالأسهل بلا كلام فان اتفق بذلك الجناية عليه كانت الجناية هدرا، و قد تقدّم أنّ مقتضى الإطلاق في بعض الروايات عدم لزوم رعاية الترتيب بين الأسهل فالأسهل، كما في الدفاع عن تعدّي المحارب و اللّص.

و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «عورة المؤمن على المؤمن حرام، و من اطّلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحة للمؤمن في تلك الحال، و من دمر على مؤمن بغير اذنه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحال» «1».

و في موثقة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اطلع رجل على النبي من الجريد، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: لو أعلم انّك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتّى افقأ به عينك، قال: فقلت له: و ذاك لنا، فقال: ويحك أو ويلك،

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2: 49.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 468

المطلع رحما لنساء صاحب المنزل اقتصر على زجره، و لو رماه و الحال هذه

______________________________

أقول لك: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعل و تقول ذاك لنا» «1».

و في صحيحة الحلبي، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، و من اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له» «2».

و أمّا ما ورد فيه جواز قتله، و هو خبر العلاء بن الفضيل، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلل شي ء لهم فرموه، فاصبوه فقتلوه، أو فقؤا عينه فليس عليهم غرم» «3»، لضعف سنده لا يمكن الاعتماد عليه، فانّ في سنده محمد بن سنان.

و أمّا ما ذكر الماتن قدّس سرّه من أنّه لو بادره من غير زجر ضمن، فلدعوى انصراف الأخبار المتقدمة من المبادرة من غير زجر، و قد تقدّم أنّ الزجر و الإنذار إذا احتمل أنّ اطّلاعه لغرض آخر غير تتبع عورات أهل الدار قطعي لغفلة أكثر الناس عن حرمة هذا الاطلاع، و لو جاز فقأ العيون بمجرد الاطلاع لم يبق لكثير من الناس عيونهم، و قد تقدّم في صحيحة الحلبي تقييد الاطلاع على قوم لينظر الى عوراتهم، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله للمطلع عليه: «لو اعلم انّك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص».

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب قصاص النفس، الحديث 4: 49.

(2) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب قصاص النفس، الحديث 7: 50.

(3) الوسائل: 19، الباب 25 من أبواب قصاص النفس، الحديث 6: 50.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 469

فجنى عليه ضمن (1)، و لو كان من النساء مجرّدة جاز زجره و رميه، لأنّه ليس للمحرم هذا الاطلاع.

[الثالثة: لو قتله في منزله فادعى أنّه أراد نفسه أو ماله و أنكر الورثة فأقام هو البيّنة]

الثالثة: لو قتله في منزله فادعى أنّه أراد نفسه أو ماله و أنكر الورثة فأقام هو البيّنة أنّ الداخل عليه كان

ذا سيف مشهور مقبلا على صاحب المنزل، كان ذلك علامة قاضية برجحان قول القاتل (2)، و يسقط الضمان.

______________________________

و أمّا إذا أحرز الغرض و انّ اطّلاعه عليهم لتتبع عوراتهم، فالوجه في اعتبار الزّجر في رميه بحجر و نحوه دعوى انصراف الاخبار الى صورة الاستمرار عليه بعد زجره، و لو بارتكاز قرينية، و لقد أعذر من أنذر.

(1) و ممّا ذكر يظهر الحال إذا كان المطّلع رحما لنساء أهل المنزل، فإنّه يقتصر على زجره و لو رماه و الحال هذه ضمن، لانصراف الأخبار الواردة عن اطلاعه على محارمه، إلّا إذا كان الحال بحيث لا يجوز للمحرم ايضا النظر، بحيث يكون رميه بعد زجره دفاعا عن العرض و منعه عن التلذذ و الريبة أو النظر إلى عين العورة.

(2) و قد يعلّل ذلك بأنّ علم الشاهد بقصد الداخل التعدي و القتل مما يتعذر غالبا، فيكتفي فيه بالقرائن الحالية، و شهر الداخل سلاحه مقبلا قرينة على قصد التعدي.

أقول: الظاهر أنّ هذا الفعل بنفسه موجب لهدر دم الداخل، حتّى و ان لم يعلم صاحب المنزل قصد الداخل قتله، بأن كان ذلك محتملا عنده، بحيث

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 470

..........

______________________________

لم يبادر الى قتله لا يتمكن بعده من الدفاع عن نفسه، فانّ هذا هو القدر المتيقن من قوله عليه السّلام في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن آبائه، قال: قال، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«من شهر سيفا فدمه هدر» «1».

و على ذلك فإن أقيمت البيّنة بدخوله دار الغير شاهرا سلاحه، فلورثة المقتول على القاتل يعني صاحب الدار دعوى علمه بعدم قصد الداخل التعدي و القتل، و إذا حلف على عدم علمه سقط دعوى القصاص عليه و يحكم بهدر دم الداخل.

و أمّا

إذا لم تقم البيّنة على دخول داره كذلك و لا بنحو التعدي، فعلى صاحب الدار إثبات دخوله على نحو التعدي، و أنّ قتله كان دفاعا عن عرضه أو نفسه أو ماله.

و يمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألني داود بن علي عن رجل كان يأتي بيت رجل فنهاه أن يأتي بيته فأبى أن يفعل فذهب الى السلطان، فقال السلطان: ان فعل فاقتله، قال:

فقتله فما ترى فيه، فقلت: أرى ان لا يقتله انّه ان استقام هذا ثم شاء أن يقول كلّ انسان لعدّوه دخل بيتي فقتلته» «2»، فانّ ظاهرها أنّ مع عدم ثبوت دعوى القاتل الدفاع عن عرضه يتعلّق به القود.

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 22 من أبواب قصاص النفس، الحديث 7: 44.

(2) الوسائل: 19، الباب 69 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3: 102.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 471

[الرابعة: للإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه]

الرابعة: للإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه، فلو تلفت بالدفع فلا ضمان (1).

[الخامسة: لو عضّ على يد انسان فانتزع المعضوض يده فندرت أسنان العاضّ]

الخامسة: لو عضّ على يد انسان فانتزع المعضوض يده فندرت أسنان العاضّ كانت هدرا (2)، و لو عدل الى تخليص نفسه بلكمه أو جرحه ان تعذّر

______________________________

(1) هذا، إذا توقف الدفع عليه بحيث لا يمكن الفرار منها، و ليست الدّابة كمن يدخل على الغير للتعدي عليه، و قد تقدّم جواز الدفاع حتّى مع التمكن من الفرار، حيث انّ فعل الدابة لا يعدّ تعديا كتعدي الإنسان على غيره.

و يمكن الاستدلال على عدم الضمان بصحيحة معلّى بن عثمان، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل غشيه رجل على دابة فأراد أن يطأه، فزجر الدابة فنفرت بصاحبها فطرحته، و كان جراحة أو غيرها، فقال: «ليس عليه ضمان و انما زجر عن نفسه و هي الجبار» «1».

فإنّه إذا لم يكن الضمان بالإضافة الى ما يصيب راكب الدابة فبالاضافة إلى الدابة بالأولوية، كما هو مقتضى التعليل ايضا.

(2) و هذا ايضا يدخل فيما تقدم من جواز الدفاع عن النفس و أنّ الدفاع إذا أدى الى إصابة المتعدي يكون ما يصيبه هدرا، و لذا لو كان الأمر بالعكس، بان كان المعضوض هو الظالم و قد عضه المظلوم ليرفع الظالم يده عنه فانتزع المعضوض يده فسقط أسنان العاض ضمن المعضوض، كسائر الجناية التي

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 37 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1: 206.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 472

التخلّص بالأخفّ جاز، و ان تعذّر جاز أن يبعجه بسكين أو خنجر، و متى قدر على التخلص بالأسهل فتخطّى إلى الأشق ضمن.

[السادسة: الزحفان العاديان يضمن كلّ منهما ما يجنيه على الآخر]

السادسة: الزحفان العاديان يضمن كلّ منهما ما يجنيه على الآخر (1)، و لو

______________________________

يوردها الظالم على الدافع عن نفسه و عرضه و ماله.

و لو اعتمد المعضوض في تخليص نفسه عن العاض الظالم

على لكمه، و هو الضرب باليد مع جمع الأصابع في الكف، و منه الملاكمة المعروفة، أو على جرحه، فمع تعذّر التخلّص بغيرهما من الأسهل جاز، و كذا لو توقّف التخلّص عنه على بعج العاضّ بسكين أو خنجر أي شقّ بطنه أو غيره بهما جاز و لا ضمان نعم، مهما أمكن التخلّص بالأسهل و تجاوز بأن اختار الأشقّ ضمن الجناية، و مع عدم التفاته إلى الأسهل، فالضمان بالإضافة إلى الدية خاصة، و لا يثبت للمتعدّي القصاص، لأنّ جناية الدافع مع عدم التفاته إلى الأسهل خطأ.

بل يمكن القول بعدم ضمان الدية أيضا إذا كان الدفع بما اختاره أمرا متعارفا في الدفاع عن العاضّ، حيث إنّ الظالم سقط احترامه بالإضافة الى ما يصيبه عادة في عضه الآخر عدوانا، كما يقتضيه ما دلّ على مشروعية الدفاع عن النفس و المال و العرض، فإنّ منصرفه الدفاع المتعارف و ما يختار عادة في دفع اعتدائه.

(1) لأنّ كلّا منهما متعدّ على الآخر فيحسب ما يورد على الآخر من

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 473

كفّ أحدهما فصال الآخر فقصد الكاف الدفع لم يكن عليه ضمان إذا اقتصر على ما يحصل به الدفع و الآخر يضمن، و لو تجارح اثنان و ادعى كل منهما الدفع عن نفسه حلف المنكر و ضمن الجارح (1).

______________________________

التلف جناية مضمونة، لعدم انطباق الدفاع على تعدّي كل منهما، و قد تقدم في معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من شهر سيفا فدمه هدر» «1»، و المفروض كون كلّ منهما كذلك.

نعم، لو كفّ أحدهما فصال الآخر لا يكون على الكاف ضمان بعد كفّه، إذا كان قصده الدفاع بخلاف الآخر

الصّال، فان جنايته تحسب تعدّيا.

(1) و ذلك لأنّ الجناية على الغير مضمونه إلّا إذا وقعت دفاعا، و الجناية في الفرض محرزة، و الأصل عدم كونها للدفاع فيحسب قول كلّ منهما أنّ جنايته كانت دفاعا من الدعوى على خصمه، و حلف خصمه بأنّ جنايته لم تكن دفاعا من حلف المنكر على نفي الدعوى فتكون نتيجة حلف كلّ منهما على نفي دعوى الآخر ثبوت الضمان على كلّ منهما في جنايته، إذا لم تكن لهما بينة على دعواهما كما هو الفرض.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

أسس الحدود و التعزيرات؛ ص: 473

و على ذلك فمع حلفهما يثبت على كلّ منهما الضمان في جنايته على الآخر، فان تماثلت الجنايتان تهاترتا، و ان اختلفتا ضمن كلّ منهما الجناية على الآخر، فان حلف أحدهما و نكل الآخر قيل: يسقط الضمان عن الحالف و يثبت

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 22 من أبواب قصاص النفس، الحديث 7: 44.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 474

[السابعة: إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات]

السابعة: إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات، فإن أكرهه قيل: كان ضامنا لديته (1)، و في هذا الفرض منافاة للمذهب و يتقدّر في

______________________________

على الناكل ضمان جنايته على الحالف، كما أنّه إذا نكلا يثبت الضمان على كل منهما، و قيل: انّه مع حلفهما يسقط الضمان عن كل منهما.

و لكن ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحلف في المقام من حلف المنكر على نفي دعوى المدّعي، حيث انّ ضمان كل منهما للآخر مقتضى الأصل، فيكون قول كلّ منهما كنت دافعا عن نفسي من الدعوى على الآخر لكونه مخالفا للأصل، و إذا لم تقم البيّنة

على دعواه يكون حلف الآخر على نفي دعواه من حلف المنكر لا من حلف المدعي على ثبوت دعواه نظير اليمين المردودة، و لذا يثبت مع حلفهما ضمان كل منهما الجناية على خصمه.

و ايضا يظهر أنّ سقوط الضمان عن الحالف و ثبوته على الناكل مبنيّ على أنّ مجرّد نكول المنكر عن اليمين على نفي دعوى المدعي يثبت الدعوى لمدعيه، و إلّا يحتاج سقوط الضمان عن الحالف الى اليمين المردودة بأن يحلف ثانيا أنّ جرحه خصمه كان للدفاع عن نفسه، كما يظهر أنّ مع نكول كل منهما عن الحلف بنفي دعوى خصمه و عن الحلف بدعواه يوجب ثبوت الضمان لسقوط الدعوى منهما بالامتناع عن اليمين المردودة.

(1) ذكر في بعض الكلمات أنّه إذا أمر الإمام أحدا بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات ذلك الشخص بالصعود إليها أو بالنزول إلى البئر، فإن كان في البين مجرّد الأمر فلا ضمان على الإمام، و لا على بيت المال لكون صعوده أو

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 475

نائبه، و لو كان ذلك لمصلحة عامّة كانت الدية في بيت المال، و ان لم يكرهه فلا دية أصلا.

______________________________

نزوله كان باختيار نفسه، و أمّا إذا كان بنحو الإكراه عليه كان الإمام ضامنا لديته، لأنّ الإكراه على فعل يتّفق به موت المكره- بالفتح- من موجبات ضمان الدية على المكره- بالكسر.

و ذكر الماتن قدّس سرّه أنّ هذا الفرض ينافي المذهب، حيث إنّ الإمام المعصوم لا يأمر من لا يتمكّن على الصعود أو النزول، و يترتب عليه موته فضلا عن الإكراه عليه.

أقول: المتعيّن الاعراض عن فرضه في الإمام المعصوم حتّى مع إمكان فرض الأمر منه، كما إذا فرض أنّ السائرين كانوا يمتنعون عن الصعود أو

النزول، لو لا الأمر به، حيث كان ابنه عليه السّلام أو أخاه فأمره مع علمه بالحال، حتّى ينبعث سائر الناس الى الصعود أو النزول لمصلحة ملزمة للمسلمين كالاشراف على عدوهم أو تهيئة الماء للعسكر لتقوّيهم على القتال و نحو ذلك، و الوجه في تعيّن الاعراض أنّ الامام عليه السّلام عالم بواقع أمره و بوظيفته في أمره و إكراهه.

نعم، ينبغي الكلام فيمن يتصدّى لأمر الدفاع، فإنّ الأمر و الإكراه يتصوّر منه مع عدم علمه بواقع الحال، و ينبغي أن يقال: انّه لو لم يكن في البين إلّا الأمر و النهي يكون صعود المالك و نزوله باختياره، فلا يتحقّق التسبيب خصوصا مع احتماله عدم التمكن على الصعود أو النزول، و ان أكرهه و كان إكراهه لمصلحة عامة يجب رعايتها يكون ديته على بيت المال، حيث إنّ

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 476

[الثامنة: إذا أدّب زوجته تأديبا مشروعا فماتت]

الثامنة: إذا أدّب زوجته تأديبا مشروعا فماتت، قال الشيخ: عليه ديتها لأنّه مشروط بالسلامة (1)، و فيه تردّد، لأنّه من جملة التعزيرات السائغة، و لو ضرب الصبي أبوه أو جدّه لأبيه فمات فعليه ديته في ماله.

______________________________

التسبيب الى هلاكه كان خطأ و بما أنّه كان لرعاية المصلحة العامة تكون الدية على بيت المال، و هذا فيما كان تصدّيه لأمر الدفاع شرعيا و إلّا كان الدية عليه.

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ الضرب بعنوان التأديب غير الضرب بعنوان التعزير و الحدّ، فإنّ التأديب فعل ما يترتّب عليه ارتداع المضروب عمّا فعل و لو كان ترتبا رجائيا بحيث يرجي عدم انقداح إرادته بالتكرار، فمع موت المضروب لا ينطبق على ضربه عنوان التأديب، حيث انّه فرع حياته بعد الضرب، غاية الأمر بما أنّ الضارب لم يكن قصده قتله

و لم يضرب بضرب قاتلة بل ترتّب عليه الموت اتفاقا يحسب القتل غير عمدي فعليه الدية في ماله.

نعم، لو كان الضرب بعنوان الحد و التعزير، و كان للضارب الولاية على ذلك فترتّب الهلاك على اجرائهما لا يوجب الضمان، فانّ من قتله الحدّ و التعزير دمه هدر على ما تقدم، و على ذلك فمع ترتب الهلاك اتفاقا على ضرب الطفل يثبت على ضاربه دية النفس، و كذا إذا أفسد الضرب سلامة الطفل بأن أوجب نقصا فيه.

و المشهور عند جماعة من الأصحاب على المنسوب إليهم أنّ ضرب الولي أو المأذون من قبله الطفل إن كان موجبا لما فيه الدية في غير الضرب للتأديب تثبت الدية في ضربه للتأديب أيضا، و إنّما الفرق بين الضربين في

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 477

..........

______________________________

الجواز و عدمه فلا يجوز الضرب لغير تأديبه و لو من وليّه، و يجوز ضربه للتأديب من وليّه أو المأذون من قبله، و لكن هذا محلّ تأمّل فيما كان الضرب من الولي و مأذونه بالمقدار المراعي فيه تأديبه ملازما له، حيث إنّ الدية عوض الجناية و الضرب المزبور المفروض جوازه و بعنوان تأديبه لا يعدّ جناية على الطفل.

ثم إنّه يقع الكلام في ضرب الزوجة لنشوزها، هل هو بعنوان التأديب كما في ضرب الصبي، أو بعنوان التعزير، اعطى الولاية بتعزيرها للزوج من نشوزها، و ظاهر الماتن قدّس سرّه أنّه من التعزير، حيث أورد على الشيخ قدّس سرّه في ضمان الزوج ديتها إذا اتفق موتها بالضرب بأنّ ضرب الزوج من التعزيرات المشروعة، و لكنّ الأظهر أنّه بعنوان التأديب، لظهور الآية المباركة الوارد فيها الترخيص في ضربهنّ في أنه لتاديبهنّ، بقرينة الأمر بوعظهن و هجرانهن في المضاجع و النهي

عن البغي عليهنّ بعد رجوعهنّ إلى الطاعة.

و على الجملة انطباق التأديب على التعزير بعضا غير قابل للإنكار لأنّهما ليسا من العناوين المتضادة، كما أنّهما ليسا بمترادفين، و الضرب إذا كان ثبوته بعنوان الحد أو التعزير فلا ضمان فيه، و يذهب دم من اتفق موته بأحدهما هدرا، بخلاف ما كان ثبوته بعنوان التأديب فانّ فيه ضمان كما تقدم، و إطلاق الأدب على التعزير في بعض الموارد باعتبار التعاقب و العناية لا يوجب كونهما بمعنى واحد.

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 478

[التاسعة: من به سلعة إذا أمر بقطعها فمات بذلك]

التاسعة: من به سلعة إذا أمر بقطعها فمات بذلك فلا دية على القاطع، و لو كان مولى عليه فالدية على القاطع ان كان وليا كالأب و الجد للأب، و ان كان أجنبيا ففي القود تردد، و الأشبه الدية في ماله لا القود، لأنّه لم يقصد القتل (1).

______________________________

ثم انّ ظاهر المتن كغيره أنّ ضرب الزوجة لنشوزها باتّفاق موتها لا يخرج عن الجواز، نظير اتفاق الموت بإقامة الحد و التعزير، و لكن الالتزام بالجواز مع اتفاقه إذا كان بعنوان التأديب كما ذكرنا محل تأمّل، و كذا الحال في ضرب الطفل للتأديب، فلا يجوز الضرب بنحو يحتمل ترتّب الموت عليه، بل الجائز ما أحرز بوجه معتبر عدم ترتّب هلاك المضروب.

(1) قد يقال بعدم ضمان من قطع السلعة أي العقدة المتكوّنة في رأس إنسان أو سائر جسده، إذا أمره بالقطع من به السلعة فاتّفق موته بقطعها، لأنّ القاطع كان محسنا و لا ضمان على المحسن، و فيه مع ترتّب هلاكه على قطعها لا يدخل القطع في الإحسان ليدّعى نفي الضمان لنفي السبيل على المحسن، نعم قاصد السلعة قصد الإحسان لا القتل و لم يكن قطعها مما يترتّب عليه الهلاك

عادة فيكون القتل خطأ شبه العمد.

و ربما يقال: أنّ أمر من به سلعة الغير بقطعها يوجب جواز القطع، و نفي الضمان، لأنّ الآمر يأمر بما يحتمل اتفاق موته به، و لكن لا يخفى غاية الأمر جواز الفعل لا نفي الضمان عن الموت المترتّب عليه بنحو الاتفاق.

و انتفاء الضمان يحتاج إلى أخذ البراءة ممّن به السلعة، و إذا أخذ القاطع البراءة من اتفاق الموت، نظير أخذ الطبيب البراءة من الضمان عن الولي

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 479

..........

______________________________

يمكن ان يقال بانتفاء الضمان لأنّ الولي الوارد في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه» يعمّ نفس المريض أو من به السلعة، فإنّ الشخص مع عدم قصوره بالصغر أو الجنون أو الإغماء وليّ نفسه.

و ربّما ادّعى استفادة نفي الضمان بأمره بالقطع من صحيحة زيد الشحام، حيث ورد فيها: «من كانت عنده أمانة فليؤدّها الى من ائتمنه عليها فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه»، و الوجه في هذه الدعوى زعم رجوع الاستثناء الى حلّ الدم و حلّ المال، و انّ المراد من حلّ الدم مثل هذا الأمر، و لكن لا يخفى رجوع الاستثناء الى عدم حلّ المال بل في المال ايضا لا يرتفع الضمان بمجرّد طيب النفس بالتصرف مطلقا.

نعم لا موجب للضمان في الإمساك بالأمانة المالكية بطيب نفس المالك به كما هو مورد الرواية، كما لا يحلّ التصرف بطيب نفس المالك إذا طاب نفسه في التصرف غير المشروع في المال كطيب نفسه بوطي الآخر بهيمته، و عليه فلا مورد لتوهّم الصحيحة بنفوذ رضا انسان و اذنه للغير في قطع عضوه كإحدى عينيه أو

كليتيه للترقيع للمريض، كما قد يتوهّمه بعض من يدّعي الفقاهة.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كان من به السلعة مولى عليه لصغره أو جنونه فقطع وليّه كالأب و الجد للأب السلعة فاتفق موته فيضمن الولي ديته، لأنّ غاية الأمر أن يقال بجواز الفعل على الولي و الجواز لا يرفع الضمان و لا يقاس بجواز

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 480

..........

______________________________

التعزير و اقامة الحدّ.

و امّا إذا قطعها الأجنبي و من ليس له الولاية عليه لا بالأصالة و لا بالاستئذان، فقد ذكر جماعة أنّ على القاطع القود إذا اتفق موته بذلك لحرمة الفعل عليه، و لكن الصحيح أنّ القاطع عليه الدية لعدم موجب للقصاص، حيث إنّ القاطع لم يقصد قتله و لا يكون قطعها مما يقتل به.

لا يقال: المشهور عند الأصحاب أنّ الجارح متعمدا يثبت عليه القصاص حتّى ما إذا كانت سراية الجرح اتفاقيا كما عليه الماتن ايضا، كما يأتي في بحث القصاص في موجباته، و عليه فالمفروض في المقام من سراية الجرح.

فإنّه يقال: القصاص في سراية الجرح حتّى فيما كانت أمرا اتفاقيا ما إذا كان الجرح بقصد الجناية لا بعنوان الإحسان أو العلاج، و المقام من قبيل الثاني.

نعم التعليل في عبارة الماتن: «الأشبه الدية في ماله لا القود لأنّه لم يقصد القتل» عليل، حيث أشرنا إلى انّه لا يعتبر في القصاص من سراية الجرح كونه بقصد القتل حتّى فيما كانت سرايته أمرا اتفاقيا، هذا على ما ذكر المشهور، و لكن يأتي في بحث موجبات القصاص أنّ سراية الجرح أيضا إذا كانت اتفاقية كاتفاق الموت بالضرب في أنّه مع عدم قصد القتل يثبت على القاتل الدية في ماله.

و ينبغي التعرض في المقام لطبابة الطبيب من حيث

التكليف و الوضع يعني الضمان، فنقول: إن كانت طبابته بعمليّة جراحية مع احتماله أن تكون

أسس الحدود و التعزيرات، ص: 481

..........

______________________________

العملية موجبة لموته أو التعجيل فيه لم تجز.

نعم إذا كان محرزا بوجه معتبر انّ علاج مرضه المهلك يتوقف على العملية المزبورة المحتمل الشفاء بها أو التسرع الى موته، فلا يبعد جوازها إذا طلبها المريض أو وليه، بل بدون الطلب ايضا مع عدم الولي، لدوران الأمر في العملية المفروض بين كونها انقاذا للنفس من الهلاكة أو التسرع بها الى موته، و تعدّ عرفا من رعاية الأهم، نعم الجواز لا يمنع عن الضمان إلّا أن يأخذ البراءة من الولي.

و أمّا توصيف الدواء مع إحراز الداء بوجه معتبر، فمع احتمال الشفاء باستعمال الدواء الموصوف فلا بأس به، حتى مع احتماله ان استعمال المريض يمكن أن يوجب موته أو الضرر الآخر أو التسبيب الى التسريع الى موته.

غاية الأمر الجواز مع بيان الحال للمريض أو وليّه إذا كان كذلك، حيث إنّه مع بيان الحال لا يكون توصيفه من التسبيب الى موته أو التسرّع الى موته أو لضرر آخر غير الموت.

و أمّا التوصيف بدون البيان انّما يجوز إذا علم أو اطمئنّ عدم ترتّب الموت أو غيره من الضرر غير العادي على استعمال الدواء المزبور، و على كلّ إذا اتفق الموت أو غيره من الضرر غير العادي يضمن الطبيب إلّا مع أخذ البراءة.

هذا آخر ما أردنا من المباحث الواردة في كتاب الحدود و الحمد للّه أوّلا و آخرا.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، أسس الحدود و التعزيرات، در يك جلد، دفتر مؤلف، قم - ايران، اول، 1417 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.